أتقوا الله في قول الحقيقة!
علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
في آخر مقطع فديو إنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي ظهر فيه عناصر ميليشيا من كتائب علي بن أبي طالب إحدى تشكيلات الحشد الطائفي، يعذبون مواطن عراقي من أهل الفلوجة، وإنتهى الفيلم بحرقة، مما أثار الكثير من التساؤلات حول طبيعة هذا الحادث الإرهابي والجهة التي تقف ورائه والغرض منه؟ وييسنمر حبل التساؤل إلى، كيف يريد النواب الشيعة حصانة للحشد الشعبي طالما إنه يمارس هذه الأعمال الإرهابية، إن كان بلا حصانة هكذا فعله، فكيف سيكون مع الحصانة؟ وقد خبرنا الحصانة التي تمتعت بها قوات المارينز والنتيجة الكارثية التي نجمت عنها. طالما أن رئيس الوزراء ـ حسبما يدعي ولا أحد يصدقه ـ هو رئيس الحشد الطائفي، فهذا يعني بالنتيجة إنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن إنفلات حشده والجرائم التي يرتكبها بحق أهل السنة. هذا الحادث ليس الأول من نوعه فمنذ الحرب الأهلية علم 2006 و2007 قام جيش المهدي بنفس العمل ومنها إنه شوى طفلا ووضعه فوق الأرز وأرسله إلى أهله، لأن ابأ الطفل كان من أبطال المقاومة الوطنية، وقبل هذا الفعل الإرهابي إنتشرت صورة لأحد عناصر الحشد الشعبي وهو يتدفأ على رجل يحترق من أهل السنة، وكانت الصورة خير تعبير عن ثقافة الإرهاب والموت التي يتدرب عليها الحشد السليماني.
في الوقت الذي هاجم الجميع بلا إستثناء حرق الكساسبة وإعتبروها واحدة من أكبر الجرائم بحق الإنسانية، فإن احد من الحكومة لم يعلق بإستثناء (ببغاء الخامنئي) في وزارة الداخلية الغبانية العميد سعد معن، وهذا الأفاق الذي تمادى في كذبه لينال بحق لقب(أبو مسيلمة الغباني) غالبا ما تثير تصريحاته السخرية من قبل المواطنين لعدم الدقة والمغالطة والمراوغة والتسرع في الأحكام والطائفية المقيتة التي يتصف بها والتي تجعله يرى الأشياء خلاف ما هي عليه.
فقد جاء في بيان له” إن بعض وسائل الإعلام تناولت مقطع فيديو نسب ظلماً وبهتاناً لفصيل بالحشد الشعبي يعرض حرق احد الدواعش بطريقة همجية بعيدة كل البعد عن معاير التعامل الإنساني وأخلاق مقاتلينا”، معتبراً أن “هذا المقطع ومن يروج له لا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد للحشد الشعبي أو قواتنا الأمنية”. مضيفا ” إن تشكيلات الحشد في قيادة عمليات بغداد تعمل بإمرة القيادة وتحت مظلتها كما وان أبناء عشائر الكرمة الأصلاء يشاركون أخوتهم ساحة المعركة خطوة بخطوة”، لافتا إلى أنه ” من الواضح أن الغاية من كل هذه الفبركات الإعلامية هي الإساءة لسمعة الجيش العراقي البطل والقوات الأمنية والحشد الشعبي بعد أن عجز العدو الإرهابي عن إيقاف عجلة انتصارات العراقيين المتحققة يوما تلو الآخر في جبهات القتال”.
الملاحظات على البيان يمكن تلخيصها في الآتي:
1. يتحدث البيان عن إنتصارات موهومة لا وجود لها على أرض الواقع، القوات العراقية والحشد الطائفي يتراجع يوم بعد يوم أما عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، وقد إعترفت الولايات المتحدة بعجز الجيش العراقي عن تحقيق أية إنتصارات، وفي الوقت الذي أكدت القيادات العسكرية العراقية التحضير لإستعادة الموصل، فإنها قدمت الأنبار هدية للتنظيم عن طيب خاطر، والفضيحة الأكبر إن الآلاف من قوات النظام والحشد الشعبي فرت أمام بضقعة مئات من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية! مسلسل الهزائم العسكرية تمضي على قدم وساق بسبب الإختلاف والإزدواجية في القيادات والإفتقار الى الخبرة والتخطيط العسكري، علاوة على طائفية الجيش والحشد، والجرائم التي يرتكبوها بحق الأبرياء، مما ولد حاضنة مهمة لتنظيم الدولة الإسلامية في مناطق أهل السنة، ولا أحد يلومهم طالما الحكومة تدفع بهذا الإتجاه عن قصد واضح.
