د. جيمس الزغبي
كتب «إليوت أبرامز» المسؤول السابق في إدارات «ريجان» و«بوش»، وزميلي السابق في «اللجنة الأميركية للحريات الدينية والدولية»، مقالاً بعنوان «الولايات المتحدة تمنع اللاجئين المسيحيين، وليس المسلمين، من سوريا». وعلاوة على كون هذا المقال مستفزاً، مثلما يشي عنوانه، فهو أيضاً خاطئ في ادعائه، وأدلته واستنتاجاته.
ويبدأ «أبرامز» بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة قبلت أكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري خلال العام الماضي، 56 في المئة منهم فقط مسيحيون. ومن خلال هذا الخيط الرفيع والوحيد، ينسج المسؤول السابق قصة كاملة، مستخدماً معطيات وحسابات خاطئة ومنطقاً معيباً إلى حد بعيد، مع لمسة اختلاق أيضاً لحبك القصة. ويقتبس «أبرامز» من أقوال «نينا شيا» المفوضة السابقة أيضاً في «اللجنة الأميركية للحريات الدينية والدولية»، التي تزعم أن هناك «تمييزاً حقيقياً وظلماً صارخاً» تقترفه الولايات المتحدة ضد المسيحيين السوريين.
ويؤطر «أبرامز» موضوعه حول افتراض أن 10 في المئة من سكان سوريا ما قبل الحرب كانوا مسيحيين. وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن «أبرامز»، من دون دليل، يزعم أن «ما يتراوح بين نصف مليون ومليون سوري مسيحي قد فرّوا من بلادهم». ولأنه لم يورد دليلاً على ذلك الزعم، لا يسعني سوى تخمين أن «أبرامز» قد استنتج ذلك بناء على إجمالي عدد اللاجئين السوريين (الذي يتراوح بين 4,5 و5 ملايين، إضافة إلى ستة ملايين سوري آخرين نزحوا داخلياً)، ومن ثم افترض أن المسيحيين لا بد أن يكونوا 10٪ من ذلك الإجمالي. وهذا أمر غير مؤكد تماماً.
ويشير المتخصصون إلى عدد من العوامل إما أن «أبرامز» لا يعرفها وإما أنه لا يقر بمعرفتها، لأنها لا تؤيد زعمه. ففي المقام الأول، لا نعرف بوضوح كم عدد المسيحيين الذين فروا من سوريا. وقد أخبرنا قادة الكنائس أن كثيراً منهم بقوا في سوريا، لأنهم شعروا بأمان نسبي في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وبعد أن بدأ الأردن ولبنان أن يحكما مراقبة حدودهما، استغل كثير من اللاجئين السوريين انسيابية الحدود التركية، ولأن أنقرة لا تتبادل مع الآخرين بياناتها المسجلة بشأن اللاجئين، فلا أحد يعرف كم من المسيحيين دخلوا تلك الدولة. وبيت القصيد هنا أنه ليس من الممكن ببساطة معرفة عدد المسيحيين الذين فرّوا من سوريا.
ويعتمد «أبرامز» في زعمه التالي على ما يصفه في البداية بـ«نظرية»، ولكنه بعدئذ يتصرف وكأنها «حقيقة دامغة»، مدعياً أن الولايات المتحدة تتلقى اللاجئين الذين تتم إحالتهم من مخيمات الأمم المتحدة في الأردن، ولا يوجد مسيحيون في مخيمات الأردن. وهذه «النظرية» هي السبب المفترض لقلة عدد المسيحيين السوريين الذين يأتون إلى أميركا. وكي يؤيد هذا الزعم، اقتبس «أبرامز» مرة أخرى من مزاعم «شيا» بأن سبب عدم وجود مسيحيين في مخيمات الأردن هو أنهم «تعرضوا لانتهاكات كثيرة هناك، ومن ثم أصبح من الخطير جداً على أي مسيحي أن يلجأ إلى تلك المخيمات».
ومن الصعب معرفة السبب في تلك القصص التي تحكيها «شيا» عن انتهاكات تعرض لها مسيحيون في مخيمات الأردن. ونحن نعرف بالفعل أنه لا يوجد مسيحيون في تلك المخيمات، وهناك أسباب أفضل للتوضيح بخلاف افتراض الخوف، ولا سيما أن 15 في المئة فقط من إجمالي اللاجئين السوريين في الأردن داخل المخيمات. وفي حين أن الأردن ليس مقصداً مفضلاً للمسيحيين السوريين، فإن أولئك المسيحيين الذين سعوا للجوء إلى هناك ذهبوا إلى المدن وقد سجلت الأمم المتحدة المسيحيين في الأردن من خلال ذهابهم إلى الكنائس طلباً لمساعدتها.
وفي ضوء ذلك، أتساءل: لماذا يعزف «أبرامز» ورفاقه على هذه النغمة في الوقت الراهن. فلا يمكن أن يكون ذلك لأنهم يكترثون لأمر المسيحيين. وخصوصاً أنه طوال السنوات الثلاث الأولى من حرب العراق (التي أيدها أبرامز بصفته نائباً لمستشار الأمن القومي في إدارة بوش)، تعرض المجتمع المسيحي في العراق لظروف صعبة، وتراجع تعداده من 1,4 مليون شخص قبل الحرب إلى 400 ألف فقط في 2008، ولم نسمع حينئذ كلمة تنم عن قلق بشأن مصير المسيحيين. والآن فقط يتم تحميل المسؤولية لإدارة أوباما عن الإخفاق في حماية «المسيحيين المستضعفين».. إنني أشم رائحة السياسة في هذا الأمر، وتحويل المسيحيين السوريين إلى ورقة في السجال الداخلي الأميركي!
ويختتم «أبرامز» مقاله بالحض على تأييد «قانون إغاثة المضطهدين دينياً»، الذي يرعاه السيناتور «الجمهوري توم قطن» عن ولاية أركنساس. ويوجه القانون انتقادات إلى إدارة أوباما وإلى الأمم المتحدة، وهذه الانتقادات غير منصفة ولا أساس لها. فالمسيحيون وإن كانوا تعرضوا لأهوال، فإن الأقليات الدينية الأخرى في العراق وسوريا لم تتعرض لأقل من ذلك. وضحايا هجمات البراميل المتفجرة وغاز الكلور التي شنتها قوات الأسد هم المسلمون السنة.
ولكوني مسيحياً من أصل عربي، وأكترث بشدة لمصير مسيحيي الشرق الأوسط، أرجو أن توقفوا استغلالهم في السياسة الأميركية مرة أخرى!.. نزكي لكم ايضا: هام اميركي سوري جيمس زغبي تحاوره هيفي بوظو