علي الكاش مفكر وكاتب عراقي
((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)). (سورة هود/117).
غالبا ما يتبجح النواب والوزراء وبقية المسوؤلين من شيعة السلطة بتسمية الحكومة بـ (حكومة أتباع آل البيت) موحين للبعض غير العارف ببواطن الأمور بأنهم يتبعون مذهب وفقه وحكمة أئمتهم، ونفس الأمر فيما يتعلق بجيش الإعلام الذي ألفه المالكي وهو يتضمن (5000) من الإعلاميين وأشباه الإعلاميين والمعلقين على المقالات ممن باعوا ضمائرهم مقابل اجر. في بادئ الأمر كنا نفاجئ من كثرة التعليقات المضادة للمقالات التي تنتقد حكومة الفساد والعملية السياسية الفاشلة، ومن زكاها و باركها، وبعض الردود يصل الإسفاف فيها لدرجة السب والشتم والتكفير والتخوين، ليس على كاتب المقال فحسب بل على أهله وفصله وعشيرته بكلمات بذيئة يعافها اللسان الحر، ولا يمكن أن يتفوه بها من تربى في بيئة شريفة أو عرف ما هو الإسلام، أو على أقل تقدير الإلتزام بأدب الحوار، ولكننا لكم نستغرب ذلك لأن ثقافة من يدعون أتباع آل البيت قائمة على اللعن والسب والشتيمة، وغالبا ما يوجعنا عدم ردٌ القراء الأفاضل الواعين والمثقفين على السبابيين إلا بعد أن تبين أن الغوغاء هم موظفون في جيش جودي المالكي الألكتروني ويتقاضون رواتب عن كل شتيمة ومسبة تنهال علينا، لذا من الصعب التصدي لغزارة شتائمهم حتى لو إحتميت بمظلة التعقل والمنطق والأنصاف.
مع إن تسمية حكومة أتباع آل البيت تسمية تخالف الواقع تماما، بسبب الفساد الحكومي الذي بلغ مؤشر عالمي لا ينافس فيه العراق إلا بضعة دول لا تزيد عن إثنين أو ثلاث، ولكن من العجب إنه لا العراقيون من الشيعة ولا مرجعية النجف إعترضت على هذه التسمية الخرقاء، بل على العكس فأن الطرفين لايزالا متمسكين بدعم الحكومة رغم فسادها بحجة نصرة المذهب والمحافظة على المكتسبات التي حقهها الشيعة، والحقيقة إن عموم الشيعة لم يحصلوا على أي مكتسبات مادية أو معنوية، المكتسبات حققها شيعة السلطة والمرجعية فقط، أم عموم الشيعة فأن الحال أسوأ عليهم مما سبق وخرجوا من المولد الأمريكي بلا حمص.
أما من الناحية المعنوية فقد أثبت شيعة السلطة بأنهم ربما يصلحون للطم والنحيب والتطبير ولكنهم لا يصلحون لإدارة الدولة، وإنهم أسأءوا لآل البيت إساءة كبيرة خلال السنوات الماضية من حكمهم، وأن المظلومية التي كانوا يتشدقون بها في الماضي هاهم يمارسون أشدها في الوقت الحاضر لبقية الأطراف، علاوة على سياسة التهميش بحق غيرهم، أما مشاركة الجحوش من أهل السنة وبقية الأطراف الدينية والعرقية والمذهبية فقيمتهم لا تزيد عن قيمة قشرة البصل من وجهة نظر شيعة السلطة، فهم يستخدمونهم كحجج ويوهمون الآخرين بالمشاركة الوطنية، ولا هي مشاركة ولا هي وطنية.
