قبل ما يقارب العشرة أعوام كتبنا سلسة مقالات حول الدور التخريبي الإيراني في العراق، ونشر حينها في العديد من المواقع والصحف، تطرقنا فيها الى أبرز السلبيات وأخطرها، وتغاضينا عن البعض منها لأنها لم تكن حينها على القدر لكبير الذي تمثله في الوقت الحاضر ومنها موضوع سد بعض الأنهر الممتدة والرافدة للأنهار العراقية مثل نهر الوند، وتلويث مياه الخليج العربي، وجعل العراق مبزل لملوحة الأراضي الإيرانية، وتخفيض حصة العراق من المياه بمقدار حوالي 40% بسبب السدود الأيرانية والتركية، والتصرف بحصة العراق المقررة وفقا للإتفاقيات بين دول الشاطيء، وذلك بسبب ضعف العراق من جهة وذعونه لنظام ولايه الفقيه، ووجود الميليشيات العراقية التابعة لإيران والتي شكلت ما يسمى بالدولة العميقة، او الدولة القوية داخل الدولة الأم الضعيفة. لذا لم يكن من الغرابة انه لا مجلس النواب ولا الرئاسات الثلاث تجرأت على مناقشة هذا الأمر الخطير، في الوقت الذي هجر الآلاف من الفلاحين أراضيهم الزراعية وتحولوا الى مهن اخرى، او حولوا مزارعهم الى أراضي سكنية بتواطؤ مع المؤسسات الرسمية ذات العلاقة. العجب ان اكثر المحافظات المتضررة هي في جنوب العراق والمحسوبة على النظام الإيراني ويدين معظم سكانها بولاية الفقيه، على الأقل من وجهة نظر نظام الملالي!
أشرنا سابقا الى أضرار ما يسمى بزواج المتعة وهو زنا مبطن وكان ضحاياه الآلاف من العراقيين الذين أصيبوا بالأيدز سيما خلال الزيارات العاشورية حيث تتوافد الآلاف من النساء لغرض المتاجرة بأجسداهن تحت غطاء الزيارة العاشورية، وتحجم مؤسسات الدولة ان تكشف بينات صريحة عن عدد المصابين التي يقدرها البعض بأكثر من مائة ألف حالة، وربما أكثر.
كما ان انتشار المخدرات صارت من المشاكل الخطيرة التي تهدد شباب العراق في ظل الفقر والبطالة وسطوة الميليشيات وانتشار الدعارة، وصارت الحبوب المخدرة والكرستال الأيراني من ابرز صادرات الدولة الشقيقة كما يسميها البعض للعراق، وانتشرت هذه الظاهرة بصورة خطيرة في جنوب العراق والعتبات الشيعية في كربلاء والنجف، وهذه حالة طبيعية في ظل ان أكثر المحافظات فجورا وتعاطيا للمخدرات في ايران هي مشهد، فلا عجب ان تنحو النجف والكربلاء نحوها. كذلك لم تجرأ الرئاسات الثلاث على مناقشة هذا الموضوع الخطير، او تطالب النظام الأبوي لها في طهران للحد من ظاهرة تصدير المخدرات للعراق، علما انه هناك تعاون مبطن ما بين الحرس الثوري وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية لإغراق العراق في المخدرات وجعله جسرا الى دول الخليج العربي، ونجحت الخطة في ظل هيمنة الميليشيات الشيعية على الدويلة العراقية التي فقدت كل مقومات السيادة والكرامة الوطنية. في العام الماضي حطم الزوار الايرانيون المركز الحدودي في الفرات الأوسط، واعتدوا بالصرب على حرس الحدود، ونهبوا المركز، وكان البعض منهم يحمل نسخ من القرآن الكريم مجوفة من الداخل ومليئة بالمخدرات، دخلوا بلا تأشيرة دخول محملين بالمخدرات والسلع المهربة، وأسدل الستار عن هذه المسرحية من قبل حكومة العبادي لسبب لا يخُفى عن لبيب.
