هذه مقالة قديمة مضى عليها اكثر من 25 عاما، لكنها تبدو وكأنها تتعلق بأمور حدثت في الشهر الماضي.
أنت الآن تقود سيارتك باتجاه احدى محطات الوقود في أي مكان من الولايات المتحدة الامريكية، لن تجد ليترا واحدا ينهمر داخل الخزان الفارغ ان ظهر للبائع انك ستعطيه ورقة نقدية من فئة المائة دولار!.
محطات تزويد الوقود في امريكا من اكثر الاماكن تعرضا للسطو المسلح، وهم يسيرون على فلسفة ثابتة – كما شرحها لي احدهم – «اذا كان لدي – فراطه – في صندوقي، فأنا احتفظ بعشرين دولارا فقط واضع الباقي في خزانة حديدية بالداخل، ان تعرضت للسطو فسأفقد هذا القدر من المال، لكن ذهاب ورقة المائة دولار سيجلب لي الجنون»، ثم اضاف ضاحكا «وبالطبع لا استطيع ان استخدم المقص واجعلها ثلاثة اجزاء، فهذا سيحولها الى مجرد.. ورق تواليت»! ثم سألني: «هل سبق وان سمعت ان مليونيرا سمي كذلك لامتلاكه مليون قطعة ورقة. تواليت»؟
في العام الماضي، فاجأني مراسل محطة التلفزيون الامريكية «ان.بي.سي» في عمان بطلب اجراء حديث تلفزيوني للشبكة، وعندما سألته عن الموضوع قال: «كيف ترون المصداقية الامريكية الآن – بعد صفقة الاسلحة الشهيرة – في الخليج، باختصار اكثر.. هل تثقون بنا أم لا؟».
في واقع الحال، يمكن اعتبار ايران هي ورقة المائة دولار التي ترفض الولايات المتحدة – ومازالت – ان «تفرطها» مقابل سبع دول خليجية – بما فيها العراق – خاصة وان امريكا تنظر الينا على اعتبار اننا مجموعة من «محطات الوقود» المعرضة لـ«السطو المسلح»، قد تتحمل خسارة جزء من «الفكة» وضياع خمسة دولارات من هنا وعشرة من هناك، لكنها – لم ولن – ترضى بضياع الورقة النقدية الكبرى ايران التي تشكل «محفظة» المصالح الاستراتيجية لواشنطن في المنطقة!
لقد بدأ القمار في عام 1979، عندما «فكت» امريكا شاه ايران بمائة من فئة «الشاه الواحد» لانهما وجهان لعملة واحدة، ثم ابتدأت تضع واحداً تلو الاخر داخل ماكينة الحظ، بانتظار ساعة ظهور «التفاحات الثلاثة النضرة» ألم يقل «نيكيتا خروتشوف» ان «ايران تفاحة مهترئة متدلاة من شجرة مسوسة ننتظر سقوطها»؟
جعل الشاه «خردة»، لم يكن سوى عملية نقل المحفظة من جيب الى جيب، وكلاهما مثقوبان، «ماكينة الحرب» – هذه المرة لا الحظ – ابتلعت عددا من «الشاهات الجدد» في طهران في عمليتي تحرير الفاو والشلامجة، لكن الكف الامريكية مازالت تقبض بضع قطع اخرى ستواصل اللعب بها حتى آخر قطعة من فئة الشاه الواحد!
ان نجح هذا الرهان – والذي نخشى ان يكون حظ المبتدئين – فلن تجد المنطقة العربية بأسرها – لتجفيف عرقها ودمائها – سوى.. ورق التواليت!، هذا.. ان كان متوفرا!
ماقل ودل : تشبيه منطقي وواقي صادق ، كل ما يستطيع المرء قوله أن ماينقص الشعوب العربية هو الشجاعة في قول الحق والحقيقة ، سلام ؟