2. سمعة الجيش العراقي في الحضيض ولا تحتاج إلى حرق مواطن من أهل السنة ليشوهها. هذا الجيش المهلل أصبح إضحوكة للعالم وليس للعراقيين فحسب، وهذا ليس كلامنا بل كلام النواب ورؤساء الكتل الشيعة، فقد صرح زعيم ميليشيا بدر هادي العامري في مقابلة مع صحيفة (الديلي تلغراف) البريطانية ” ان فكرة شن هجوم مضاد على الفور لاستعادة الرمادي، كما وعد رئيس الوزراء حيدر العبادي وقادة عراقيون آخرون فكرة مضحكة”. وأضاف أن ” كل من يقول لك إننا نستطيع أن نستعيد الرمادي من دون العملية الحالية يكذب”. وهذا العامري سبق أن صرح في 13/3/2015 ” إن وجود المستشارين الإيرانيين المرافقين لقوات الحشد الشعبي في معارك صلاح الدين مصدر فخر، ولولا وجود الأخ قاسم سليماني لكان العراق كله الآن تحت سيطرة تنظيم داعش، وعلى العراقيين أن يقيموا تمثالا لهذا البطل امتنانا وعرفانا وسط بغداد” إهانة واضحة للحكومة. كما صرح المالكي للصحفيين عقب لقائه النائب الاول لرئیس الجمهوریة الایراني اسحاق جهانغیري” انه لولا الدعم الایراني المناسب لكانت بغداد واربیل تسقطان بيد التنظيم”. وصرح نائب رئيس الحشد الشعبي الإرهابي العتيد ابو مهدي المهندس انه” لولا ايران لذهب العراق”. إذن عن اي جيش يتحدث معن؟ الجيش المليوني الذي يفشل في تحرير محافظة بعد أن صرفت عليه المليارات هو جيش بائس، والجيش الذي فيه الآلاف من كبار الضباط يقودهم جنرال إيراني لا خير فيه، والجيش الذي يضم طائفة واحدة وليس كل العراقيين لا خير فيه ولا نفع يُرتجى منه، لو صرفت مليارات أخرى على تسليحه وتدريبه لما نفعت، إنه يحمل بذور فنائه بين طياته بحكم طائفيته المقيتة. فقد كشفت الصحيفة (واشنطن بوست) بأنه تم صرف ما يقارب من 400 مليون دولار لتجهيز وتدريب القوات العراقية منذ عام 2011، بحسب المتحدثة باسم البنتاغون اليسا سميث، بالإضافة إلى 250 مليون دولار انفقتها واشنطن لتدريب تلك القوات أثناء وجودها في العراق.
3. قبل سقوط الأنبار كنا نسمع أصوات (الجيش والحشد الطائفي) ومن يصفهم أبو مسيلمة الغباني” أبناء عشائر الكرمة الأصلاء” وهم يستنجدون الحكومة والعالم بسبب نقص الذخيرة والأسلحة! ولكن عندما سيطر التنظيم على الأنبار تبين ان الأسلحة والأعتدة التي غنموها تكفيهم للمعارك لأكثر من سنة! فعن أية إساءة لسمعة الجيش العراقي يتحدث داعية الضلال؟ يقول بأن عجلة إنتصارات العراقيين لن تتوقف! صحيح هذا! فعلا هي لم تتوقف، لكنها تتراجع إلى الوراء.
4. لا نعرف ما علاقة المتحدث بإسم وزارة الداخلية بالحشد الشعبي؟ اليس من المفترض أن يكون التصريح صادر من هيئة الحشد نفسها، أو من مكتب رئيس الوزراء بإعتباره زعيم الحشد الطائفي؟ لمذا الهيئة صمتت والداخلية صرحت؟ هل وراء التصريح إيعاز من ولاية الفقية، ام هي الطائفية العمياء؟ ثم أين وزير الدفاع وجحوش أهل السنة في البرلمان والحكومة؟ لا صوت لهم مع ان الصراصير لا تكف عن الضجيج!
