حيثما يسود التطرّف، يغيب الله. يمسي الله إله القبيلة، لا ربّ العالمين، طوطمها الذي يحميها من أبناء القبائل الأخرى ويحصّنها في برجها العاجي. يصبح الله “ماركة مسجلة” لفئة من دون أخرى. لا يحضر إلا في عباداتها ولا يلبي دعوات سواها. هو مجرد موظف، متأهب دائماً لتنفيذ رغباتها. وعوضاً عن المحبّة والرحمة يحلّ الكره والقسوة في الكلام على علاقة الله بالخليقة. هي “الفرقة الناجية” وحدها التي تدخل الجنّة، بينما يذهب مَن لا يعتنق مبادئها إلى النار الأبدية. هل يمكن اختزال الإله العظيم إلى إله صغير مكتفٍ بفرقة واحدة دينية أو مذهبية أو قومية؟
ظاهرة التطرّف لا تقتصر على التمييز ما بين أبناء ديانة وأخرى فحسب، بل تصل إلى التمييز في الديانة الواحدة ما بين أبناء طائفة وأخرى ومذهب وآخر. أما الطامة الكبرى فحين يصل التمييز ما بين أبناء الطائفة الواحدة على أساس الإخلاص الكلّي لمعتقدات البعض فيها ونبذ كل مَن يخالفها.
يبدأ التطرّف الديني لدى أصحابه من التماهي التام بين ما هو جوهري وما هو حادث. ففيما لا يجوز اعتبار الإيمان بعقيدة التوحيد في مستوى واحد مع ما هو موروث ثقافي أو اجتماعي، نرى مَن ينهج نهج التطرّف يضعهما في مستوى واحد، ويصل إلى تكفير كل مَن لا يشاطره الرأي، منصّباً نفسه ديّاناً على الناس. والويل لمَن يلجأ إلى الحرية التي تتيحها الديانات وفق أصولها كي يجتهد في أمر من الأمور الحادثة في التاريخ، فيصبح زنديقاً خارجاً عن الجماعة يستحقّ الإقصاء والحُرم والنبذ. إمّا أن يكون المرء نسخة طبق الأصل عن شريكه في الإيمان، أصولاً وفروعاً ونوافل، وإما يُحكم عليه بالمروق والجحود والضلالة. التنوّع مع الوحدة ممنوع.
في الواقع يعبّر التطرّف عن أزمة الخطاب الديني المعاصر. فهذا الخطاب المتأزّم، الذي يهاب المعرفة ويبتعد عنها متّخذًا الجهل سلاحاً ماضياً، يجد راحته في تعميم الغرائز على حساب الفكر الدينيّ السليم. والجهل هو الطريق الأسهل للسيطرة على قلوب العامة وأفئدتهم، والمعرفة قد تشكّل خطراً على مَن يريد الهيمنة على قومه. ليست المشكلة في العامة التي تنقاد بقلب صافٍ إلى ما يقوله ويفعله القادة الدينيون، بل المشكلة في الأفكار التي يروّجها هؤلاء القادة في خطابهم الديني. وهذا الخطاب يتوسّل الاستعلاء على كل ما يخالفه، وبخاصة حين يكون الخوف من الآخر المختلف حافزاً إضافياً للتزمّت والانغلاق على الذات.
التطرّف يسهم في تغييب الله، ذلك أنه يختزل “الديني” إلى “الإيديولوجي” الذي يطمح إلى أن يكون توتاليتارياً شمولياً. هكذا تفقد الديانات أبعادها الروحية والأخلاقية لينتصر البعد الإقصائي لكل ما لا يوافق أفكارها ومعتقداتها. فتتحوّل هذه الديانات ذات الرسالات العالمية، إذذاك، ويا للمفارقة، إلى فرق منعزلة، إلى “غيتوات” منغلقة على ذاتها.
لا يقتصر التطرّف على ديانة من دون أخرى، ولا على مذهب واحد أو طائفة واحدة. الله ليس أسير أحد، فلماذا يتوهّم أصحاب التطرّف أن الله لهم من دون سواهم؟ في كل حال هذا لا ينفي مسؤولية رجال الدين عن انتشار التطرّف، ومسؤوليتهم عن القضاء عليه.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟
١: بداية نهنئكم والعالم المسيحي بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية المجيدة ، وخاصة المشردين والمهجرين في العراق وسوريا ومن كافة الطوائف والأديان لأنهم يستحقون من كل الخيرين والمتنورين أكثر من كلام وتعزية ، وهذه هى رسالة من يدعي ألايمان برب العالمين ؟
٢: كلامك في الصميم وفي مقتل لكل ذي متنور عقل وضمير ، والحمد لله هم اليوم في إزدياد بفضل بعض الشجعان من العلمانيين ورجال الدين وألاكثر بفضل العم كوكل وخواته ، لفضح حقيقية المتاجرين بدين الشياطين لأنه من الإستحالة حجب الحقيقة بغربال الشيوخ المنافقين ، رغم فضحها سابقا من قبل الكثيرين الذين قدموا حياتهم ثمنا لها وقرابين ؟
٣: ماذكرته هو ماقام به تماماً رسول المسلمين حيث إختزل في أكبر أصنام الكعبة رب العالمين وألبسه جبته ولغته وأمراضه بعد أن أزاح باقي ألأصنام من حوله ووضع نفسه مكانها ، بدليل لاتقبل شهادة المسلم إلا بإشراك محمد مع ألله ، وكم من البشر قتل بسبب هذا الشهادة ، والمصيبة أنهم يتهمون ألاخرين بالشرك وهم أول الكافرين ؟
٤: صبغة التطرف والعنصرية لم تخلوا منها بقية ألاقوام وألأديان ولكن مصيبة المسلمين أنها من جوهر دينهم وتراثهم خاصة العرب منهم وديدن نبيهم قولا وفعلا ، بينما ألاقوام وألاديان ألاخرى إعترفوا بأخطائهم وعالجوها بدليل ليس فصل الدين عن السياسة بل أيضاً ألانفتاح على ألاخرين والسماح لهم بالهجرة إلى بلدانهم ومن ثم تعميم قيم ألإنسانية وليس قيمهم ومعتقداتهم ؟
٥: وأخيرا … ؟
الحقيقة المرة تقول أن العلاج للمسلمين إلا بترك هذا الدين أو بشطب 166 أية يستحيل أن تكون من رب العالمين ، والمصيبة ألأكبر كثرة السذج والمغفلين الطيبين ونفاق أهل السياسة ودجل رجال الدين بدأ من القرضاوي وجودي غنيم وبقية شلة المجرمين الذين يدعون عبادة ألله زوجها وبهتانا ، سلام ؟