اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة 2

طلال عبدالله الخوري

قام الاستاذ عبدالقادر انيس بكتابة خمسة تعليقات على مقالنا الاخير وكان بعنوان: اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة. ونظرا لطول الرد واهمية هذه المشكلة عند اليساريين ارتأينا بان يكون ردنا عبر مقالة مفردة.

يقول السيد انيس: رغم أني لم أعد يساريا، الآن، بالمعنى التقليدي لليسار الذي يعمل على تحقيق الاشتراكية في العالم عن طريق الانقلاب والثورة واحتكار أداة الدولة لقمع الخصوم واستيلاء فئة محدودة أو حزب على جهاز الدولة والتصرف في مقدرات البلاد بطريقة استبدادية… الخ، رغم هذا فأنا لا أزال مدين ليساريتي السابقة بشيئيين: الجدل الذي ينقصك والإيمان الراسخ في إمكانية صنع عالم أفضل. عالم يحققه الناس بأنفسهم بعد أن يكتسبوا وعيا يحررهم ممن ظلوا عبر الأزمان يتوكلون عليهم بدون وكالة ويركبونهم لتحقيق السلطة والجاه والثراء، سواء جاءوهم باسم الدين أم باسم أفكار وضعية.

تعليق الكاتب: تتهمني بافتقاري للجدل والايمان بامكانية صنع عالم افضل؟؟ هذا اتهام هابط يا سيدي فكيف وصلت لهذه النتيجة؟؟ هل الكاتب الذي يدعو بمقالاته الى تحرير شعبه اقتصاديا, من الاحتكار الذي يمارسه المستبدين لسرقة مواطنيهم بمشاركة رجال الدين , لا يملك الجدل ولا يؤمن بعالم افضل؟؟ هل الكاتب الذي يعارض الحكم الطغياني منذ عام 1990 بالاتحاد السوفياتي سابقا لا يملك الجدل ولا يؤمن بعالم افضل ؟؟ فما الفرق هنا بينك وبين المتطرفين الذين يشتمون المخالف معهم؟؟

هذا من جهة, ومن جهة اخرى, لو ان اليسارية علمتني الجدل وامكانية صنع عالم افضل, فسأظل يساريا ووفيا لليسار ما حييت!! وفي هذه النقطة بالذات (اكرر في هذه النقطة بالتحديد) انا احترم فؤاد النمري اكثر منك لانه ما زال وفيا ليساريته.

انت تدعي بانك تريد عالم افضل ؟؟ ولكن كل انسان على الارض يدعي هذا! بما فيهم اسامة بن لادن وهتلر وستالين ولينين والرأسماليين والشيوعيين ورجال الدين من جميع الاديان ؟؟ فما هو جديدك؟؟ هل لديك الية عملية معينة لم يفكر بها الناس من قبل لتحقيق هذا؟؟ ما هو جديدك؟؟ فقديم اليساريين ليس بجيد وجديدهم ليس بجديد ولا حتى جيد!!

من ناحية ثالثة ما هو الفرق بين اليسار التقليدي ويساركم؟؟ لقد سألنا هذا السؤال لكثير من رموز اليسار الحديث ولم يجيبوا قط , لا بل قاموا بشتمنا, وأخرهم كان مع الكاتب اليساري جلبير اشقر؟؟ وها نحن نطرح عليكم نفس السؤال : ما هو يساركم هذا ؟؟ وماهو بالتحديد برنامجكم الاقتصادي؟؟ ننصحكم بمراجعة حوارنا مع جلبير الاشقر قبل الرد على هذا التساؤل, وها انا انقل نسخة من هذا الحوار لكي لا يتكرر نفس الشئ:

سؤال الكاتب لجلبير الاشقر: تحية للاخ جلبير.. وبعد.. سأكون صريحا معك واعذرني لصراحتي.. انا من القراء الذين عندما يرون مقال لكاتب يساري, لا اقرأه لاني اعتقد بانه لا يستاهل فتحه وقراءته!! واذا اغراني العنوان, افتحه لارى ما بداخله , وأبدأ بالقراءة , فيخيب أملي , واتوقف عن القراءة بعد قراءة السطور الاولى, كما حدث مع هذا الحوار الذي لم اقرأ الا بدايته, وبما انني تحاور مع بعض الكتاب اليساريين مثل النمري وقوجمان وغيرهم وقد خيبوا ظني , لذلك قررت ان احاورك فربما تكون مختلفا عنهم!!
سؤالي : ما هو اليسار الجديد وكيف يختلف عن القديم ؟؟ اذا اردت ان تردد لي الكليشات الفارغة المعروفة , فالافضل ان لا ترد وتنتقل الى سؤال اخر!!
وانا سأساعدك لكي اعرفك عن ما هي المعلومات التي اريد ان اعرفها عن اليسار, وذلك بان اعرف لك النظام اللبرالي الحر:
الحكومة منتحبة دمقراطيا: ويجب ان يكون حجمها من اصغر ما يكون و تدخلها بالسياسة والاقتصاد والحكم من اصغر ما يكون, حيث ان الحاكم الفعلي هو اقتصاد السوق وقانون العرض والطلب والمؤسسات الاهلية المدنية المستقلة.
القانون: عادل للجميع ومستقل , يفصل بين الدين والدولة ويحترم حقوق الانسان ,ومهمته الاساسية , (خطين تحت الاساسية) التأكد من عدالة السوق عن طريق التنافس الحر العالدل لقانون العرض والطلب.
الاقتصاد: هو اقتصاد السوق الحر التنافسي الخاضع لقانون العرض والطلب والعادل للجميع.
الديانة: حرية شخصية ومستقلة , وجميع المعابد والمؤسسات التابعة لكل الديانات, مستقلة سياسيا واقتصاديا عن الحكومة و تخضع لقانون السوق وهو قانون العرض والطلب مثلها مثل المسارح وعروض السيرك.
تحياتي

رد جلبير: تحية لك عزيزي، وشكراً على صراحتك، فأنا أرحّب بالنقد مهما كان حاداً بشرط أن يكون -متمدناً-، كما هو نقدك. غير أن لديّ تعليق أولي: أتفهّم تماماً مللك من قراءة ما يُنشر باسم اليسار، والحال أنني أشاركك هذا الملل إزاء حالات كثيرة من إجترار الكليشهات التي أكل الدهر عليها وشرب. ومن حقك أن تضعني في هذه الخانة إذا شئت، ولكل منّا رأيه الخاص في الأمور. غير أن ما لا أفهمه أن تقول أنك توقفت عن قراءة الحوار بعد قراءة بدايته، وقررت أن تحاورني. فمع إحترامي لك، هذا لا يجوز. إما ان ترفض القراءة وبالتالي ترفض الحوار، أو تريد الحوار فلا بدّ عندئذ من قراءة ما قاله الآخر قبل مناقشته. إنها لقاعدة بديهية.
ومع ذلك، فسوف أجيب عن أسئلتك. لقد أوضحت كيف أرى اختلاف اليسار الجديد المطلوب بنائه عن القديم الذي فني. فاذا كنتَ لا تريد قراءة ما جاء أعلاه إسمح لي من جهتي بألا أريد تكراره هنا. أما بالنسبة لما تقوله عن النظام الليبرالي، فأنا أميّز بين الليبرالية الإقتصادية والليبرالية السياسية، وهي كل ما يتعلّق بالحريات العامة، من حرية تعبير وتنظيم ومعتقد وغيرها، والحدّ من سلطات الدولة. فأنا مع الليبرالية السياسية بهذا المعنى، بل اذكّرك بأن الماركسية الأصلية هي ليبرالية متجذّرة الى حدّ أنها تدعو الى تقليص سلطات الدولة بما يعجّل في اضمحلالها، بينما رأينا أغلب الذين تكلمّوا باسم الماركسية طوال عقود طويلة يؤيدون دولاً توتاليتارية، وهذا من سخريات التاريخ. وأما الليبرالية الإقتصادحية، فأرى فيها نقيض الليبرالية السياسية الحقيقية، اذ ان اقتصاد السوق -الحر- هو مرادف -قانون الغاب- في السياسة يؤدي الى أقصى الظلم من خلال طغيان أصحاب المال على المجتمع. ويكفيك النظر في أرقام الإزدياد الهائل في اللا مساواة الإجتماعية منذ فرض النيو ليبرالية على النطاق العالمي، أو النظر الى الإزدياد الهائل في اللا مساواة الإجتماعية منذ القضاء على منجزات الحكم الناصري في مصر، على سبيل المثال، وارساء ما سمّي بسياسة -الإنفتاح-. وقد أشار المراقبون الى ان الإنتفاضة العارمة التي تهزّ المنطقة العربية الآن انما تصبّ جذورها في التذمّر من نتائج تلك السياسات، من عوز وبطالة وغيرهما.

سؤال الكاتب لجلبير الاشقر: قلتم :أنا أميّز بين الليبرالية الإقتصادية والليبرالية السياسية؟؟؟
ردي: كيف ؟؟ اعطنا مثال من الواقع؟؟ لا يمكن ان تكون حرا سياسيا اذا لم تكن حرا اقتصاديا, ولا يمكن ان تكون حرا اقتصاديا اذا لم تكن حرا سياسيا؟؟ هل التفريق بين الاقتصاد والسياسة هي نظرية جديدة خاصة بكم؟؟؟
انت تتكلم عن العدل كما يتكلم رجال الدين عن الاخرة, !! ولكي تعدل بين الناس فانت بحاجة الى نظام اقتصادي معين : وردي عليك : بانه لم تعرف البشرية الى وقتنا هذا اي نظام اقتصادي اعدل من اقتصاد السوق الحر التنافسي, ولكي تنفي هذا يجب عليك ان تعطيني اقتصادا اخرا استطيع ان اعدل به افضل من اقتصاد السوق بين الناس والا ما تقوله هو كلام رجال دين عندما يغسلون ادمغة اتباعهم, مع احترامي لك.
اشكر السيد نمري لانه سألك نفس سؤالي ولكن بصياغة اخرى لذلك اسمح لي بان اقتبسه هنا::حسناً، إذاً ما عساه يكون البرنامج الإقتصادي لهذا اليسار؟ هل لهم اليوم أن يباشروا في بناء اقتصاد اشتراكي أو حتى رأسمالي !!؟
اي كما ترى فلم تجب على سؤالي او سؤال النمري وانما لجأت الى الكلام الشاعري عن العدالة ولم تقل لنا عن الية العدالة اي ما هو نوع الاقتصاد؟؟

كل المودة

رد جلبير الاشقر: يبدو أنك تتصوّر -أن التفريق بين الاقتصاد والسياسة نظرية جديدة- خاصة بي، بينما التمييز بين الليبرالية الإقتصادية والليبرالية السياسية هو من أقدم التمييزات في الفلسفة السياسية المعاصرة. تقوم الليبرالية الإقتصادية على الدفاع عن -إقتصاد السوق الحر التنافسي- بمعنى رفض تدخّل الدولة في تسيير العملية الإقتصادية، وفي توفير الضمانات الإجتماعية للعاملين وفرض حدٍّ أدنى للأجور، الخ. فكلّها تعيق التنافس -الحرّ- بين الرأسمال والعمل بحسب الليبراليين الإقتصاديين. وهذه النظرية تتناقض حتى مع الكينزية (نظرية جون مينارد كينز) التي هي ليبرالية سياسية، لكنها تدعو الى كل تلك الأمور التي تكرهها الليبرالية الإقتصادية. وبعد أن ساد النموذج الكينزي ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية، جاءت الليبرالية الإقتصادية بحلّتها الجديدة، أي النيوليبرالية، لتفكك منجزات المرحلة السابقة (التي أنجزت تحت ضغط الحركات العمّالية)، فتلغي كافة التقييدات على حركة الرساميل وعلى المضاربات بشتى أنواعها، وتخصخص معظم القطاع العام بما فيه الخدمات العامة الأساسية كالماء والكهرباء والنقل، وتقلّص نفقات الدولة الإجتماعية الى أدنى حدّ ممكن بما في ذلك إعانات البطالة، وتقلّص الضرائب على أعلى المداخيل بأكثر من نصف معدّلات المرحلة السابقة، الخ، الخ.
أما حصيلة كل ذلك، فإزديادٌ فاحش في اللا مساواة الإجتماعية وتفشي البطالة، التي باتت مستوياتها أعلى بكثير مما في المرحلة الكينزية، وحصول أكبر أزمة عرفها النظام الإقتصادي الرأسمالي منذ أزمة ثلاثينات القرن الماضي التي رأى فيها المعاصرون برهاناً على أن -اقتصاد السوق الحرّ التنافسي- يقود الى الكارثة، وأن المطلوب هو تدخل الدولة في تنظيم العملية الإقتصادية، مما أدى الى سيادة الكينزية بعد الحرب العالمية. كل ذلك وناهيك بأن -اقتصاد السوق الحر التنافسي- لا يعدو كونه أسطورة كاذبة حيث أن السير الحرّ للعملية الإقتصادية الرأسمالية يؤدي الى تركّز للرساميل وظهور الإحتكارات التي تفرض هيمنتها على السوق وتبطل -حريتها- وما أكثر الشواهد على ذلك.
أما ما يناضل من أجله اليسار المعاصر فليس كما يروق لك أن تتصوّر الغاء السوق وتحويل الإقتصاد الى إقتصاد دولة، فهذا النموذج الستاليني سقط بلا رجعة. بل يناضل اليسار من أجل إعادة كافة منجزات المرحلة الكينزية وتعميقها وتطويرها، ورفع الضرائب على أعلى المداخيل لتمويل النفقات الإجتماعية، وتفكيك الإحتكارات الرأسمالية، مع هدف وصول الطبقة العاملة الى الحكم بحيث تبدأ بالتوسيع التدريجي للقطاع الإجتماعي والتعاوني المسيّر ديموقراطياً من قبل المنتِجين على طريق الإزالة التدريجية لإستغلال الإنسان للإنسان، كما سبق وكتبتُ في أحد ردودي أعلاه. أي أن اليسار يناضل من أجل ما أنجزته دولةٌ كالسويد (تحت قيادة حزب عمّالي يساري) قبل الهجمة النيوليبرالية، وبأفق تاريخي يتعدّى ذلك النموذج في اتجاه تحويل المجتمع تدريجياً وديموقراطياً الى اقتصاد إشتراكي بالمعنى الأصلي للكلمة، يعتمد السوق كأحد ضوابط التوزيع لكن من غير أن يتحكّم السوق بالإقتصاد وبالمجتمع.
مودّتي

تعليق كاتب المقالة: نرى من رد جلبير الاشقر الاخير, وهو يمثل شريحة كبيرة من اليساريين, بأنه ضائع بين المفاهيم الشيوعية وآليات الاقتصاد التنافسي بالغرب, ومن هذه الآليات تدخل الانسان بالسوق لتسريع رد فعل السوق للمتغيرات والتي يكون يسبب بطأها احيانا الى الابطاء من انتعاش السوق او ربما يؤدي الى الكساد. وتدخل الانسان هنا لتحفيز الاقتصاد هو جزء من آليات السوق ولا علاقة له بالمفاهيم الماركسية ودور الدولة بتوزيع الثروة , ولقد وعدت بكتابة مقال عن هذا الموضوع. والاكثر من هذا يعتبر الاشقر بان حزب العمال بالسويد حزب يساري, وهو لا يعرف الفرق بين يسارية الاحزاب اليمينية بالغرب واليسارية كفكر ماركسي. راجعوا مقالنا: اليساريون العرب لستم من الحل. هذا من جهة ومن جهة اخرى نجد بان الاشقر يريد ان يلغي كل المعجزات الاقتصادية التي حدثت مؤخرا بالاقتصاد العالمي بفضل عولمة الاقتصاد ورفع كل الحدود والقيود والضرائب بين المنتج والمستهلك على مستوى العالم والتي افادت كل من المنتج والمستهلك بكل العالم, ونتج عنها هذه المعجزات الاقتصادية والمتمثلة بزيادة النمو ورفاهية البشر, لكي يعود بنا الى ما قبل التسعينات لان الوضع آنذاك كان يمكنه من الوصول الى الاشتراكية التي يحلم بها, والتي هي موجودة فقط بمخيلته الشيوعية المريضة. اما عمليا وعلى ارض الواقع فنحن نكرر ما قلناه, بانه لم تعرف البشرية افضل وارقى واعدل من اقتصاد السوق التنافسي, نقطة انتهى. والذي يقول بعكس ذلك فعليه ان يعطينا اقتصادا عمليا اخرا يحقق ما يحلم به.

نعود الآن لمتابعة لتعليق السيد انيس مرة اخرى.

يقول السيد أنيس:إن ما يمكن أن يحدث بيننا من اختلاف في وجهات النظر لا يساوي مثقال ذرة لو نظرنا إليه على ضوء كل هذا التخلف والانسداد والبؤس الاجتماعي والفكري الذي تعانيه مجتمعاتنا.

رد الكاتب: ما علاقة اختلافنا بوجهات النظر وكمية التخلف والبؤس؟؟ فنحن نتفق بانه يجب ان يتم تحرير العقول ولكن انت لا تقول لنا كيف يتم ذلك؟؟ ونحن نقول لك بان الامم التي سبقتنا كانت عقولهم ايضا غير محررة ! ومافعلته هذه الامم التي سبقتنا هو اللجوء الى اقتصاد السوق وهذا الاقتصاد بدوره ادى الى تحسين الوضع للمادي للناس عامة, وبالتالي اصبح الناس يملكون المال لكي ينفقوا على تعليمهم وبالتالي ادى لتحرير عقلولهم. اي ما اقوله هو انه نريد نقطة بداية لتحرير العقول, ونقطة البداية هذه هو رفع مستوى دخل الناس عن طريق الاقتصاد السوق التنافسي, لكي يصبح لدى عامة الناس المال الكافي لكي يتعلموا وينافسوا بالسوق وتتحرر عقولهم وهذه هي مشكلة البيضة والدجاجة التي كتبت عنها المقال وارجو ان تصلك بالنهاية!!

يقول السيد أنيس: لهذا علينا بالتواضع تجاه ما نكتب، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة. ولهذا فأنا أزعم أنني أمارس النقد بصدق ونزاهة وأدافع عما أقتنع به بصراحة تامة ولو أزعج هذا البعض. فإذا لم نكن نحن الذين نزعم أننا مثقفون نمارس النقد بهذه الصفة فمن يفعل؟

رد الكاتب: هذه كليشة يستطيع اي انسان ان يقولها باي مناسبة كانت وهي بدون اي فائدة او معنى!

يقول السيد أنيس: لهذا فعندي بعض الملاحظات على مقالك.
في قولك ((ومن الغريب ان يعتقد السيد أنيس بانه كان لدينا في الوطن العربي انظمة تقدمية ولكنها ارتكبت خطأ…..)) ألاحظ أنك لم تكن أمينا في نقلك عني. فأنا وضعت تقدمية بين قوسين وهو ما يعني أن عندي

تحفظا على تقدميتها.

رد الكاتب: كون الاحزاب تقدمية او غير تقدمية لا يغير شئ من مغزى المقالة والتي هي عن مشكلة الاولوية بين البيضة والدجاجة عند اليساريين. ولقد كتبت مقالة بعنوان خرافة الاحزاب السياسية العربية, نرجوا ان تتطلع عليه. وهنا نلاحظ انك تلجأ الى اسلوب رخيص وهو التصيد بالماء العكر او كما يقول المثل الشعبي: لم يجدوا بالورد عيبا فقالوا عنه احمر الخدين.

يقول السيد أنيس: في قولك ((اما من حيث اولوية تحرير العقول ام الابدان فنحن تعتقد بان التحرير الاقتصادي يسبق كل الحريات الاخرى وبدون التحرير الاقتصادي لن يتحرر اي شئ من الانسان لا بدنه ولا عقله)). فأنت هنا تتعمد الخلط بين ما أعنيه بتحرير العقول وقد شرحته، وبين تحرير الاقتصاد بمعنى لبرلته، وأنا مع هذه اللبرلة غير أني أرى أن اللبرلة وحدها لا تكفي لتحرير الناس من الاستغلال. فما تحقق في الغرب من مكاسب كبيرة استفاد منها العمال والفلاحون وكل الطبقات لا يعود فقط إلى اللبرلة الاقتصادية بل أيضا وخاصة إلى ارتفاع مستوى الوعي العام لدى الناس مما دفعهم للانخراط في النضال السياسي والنقابي وانتزاع حقوق كثيرة من الرأسماليين الذين كانوا في البداية وطوال عشرات السنين يرفضون حقوق العمال في النقابة والعطل والضمان الاجتماعي والتقاعد والرعاية الصحية لأطفالهم..

رد الكاتب: هذه بالضبط يا سيدي مشكلة البيضة والدجاجة التي نكتب عنها, فانت تقول بان الفضل يعود الى ارتفاع مستوى الوعي؟ ولكن كيف ارتفع عندهم مستوى الوعي؟؟ جوابنا هو بسبب الازدهار الاقتصادي الذي حصل بفضل تبني اقتصاد السوق وهذا بدوره ادى الى ارتفاع دخل الفرد وهذا ادى الى تحسين التعليم وتحرير العقول. أما عن ماذا أقصد بالتحرير الاقتصادي, فلا يمكن ان اخلط بهذا الموضوع فقد كتبت اكثر من سبعة مقالات حول ما اقصده بالتحرر الاقتصادي للمواطن. راجعوا مقالاتنا بهذا الشأن.

يقول السيد أنيس: ثم تقول: ((فكيف يمكنك ان تحصل على حريتك الفكرية اذا لم تحصل على اجرك العادل واذا لم يكن لديك حافز للمضي قدما ؟)). ورأيي أنه لكي يحصل العمال مثلا على أجرهم العادل لا يكفي أن يتمنوا ذلك فيتكرم عليهم أرباب الاقتصاد الحر به. الأجر العادل تطور مفهومه عبر العصور بفضل وعي الناس ونضالهم المرير وما طرأ على الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تحولات كبرى لصالح العمال. لا بد أن تعرف أن العامل مر بمراحل كثيرة من العبد إلى القن إلى العامل المستغل حتى العظم إلى العامل الذي اعتُرِفَ له بحقوقه الإنسانية التي ذكرتها آنفا. ومازال العمال خارج ما نسميه العالم المتقدم، يعانون من التمييز والحيف والاستغلال بسبب تخلف تلك المجتمعات وتدني مستوى أدائها السياسي والنقابي والثقافي، وهيمنة الفكر الغيبي التواكلي وانتظار الحلول بدون نضال. وحتى في العالم المتقدم فلا توجد مكتسبات لا يمكن الرجوع عنها إذا غفل الناس وخفضوا مستوى الحراسة والنضال والانخراط في النقابة والحزب والجمعية والإعلام والفكر. حتى مفهوم العدل فهو متطور.

رد الكاتب: هنا وصلنا الى بيت القصيد واهم مشكلة في الفكر اليساري! فهم ما زالوا يقسمون الناس الى نوعين : النوع الأول وهو الرأسمالي الشجع والذي يريد ان يستغل الناس ويمص دمائهم لزيادة ارباحه. والنوع الثاني وهم العمال والذين يجب ان يناضلوا من اجل ان يوقفوا استغلال النوع الاول للنوع الثاني, وبهذه اصبح معنى الحياة عندهم هو النضال ضد المستغل, بنفس طريقة المتطرف والذي معنى الحياة عنده النضال من اجل نصرة دينه!!

نحن بعلم الاقتصاد, يا سيدي, نقسم الناس الى منتج ومستهلك, وكل انسان هو منتج لسلعة ما ومستهلك بنفس الوقت للسلع, ونحن نعتبر بان السوق بآلياته التلقائية يولف هذه المصلحة المتبادلة بين المنتج والمستهلك بحيث: كل منهما يحصل على الفائدة العظمى الممكنة من علاقتهما المتبادلة, لان كل منهما منتج ومستهلك بنفس الوقت؟ وهذا هو علم الاقتصاد الذي يؤمن العدالة للجميع وهذا هو بالضبط قانون السوق للعرض والطلب! راجعوا مقالات الكاتب عن الاقتصاد التنافسي.

يقول السيد أنيس: أما أن تقول: ((برأي الشخصي , وقد أكون مخطئا , أن الشيوعيين واللادينيين العرب يظنون بأن الحل هو بجعل جميع الناس لا دينيين ؟؟؟!! .. وهذا غير صحيح لأن الغرب تطور بدون أن يقضي على الدين وكل ما فعله بالدين هو تحويله إلى سلعة يتم تداوله حسب قانون العرض…))
فهو قول فيه مصادرة غير منصفة. من قال بأن الحل (هو بجعل جميع الناس لا دينيين!!)؟. هناك فرق بين المطالبة برفع الهيمنة الدينية على عقول الناس بحيث تشل قدراتهم على الحركة وتجعلهم تابعين لفكر غيبي ورجال دين جهلة وانتهازيين، وبين المطالبة بجعل الناس لا دينيين. الغرب تطور بعد أن رفع هيمنة المؤسسات الدينية على حياة الناس وتصرفت فيها كوصية مطلقة قمعت وشردت وكفرت وأحرقت. فماذا بقي للدين في الغرب بعد أن تم ((تحويله إلى سلعة يتم تداوله حسب قانون العرض…))؟ حسب رأيك. المهم أن الناس صار من حقهم أن يؤمنوا أو لا يؤمنون بكل حرية دون أن يتعرضوا للملاحقة، وصارت الفكر الفلسفي والعلمي طليق اليد واللسان والعقل من هيمنة الخرافة وهو ما لم نصل إليه نحن للأسف

رد الكاتب: هناك طريقتين عمليتين تم اتباعهما تاريخيا لازالة الهيمنة الدينية: الطريقة الاولى وهي الطريقة الشيوعية والتي كانت متبعة بالاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية سابقا وتقتضي باكراه جميع الناس لكي يصبحوا ملحدين او بالاحرى تغيير عقيدتهم من المسيحية الى العقيدة الماركسية لان الماركسية هي لاهوت ايضا لا يختلف عن الاديان.

اما الطريقة الثانية فهي المتبعة بالغرب وهي فصل الدين عن الدولة وتحويل جميع الاديان بما فيها الماركسية الى سلعة يقوم بالدفع من اجلها وتمويلها المستهلك الذي هو بحاجة اليها؟

فما هي الطريقة التي تنادي بها؟؟ وما هي مشكلتك مع طرحنا هذا؟ احيانا نشعر بانه لدى اليساريين مشكلة بفهم ما نكتب.

يقول السيد أنيس: وتقول: ((الثورات العربية تطالب باسقاط الرئيس ولكن ماذا بعد ذلك ؟؟؟..سيأتي رئيس جديد ويسير على نفس منهاج الرئيس الذي قبله لان القوانين والدساتير العربية فاسدة وغير صالحة.. عندما نتبنى القوانين الغربية. لا حاجة عندها لتغيير الرئيس طالما أنه يحترم القوانين الحضارية المماثلة للقوانين الغربية)).
هل تساءلت: لماذا لم نتبن القوانين الغربية؟ من ظل يعارض ذلك منذ قرنين؟ أليس السبب لأن أغلبية شعوبنا ونخبنا الدينية والسياسية لم تنظر إلى القوانين الغربية كضرورة بسبب كون هذه القوانين تصطدم مع موروثها الديني والقبلي والطائفي وتتسبب في خلخلة أوضاع اجتماعية لا يُراد لها أن تتخلخل مثل حقوق النساء والأقليات والشعوب المستغلة. هل يرضى نظامنا الأبوي: ابتداء من الأب إلى السلطان مرورا رجل الدين التخلي عن امتيازاته التي اكتسبها زورا من الدين والعادات والتقاليد؟
كيف ينخرط الناس في مقاومة هذا الواقع البائس إذا لم يعوا أمرين: حقيقة موروثهم المتخلف وحقيقة جدوى الاستفادة من الحضارة العالمية الحديثة. إنك بهذا الفكر تضع المحراث أمام الثيران تماما كيساري قح.
تحياتي

رد الكاتب:انت هنا تعود بنا ثانية الى مشكلة اولوية البيضة ام الدجاجة عند اليساريين ومن هنا تأتي اهمية هذه المقالات التي نكتبها . لانه بالفعل هناك شريحة واسعة من اليساريين يعانون من هذه المشكلة. فانت تعود وتكرر للمرة ربما الألف بانه سبب عدم تبنينا لقوانين الغرب هو عدم تحررنا الفكري!! نعم يا سيدي هذا صحيح ونحن نكرر بان جميع الامم التي سبقتنا كان وضعهم مثل وضعنا!! ونحن نقول لك بان الامم التي سبقتنا كانت عقولهم ايضا غير محررة ! ومافعلته هذه الامم التي سبقتنا هو اللجوء الى اقتصاد السوق وهذا الاقتصاد بدوره ادى الى تحسين الوضع للمادي للناس عامة, وبالتالي اصبح الناس يملكون المال لكي ينفقوا على تعليمهم وبالتالي ادى لتحرير عقلولهم. اي اكرر ما اريد ان اقوله وهو انه نريد نقطة بداية لتحرير العقول, ونقطة البداية هذه هي برفع مستوى دخل الناس عن طريق الاقتصاد السوق التنافسي, لكي يصبح لدى عامة الناس المال الكافي لكي يتعلموا وينافسوا بالسوق وتتحرر عقولهم ومرة ثانية هذه هي مشكلة البيضة والدجاجة التي كتبت عنها المقال وارجو ان تصل جميع اليساريين الذين يعانن من هذه المشكلة بالنهاية!!

الجزأ الأول

https://mufakerhur.org/?p=2205

http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall

About طلال عبدالله الخوري

كاتب سوري مهتم بالحقوق المدنية للاقليات جعل من العلمانية, وحقوق الانسان, وتبني الاقتصاد التنافسي الحر هدف له يريد تحقيقه بوطنه سوريا. مهتم أيضابالاقتصاد والسياسة والتاريخ. دكتوراة :الرياضيات والالغوريثمات للتعرف على المعلومات بالصور الطبية ماستر : بالبرمجيات وقواعد المعطيات باكلريوس : هندسة الكترونية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to اليساريون ومشكلة البيضة والدجاجة 2

  1. Ziad Eldada says:

    مناقشه جيده وشيّقه ولكن طويله، قرأت اول فقرتين وتوقفت لانه داء خلقي!……

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.