5. إعترف أبو مسيلمة الغباني في بداية التصريح بصحة مقطع فيديو مدعيا ” إن من يروجه لا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد للحشد الشعبي أو قواتنا الأمنية”. ولكن في نهاية التصريح يعتبره من “الفبركات الإعلامية”! مع هذا نسأله: هل قمتم فنيا بفحص المقطع وثبت لكم إنه من الفبركات الإعلامية؟ إن فعلتم لماذا لم توضحوا ذلك وتثبتوا الفبركة على وسائل الإعلام؟ وإن لم تفعلوا كيف تجزموا بأنه ” فبركة إعلامية”؟ حسنا لماذا لم تقيموا دعوة قضائية على وسائل الإعلام التي نشرت المقطع؟ أم أن تصريحكم ونفيكم مجرد(فبركة إعلامية)؟
6. تضمن المقطع صورا ومشاهد حيه للإرهابيين الذين قاموا بالجريمة وعلى أكتافهم المرهلة بالطائفية ملصق (كتائب علي). أليس من الأجدر بأبي مسيلمة الغباني قبل أن ينفِ الحادثة أن يتعرف على الوجوه الكالحة الواضحة المعالم في المقطع ويخبرنا لأي ميليشيا ينتسبوا؟ لماذا يطلق لسانه قبل التحقيق في الجريمة؟ وماذا يعني هذا يا عقلاء القوم؟ لو ذكر بدلا عن كل هذه السفسطة بأنه سيتم تشكيل لجنة تحقيقية بالحادث الإرهابي وإكتفى! لكان ذلك أفضل! وكلنا يعلم نتائج اللجان التحقيقية سلفا. نتائج تحقيق الإغتيالات والقتل والخطف وحرق ملفات الفساد والصفقات المشبوهة من عام 2003 ولحد الآن لم تظهر للعيان! فما الذي يخشاه معن لو أتحفنا بهذه الفرية؟
7. يذكر النابغة الغباني بأن ” مقطع فيديو نسب ظلماً وبهتاناً لفصيل بالحشد الشعبي يعرض حرق احد الدواعش بطريقة همجية بعيدة كل البعد عن معاير التعامل الإنساني وأخلاق مقاتلينا”! أما معايير التعامل الأخلاقي عند الجيش والشرطة والحشد الشعبي، فقد شهدناها في محافظة صلاح الدين ولا ينكرها حتى الضرير! وسوف نجعل العبادي يردٌ على الغباني. فقد صرح حيدر العبادي خلال لقائه بالبرزاني في 6/4/2015″ إن عدد المنازل والمحال التي تم التجاوز عليها حسب الأرقام التي وصلت من قيادة العمليات وأكدها محافظ صلاح الدين ورئيس مجلس المحافظة وقائد الشرطة هي 67 منزلا و85 محلا في تكريت”! مع إن الحقيقة هي أضعاف هذه الأرقام.
8. هناك خلط واضح وربما مُبيت من خلال ربط حرق المواطن الفلوجي بالكساسبة الأردني، الشاب الفلوجي( 23عاما) الذي أحرق يدعى (عبد الله عبد الرحمن) وهو معلم لا علاقة له بداعش وغيرها، إعتقل من قبل كتائب علي في منطقة (ذراع دجلة شمال شرق الفلوجة) واقتادوه إلى منزل مهجور، وأبرحوه ضربًا حتى فقد الوعي ثم قاموا بتعليقه وحرقه. أي هو إنسان مدني معروف في منطقته وبين طلابه ولا علاقة له بتنظيم الدولة الإسلامية عن قريب أو بعيد.
أما الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي أحرقه تنظيم الدولة الإسلامية، فقد كان طيارا عسكريا ويقوم بمهمة حربية، ويقذف البراميل الحارقة على القطعات المعارضة لجزار دمشق، وقتل وأحرق عدد من المدنيين الأبرياء ببراميله الجهنمية، وأصيبت طائرته بصاروخ في أرض المعركة، وتم أسره وأعدم حرقا (قيل إن فيلم حرقه مفبرك بعد تحليله من قبل خبراء والله أعلم). أي إنه عسكري، يقوم بمهمة حربية، تم أسره وقتل. لكن عبد الله لم يكن عسكريا ولا يحمل سلاحا، ولم ينفذ مهمة عسكرية، واعتقل ولم يؤسر! فما الرابط بين الموضوعين؟ إنها محاولة دنيئة من قبل البعض عندما يربطون بين القضيتين.
ليس هذا دفاعا عن تنظيم الدولة الإسلامية! عندما نصف الجهتين اي التنظيم من جهة والحشد الطائفي من جهة أخرى بالإرهاب، لا إعتراض على الصفة، لكن أن تعتبر القضيتين متشابهتان فهذا خلل ناجم عن قصد مبيت او جهل او تغافل.
9. أخيرا سنمضي مع الكذاب لحد عتبة وزارة الداخلية، ونسأله: قلت إن الفيلم مفبرك من قبل الإعلام وإن هذه ليست أخلاق القوات الأمنية والحشد الشعبي، والقوات الأمنية والحشد ملائكة وليس بشر، وأنكم تحاربون وفي أيديكم ميثاق حقوق الإنسان العالمي وليس كتاب الفاحشة (كتاب يحمله عناصر من الحشد الشعبي يسيء لأم المؤمنين عائشة). ولكن قل لي بربك إن كان لك ربٌ ولي الحق في الشك! كيف عرفت بأن الشهيد الضحية داعشي؟ علما إنك لم تكن تعرف أصلا من هو، ولم تأتِ على ذكره في بيانك البائس؟
إتق الله وإحترم عقول الناس، ولا نقول إحترم شعبك، لأن هذا الأمر بعيد المنال.
علي الكاش