موناليزا فريحة
فتح الملعب السوري لروسيا آفاقاً رحبة فتجاوزت مصالحها الضيقة في هذا البلد والدفاع عن رئيس قد تتخلى عنه عاجلا أم آجلا. لم يعد أحد يتوهم ان موقف موسكو من النظام هو دفاع عن آخر حليف لها في الشرق الاوسط، أو تحصين لسوق أسلحة أو لمنشأة طرطوس البحرية. لم يعد عداء فلاديمير بوتين للمعارضة مجرد رد فعل رئيس يحكم بلاده بقبضة من حديد، على نضال شعب من أجل الحرية.بات واضحا أن المواجهة ليست مع العالم على سوريا، وإنما هي مواجهة مع أميركا على دور روسيا ومكانتها في العالم.
وجد الكرملين في سوريا فرصة لاعادة ترسيم النظام العالمي وفرض نفسه شريكا اساسيا فيه. في يوغوسلافيا، عجزت موسكو عام 1999 عن الدفاع عن حلفائها من الضربات الاميركية.ومنذ “الثورة البرتقالية” في أوكرانيا عام 2004، يقلقها تغيير الانظمة المهندس في الخارج. مع صدام حسين وكيم جونغ – ايل، حاولت عبثا الاضطلاع بدور الوسيط مع واشنطن.
للمرة الاولى، تبدو موسكو أٌقرب الى تحقيق هدف، وهي تسعى بثقلها لانجاحه.أخذت التسوية الكيميائية لسوريا على عاتقها. فعندما تخوف أحد أعضاء الوفد السوري الذي زار موسكو في التاسع من أيلول من تفكيك الترسانة الكيميائية بحجة أنها تهدف الى ايجاد توازن استراتيجي مع اسرائيل التي تمتلك السلاح النووي، لم يتوان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، استنادا الى “وكالة الصحافة الفرنسية”، عن الرد “أننا أفضل سلاح لديكم”.
إذا انتهت التسوية الكيميائية في سوريا الى خاتمة سعيدة،وأدت لاحقا الى وقف للنار واتفاق سياسي، وهو ما يبدو مستحيلا في الوضع الراهن، يكون بوتين قد نجح في تحقيق هدفه البعيد في استعادة المساواة مع واشنطن على الساحة الدولية. ولان موسكو تعرف أن نجاحها هذا يتطلب تعاونا من ايران، الشريك الاساسي للنظام السوري على الارض، فهي لن تدخر جهداً للتحرك على جبهة الجمهورية الاسلامية ايضاً. وفي ظل التقارب الخجول بين طهران وواشنطن، قد تجد موسكو فرصتها في محاولة ازالة عقبات لا تزال قائمة بين الجانبين.
حتى الان أخفقت محاولات سابقة لموسكو في التوسط بين طهران والمجتمع الدولي في شأن البرنامج النووي الايراني.ويعزو مسؤولون روس ذلك بوضوح الى شخصية الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وإذ يبدو الرئيس حسن روحاني شريكا ملائما أكثر للتفاوض، ربما بذل بوتين ما في وسعه ليكون عرابا لتسوية نووية بعدما صار الاب الروحي للتسوية الكيميائية.
لن يكون سهلا على واشنطن أن تقبل موسكو ندا لها على الساحة الدولية، ولكن في عالم متحول كهذا حيث ترتفع أصوات تطالب بـ”نوبل” السلام لبوتين، ويثني فيه وزير الخارجية الاميركي جون كيري على جهود الرئيس بشار الاسد، لا يعود غريبا الا يرضى قيصر الكرملين بأقل من هذا الدور.
*نقلاً عن “النهار” اللبنانية