من الأمور التي لم نتحدث عنها حينذاك هو تحول ايران الى ملجأ للفاسدسن من المسؤولين العراقيين والهاربين عن العدالة (بتواطيء القضاء العراقي المسيس الذي يصدر مذكرات إلقاء القبض بعد أن يطمئن بأن المتهمين صاروا في ولاية الفقيه أو خارج العراق)، فمن مناف الناجي ممثل السيستاني بطل فضيحة العمارة لغاية محافظ البصرة الأخير ماجد النصراوي (المجلس الاسلامي الاعلى بزعامة عمار الحكيم) المدان بعشرات الملفات من الفساد، والآلاف ما بينهما هربوا الى ايران ووجدوا ملاذا مذهبيا آمنا، لا يجرأ احد من الرئاسات الثلاث ان يطالب بهم، مع ان العراق وايران يرتبطان بإتفاقية إسترداد المجرمين، وقد استردت ايران جميع سجناءها من العراق، لكن ولا سجين او هارب عراقي متهم بالفساد تمكنت الحكومة العراقية من استرداده من ايران.
عندما كتبنا عن الدور التحريبي الإيراني لم يكن حينها قد ولد الحرس الثوري العراقي تحت مسمى الحشد الشعبي، ولم تتوسع وتتشظى الميليشات التابعة لولاية الفقيه بهذه العدد وهذه القوة، ولا الوقاحة السافرة عندما يعلن معظم زعماء الحشد الشعبي أن ولائهم لإيران، بل وصلت السفالة بالبعض منهم (هادي العامري زعيم ميليشا بدر، وواثق البطاط زعيم ميليشيا حزب الله العراقي) ان يصرحا بأنه إذا حصلت حرب افتراضية مع ايران فانهما سيقاتلا مع الايرانيين ضد العراقيين، وتأريخ هؤلاء الأوغاد يؤكد هذه الحالة الشاذة في تأريخ الأمم، فقد سبقوا ان قاتلوا الجيش العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية.
لم تكن قد حصلت حينذاك الجرأة عند الإيرانيين بأن يحولوا العراق الى ساحة عنتريات يتهجموا فيها على الأشقاء العرب في السعودية والبحرين، لا نعرف ما هي علاقة عاشوراء بموت آل سعود، وإحتلال الكعبة؟ وهل يرضى اي عربي شريف له كرامة وطنية وايمان حقيقي ان يحتل الفرس مكة، وتعاد مأساة سرقة الحجر الأسود؟ سبق ان شهدنا أفعال الحجيج الإيرانيين في مكة خلال السنوات السابقة، وكيف حولوا الحج من فريضة إسلامية الى تظاهرة سياسية، ضاربين حرمة الحج عرض الحائط. كما ان المعارض التي تقوم بها المعارضة البحرينية في كربلاء والنجف برعاية مجالس المحافظات وتستر حكومة العبادي تثير الإشمئزاز والتقزز، وتحجم من تطوير علاقات العراق مع الدول العربية. علما ان ما يسمى بالمعارضين البحرينيين هم من الإرهابيين والمجرمين المدانين من قبل القضاء البحريني، ويفترض أن تسلمهم الحكومة العراقية الى بلدهم، وليس أن تحتضنهم سيما إنها تدعي محاربة الإرهاب، في حين هي تحتضن إرهابيين على أراضيها، والأنكى أن تسمح لهم بالقيام بنشطات معادية ضد مملكة البحرين.
ولم تكن قد حصلت مصيبة أخرى نُوه عنها مؤخرا بعد ان استفحلت، مع انها لم تكن جديدة، بل تم إحتوائها من قبل الأحزاب الشيعية الحاكمة بسرية وكتمان نصرة للمذهب، لحد ما تضخمت وصارت تهدد الأمن الوطني الملثوم أصلا، والطريف في الأمر أن من كشف الظاهرة ليست المخابرات العراقية، ولا مخابرات اقليم كردستان كما يفترض، بل كشفها خبير وصحفي إيراني هو (علي جوانمردي) والذي يعمل في إذاعة صوت أمريكا
(VOA)
. فقد ذكر في تقرير موثق ومصور نُشر في 18/11/2017 تضمن الآتي” أن أجهزة المخابرات والأمن في إيران تعمل على تطبيق خطة تجسس خطيرة منذ عام 2009 في إقليم كوردستان العراق تستهدف لجمع معلومات وابتزاز السياسيين والقادة العسكريين ومسؤولي الحكومة”.
وأضاف “تابعت لعدة أشهر موضوع تجسس الأجهزة الإيرانية في العراق وأجريت مقابلات مع مسؤولين أمنيين رفيعين عديدين في إقليم كوردستان، كان كلامهم معي متطابقاً، ومفاده أن السلطات الإيرانية تقوم بتوظيف محكومات عليهن في قضايا أخلاقية ومخدرات للعمل كجاسوسات”. وكشف علي جوانمردي أن ” أجهزة الأمن في إقليم كوردستان قامت باعتقال المئات من النسوة الإيرانيات بعد اكتشاف قيامهن بأعمال منافية للآداب بهدف جمع المعلومات وابتزاز المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين ومسؤولي الحكومة، وتم ترحيلهن إلى بلدهن وإبلاغ الجانب الإيراني بسبب الاعتقال وتفاصيل قضاياه”.
العاهرات هنٌ مجندات من قبل المخابرات الإيرانية وكنٌ سجينات، وتمت مساومتهن على إطلاق سراحهن مقابل القيام بمهام إستخبارية محددة، فقد اشار جوانمردي” أن الأجهزة الأمنية الإيرانية في محافظات، كرمانشاه، أذربيجان، طهران، زارت سجون هذه المحافظات النسوية؛ للإطلاع على ملفات النزيلات المحكومات بقضايا أخلاقية ومن ثم تجنديهن للعمل لصالح هذه الأجهزة لفترة نظير إسقاط الحكم بحقهن”. ومضى بالقول ” النسوة اللواتي تم القبض عليهن اعترفن بتجنيدهن من قبل عدد من قادة الأمن الإيراني بينهم: حاجي بابائي، حامد حسيني، حاجي ناصر، حاجي قدرت، أميري، أميني، إذ تم مقايضتهن لإسقاط الحكم عنهن أن يذهبن للعراق وتحديداً إلى إقليم كوردستان والعمل كجاسوسات لجهاز المخابرات وجمع المعلومات لمدة ستة أشهر إلى سنة واحدة”. مضيفا ان الجاسوسات” خضعن للتدريب لعدة أيام على يد الأمن قبل ترتيب سبب سفرهن للعراق كغطاء لمهمتهن الأصلية وهي الاقتراب وبناء صلات مع مسؤولين سياسيين وعسكريين وحكوميين”.
ونقل الصحفي الإيراني المعارض عن مصادر أمنية خاصة في محافظة السليمانية العراقية قولها إن 400 امرأة إيرانية تم كشفهن من قبل الأمن في المحافظة حتى الآن، كنٌ مكلفات بأعمال تجسس وجمع للمعلومات”.
الأسئلة المهمة:
1. لماذا تكتمت حكومة الأقليم عن هذا الأمر الذي يتعلق بالأمن الوطني، ولم تعلن عنه، بل نشر من قبل الصحفي، وتلاه اعتراف حكومة الأقليم بصحة المعلومات الواردة في التقرير.
2. هل الأمن الوطني للإقليم مستقل عن الأمن الوطني لحكومة بغداد؟ الا يوجد تنسيق بين الطرفين في هذا الموضوع الحيوي؟ مع ان حكومة بغداد سوف لا تفعل شيئا تجاه هذه المخاطر كالعادة.
3: الأمور الحساسة التي تتعلق بالأمن القومي، اي الجاسوسية بالتحديد، لا تخضع لإتفاقية إسترداد المجرمين، ويفترض ان يحاكموا في محاكم الأقليم، وليس تسفيرهن ببساطة الى مجنديهم، كأنهن عاهرات ولسن جاسوسات. وهل تتوقع حكومة الأقليم ان الحكومة الإيرانية التي جندتهن سوف تحاسبهن؟
4. يفترض ان تعلن حكومة الإقليم عن هذه الحالات لكي يكون المسؤولين من العرب والأكراد وبقية المواطنين على بينة من هذا الأمر، وان لا يقع المزيد من الضحايا في شباكهن، الله أعلم كم كلف هذا التستر من خسائر إضافية بسبب عدم اعلانه وتوعية الناس به.
5. ما هي الإجراءات الوقائية التي إتخذتها حكومتا بغداد والإقليم بهذا الصدد للحفاظ على أمنية البلاد من جهة وسلامة المواطنين الصحية من جهة أخرى، أليس هذا الأمر يستدعي مثلا مراقبة الزائرات الإيرانيات والمطالبه بأن يصحبهن محرم، علاوة على وجود كشف صحي يثبت سلامتهن من الأمراض المعدية (الأيدز، الجرب، السيلان والفيروس الكبدي) سيما إنهن سجينات سابقات؟ ولا أحد يجهل ظروف السجناء سواء في ايران أو العراق.
العجب أنه مع كل هذه المصائب، هناك الكثير من الأمعات العراقيين ما زالوا يدافعوا عن ولاية الفقيه! قال تعالى في سورة الأنفال/ 22 (ان شر الدواب عند الله الصمُّ البكُم الذين لا يعقلون)).
علي الكاش