في الآونة الأخيرة أميط اللثام على عدد من الفضائح التي لا يمكن لشعب واعي يحترم نفسه وله ذرة من الكرامة أن يقبلها على نفسه اللهم إلا من الذين وصفهم الشاعر الرصافي بقوله:
يا قـوم لا تتكلَّـموا إن الكــلام محــــــــــــرَّمُ ناموا ولا تستيقظـوا ما فــاز إلاَّ النُّــــــوَّمُ
وتأخَّروا عن كلِّ مـا يَقضي بـأن تتقدَّمـــــوا ودَعُـوا التفهُّم جانبـاً فالخير ألاَّ تَفهـمــــوا
وتَثبتُّوا في جـهـلكم فالشرُّ أن تتعلَّــمــــــــوا أما السياسة فاتـركوا أبـداً وإلاَّ تندمــــــوا
والعَدلَ لا تتوسَّمــوا والظلمَ لا تتجَّهـمـــــوا من شاء منكم أن يعيش اليوم وهــو مُكرَّمُ
فليمُس لا سـمـع ولا بصر لديه ولا فــــــــمُ لا يستحـق كرامــة إلا الأصم الأبكـــــــمُ
ودع السعـادة إنمــا هي في الحياة توهُّـــــمُ فالعيش وهـو مـنعٌّـم كالعيش وهو مذمّـــمُ
فارضوا بحكم الدهــر مهـما كان فيه تحكُّمُ وإذا ظُلمتم فاضحكـوا طربـاً ولا تتظلَّمـوا
وإذا أُهـنـتم فاشكروا وإذا لُطمتم فابسـمــوا إن قيـل هـذا شهدُكم مرٌّ فقـولوا علقــــــــمُ
أو قيـل إن نهـاركـم ليـل فقولـوا مظلـــــــمُ أو قـيـل إن ثِمـادكم سيـل فقـولوا مُفعــــــمُ
أو قيل إن بلادكـــم يا قوم سـوف تقسَّـــــمُ فتـحمّـدوا وتشكـّروا وترنّحـوا وتـرنّمــوا
من المؤسف أن تنطبق قصيدة الرصافي على الشعب العراقي في الوقت الحالي، الشعب المغيب و المخدر بأفيون المرجعيات الدينية الشيعية ومرجعيات جحوش أهل السنة من الطفيليات التي عاشت في مستنقع المالكي والعبادي. فقد كشف طه الدفاعي عضو لجنة النزاهة في مجلس نواب عن الرواتب التقاعدية الممنوحة لرؤساء الجمهورية ومجلس النواب ونوابهم السابقين بأن” الرواتب الشهرية الممنوحة الى رؤساء الجمهورية بعد 2003 تبلغ 100 مليون دينار شهرياً الى الرئيس الأسبق، غازي عجيل الياور، والرئيس السابق، جلال طالباني، 85 مليون دينار شهرياً، وأن راتب رئيس مجلس النواب الاسبق، حاجم الحسني، 70 مليون دينار شهرياً ومثلها الى خلفيه السابقين، أياد السامرائي ومحمود المشهداني، وأن نواب رؤساء الجمهورية ومجلس النواب يتسلمون رواتب تقاعدية متقاربة من هذه المبالغ”. علاوة على وجود بين 400 و600 شخص كأفراد حماية لهؤلاء المسؤولين بما يشكلون 18 فوجاً عسكرياً”. من جهة أخرى كشف مسعود حيدر عضو اللجنة المالية في مجلس نواب المنطقة الخضراء أن “كلفة صيانة ووقود سيارات مسؤولي الدولة من رئيس الوزراء الى الوزراء الى المدراء العامون باستثناء اعضاء مجلس النواب تقدر ما بين 50 الى 100 مليار دينار شهريا”. مضيفا بأن ” تقليل اعداد سيارات المسؤولين سيوفر لخزينة الدولة ما يقدر بمليار دولار سنويا”. بل أن عملية تثبيت لوحة (آية الكرسي) في جدار مبنى ديوان محافظة البصرة كلفت مبلغ 42 مليون دينار عراقي. الأطرف أن نائب عراقي عالج قشرة فروة رأسه بمبلع(90) مليون دينار، أما النائبات فحدث ولا حرج! لولا الحياء لذكرنا بعض ما صرفنٌ على الأمراض النسائية بما يتعدى صرفيات قشرة الرأس!
هناك المئات من الشواهد التي تتقاطع مع إعلان حكومة أتباع آل البيت سياسة التقشف، وفصل الآلاف من الموظفين بحجة عدم توفر التخصيصات الكافية لصرف رواتبهم، وتوقف بعض المؤسسات عن صرف رواتب موظفيها لعدة شهور، وقرار تخفيض الرواتب كبار المسؤولين كما أعلن رئيس مجلس الوزراء، وتبين أن الكلام ليس سوى حبر على ورق! كما صرح حسن توران عضو اللجنة القانونية النيابية بقوله إن ” التخفيض لا يشمل المتقاعدين من المسؤولين لان قانون التقاعد هو قانون خاص والتخفيض يحتاج الى تشريع وتعليمات وبالتالي لن يشمل المتقاعدين، وأن الحكومة أرسلت منذ الدورة الماضية قانونا ينضم عمل المستشارين وتمت مناقشته في اللجنة القانونية وقراءته قراءة اولى في البرلمان واحدثت اللجنة القانونية بعض التغييرات فيه، لكن هذه التغييرات هي محل خلاف لان القانون المرسل لا يشمل الرئاسات الثلاث”! مضيفا ” وفق قرار مجلس الوزراء الحالي فان رواتب النواب المتقاعدين سيكون اكثر ممن هم في الخدمة الان، والمفروض ان يكون هناك قانون ينظم الرواتب سواء لمن هم في الخدمة او في التقاعد وهذا ما نص عليه الدستور بان الدرجات الخاصة والنواب يجب ان تنظم رواتبهم ومخصصاتهم بقانون ولكن مع الاسف الشديد لم يشرع هذا القانون الى الان”. أي كما يقول المثل العراقي ” مُت يا حمار إلى أن يأتي الربيع”.
