مِثلَ عاشقٍ يُراقب صحة معشوقتهِ العليلة كنتُ أراقب حال مصر الحبيبة ويدي على قلبي في العام الماضي .
كلّ شيء كان يُمكنني تصديقه , إلاّ أن تكون مصر ثمّةَ دولة فاشلة مثل أفعانستان طالبان أوالصومال أو حتى بلدي العراق في زمن الطائفية البغيضة وعصابات ( داعش والغبراء ).
البلد التي تُفرّخ يومياً أدب رفيع وفنّ جميل وعلماء ينتشرون في بقاع الأرض . البلد الذي علمّنا (نحنُ العرب) كيف نحّب وكيف نضحك وكيف نكتب ,لا يمكن التفرّج عليه وهو يسقط في حضن الرعاع .
رعاع من فوق ورعاع من تحت هم الإخوان الظلاميّون .
هذا بلد ليس كغيرهِ , سقوطه يعني سقوطنا جميعاً نحو القاع .
*****
في طفولتنا وشبابنا كلّ شي جميل تعلّمناهُ كان غالباً ذو مصدر ونكهة مصرية .
كلّ ضحكة ضحكناها , كانت نابعة من سخرية وتهّكم ونكتة مصرية .
كلّ لحظة حُبّ وعشق مررنا بها , كانت غالباً بسبب اُغنية مصرية وصوت مصري أصيل كصوت السيّدة كوكب الشرق أو عندليب الشرق الأسمر, أو موسيقار الأجيال .
مذ كنّا صغاراً تعلقنّا بمصر وفنّها وشعبها النبيل وحضارتها الأصيلة .
ومصر كانت دائماً وسطيّة , ومنها تعلمّتُ وسطيتي !
وسطيّة في الإسلام وفي العروبة والقومية وفي الفن والأدب وفي الحياة عموماً .
وسأقول لكم لماذا الوسطيّة هي أفضل الخيارات بالنسبة لي .
لأنّ الأشياء المُبالغ فيها (بما فيها المحبّة) ,وكلّ ما أصبح يُسمى في يومنا هذا تطرفاً أو تشدّداً أو تزمتاً لفكرة معيّنة أو طريقة أو منهج أو عقيدة , تتلاشى وتختفي بنفس السرعة تقريباً التي ظهرت بها .
هكذا صار نمط الحياة في العصر الحالي في بلدان العالم المستقرة .
في السياسة مثلاً لا يوجد عدو دائم أو صديق دائم ,إنّما مصالح دائمة .
الأعداء الأزليين في الحروب العالمية وما قبلها , أقصد (ألمانيا وفرنسا) هم ذاتهم أهمّ حلفاء اليوم في الإتحاد الأوربي بقوته الإقتصادية المعروفة ومثلهم حال أمريكا واليابان والعديد من البلدان .
في الدين وهو بيت القصيد دائماً في حياة وتفكير شعوبنا البائسة بسبب الحشو المستمر ( والهرتلة ) من تجّار الدين في عقول الناس ,نجد التطرّف يقود الى كوارث تبدأ ولا تنتهي .
هل لكم ان تقارنوا إيران الخُميني وخامنئي مثلاً بإيران الشاه عندما كانت طهران وبيروت تتنافسان على لقب باريس الشرق ؟
نفس الكلام ينطبق على لبنان قبل ظهور حزب الله أو بالأحرى حزب الشيطان .ونفس الفكرة ستنطبق على مصر أم الدنيا .
وأرجوكم لا تنخدعوا بالتجربة التركية والماليزية فهذه لها قصة اُخرى , أنا أعرفها عن كثب ,وقد أكتب عنها في وقت آخر !
تذكروا مصر في ستينات وسبعينات القرن الماضي , مع أنّها كانت أشّدُ فقراً وقد خاضت حروب طاحنة للتو . لكن الشعب كان سعيداً ببلده والضحكة لا تُفارق الشفاه , والبناء والإبداع والجمال في الأدب والفنّ وكل مناحي الحياة هو سيّد الموقف .
كيف أصبحت مصر هكذا في طرفة عين وغفلة الزمن متشحة بالسواد والنقاب , والسمنة المفرطة , وأولاد الشوارع , والإزدحام والتلّوث والزبالة ؟
كلّ هذا في ظنّي حصلَ بسبب هجمة الفكر الظلامي والتكاثر الفئراني دون رادع عقلاني .والتركيز على مظاهر العبادات من دون العمل والنهوض .
مليئة صارت مصر في الأعوام الماضية بالفائضين عن اللزوم .
