في الوقت الذي يتبنى فيه الحاكم فكرة عالمية مبنية على ايدلوجيا سواء دينية أو دنيوية أو خرافية يكون أعلن الحرب على العالم. طالما امتلك رسالة فوق مستوى البشر فليس امامه إلا الصراع مع البشر. أصبح الجميع اقل منه بشكل تلقائي فوجبت هدايتهم. ليست المشكلة في هذا. كثير من صراعات البشر قامت على هذه النظرة الرسولية. كل من امتلك القوة ذهب إلى الأضعف منه وفرض رسالته عليه. لكن جنون منطقتنا أن يتوهم الضعيف رسالة فيقرر أن يفرضها على الأقوى منه وعلى العالم إذا لزم الأمر.
أفضل مثال على ذلك تنظيم داعش. هذا التنظيم أنقى نموذج لعُته الايدلوجيا الذي دمر هذه المنطقة. لم يأت داعش من فراغ ولم يأت من الماضي فقط وليس وحيد نوعه. هو خلاصة الإحساس الرسولي الذي ينتاب كل من امتلك القوة بشكل طارئ في منطقتنا على وجه الخصوص.
وصل القذافي إلى السلطة في زمن الحرب الباردة. الاتحاد السوفيتي وأميركا. قوتان تتصارعان بغطاء أيدلوجي. رأسمالي اشتراكي. لا يعلم إلا الله ما الذي حل بالعقيد. شعر أنه يمتلك طريقا ثالثا لهداية البشر. اعلنها النظرية الثالثة. لم يكتف بالتنظير الشفهي. ألف كتابا سماه الكتاب الأخضر. لكيلا ينخدع العالم بصغر حجمه فتح له مركزا أطلق عليه اسم مركز الكتاب الأخضر. حشد فيه خيرة الباحثين وأساتذة الجماعات فراحوا يتبارون في كشف خفايا واعجاز هذا الكتاب. عادت النظرية إلى صاحبها بعد أن أصبحت ناضجة ومفصلة ومشروحة فلم يعد لاحد في العالم المنحرف عذر التذرع بالجهل. استطاع بهذه النظرية أن يتدبر عداء جميع دول العالم تقريبا. أصبح عدوا للعرب وعدوا للغرب وعدوا للمعسكر الاشتراكي.
التقط صدام حسين بيرق العروبة ودمجه في رسالة البعث (أمة واحدة ذات رسالة خالدة). فصار حارس البوابة الشرقية ومحرر فلسطين ورائد الوحدة العربية. بعد سنوات قليلة أصبح عدو الأكراد وعدو إيران وعدو سورية وعدو تركيا ولم ينتظر طويلا حتى أصبح عدو أقرب أصدقائه وداعميه دول الخليج والسعودية.
وصل أردوغان إلى السلطة في انقرة بشعارات دينية. حقق في بداية حكمه مجموعة من الإنجازات الاقتصادية المشهودة. مضت الأمور ولكن هوس الأيدلوجيا لم ينتظر طويلا. بدأ بمجموعة من العنتريات على إسرائيل. أحيت هذه الرسالة العنتريين العرب والمسلمين وأيقظتهم من مراقدهم الذي تركهم فيه الابطال السابقون, اكتشفوا كما اكتشف هو قبلهم ان الخلافة العثمانية أصبحت على الأبواب. مضى منتشيا برسالته الخالدة. استطاع في غضون أربع سنوات أن يتدبر عداء أميركا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وسورية والعراق ودول الخليج وكاد أن ينجز حربا كبرى مع روسيا.
باختصار داعش ليس سوى النسخة النقية التي لم تعرقلها قيود السياسة.
نقلا عن “الرياض”