ميشيل كيلو: السفير اللبنانية
كما كنت اتوقع، أتت ردود كثيرة جداً على مقالتي في «السفير»، التي قلت فيها: ان البديل الإسلامي لن يكون ديموقراطيا. الغريب ان أيا منها لم يتضمن كلمة واحدة عن السؤالين اللذين طرحتهما وهما: في الوضع الراهن، وفي ظل الانزياح الذي احدثته سياسات بعض الإسلاميين عبر ما سمي «المجلس الوطني السوري»، هل كل قائل بسقوط او إسقاط بشار الأسد ثوري وديموقراطي؟ وهل يجب ان نضع يدنا في يده لمجرد انه عدو عدونا؟ كما لم يرد أحد أيضاً على تخوفي من ان يكون سقوط النظام مجرد مرحلة في الأزمة السورية، التي خشيت منذ أكثر من عام ونصف من ان تأخذنا إلى حال من الفوضى تجعل سوريا غير قابلة للحكم لفترة طويلة. وقلت منذ ذلك التاريخ مرات متعددة: إذا كان الخليج وإسرائيل لا يريدان الديموقراطية، وكان قسم من الخليج يخاف الحكم الإخواني، بينما يحبذه قسم آخر، اغرقه بالمال السياسي والسلاح وقلة العقل، هل سيسمح هؤلاء بإقامة ما يرفضونه؟ أليس من الأفضل لهم شطب سوريا من خريطة المنطقة وعلاقات القوى فيها ومنعها من استعادة وضعها الطبيعي، خاصة ان جاء كل ذلك على يد نظام ديموقراطي يهدد وجودهم ووجود إسرائيل، ويمكن ان يعيد طرح جميع المسائل الكبرى والخطيرة، التي سبق ان طرحتها ثورة قومية فعلوا المستحيل كي يقضوا عليها ونجحوا؟
جاء الرد من جهات مختلفة، اشدها سخفا وتفاهة تلك الجهة التي لم تعلن عن نفسها، وزعمت انني أدنت ما يقوم به الجيش الحر، وقلت انه يدفع البلاد نحو الحرب الأهلية. هذه الجهة استعادت من ارشيفها كلاما مشوها نسب إلي بعد قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب بتسليح وتمويل المقاومة ردا على الفيتو الروسي الثاني في مجلس الأمن، وكذبته بكل وضوح في حينه، لكنه زور من جديد ما كنت قد قلته حول ان الجيش الحر لا يريد حربا غير متكافئة مع النظام، بسبب تفاوت الأعداد بين الجيش النظامي وبينه، وانه سيستعين بمئات آلاف المدافعين عن أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، وانني سأفعل شخصيا كل ما هو ضروري كي لا يهزم، لان ذلك لن يعني فقط هزيمة المعارضة، التي صار قوتها الرئيسة على الأرض، وانما كذلك كارثة ستحل بأقسام كبيرة من الشعب السوري. واكدت في النهاية ان مصير الوطن والشعب والحرية يرتبط بمقاومة وانتصار الشعب والجيش الحر، مهما كانت ملاحظاتنا عليهما. تحاول هذه الجهة تحريض الجيش الحر ضدي، كأن معظمه يحترمها او لا يشاطرني الرأي حولها. والغريب انها تقدم نفسها للناس كجهة مؤمنة وتحتكر التحدث باسم الدين، لكنها تكذب على الطالعة والنازلة، وكنت قد ذكرتها في مقالتي عندما تحدثت عن «جهات إسلامية تحترف الكذب وتقتلها الرغبة في السلطة» (كان يجب ان اقول التسلط).
