علي الكاش كاتب ومفكر عراقي
(لا خير في جيش تتلطخ أياديه بدماء شعبه الأبرياء من شعبه، فعار الجيش في الأنبار أكبر عار).
عندما طالعتنا الأخبار بالقصف الهمجي الذي يشنه جيش المالكي على الناس الأبرياء في الفلوجة بكل الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا وضمائر، تحت شعار تصفية الحساب، وسيصفى بإذن الله الحساب معه على الأرض قبل أن يصفى معه في السماء. أثار استغرابنا قيام أحد عناصر القطعان المسلحة وهو يرمي بزهو قذيفة مدفع ثقيل على مدينة الفلوجة، ويصيح كالديك المخنوق: يا علي! يا علي! يبدو ان هذا المجرم الأثم من أتباع أل البيت، فهم مع كل جريمة وأثم يستشهدون بإسم أحد الأئمة، فأصبح الأئمة عنوانا للشر والظلم نتيجة أفعالهم القذرة. لقد أساءوا إلى آل البيت إساءة لا تغتفر. المهم أن واحدة من قذائف الإمام علي نزلت على جامع الإمام علي في الفلوجة وهدته من أساسه مع مئات النسخ من القرآن الكريم والتفاسير التي إحترقت أو تناثرت أوراقها هنا وهناك. ربما هذا العنصر الإرهابي الرسمي يتحدى الله تعالى وليس أهل الأنبار! ((إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ)) سورة التوبة/18. وفي سورة البقرة/114(( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى خرابها)). لقد أثبت هذا الوغد وغيره إن هناك حقا جيوشا بلا ضمائر!
نحن لا نتحدث عن القتلى نتيجة العدوان المالكي من تنظيم داعش الإرهابي ولا عن الشهداء الميامين من المقاومين الأبطال فالحرب سجال وفيها خسائر من قبل الطرفين، إنها حالة طبيعية سوى أن هناك من يقاتل على حق كأهل الأنبار وهم شهداء عند ربٌهم. وهناك من يقاتل على باطل كجيش المالكي ومصيرهم جهنم وبئس المصير. قطعان المالكي المسلحة لا تعرف الله لذا فهي بالنتيجة لا تعرف الفرق بين المقاتل والمدني، بين المسلح والأعزل، بين الطفل والعجوز، بين الرجل والمرأة، بين المتهم والبري، الكل سيان في شريعة الغربان.
لذا كانت نتيجة القصف في صفوف المدنيين حسب وثيقة رسمية صادرة من مركز العمليات في وزارة الصحة تشير بأن” عدد الشهداء في محافظة الأنبار بلغ 454 شهيداً وأن عدد الجرحىى بلغ 1939 جريحاً، سقطوا جراء العمليات العسكرية في المحافظة خلال الفترة من 30 كانون أول/ ديسمبر 2013 وحتى 30 آذار/ مارس 2014″. (المصدر/ موقع وجهات نظر)! فمن يتحمل مسؤولية دماء هؤلاء الأبرياء؟ بالطبع من قتلهم وأوعز بقتلهم، أي المالكي وقطعانه المسلحة.
جيش يقاتل شعبه ويستحل دماء الأبرياء منهم لا يمكن إعتباره جيشا وطنيا. جيش يهدم الجوامع والمدارس والمؤسسات الرسمية، لايمكن إعتباره جيشا مسلما. جيشا يسمى نفسه جيش الحسين ويقاتل مواطنيه بإعتبارهم جيش يزيد، هو جيش طائفي بإمتياز. جيش يخالف نصوص الدستور التي منعت تدخله في السياسية والمشاركة في العدوان على الشعب، هو جيش غير دستوري. جيش تدعمه ميليشيات ذات أجندات خارجية كالحرس الثوري وعصائب أهل الحق وحزب الله، لا يجوز ان يطلق عليه مصطلح جيش، بل عصابات وميليشيات وقوى إرهابية.
ذكر مصدر من القطعان المسلحة ” نفذت القوات العسكرية العراقية مدعومة بالشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات الصحوة (23) هجوماً برياً من محاور مختلفة للمدينة، باءت جميعها بالفشل، وإن سلاح الجو والمدفعية استهدف المدينة بأكثر من(200) طن من المتفجرات، ألقيت على مواقع داخل المدينة وعلى أطرافها، من دون إحداث أي تغيير في معادلة القوة، الأمر الذي دفع إلى إعادة تغيير الخطة الخاصة باقتحام المدينة، بناءً على توصيات ونصائح أميركية”. بل تشير الأخبار بأن نسبة كبيرة من القطعان المسلحة وعناصر المليشيات قد ولت الإدبار، خشية من مواجهة صناديد الأنبار!
لكن على ماذا كل هذا؟
لنعقد مقارنة بين مدخلات ومخرجات الحرب على الأنبار.
ما هي مطالبات أهل الأنبار؟ وهل كانت شرعية أم لا؟ وهل كانت سلمية أم حربية؟ هل تتوافق مع الدستور أو تنتهكه؟ هل كانت هناك داعش أثناء التظاهرات أم لا؟ ما عدد عناصر القاعدة في الأنبار وفقا لتصريحات الحكومة الطائشة نفسها؟
لم تتجاوز مطالب أهل الأنبار سوى بضعة مطالب لا تتجاوز أصابع اليدين، تتفق جميعها مع الدستور الذي ضمن التظاهرات السلمية. منها إخراج المعتقلين ممن القي القبض عليهم بلا مذكرات قضائية، وإلغاء وظيفة المخبر السري الذي يعمل بطريقة الوشاية وهو محصن قانونيا ولا يحضر جلسات المحكمة أو يشار اليه البتة. إيقاف عملية إغتصاب النساء في السجون، ووقف التعذيب الجسدي الذي يطال السجناء. وقف المادة/ 4 إرهاب التي تطبق على أهل السنة فقط. وقف إعتقال النساء من ذوي المقاومين لعجز الحكومة من إلقاء القبض عليهم. ووقف الأسالبيب القمعية والإغتصاب أو التهديد بالإغتصاب للرجال والنساء والأطفال. سحب الجيش من داخل المدينة، فمهمة الجيش خارج وليس داخل أسوار الوطن. جميعها حقوق مشروعة وتتناغم مع نصوص الدستور.
بالمقابل فإن إدخال الجيش في قتال الشعب، والصبغة الطائفية للجيش، ودمج الميليشيات الطائفية مع الجيش في العدوان على أهل الأنبار، وإلقاء القبض على أهل السنة بلا مذكرات قضائية، وأساليب التعذيب الوحشية التي تمارس في السجون، ووجود السجون السرية علاوة على سجون الأحزاب والجيش والشرطة، والإغتصاب داخل السجون، وفك التطاهرات السلمية بالقوة المسلحة، وحكم القضاء بوشايات المخبر السري، وتسيس القضاء لخدمة الحكومة، والحصانة القضائية للقطعان المسلحة من أية ملاحقة قانونية، وقذف البراميل الحارقة والفسفور الأبيض على المدن الآهلة بالسكان المدنيين، ورفض رئيس الوزراء إستضافة البرلمان له لمناقشة الوضع الأمني، وتهديداته الطائفية الدموية، كل هذه المسائل تخالف الدستور، وتنتهكه. إذن أي طرف خرق الدستور؟
بسبب هذه المعرك الظالمة فقد الجيش هيبته ووقاره، وصار رمزا للظلم والجبن والطائفية، وهو جيش هزيل يمثل المالكي وحزبه المشبوه فقط، بل إنه ينفذ أجندة إيرانية ضد أهل السنة حصرا. ومن خلال الإطلاع على الأفلام المعروضة في المواقع حول مهازل الجيش، لا يسع المرء سوى أن يهزٌ رأسه أسفا على هذا الجيش المتهريء. ويجر حسرة تلو حسرة على الجيش العراقي السابق الذي كان رمزا حقيقيا للمواطنة الصميمية والإحتراف والضبط العسكري.
أنظر إلى خسائر الجيش، وهي أقل من الحقيقية بكثير، ولكن سنتماشى معها، طالما أن مصدرها رسمي. عدد القتلى(7000) عنصر. عدد الجرحى(17000) عنصر، عدد المفقودين(23000) وهم في الحقيقة، أما موتى في ثلاجات المطار، أو دفنوا في أرض المعارك لصعوبة إخلائهم، أو هاربين من الجيش. الدبابات المعطوبة (245) دبابة. العجلات المدرعة المدمرة وغيرها(2500) عجلة. ناهيك عن الطائرات التي أسقطت، والغنائم من الأسلحة والمدافع والأعتدة التي غنمها الثوار. بالتأكيد هذا الأرقام تعتبر مهولة وهي تعني حربا ضروسا، وتعد خسارة كبيرة للعراق.
لو قارنا الآن بين مطالبات ثوار الأنبار كمدخلات، والخسائر التي تحملها الثوار من جهة وجيش المالكي من جهة أخرى، سوف نستشف حجم الخطيئة الوطنية التي إرتكبها المالكي بحق أهل الأنبار، أو بحق جيشه الواهن. لم تكن مطالبات الثوار صعبة التنفيذ مطلقا، لكنه التعنت والحقد والتعصب الطائفي والغطرسة التي رباها عليه أربابه من أركان نظام الملالي. فقد إعترف المالكي بنفسه خلال المشارورات التي سبقت الحرب بأن مطالب أهل الأنبار مشروعة، وسوف ينفذ ما يدخل ضمن صلاحيته، ويحول البقية الى البرلمان. وقد أطلق المالكي سراح العديد من السجناء العرب من السعودية وليبيا والجزائر رغم ان بعضهم كانت متهما بالإرهاب! فلماذا الكرم والسخاء مع السجناء العرب والبخل والإزدراء مع السجناء العراقيين؟
المسألة الأخرى. لم يكن هناك عناصر من داعش وغيرها في الفلوجة، بل كان هناك(30) من عناصر القاعدة حسب ما ذكره محافظ الأنبار الحالي. صرح به المالكي نفسه يوم 23 كانون الاول 2013″ ستحسم قضية الاعتصامات في محافظة الانبار خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث يوجد 30 من قيادات تنظيم القاعدة في خيام المعتصمين”. وردا على التصريح أعلن قادة الثورة بأنهم على إستعداد لتطهير الفلوجة من عناصر القاعدة، والتعاون مع الحكومة في هذه المسألة. بمعنى الحل موجود، ولا جاحة لكل تلك الإستحضارات العسكرية. لكن المالكي أبى وإستكبر، حمقا وغباءا وجهلا وإستهتار بدماء الشعب العراقي. فهل حجم الضحايا يتناسب مع وجود(35) من عناصر داعش؟ هل إستطاع المالكي بعملياته العسكرية أن ينهي عناصر داعش أم إنه شغل جميع مفاقسهم ليتكاثروا؟ باية صفة يمكن وصف الفكر العسكري للمالكي؟ نترك الوصف للقراء الأفاضل.
علي الكاش