[ بحماسٍ متوقّد كانوا يقودون قطعانهم على دربهم زاعقين , كما لو أنّهُ ليس هناك سوى درب واحد يقود الى المُستقبل ] نيتشه
اليوم آن الأوان للتخلّص من هؤلاء وطردهم من حياتنا الى الأبد لأجل عودة عجلة الحضارة للدوران من جديد .
******
الرئيس القادم !
لو إختصرتُ موضوع الرئاسة في مصر وكتبتُ رأيي المُباشر بلا مقدمات وتبريرات وسفسطات لقلتُ :
أنا أحبّ السيسي وأعتبره بطلاً مصرياً وطنياً أولاً وقومياً ثانياً .
فهو بإستجابتهِ البديعة لنداء الشعب المصري وضعَ حياتهِ بكفّهِ , ثمّ أنقذ مصر ومصير العرب من دولة الظلام التي كان الإخوان يريدونها دولة الخلافة (الأردوغانية) التي ظهرَ فسادها مؤخراً في البّرِ والبحر .
لكن مع ذلك لو حقّ لي الرأيّ ..
فلن أدعو الى إنتخاب الجنرال السيسي رئيساً لمصر للأسباب التالية:
1 / الإنسان عموماً يبلغ القمّة في الهرم في عمل معيّن تخصص به .
هناك إستثناءات بالطبع لهذهِ القاعدة , مثل مدام كوري التي حازت على نوبل في نوعين من العلوم هما الفيزياء والكيمياء .
وقد يبرع السيسي في قيادة الدولة المصرية مثلما أبدع في قيادة الجيش المصري لصالح الشعب .لكنّ مصر ليست دولة سهلة وظروفها متيسرة . بل هي دولة تعقّدت فيها المشاكل لأسباب عديدة .
والسيسي قائد عسكري تعوّد مناقشة الموقف مع مرؤوسيه ( وهم بضعة من القادة ) ثمّ إصدار القرار الحاسم .
لكن في حالة رئيس مصر القادم سيكون عليه إرضاء الشعب المصري كُلّه
وتلك مهمة مستحيلة ,لن ينجح فيها حتى نبي بُعِثَ مُجدداً .
والناس تعبت ولم يتبقَ لديها الكثير من الصبر وتريد إنجازاً حقيقياً على الأرض . وغالباً سينقلب مشهد المحبّة والإلتفاف الى نقيضهِ !
2 / السيسي مصري … ومصر ولاّدة كما نعرفها ولن تتوقف الحياة على رجل واحد في مصر . هناك عشرات إن لم يكن المئات من الرجال والنساء يمكنهم أن يكونوا كالسيسي و ربّما أفضل في الرئاسة المصرية .
وبقاء السيسي في قيادة الجيش ضمانة ( مؤقتة ) لكن مفيدة جداً ومطلوبة .
3 / في الحياة عموماً , النجاح في العمل يُحالف غالباً الذين يحبّون عملهم الى درجة العشق , تجدهم يبدعون فيه .
والمنافس الأوفر حظاً ( في ساحة الرئاسة ) ربّما يكون حمدين صبّاحي . رغم أنّي لا أميل إليه شخصياً لا أعرف لماذا ؟
ربّما لحتت نظرية المؤامرة التي يؤمن بها , أو ما يبدو ( تلوّنا ) في مواقفه .
لكنّهُ يملك منطق وأجوبة حاضرة ورؤية وسطية مطلوبة اليوم , وعمره مناسب جداً .
والأهمّ من هذا ,هي رغبته الشديدة ( حتى وأن حاولَ إخفائها ) بهذا المنصب ,وإندفاعهِ للعمل مع الجميع بعقلٍ وقلبٍ مفتوح .وهو سيكون صمام أمان ضدّ عودة مايُسمى بالفلول , والإخوان على السواء .
كذلك إحترامهِ الكبير للجنرال السيسي ( الذي أعلن أكثر من مرّة عدم ولعهِ بالرئاسة) , بحيث يمكنهم تشكيل ثنائي مثالي متعاون في حُبّ مصر وشعبها النبيل .وسبب اخير هو شعبية صبّاحي المعقولة بين الشباب صُنّاع الثورتين ,الحقيقيين !
***
مستقبل مصر وتغريد النساء المصريات
لن أتحدّث مُجدّدا عن نسبة المشاركة في الإستفتاء على الدستور( أقتربت من 40% ) والنتيجة بنعم ( فاقت ال 95 % ) .