لا ديموقراطية وإسلامية معا
وقد رد عليّ صديق قديم من حلب انتقد موقفي المناوئ للإسلام والثقافة العربية/ الإسلامية، وذكرني بأنني كنت دوما أحد رموزها والرجل الذي احترمه الإسلاميون. هذا الصديق، حدثني أيضاً عن زيارة قام بها مع لفيف من انصاره إلى بيتي في دمشق العام 2009، بعد خروجي من السجن، حيث هنأني بالسلامة ولامني لأنني رفضت عرضا قدمه لي بشأن تشكيل خلية أزمة لإدارة الصراع ضد النظام. كما أشاد بتقديري للأمور، وقال انني اخبرته ومن معه ان الدم سيصل إلى الركب عند قيام الثورة في سوريا، وان ما حدث في تونس ومصر لن يتكرر عندنا. وقد رددت عبر البريد الالكتروني على هذا الصديق، وأكدت له ان المساواة التي يقيمها بين الإسلام والثقافة العربية الإسلامية وبين ما يقوله هو وبقية اتباع الإسلام السياسي يؤكد مخاوفي من ان لا تصير سوريا ديموقراطية في ظل البديل الإسلامي، وذكرته بالفارق الكبير بين الدين وقراءاته السياسية، خاصة عندما تكون عصبوية ومؤدلجة وموجهة ضد الآخرين، ولفتت نظره إلى انني اركز في مقالتي على نفي صفة الثورية عن المطالبين بسقوط بشار الأسد، ان كانوا سيعيدون انتاج الاستبداد في صيغ جديدة، موسعة وذات طابع مقدس، وانني لست مستعدا اليوم للدخول في تنظيم فضفاض يسيطرون عليه كالائتلاف الوطني السوري، فلا يعقل ان اقبل بتشكيل خلية أزمة معهم، كما لم يكن معقولا ان اقبل مشروعه لاسباب كثيرة، بينها ان رأيه يختلف عن رأيي في قضايا جوهرية، رغم اننا ننتمي كلانا إلى معارضة لم تتفق على شيء إلا وَقَوَّضَهُ «الإخوانيون»، منذ بدأ رقصهم الحائر حول دور، وتركوا ولم يتركوا اعلان دمشق كي ينضموا ولا ينضموا إلى الأستاذ خدام، قبل ان يغيروا رأيهم بالنظام ويكتشفوا بعد حرب غزة انه وطني ومقاوم ويعرضوا عليه شراكة استراتيجية كان من شأنها ان تضعهم اليوم في صفوف شبيحته، لو انه قبل آنذاك بها. اقول اليوم انني لست مستعدا للاتفاق مع كل من يزعم انه يريد اسقاط نظام الأسد، فتقول أنت لي انني رفضت الانخراط في خلية أزمة عام 2009، كان سيترتب على قيامها وضع مواقفي تحت رحمة أشخاص لا اعرف كثيرين منهم او لا اثق بقدرتهم على فهم ما يجري، لانطلاقهم من مواقف مؤدلجة لا صلة لها مع الواقع، تجعلهم غريبين عن العقلانية السياسية المطلوبة لسوريا في تلك الفترة.
أقبل أن يعلمني الآخرون
كما تصدى لمقالتي مناضل قديم سجن سنوات طويلة عندما كان عضوا في «حزب العمل الشيوعي»، أراد تصحيح كلامي وتصويبه، وذكر انه كان من الأفضل لو انني قلت: «البديل الديموقراطي لن يكون إسلاميا»، بدل القول «البديل الإسلامي لن يكون ديموقراطيا». أما السبب الذي دفعه إلى انتقادي على هذه الغلطة، فهو عدم وجود بديل إسلامي، والبرهان على ذلك جَلِيٌّ في ما قالته مقالتي حول خطورة اختلاف تيارات الإسلام السياسي، المسلحة منها وغير المسلحة، على البديل الإسلامي، فهذا الاختلاف يعني إقراري الضمني بعدم وجود بديل إسلامي. الحقيقة انني لم افهم ما يريده الأخ العزيز، ولا شك عندي في انه يعرف تمام المعرفة بوجود اختلافات وتيارات حول الديموقراطية، ومع ذلك فإنه ينصحني باستخدام كلمة البديل الديموقراطي. كما يعلم انني كنت أتحدث عن البديل الديموقراطي وعلاقته بالإسلام، وإلا لاختلف كلامي اختلافا كبيراً عن ما قلته في