وفي الوقت الذي تظاهر عدد من منتسبي السكك الحديد مطالبين بصرف رواتبهم رافعين شعارات غريبة وشاذة منها ” إسرقوا الخزينة، لكن إصرفوا رواتبنا!”، وهذا الشعار يمكن أن نقيس عليه وعي الشعب العراقي الذي لا يرى ضررا في سرقة الخزينة من قبل النواب والحكومة، لكن المهم أن تُصرف رواتبهم! المهم أن التظاهرة أعتبرت من وجهة نظر وزير النقل باقر صولاغي مؤامرة وطالب بمعاقبة المتظاهرين! فقد أصدر بيانا جاء فيه “ما حدث في تظاهرة السكك أمر دبر بليل، وأن ما حدث تقف وراءه جهات سياسية مشبوهة تريد خلق البلبلة والفوضى وإزعاج المواطنين وإحراج الحكومة، ويجب محاسبة من اقام بهذه التظاهرة حسابا عسيرا، باعتبار ماجرى هو مؤامرة على الدولة من اجل افشالها”. كانوا أيام المعارضة يتهمون الحكومة السابقة بنظرية المؤامرة، واليوم يعتبرون تظاهرة شعبية تطالب بصرف رواتب المنتسبين مؤامرة دبرت بليل! أو كأن الدولة ناجحة والتظاهرة الصغيرة تحاول إفشالها!
وفي خضم جهنم الصيف التي طالت العراقيين ما عدا سكان المنطقة الخضراء حيث وصلت درجة الحرارة ما يزيد عن 53 درجة أطل أحد أصحاب نظرية المؤامرة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة المليادير بهاء الأعرجي ( صاحب نظرية إستمرار المؤامرة على آل البيت منذ أبو بكر الصديق لحد الآن) مبشرا العراقيين بصفاقة” إن أزمة الكهرباء والحلول المطروحة بحاجة الى وقت وامكانات مادية وبشرية كبيرة قد تستمر الى 27 سنة”. مع أن الذي صرف على الكهرباء اللاوطنية يزيد عن (40) مليار دولار! في حين تشير تقارير لخبراء دوليين تدعم مفوضية النزاهة في العراق أرقامهم بأن الفساد المالي وصل إلى حوالي (300) مليار دولار خلال السنوات الثمان الأخيرة. ويشير مركز العالمي للدراسات التنموية في لندن بأن” العراق مهدد بالإفلاس في غضون عامين، وأن نحو 200 مليار دولار فقدت في عمليات فساد في السنوات الـ 12 الأخيرة”.
هذه بعض المؤشرات عن حكومة أتباع أهل البيت علاوة على المشاكل والأزمات التي يعرفها الجميع ولا حاجة الى تكرارها، العجب هو عدم إعتراض أهلنا الشيعة ولا ما يسمى بالمرجعية الراشدة على تسميتها حكومة أتباع آل البيت، مما يعني الموافقة والرضا على التسمية، أي أن الحكومة تجسد المذهب وأخلاق الأئمة وسيرتهم وزهدهم، وهذا الأمر يدخلنا في دوامة في تحديد موطن الخلل.
لكننا نسأل أهلنا الشيعة ـ من غير شيعة السلطة ـ إن كانت حكومة أتباع آل البيت هكذا، فكيف ستكون حكومة أتباع الشيطان يا ترى؟ أجيبونا يرحمكم الله؟ متى يستفيق الشعب العراق من التنويم الذي تمارس المراجع الدينية وينتفض ضد الظلم والذل والإستعباد والخنوع، ويرفع بحق وحقيقة شعار “هيهات منا الذلة”؟ يقول سارتر ” أنا أكره الضحايا الذين يحترمون جزاريهم”، نجيبه ونحن أيضا يا رجل.
علي الكاش