لكن الشيء الجميل الذي جلبَ إنتباه الجميع , هو إرتفاع نسبة مشاركة المرأة المصرية في هذا الإستفتاء . فهل يعني هذا لكم شيئاً ؟
[ لقد أضحيتنّ رمزًا للوعي السياسي الذي بدأ بمشاركتكنّ الفاعلة في إشعال جذوة ثورتي 25 يناير و30 يونيو وتجسد اليوم في إصطفافكنّ أمام لجان الاقتراع ]
هكذا خاطب الرجل المُحترم والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور نساء مصر الأصيلة ,في خطابهِ عن نتائج التصويت .
نحنُ نعلم أنّ نهوض المرأة يقود حتماُ الى نهوض المجتمع بأكمله .
بل (يتوّقف أمر نهوض هذا العالم على المرأة ) حسب الدالاي لاما الحالي ( الرابع عشر) . فهي المدرسة التي توّفر جيلاً طيّباً ناجحاً .
نعم أبدعت المرأة المصرية وإنتفضت على جلاديها الظلاميين , وغرّدت نساء مصر ببدء عهدٍ جديد .
وبالمناسبة : [ قُلّ : غرّدَت النساء , ولا تقل زغردت النساء !
لانّ (الزغردة) هو صوت البعير الذي يردده فحل الإبل ] العلاّمة اللغوي العراقي مصطفى جواد / برنامج قُلْ ولا تَقُلْ ,في ستينات القرن الماضي .
***
الخلاصة :
عندما حكمَ الإخوان الظلاميّون مصر في سنتهم السودة , إستأثروا بالسلطة فأساؤوا وأفسدوا كلّ شيء , وأهمّها ثقافة المصريين الوسطية !
وعندما إنتفض الشعب المصري (ولم يكن قد سكنَ بعد), وسانده جيشه الوطني وقائدهِ الغيور . أطاحوا بالإخوان وطردوهم الى مزبلة التأريخ شرّ طردة , فسقطوا غيرَ مأسوفٍ عليهم .. لكن غير ميتيين بعد !
موت الظلاميين وشهادة وفاتهم ستصدر قريباً , عندما تعود مصر وشعبها الى جمالهم الطبيعي الأصلي .
وفي هذا المجال , أنا أحلم بمصر وهي تتخلى سريعاً عن ردائها الأسود الذي إتشحت بهِ منذُ الثمانينات تقريباً , دون أدنى سبب مقنع .
( مصر يمّه يا بهيّة , يم طرحة وجلابية , الزمن شاب .. وإنتِ شابة
الظلام رايح .. وإنتِ جايّه ) !
تُجّار الدين أرادوها جنازة ليشبعوا فيها لطم , فإرتدت النساء الحجاب والنقاب . وإرتدى ( أشباه الرجال ) الدشداشة الميني ودمغوا جباههم بالزبيبة الغبيّة , وبالغَ بعضهم في حجمها .
اليوم وبعد إقرار الدستور الجديد , وكي يكون يوماً فاصلاً في حياة المصريين بجّد , فأنا أدعوهم للبدء في التخلّص من كلّ وعثاء الماضي القريب والبغيض .
***
صناديق الإنتخاب قد لا تصدق أحياناً في التعبير عن روح الشعب و آمالهِ وأحلامهِ . فتلك الصناديق هي التي أوصلت النازي أدولف هتلر في ألمانيا
وهي ذاتها التي أوصلت الإخوان الفاشيين في مصر الى سدّة الحكم .
لكن إن كانت مقولة (( رُبّ ضارةٍ نافعة )) تصلح في الحالة الألمانية بعد خراب أوربا وجزء من العالم . عندما إنتهت تلك الحرب الهتلرية الطاحنة
بسقوط النازي وقيام مشروع مارشال , وإنتهاء عصر الحروب في أوربا ثم توجه شعوبها نحو النهوض الحضاري الحقيقي .
فإنّ سقوط الإخوان في مصر مؤخراً , ووفقاً للمنطق السليم يجب ان يكون بداية نهوض العرب والمسلمين عموماً , بعد أن عرفوا العدو الحقيقي وجرّبوه في اللحم الحيّ , أقصد التطرّف الديني بالطبع !
***
عيون العرب والمنطقة بأكملها ( بما فيها تركيا وإيران ) ترنو الى مصر وشعبها والى تجربتهم المثيرة في التخلّص من الإرهاب الفكري الظلامي
لقد إبتكرنا السعادة , يقول لسان حال المصريين ويضحكون للحياة .
نعم مصر تعلو بين الدول … ولا يُعلى على شعبها بين الشعوب !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
كاتب عراقي يعشق مصر !
20 يناير 2014