قصة و حكمة من زياد الصوفي..95

الحلقة الخامسة و التسعين..

القصة:

من بين الأخطاء التاريخية اللي وقعنا فيها،و نتيجة مخطط جهنمي لنظام الأسد،حاول عن طريق أجهزتو تحييد ذكر مجازر حلب لما ينحكى عن مجازر التمانينات، و بالحقيقة كلنا وقعنا بهالمطب و نسينا أنو اللي صار بحلب لا يقل أبدا من حيث عظمة الموقف و فداحة الخسارة عن اللي صار بحماة..

اليوم بدي اطلع عن السياق العام لقصة و حكمة و احكيلكون عن واقع عيلة حلبية متجذرة الأصول، عيلة عانت اعتقال الأب سنة 80 ، و فيكون تقيسو على هالحكاية آلاف الحكايا المتشابهة اللي صارت بعد مجازر حلب و حماة..

أخدو أبو النور من بيتو بنص الليل، سحبوه ببجامة نومو قدام زوجتو و ولادو الاتنين، و ساقوه على جهة مجهولة..

ما تركت حدا أم النور بالبلد إلا سألتو عن مكان اعتقال زوجها، بس ما إجاها أي تأكيد بهالموضوع..

زوجة فاضلة مع ولادها الصغار، شافت حالها وحيدة و عم تتراشقها أكاذيب ضباط الجيش و المخابرات مرمية بين الحلم و الأمل..

بعد تلات سنين من هالقصة، بيجي ضابط برتبة عميد و بيقدم نفسو على أساس العميد أبو رافع، و أنو هوة قادر يرتب لأم النور و الأولاد زيارة مقابل 25 ألف ليرة..

هالمسكينة بتبيع اللي فوقها و اللي تحتها و بتعطيه هالمصاري لهالعميد بانتظار تحديد موعد الزيارة..

أم النور طاير عقلها، أنو بكرة جاية سيادة العميد ياخدها، بس أبو رافع ما إجا..

ما رح خبركون و أدخل معكون بتفاصيل طويلة و عريضة من مرارات هالعيلة عند زيارة أي مديرية دولة ليقضو غرض، و لا رح احكيلكون عن المساءلات الأمنية السنوية للزوجة و للأولاد و زياراتهون المتكررة لأفرع الأمن لمجرد تهمة معلبة للزوج بخيانة الدولة..

طولت غيبتو لأبو النور، و مرو العشر سنين متل نوم العيون، و بديت هالعيلة تتعايش مع واقعها الجديد..

بصيف 90 ، بيرن جرس الباب، بيفتح نور: مين حضرتكون؟؟

رجال بتياب نقيب و معو مرتو ..

وينا أم النور عاوزينا؟؟

هالنقيب بيفتح الجرح اللي كان بدي يضمر، و بيوعدها لأم النور يدبرلها زيارة على سجن صيدنايا..

و لحتى يقنعها، بيفرجيها تصريح موقع من حافظ الأسد للسماح لهالعيلة بزيارة السجن..

طار عقلها أم النور، و جهزت الأولاد و جهزت حالها لتاني يوم يجي سيادة النقيب و ياخدها عالشام..

بالفعل تاني نهار بيجي النقيب مع مرتو بسيارة بيجو بيضا 504 و بياخدوها لأم النور و الأولاد عالشام..

سعر التصريح يومها اتضاعف و صار 50 ألف..

بيوصلو عالشام، و بغفلة من أم النور و الأولاد، بيهرب النقيب و مرتو و لا كأنو فص ملح و داب..

قالتلون لولادها لحتى تبرر المسكينة و تخفف عنهون حزنهون، أنو معنا التصريح خلونا نطلع عالسجن بركي بيخلونا نشوفو..

بيوصلو عصيدنايا، و بيسلمو التصريح الموقع من حافظ الأسد وسط دهشة الشرطي اللي استلمو منهون..

ما عنا هيك اسم، و هالتصريح رح يضل معنا..

فهمت الأم أنو ضباط السجن كانو يلعبو بالأرشيف و يطالعو الأسماء و يروحو يبتزو أهالي المعتقلين..

تلات سنين بعد زيارة صيدنايا، و جوا قهوة الحلوين بصلنفة، قاعدة أم النور و وولادها على كاسة شاي ، بيتغير لون وجهها لهالست الفاضلة ..

لما بيراقبو و بيتابعو نظراتها، بيشوفوها عم تتطلع على شخص واقف بساحة صلنفة على سيارة ميرسيدس معو صحابو الشبيحة المرافقين لبيت الشاليش، اتضحلهون بالتدقيق بوجهو أنو نفس سيادة النقيب اللي أخدهون على السجن من تلات سنين و تركهون بالشام و هرب..

و بالمناسبة، أبو النور لهلأ متل آلاف المعتقلين، مجهولي المصير و ما حدا بيعرف شو صار فيهون، ليضل ملف اختفاء المعتقلين هوة أكبر تحدي في سوريا الجديدة..

الحكمة:

الكل اتساءل ببداية الثورة، ليش اتأخرت حلب..

العالم كلو بيكتب بحبر عادي، إلا هالمدينة ما بتكتب إلا بمية الدهب..

About زياد الصوفي

كاتب سوري من اللاذقية يحكي قصص المآسي التي جرت في عهد عائلة الأسد باللاذقية وفضائحهم
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.