نال وليم فولكنر نوبل الآداب العام 1949 (تسلمها العام 1950) عن «الصوت والغضب» ومجموعة أعمال أخرى. كان الجنوب الأميركي أرض المآسي، ولم يكن صعبًا على فولكنر أن يجمع أشخاصًا لرواياته كيفما تلفّت. ومع هذا، فقد اخترع ولاية خيالية وجعل لها عاصمة متخيلة. ويخيل إليّ أيضا أن غابرييل غارسيا ماركيز نقل الفكرة عنه في «مائة عام من العزلة»، ولطالما كرر أن فولكنر كان أحد معلميه، وهو أمر كرره معظم اللاتينيين.
يروي فولكنر «الصوت والغضب» في أربع أصوات، ثلاثة إخوة، والرابع هو المؤلف. وأحد الإخوة، بنجي، مصاب بلوثة، لا يكف عن الصراخ والعويل. كل سرد يذكّره بما يبكيه. الأيام والأحداث متساوية عنده: أمس واليوم وغدًا، وكلها يبعث على النواح. ذاك هو الجنوب الأميركي، أرض اللعنة الذي بدأت فيه العبودية والرق ولم تنته إلا بحرب أهلية.
يبدو بنجي وكأنه يسكن في الصفحة الأولى من أيامنا، منذ عقد على الأقل. يسرد علينا أحداثنا دون ترتيب وأولويات وتواريخ، لأنها متساوية جميعًا. اعتاد بنجي طريق التدهور ومشاهد الذل. وبنجي العربي لا يفهم ماذا يحدث للإخوة، ولماذا يهللون للموت، ويرقصون للخراب، ويرفعون يافطات الاستقبال للغرباء، ولا لماذا يستسهلون إلى هذه الدرجة استباحة الأمة.
نبدو اليوم مثل الجنوب الأميركي في لعنته. صخب وغضب. والعبودية لا تنتهي إلا بالحرب. منّا مَن يقف مع حرية الناس وإنسانية البشر ويقاتل من أجل كرامتهم البشرية، ومنا من يفلسف العبودية ويعطيها أسماء التحبب والصفات الفاضلة. وبنجي حزين يبكي. فهو قادر على السمع لكنه غير قادر على النطق. لذلك، يتولى المؤلف عملية السرد لكي يشرح لنا أحزان بنجي التي دفعت به إلى الجنون.
أسوأ ما في النوازل والصراعات، الصخب والغضب. العصاب والعصبية. الصراخ المخادع والمشاعر الكاذبة والغايات الزور. لا يمكن لأحد أن يتخيل أن الحوثيين يدكّون عدن، ولا أن إيران تهدد بإشعال حرب إقليمية من أجلهم. ولا كيف يكون اليمن «إبادة جماعية» بخمسمائة قتيل، وسوريا حربًا فاضلة بثلاثمائة ألف قتيل وآلاف المفقودين وملايين المشردين.
لم يعد بنجي يفهم شيئًا مما يدور حوله. يرى الحزن فيبكي. ويرى مدى الظلم فينوح. ويرى سرعة التدهور فيأمل أن يقوم من يضع حدًا لهذا المسلسل المتوالد من المآسي. لقد سئم بنجي عصور العبوديات والظلم والإذلال. وصحيح أن المؤلف حرمه النطق، لكنه ترك له حاسة السمع من أجل أن يفرق، على الأقل، بين الزور والحقيقة، وبين الظلم والحق. أي الحق بجميع قِيَمه وأخلاقيّاته.
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر