سونيا ابراهيم
جريمة اغتصاب الآباء و الاخوة للبنات و الصغار في غزة
أجد أنه من بين أكثر الأمور صعوبة عليّ، بالاضافة إلى أني دفعتُ من صغر عمري مأساة لا يحتمل تصورها أي انسان بالغ بعقل و روح راشدين، و لكنه بالواقع من أصعب الأمور عليّ هو كان سؤال إحدى صديقاتي سابقاً: كيف تقدرين على الحياة بعد كل هذا؟؟ كيف تعيشين فيها؟ إنه سؤال صعب و محير و مؤذ على الناحية المعنوية و الروحانية بالنسبة لي.. بكل بساطة لم أقترف أي ذنب عندما كنتُ في الرابعة و حتى بعدها في كل مرحلة من مراحل حياتي.. إنه يصعب عليّ حتى الآن أن ألمح عنوان قصة جديدة في الصحف الالكترونية عن اغتصاب أو قتل أطفال و نساء أبرياء.. إذن الحياة ليست و لم يكن أي شئ فيها خياراً بالنسبة لي، و لم أجد أنه في أي يوم من حياتي، بعد أن أكملت شطراً منها في غيبوبة الذكريات التائهة مني، و أنا أخبر المقربات مما اعتقدتُ أنهن زميلاتي حوادث الاعتداء المتكررة التي تعرضت لها بفعل أفراد عائلتي، أن هناك أي أمل في الدعم المعنوي و النفسي دون عزلنا أو تهميشنا!
لقد كانت زيارتي المحاولة الأخيرة في بداية يوليه الماضي، عندما أخبرت إحدى المحاميات الناشطات، التي تعمل بسرية تامة فيما يتعلق بمساعدتي، و أشعر بخجل فظيع من انتمائي لنفسي، دون أي تواضع عندما أبلغكم أنه مهما تحدثتُ إليها، وجدتُ أنه ينبغي عليّ أن أراعي حالتها المعنوية و النفسية، حتى أني شرحتُ لها من ناحية سيكولوجية بداية ذكرياتي flashbacks ، و كيف أني ما زلتُ أرقد في نفس غرفة النوم، التي تعرضتُ فيها لكل تلك الكوارث.. على المستوى الانساني قد تتعرض أي امرأة للشعور بالغثيان، و تطلب الرحمة عند سماعها لتفاصيل قصتي؛ بل إنه قد ينتابها الغضب لمجرد أن تعلم أن لوالدتي مسئولية في ذلك.. أنا أتساءل مع نفسي: كيف قضيتُ فترات عقوبة طويلة من حياتي.. و دفعتُها من عمري منذ طفولتي و حتى الآن، دون أن يتحمل المجتمع مسئوليته، و زيادة في السوء؛ على أن يُهمّشوا أو يعزلوا الضحية خوفاً عليها من شؤم المجتمع الذي يغرق بالجهل و الوحشية.. أنا أُقنع نفسي كل يوم، أنه لا ذنب لي، و أن العار هو من يجب أن يدفع ثمنه المسئولون؛ حتى أني ظليت أكتب كل يوم من جديد كلما ساعدتني الذاكرة عما أصفه مواضع الألم في حياتي.. إلا أنه يبدو أنني الوحيدة في حياة هذا المجتمع- على نطاق ضيق جداً- من لها القدرة الفظيعة على مواجهة ذلك.
صعب في الحياة أن تنظروا إلى أنفسكم في المرآة، و أن تجدوا سبباً واحداً يعطيكم الثقة و القوة، في حال خطر لكم أنه من أكثر الأمور التي سمعتها في حياتي و آذتني، كانت من احدى زميلات الجامعة المتنمرات، و هي تستغل زلة لساني: أنتِ لم يلمس جسدكِ أحد سوى أفراد عائلتكِ الذين أرادوا التمتع بك أيتها الصغيرة! لقد كانت اهانة لكرامتي، و اساءة موجعة، و أنا أتذكرها مع طيلة الوقت، و تعود لي الذكريات.. أنه بالكاد كنت أسمع الاساءة اللفظية، بعد أن أوشت بي تلك المتنمرة لباقي زميلاتها، و كانت الواحدة منهن تقول لي: لا تعتقدي أنكِ سوف تصبحين شيئأ مهماً يوماً ما.. لم يكن كافٍ بالنسبة لهن معاناتي، و الشلل الذي يصيبني فأشعر بأني عاجزة.. و لكني على طول هذا المقال، سوف أكون مضطرة أن أنشر لكم بعض من ذكرياتي، و كيف أن تكرار حدوث الاعتداء الجنسي على حياتي و جسدي و رورحي ترك أثراً كبيراً من الألم، بالكاد تستطيعون التفكير به، و بالكاد أقدر التعامل معه:
” الكوابيس تقتل الصمت إن لم تمنعه،
أبشع ما ذكرتني به كوابيسي هو الشعور اللحظي بالممات، عندما كنت أشعر بوالدي فكان عقلي يحاول أن ينقذني، يوقظني، ينتشلني و لكن جسدي كان مشلولاً خائر القوى، بعد أن اغتصبني و أنا في الخامسة من عمري، الذنب الوحيد لم يكن – أنا حينها؛ بل أني ابنة هذا الرجل البيدوفيلي. كما شعرت قبلها عندما وضع أخي عضوه في فمي و كنت حينها لا أفهم ما قاموا به ضدي! بعدما انتهى – أخي- كنت أرتمي على الأرض، أشعر بالاشمئزاز من سائله المنوي، و قد قتلني البكاء، حطامي كان هو كرامتي التي انتهكوها! هكذا ظليتُ أشعر بمعنى الاغتصاب منذ طفولتي كلما رأيتُ تلك النظرة في عينيه تجمّد قلبي، و أصاب جسدي الشلل على الرغم من استيقاظ عقلي- كانت الطفلة بداخلي مقتولة، صار عمرها أكثر من خمسين عاماً. كان يقول أخي بعدما انتهى، و أنا ما زلتُ أرتمي على الأرض: هل كدتِ أن تموتي؟ و كأنه لم يفعل شيئاً! أنتِ كنتِ مريضة و أنا – الوحيد- من ساعد شفائك هذه المرة! قالها أكثر من مرة ليتأكد من أن عقلي قد مات مائة مرة حتى لا أستيقظ قبلما ينتهي من اطلاق منيه! قالها و أطلق منيه ليتأكد أني ميتة بعد أن انتصر! هكذا ظليتُ أشعر بالذنب و اللوم تجاه جسدي دون سبب واحد للفهم!…… “
كانت محاولات الاعتداء المتكررة تجلعني أشعر بأني أكره الحياة، و أفقد منذ اليوم الأول ما ظننتُ أني خُلقتُ من أجل أن أكُونه، مجرد انسانة طبيعية لها الحق في الحياة، و لكن هناك الجزء الأسوأ، الذي لن أنساه، عندما كنت أشعر بما هو معنى الانتهاك:
” كان يتكرر الاعتداء الجنسي على جسدي منذ أن كنت في الخامسة، و السادسة، و السابعة، و الثامنة، مرتين أو ثلاث مرات في كل أسبوع تقريباً، بين حين و آخر، حتى قبل مجئ أختي الصغرى إلى هذه الحياة.. كانت تأتي والدتي في الليل بعد أن يذهب جميع من في المنزل إلى النوم.. كان يبدأ بلمس جسدي بأماكن مختلفة، و كان يضع أصابعه ما بين فخذي، و أذكر أنه لشدة ما بكيت و صرخت كانت والدتي تنصحه بأن يصفعني، و تنهرني و تهددني؛ لكي أسمح له بوضع نفسه ما بين أعضائي.. المرة تلو الأخرى حتى أفقد الأمل من الصراخ.. و كان هو يستمر بالاعتداء عليّ، أن يحاول فتح ما بين فخذي و لمس أعضائي، و كنتُ حينها أشد على كل طرف من أطراف جسدي بقوة؛ لكي أمنعه من محاولة لمسي.. فكان يضغط بأصابعه على منطقتي العضوية الحساسة لكي يدفعني على أن أفتح ما بين أعضائي.. و كنتُ أصرخ في البكاء.. كان لا يمتنع حتى يقول لي: سأتوقف عندما تكفين عن البكاء.. سأتوقف بعد أن تضعينه بين فخذيك.. هذا هو الشعور بالانتهاك.. أتذكره جيداً و أنا أشعر بالعجز عند طرف قدمي اليمنى.. أشعر بأنه يصيبني الشلل من جديد.. كلما تذكرتُ اقترابه مني..”
أذكر جيداً أن والدتي كانت لا تعود إلا للتأكد من أني لم أستفق من شدة انهياري في البكاء.. بعد أن يضع كل ما قذفه على عضوي التناسلي.. كانت تردعه، و تطلب منه أن يتوقف!
يشتد الأمر سوءاً، عندما أفكر أحياناً أنني خجلتُ مما ارتكبوه بحقي، و بأني أخجل كل يوم من المجتمع الذي يعامل الضحايا اللواتي لم يرتكبن الذنوب سوى باجحاف و جحود قاتمين.. و أشعر أنه مهما ظل مجتمعنا غارقاً بالتجاهل و السوداوية فإن الأمر لن يتوقف:
” كنت في السنة الجامعية الثانية، و بدأت حينها التعرف على زميلة جديدة، لم تكن من نفس تخصصي الجامعي.. و لكني بعد أن أثارت فضيحة لي إحدى الزميلات المتنمرات، كنتُ أشعر بالوحدة، و أنا أقنع نفسي أنه يجب عليّ ألا أخرج عن الوعي؛ حتى لا تتنمر عليّ شابة أخرى.. أنتم تعلمون أن وحدها والدتي هي السبب.. و لكن هذا لم يكن يكفيني، و انا أستمر بنفس العذاب و عقلي مشلول تاماً، و أنا أشعر بالضياع في هذه الحياة.. لم تكن الزميلة لديها أم تعلم ما حصل لها مثل حال والدتي.. و والدها الذي اعتدى عليها كان رجلاً معروفاً يعمل في مهنة مشهورة، و لديه علاقات معروفة منذ قبل زواجه، و حتى من خلال سفره المتكرر إلى احدى الدول المجاورة.. عرفت عنها دون أن تخبرني شيئاً، كانت ترتدي الأسود، عدوانية و انتحارية.. و دائماً تبكي في اللحظة التي لا تشعر فيها بالذنب.. زميلة أخرى اضطريتُ أن أُفْصِح لها الأمر و هي تكبرني بعامٍ، أخذتُها في مكان بعيد عن كافتيريا الجامعة، و قلتُ لها أن أخيها يحاول الاعتداء عليها، بعد أن علم عما فعله والدها المتوفى من قبل.. حتى صرختْ و لم تقبل الاستماع إلي.. أكدتُ لها أني لم و لن أخبر أحداً، و لكن بعض الزميلات المتنمرات هن دوماً على أهبة الاستعداد- حتى لا تفقد و عيها مثلي..”
لا يغيب عنكم أني لشدة ما خفتُ اضطريتُ أن أنكر هذا، و أعيش في كذبة النكران بعدما تكررتْ الاعتداءات الجسدية علي.. في حال لم أقدر على أن أصدق أن هذا كله كان بإمكانه أن يحصل لي، و أني غير قادرة على الصراخ، أو وصفه بالطريقة التي تُزعجني لأني خائفة، بل كنت أشعر بالعجز تماماً.. هكذا ما كنت أشعر بعد أن استيقظت من غيبوية شللي الفكري و النفسي.. لقد اكتشفتُ زميلتين ما زالتا تعيشان في نفس المكان، أعرفهما، و تحدثتُ إليهما.. في مرحلة الجامعة.. ما بالكم في المراحل الأولى من الطفولة.. حيث يذهب الأطفال للمدارس و قد يتعرضون للاستغلال من معلم أو عامل نظافة أو.. حتى معلمة تعاني من الشره الجنسي:
” لم تتنوع الاعتداءات في حياتي، و هذا ما كاد يصيبني بالشلل، أنتم بالكاد تقدرون على التقيؤ بعد أن تسمعوا حادثة حقيقية حدثت في كل حياتكم، و لكن لحظة.. لقد هددتني أختي باستخدام المقص؛ لقطع أعضائي! كنت في ذلك السن بين السادسة و السابعة، لا أذكر جيداً، و أنا هنا أحاول أن أخبركم بصدق ما حصل لي. لربما تتساءلون هل هذا عالم حقيقي أم هو عالم من الوحوش الذين لا نراهم.. و بدون أن يتم توجيه التهم للمدانين أو المعتدين.. استطاعت أختي من جديد أن تمارس التهديد بعدما حاولتُ أن أخبرها من خوفي مما تسمح أمي لأبي بأن يفعله بعد ذهابهم إلى النوم كل ليلة.. لم تكن تصغِ إليّ أختي باهتمام، بل أنها كانت تفكر بما كان بمقدروها أن تفعله.. أخجل أن أقول أنها كانت الشخص الثالث الذي انتهكني.. حتى تمكنتُ من ايقافها.. أخذتْني إلى الحمام العلوي، أخذتني أسفل طاولة السفرة.. و أنا أطلب مساعدتها من أجل أن تحميني من أبي و أمي، و هي تنتهكني.. تمكنتُ من ايقافها بعد أن أخبرتُ أخواتي الأخريات عنها.. و لكنها ظلتْ لئيمة، و مشوهة نفسياً و متنمرة..”
في المجتمع الفلسطيني- غزة- تحصل الحوادث كما تعلمون.. و تحدث أبشع الجرائم الانسانية من المجتمع نفسه كل يوم، بالكاد تصدقون، بل لربما تشعرون برغبة في التقيؤ.. حتى أنا نفسي أشعر بالاختناق، لساعات طويلة، أكون فيها غير قادرة على التنفس أو التقيؤ.. و لكن مجتمعنا الذي لا أعلم كيف يمكنني أن أُقيّمُه باللاانساني، المتوحش، الحقير، البشع.. لا زال لا يصدق بل بمجرد الانتهاء من قراءة قصتي أو أي نوع من هذه القصص.. يقررون أن ينسوا و يتخاذلوا..
مع أني لم أكن معتادة على توجيه الخطابات إلى أي أحد، و لكني هذه المرة سأشعر بالخجل أني مضطرة لتوجيه رسالة أو استفسار لربما مَن هم قادرين على ذلك بامكانهم التوسع في نشرها أو ايصالها: إلى متي يا حضرة الرئيس محمود عباس ستظل تُحَمّل الضحايا ذنب أفكارك و تَسلُطها؟ أنا أتحدث إلى الرئيس، الذي يحبُ أبناؤه و مساعديه الظهور في الحلقات النهائية لبرامج الهواة؛ لكي يَدّعُوا أنهم يقومون بأعمال الشعب الفلسطيني؟ و لكني أتساءل: هل كل مرة سأظل أشعر برغبتي بالتقيؤ مثلما جاءتني شابة صغيرة منذ أسبوعين، بالكاد أعرفها، لتخبرني عن اعتداء والدها على طفولتها؟ أتساءل و أنا أخشى عليها: ماذا لو سقطتْ بزلة لسان أمام زميلاتها المتنمرات في الجامعة؟ ماذا لو أنها شعرتْ؛ لأنه لم يصدقها أحد، بأنه ينبغي عليها أن تشعر بالشلل العقلي و النفسي.. لا أشعر أن أي أحد لديه أي ميزة ايجابية عني بالرغم من أني أعيش الخطر و الاساءة و التهديد في حياتي.. و لكني أتمنى ألا نعيش بمعزل عن العالم.. أنا لا أتمنى أن يحصل هذا لأي طفل بالعالم.. بل أنا أدفع ثمن الخطيئة أمثالهن دون أن أمتلك شيئاً!