مقالتي. أخيراً، للأخ الكريم ان يؤمن بما يشاء، وان يكتب مقالة تنتقد وجهات نظري بالطريقة التي يريدها، لكنه لا جدوى من وضع نفسه مكاني لتصحيح ما اعوج من كلماتي وأفكاري. أنا اقبل ان يعلمني الآخرون، لكن التعليم شيء والتعالم شيء آخر، خاصة إن كانت حججهم على هذا القدر من الضعف، إن كان لديهم حجج أصلا في النهاية. قابلت شبانا إسلاميين في ندوة «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في الدوحة، اتفقوا معي في معظم ما قلته، لكنهم أخذوا عليّ التعميم فيه، ووضع جميع الإسلاميين في سلة واحدة. كما انتقدوا قولي إن السيدات الثلاث اللواتي عينهن المجلس الوطني فيه آتيات من العصر الحجري. خلال الحوار معهم، وكان ودياً جداً وصريحاً، قلت: انني تحدثت عن «جهات إسلامية» حصرتها في «تلك التي تتقن الكذب وتتهافت على السلطة»، ولم أعمم، فنفوا ان تكون المقالة قد قصدت هؤلاء، لكن حسن الحظ ساق إلينا رجلا يحفظ النص على «آي باده»، عندئذ، انتقلنا إلى «العصر الحجري»، فقلت شارحا موقفي: انتم تعلمون ان «المجلس الوطني» لم ينتخب في دورته الأخيرة أي امرأة، وانني كنت من الذين انتقدوا ذلك ولفتوا الأنظار إلى تضحيات المرأة السورية التي تفوق أي وصف، وان من عينوا السيدات الثلاث بقرار لاحق لم يفكروا بالمرأة بل بنمط معين منها يتكون من نسائهم او من اللواتي ينتمين مثلهم إلى العصر الحجري، والدليل اختيارهم سيدات منقبات لأنهن منقبات، أي لان عقولهن مليئة بما يخدم نظرات هؤلاء ومعاييرهم، وليس لانها مليئة بما يخدم المرأة السورية، خاصة المسلمة منها، التي تَنَقَّبَ وتَحَجَّبَ قسمٌ منها، ولم يفعل ذلك قسم آخر نجده مثلا بين القرويات اللواتي يعانين الامرين من بطش النظام، وصرن يظهرن بكثافة على التلفاز ويتحدثن بجرأة ودقة عن الواقع السوري، بما في ذلك السياسي منه، لكن من عَيَّنَهُنَّ ممثلاتٍ للمرأة لا يرى ضرورة لان يتمثلن في مجلسهم الذي يريدونه وطنيا، وجاؤونا بسيدات يعبرن عن عقلهم الباقي في العصر الحجري.
لم يقتنع قسم من الشباب بهذا الكلام، ولفتوا نظري إلى الاستغلال التحريضي الذي يمارس ضدي بسبب هذا الوصف، الذي يعممونه ويزعمون ان ما قصدته به هو الإسلام وثقافته. قلت ان هؤلاء لا يردون على كتاباتي بغير التزوير، الذي ذكرت نمطا منه في مقدمة هذا النص، والتحريض بزعم انني لست خصمهم بل عدو الإسلام والثقافة الإسلامية.
هل أنا حقا ضد الإسلام وثقافته؟ اعتقد انه سيكون من الصعب على خصومي اثبات حرف واحد مما يزعمونه، ليس فقط لانني لعبت دوراً مفتاحيا في عودة «الاخوان المسلمين» إلى السياسة السورية بدءاً من العام 2001، بل كذلك لانني اعتبر سيدي ومولاي محمد بن عبد الله جدي وأرى في نفسي واحداً من أحفاده. اما النسوة اللواتي قلت إنهن من العصر الحجري، فأنا لا اعتبرهن ممثلات للمرأة السورية، حتى ان كن من العصر التكنوتروني، فإن اثبتت اعمالهن ومواقفهن انني كنت مخطئا، تقدمت منهن باعتذار علني وامتلأت نفسي بالاعتزاز بهن وبدورهن، سواء كن منقبات أم سافرات. ولعلم من لا يعلمون: أنا من الذين يؤمنون ان المرأة يجب ان تحدد مواقفها انطلاقا من العقل الذي في رأسها، وانها تغلط كثيرا بحق نفسها وبنات جنسها ان سمحت لأحد بإقناعها او إجبارها على تحديده بدلالة ما تضعه على وجهها!.