نزار قباني
الديوان : الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق
قصيدة : أبو جهل يشتري فليت ستريت
-1-
هل اختفت من لندنٍ؟
باصاتها الجميلة الحمراء
وصارت النوق التي جئنا بها من يثربٍ
واسطة الركوب,
في عاصمة الضباب؟
-2-
تسرب البدو إلى
قصر بكنغهامٍ,
وناموا في سرير الملكه
والإنجليز, لملموا تاريخهم..
وانصرفوا..
واحترفوا الوقوف -مثلما كنا-
على الأطلال….
-3-
ها هم بنو تغلب..
في (سوهو)
وفي (فيكتوريا)..
يشمرون ذيل دشداشاتهم
ويرقصون الجاز…
-4-
هل أصبحت إنجلترا؟
تصحو على ثرثرة البدو..
وسمفونية النعال؟؟
-5-
هل أصبحت إنجلترا؟
تمشي على الرصيف, بالخف.. وبالعقال؟
وتكتب الخط من اليمين للشمال…
سبحانه مغير الأحوال!!
-6-
عنترةٌُ.. يبحث طول الليل, عن روميةٍ
بيضاء كالزبدة..
أو مليسة الفخذين.. كالهلال
يأكلها كبيضةٍ مسلوقةٍ
من غير ملحٍ -في مدى دقيقةٍ-
ويرفعالسروال!!
-7-
لم يبق في الباركات..
لا بطٌ, ولا زهرٌ, ولا أعشاب
قد سرح الماعز في أرجائها
وفرت الطيور من سمائها
وانتصر الذباب…
-8-
ها هم بنو عبسٍ.. على مداخل المترو
يعبون كؤوس البيرة المبرده..
وينهشون قطعةٌ..
من نهد كل سيده…
-9-
هل سقط الكبار من كتابنا
في بورصة الريال؟..
هل أصبحت إنجلترا عاصمة الخلافه؟
وأصبح البترول يمشي ملكاً..
في شارع الصحافه؟؟
-10-
جرائدٌ..
جرائدٌ..
جرائدٌ..
تنتظر الزبون في ناصية الشارع,
كالبغايا…
جرائدٌ, جاءت إلى لندن,
كي تمارس الحريه…
تحولت -على يد النفط-
إلى سبايا…
-11-
جئنا لأوروبا..
لكي نشرب من منابع الحضاره
جئنا.. لكي نبحث عن نافذة بحريةٍ
من بعدما سدوا علينا عنق المحاره
جئنا.. لكي نكتب حرياتنا
من بعد أن ضاقت على أجسادنا العباره
لكننا.. حين امتلكنا صحفاً,
تحولت نصوصنا
إلى بيانٍ صادرٍ عن غرفة التجاره…
-12-
جئنا لأوروبا
لكي نستنشق الهواء
جئنا..
لكي نعرف ما ألوانها السماء؟
جئنا..
هروباً من سياط القهر, والقمع,
ومن أذى داحس والغبراء..
لكننا.. لم نتأمل زهرةً جميلةً
ولم نشاهد مرةً, حمامةً بيضاء
وظلت الصحراء في داخلنا..
وظلت الصحراء…
-13-
من كل صوبٍ.. يهجم الجراد
ويأكل الشعر الذي نكتبه..
ويشرب المداد
من كل صوبٍ.. يهجم (الإيدز) على تاريخنا
ويحصد الأرواح, والأحساد
من كل صوبٍ.. يطلقون نفطهم علينا
ويقتلون أجمل الجياد..
فكاتبٌ مدجنٌ..
وكاتبٌ مستأجرٌ..
وكاتبٌ يباع في المزاد
هل صار زيت الكاز في بلادنا مقدساً؟
وصار للبترول في تاريخنا, نقاد؟؟
-14-
للواحد الأوحد.. في عليائه
تزدان كل الأغلفه
وتكتب المدائح المزيفه..
ويزحف الفكر الوصولي على جبينه
ليلثم العباءة المشرفه..
هل هذه صحافةٌ..
أم مكتبٌ للصيرفه؟؟
-15-
كل كلامٍ عندهم, محرمٌ
كل كتابٍ عندهم, مصلوب
فكيف يستوعب ما نكتبه؟
من يقرأ الحروف بالمقلوب!
-16-
على الذي يريد أن يفوز
في رئاسة التحرير…
عليه.. أن يبوس
في الصباح, والمساء
ركبة الأمير..
عليه.. أن يمشي على أربعةٍ
كي يركب الأمير!!..
-17-
لا يبحث الحاكم في بلادنا
عن مبدعٍ…
وإنما يبحث عن أجير…
-18-
يعطي طويل العمر.. للصحافة المرتزقه
مجموعةً من الظروف المغلقه…
وبعدها..
ينفجر النباح.. الشتائم المنسقه…
-19-
ما لليساريين من كتابنا؟
قد تركوا (لينين) خلف ظهرهم
وقرروا..
أن يركبوا الجمال!!
-20-
جئنا لأوروبا..
لكي ننعم في حرية التعبير
ونغسل الغبار عن أجسادنا
ونزرع الأشجار في حدائق الضمير
فكيف أصبحنا, مع الأيام,
طباخين..
في مضافة الإسكندر الكبير.؟.؟
-21-
كل العصافير التي
كانت تشق زرقة السماء,
في بيروت..
وتملأ الأشجار, والبيادر..
قد أحرق البترول كبرياءها
وريشها الجميل..
والحناجر…
فهي على سقوف لندنٍ..
تموت…
-22-
يستعملون الكاتب الكبير.. في أغراضهم
كربطة الحذاء..
وعندما يستنزفون حبره..
وفكره..
يرمونه, في الريح, كالأشلاء…
-23-
هذا له زاويةٌ يوميةٌ..
هذا له عمود..
والفارق الوحيد، فيما بينهم
طريقة الركوع..
والسجود…
-24-
لا ترفع الصوت.. فأنت آمن
ولا تناقش أبداً مسدساً..
أو حاكماً فرداً..
فأنت آمن..
وكن بلا لونٍ, ولا طعمٍ, ولا رائحةٍ..
وكن بلا رأيٍٍ..
ولا قضيةٍ كبرى..
فأنت آمن..
واكتب عن الطقس,
وعن حبوب منع الحمل -إن شئت-
فأنت آمن..
هذا هو القانون في مزرعة الدواجن..
-25-
كيف ترى, نؤسس الكتابة؟
في مثل هذا الزمن الصغير
والرمل في عيوننا
والشمس من قصدير
والكاتب الخارج عن طاعتهم
يذبح كالبعير…
-26-
أيا طويل العمر:
يا من تشتري النساء بالأرطال..
وتشتري الأقلام بالأرطال..
لسنا نريد أي شيءٍ منك…
فانكح جواريك كما تريد..
واذبح رعاياك كما تريد..
وحاصر الأمة بالنار.. وبالحديد..
لا أحدٌ..
يريد منك ملكك السعيد..
لا أحدٌ يريد أن يسرق منك جبة الخلافه..
فاشرب نبيذ النفط عن آخره..
واترك لنا الثقافه….