الإسلاموفوبيا المزعومة !

رعد الحافظ

رعد الحافظ

مقدمة :
الفوبيا مُفردة يونانية الأصل ,تقابلها بالعربية ,الرَهبة أو الرُعب المتواصل من شيءٍ ما الى حدّ الهوس أو المرض!
الشخص المُصاب بالفوبيا يُدرك غالباً أنّ لديه مشكلة تستدعي العلاج ,
إنّما الغالبيّة لا تُقبل على ذلك العلاج !
الإسلاموفوبيا ستعني في هذه الحالة ,الرهبة أو الخوف والخشية من الإسلام بدرجة مُبالَغ فيها !
من أحداث دمويّة ستحدث وتُنسَب الى الإسلام ,وهو منها بريء كبراءة الأطفال ,كما يدّعي غالبية المتحدّثين (الأذكياء) بإسم الإسلام !
على كلٍ ,المصطلح الإنكليزي نفسه
Islamophobia
ظهر عام 1997 عندما قامت خليّة (تفكير) بريطانية يساريّة الفكر إسمها [رنيميد ترست]
Runnymede Trust
,بإستخدام هذا المصطلح لإدانة مشاعر الكراهيّة والترقب والخوف المُبالَغ فيه لبعض الناس من الإسلام,عقب تزايد الهجرة الجماعية للمسلمين الى الولايات المتحدة الأمريكيّة والغرب عموماً !
في هذه اللحظة ,يمكنني (ولي أدّلتي التي سأذكرها لاحقاً) أن أزعم بأنّ (الإسلاموفوبيا) غير موجودة اليوم أصلاً ! وحتى لو تحققت مستقبلاً (وهذا ممكن) ,فإنّ ذلك سيكون بفعل وتصميم وتقرير أغلبية المسلمين أنفسهم ,بكامل قواهم العقلية !
***
أنواع الفوبيا كثيرة !
هناك أنواع أكثر من أن تُحصى من الفوبيا ,أي خوف مُبالَغ فيه ممكن أن يتحوّل الى فوبيا !
بعض أنواع الفوبيا بسيطة / كالخشية من : حشرة ,فأر ,ثعبان ,مكان مُغلق ,الظلام ,المرتفعات ,الطيران ,القبور ,العناكب ,الأبر ,الألوان ,المرايا ,الكُتب ,الإمتحانات ,النار ,البحر ,الرعد (أسترافوبيا) ,حتى الرقم 13 أو
Friday the 13th
يتوّجس البعض منه خيفة!
من جهة ثانية ,هناك أنواع معقدة من الفوبيا ,تصل الى حدّ الخشية من مخالطة الناس في الشارع ,الخشية من الفشل عموماً,من الزواج ,الولادة ,الأطباء,الأشباح !
حتى أنّ هناك فوبيا جهنّم (هاديفوبيا) ,أظنّ غالبية المسلمين مصابين بها والحمد والعتبى على المشايخ الكرام !
***
الخشية من الإصابة بالفوبيا (فوبو فوبيا) !
في الواقع غالبيتنا كبشر نخشى شيئاً ممّا ذُكر أعلاه ,فلا تظنّوا أعزائي أنّكم مصابين بإحدى أنواع الفوبيا المذكورة .
الخشية هي غريزة بشرية طبيعية تنفع في حبّ البقاء
Surviving !
لكن عندما تتحوّل تلك الخشية الى مرض حقيقي يؤثر على سلوكنا سلبياً وأحياناً على صحتنا العامة أو على سلامة الآخرين ,هنا يتحوّل الأمر الى فوبيا تستدعي العلاج !
من هذا المُنطلّق نجد أطبّاء وعلماء النفس وخبراء الغرب (الكافر) يبذلون كامل جهودهم لتجنيب مجتمعاتهم وأفرادهم أيّاً من أنواع الفوبيا !
لا بل أنّهم يبالغون في ذلك ,فيقوم بعضهم (أفراداً أو مُنظمات) بإقتراح وجود فوبيا جديدة (كذا) في المجتمع ,يجب التخلّص منها فوراً !
وهذا ماحصل في ظنّي مع المجموعة البريطانية اليساريّة المذكورة أعلاه
على أيّةِ حال ,فإنّ كثرة إنتشار أنواع الفوبيا تعتمد على المجتمعات ذاتها ودرجة إنفتاحها على الآخر .وهناك علاقة عكسيّة (كما أظنّ) في هذا الشأن .بمعنى أوضح ,كلّما إنغلقت المجتمعات على نفسها زادت إحتمالات ظهور أنواع جديدة من الفوبيا !
تخيّلوا هناك نوع من الفوبيا له علاقة بالحبّ والقُبلات (فيلوفوبيا) ,أفلا نتوقع ظهور هذا النوع من الفوبيا في المجتمعات المغلقة على نفسها والتي تحرّم كلّ شيء على أفرادها ,بدءً من الضحكة والنكتة والسخرية ,وإنتهاءً بالإختلاط بين الجنسين وعلاقات الحُبّ الجميلة ؟
(لا تكونوا تتخيلوا أنّي أقصد مجتمعاتنا العربية والإسلامية البائسة) !
***
أدلّتي على عدم وجود الإسلاموفوبيا حالياً بشكل ملحوظ !
1 / الغربيون (المنفتحون على الآخر) هم الذين إخترعوا هذا المصطلح وروّجوه ,كي لا تظهر عقدة إجتماعيّة جديدة ,قد تقود لاحقاً الى الكراهية !
بينما كلّ إسلامي (ذكي) يستخدم هذا المصطلح يومياً في كلّ جملة غبيّة ينطق بها ! فإن كنّا نصدق ونؤمن بما يستنتجه الغرب الكافر من حالات فالاولى أن نفعل ذلك في باقي الأشياء المفيدة ,وليس أن ننتقي من كلامهم ما يؤكد قناعاتنا الخاطئة فقط ! هذا يُسمى (مغالطة إلتقاط الكرز) !
2 / بعد أكبر عمل إرهابي عرفه التأريخ الى يومنا (11 سبتمبر 2001)
وبعد توّفر وثبوت جميع الأدّلة بأن القائمين به مسلمين (سعوديين بالتحديد) بأموال ورجال وتخطيط إسلامي بحت ,لم يقفل الغرب أبوابه بوجه اللاجئين المسلمين .لا بل زادت وتضاعفت الأعداد المتدفقة إليه,خصوصاً مع الأزمة السورية (بالطبع المسلمون كلّ يوم لديهم أزمة جديدة) !
فلو كان هناك ما يشبه ريحة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية,لصوّت الناخبين بنسبة عالية لأحزاب اليمين (المتطرّف) ,التي تدعو الى تقليل الهجرة الى بلادهم .ولفازت تلك الأحزاب ووصلت السلطة ومنعت قدوم المسلمين .لكن ذلك لم يحدث بشكل واسع حتى اليوم (وإن كان متوّقع الحدوث مستقبلاً) ,فأين الإسلاموفوبيا اليوم ؟
3 / المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) توصي شعبها وحكومتها بفتح إذرعهم وقلوبهم للمهاجرين .فتستقبل بلادها خلال عام 2015 فقط مايزيد عن مليون مهاجر غالبيتهم مسلمين .فهل هذه إسلاموفوبيا ؟
4 / يومياً نسمع عن أعمال إرهابية يقوم فيها أحد اللاجئين الإسلاميين الى الغرب بطعن أو قتل مجموعة من المواطنين هناك .ويكون تصريح الشرطة بأنّ الحادث لا علاقة له بالإسلام أو بالسياسة .بينما نحنُ الناس العاديين الذين نتابع الخبر عن كثب نعلم علم اليقين أنّ الشخص مسلم وكان يردّد عبارة (الله أكبر) خلال تنفيذ جريمته ,فأين الإسلاموفوبيا ؟
5 / أحداث باريس الإرهابية في نوفمبر 2015 وضحاياها بالمئات ,ولم توقف فرنسا قبولها للمسلمين ,هل هذه إسلاموفوبيا ؟
6 / مؤخراً فاز بمنصب عمدة لندن السيد صادق خان ,وهو مسلم من عائلة باكستانية مهاجرة الى بريطانيا .فهل إنتخاب غالبية سكان لندن التسعة ملايين لهذا الرجل يدّل على وجود أيّ نوع من الإسلاموفيا ؟
وبمناسبة هذا الحدث بالذات كتب التنويري المصري / د.خالد منتصر مقالاً بعنوان :عمدة لندن مسلم ,عُقبال محافظ قنا ما يبقى مسيحي !
7 / قبل عمدة لندن بإسبوع كان إختيار اللاعب المسلم (رياض محرز) كأفضل لاعب كرة قدم هذا العام في الدوري الإنكليزي الشهير
Premier League
,فهل إختياره من اللاعبين الإنكليز وبوجود منافس قوي له ,هو زميله في نادي ليستر ستيي (فاردي) و هو هدّاف الدوري هذا العام ,يمّت للإسلاموفوبيا بصلة ؟
8 / في قصة تدّفق المهاجرين المسلمين على أوربا هذا العام والعام الفائت 2015 ,جميعنا سمعنا بالإتفاقيّات الصعبة التي يعقدها الإتحاد الاوربي مع تركيا (المسلمة) والمليارات من اليوروات التي تدفع لحكومة أردوغان النذل , فقط ليساعد في وقف تدفق المهاجرين ,ونسبة منهم يلقي حتفه في البحر ,دون إهتمام يذكر من جميع الدول الإسلاميّة حتى الغنية منها .
أفلا كان من الأسهل للأوربيين أن يغيّروا ولو قليلاً قوانينهم المتساهلة جداً فيمنعون قبول اللاجئين الجدد ,أو (غير الرسميين) على الأقل ؟
فأين الإسلاموفوبيا من ذلك ؟
9 / حتى دونالد ترامب ,المرشح الرئاسي الجمهوري الأمريكي ,الذي تعتبره الغالبية المسلمة ظاهرة صريحة للإسلاموفوبيا ,هو عندي ليس دليل ! فهو عمليّاً يريد فصل المسلمين العاديين عن (الإسلاميين) الإرهابيين الذين يسعون لدمار الآخر وحرقه !يريد منع قبول هؤلاء ,ليتقي شرورهم ,فيحظى المسلم العادي بعدها بالإحترام اللائق !
10 / بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية المتهمة بالإسلاموفوبيا عمّال على بطّال ,هم يكتبون وينشرون حسب حريّة الرأي والتفكير التي يحرصون عليها أكثر من حرصهم على باقي تفاصيل حياتهم الرئيسة .ونظرة واحدة لوسيلة بارزة من تلك الوسائل (الـ
BBC
العربية مثلاً) ,سنجد أنّها غدت وسيلة إسلامية تقريباً ,أقرب من كونها وسيلة إعلام غربية عالمية !

فعن أيّ إسلاموفوبيا تتحدّثون ؟ مالكم كيف تحكمون ؟
***
تلك عشرة أمثلة ويمكنني الإستمرار بسرد مئات غيرها !
أستطيع التكلّم عن حقائق وأرقام وأحداث يوميّة نعيشها ونسمع بها ,وقتل يقوم به مسلمون متطرفون لأناس أبرياء في أوربا وباقي العالم .
وعندما نسأل عن هوية القاتل وعلاقته بالإسلام ,يُجيب السويديين العاديين
ingen aning ,
بمعنى ليس لي أدنى فكرة!
ذلك أنّ ذكر ديانة الجاني ممنوعة أصلاً في السويد !
***
الخلاصة :
كلّ شيء يبدأ من التسميّة ,من اللغة المستخدمة ومعاني الكلمات !
ممارسة الجنس في اللغات الاوربية تسمى ممارسة الحبّ !
بينما في العربية يُقال :الوطيء أو النكاح أو شيء من هذا القبيل !
برأيكم : ألا يؤدي هذا في النهاية الى فوبيا ضدّ الحُبّ (فيلو فوبيا) ؟
في الواقع أنا أسأل (وأغصّ بسؤالي) كم فوبيا لدى المسلمين تجاه الآخر ؟
ألا نعتبر كلّ تمثال حضاري رفيع القيمة الفنيّة والتأريخية ,حجراً سوف يُعبَد لا محالة ؟ هل هذه فوبيا تجاه التماثيل أم نكتة مثلاً ؟ تذكروا تفجير تماثيل بوذا في أفغانستان وعشرات غيرها في العراق وسوريا !
ألا نعتبر كلّ آخر (غير مسلم) كافر يستحق عذاب جهنّم وبئس المصير ؟
هل هذه فوبيا تجاه الآخر ,أم محبة و إحترام ؟
ألا نعتبر كلّ عمل غربي وتخطيط رشيد منهم
Rational Planing
مؤامرة موّجهة ضدّ العرب والمسلمين؟ هل هذه فوبيا أم ذكاء جماعي ؟
ألا نعتبر كلّ علماني ,كافر يستحق الحرق بالكاز والتنكيل والتشهير؟
هل هذه فوبيا ضدّ الحرية الفكرية ,أم مشاعر ناس مؤمنين بالفطرة ؟
في الواقع لا يوجد مرض إجتماعي معروف (أو غير معروف حتى) ,إلا وتجد له جذور متأصلة عميقة في مجتمعاتنا البائسة .
كلّ ذلك في ظنّي سببه الأوّل ,الركون الى المشايخ الحَمقى وتعاليمهم وخرافاتهم وسفالاتهم .والإبتعاد عن العِلم وطريقة التفكير العلمي !
بالطبع تبقى الحكومات العربية (حتى بعد أحداث الربيع العربي الذي تحوّل الى خريف إسلامي) ,قاصرة عن صنع الفارق والبدء بالتصحيح.
حتى في مصر الرائدة في المنطقة التي كنّا نمنّي النفس بأنّها بعد ثورة 30 يونيو 2013 ستقود مصر والمنطقة بأكملها الى الإصلاح والنهوض ,نجد الحكومة والرئيس الحالي يجاملون السلفيين ويخضعون لهم ,رغم شعار تجديد الخطاب الديني الذي رفعوه .ونسى الجميع إسلام بحيري !
لا بل أنّ دولاً إسلاميّة كانت رائدة في العلمانية في المنطقة ,تركيا كمال أتاتورك مثلاً ,نجدها اليوم ترتد الى العصر العصمنلي القذر بخطى متسارعة بقيادة أردوغان النذل وحزبه الإسلامي !
أقول : يكفي أن ننظر لعيوبنا وسلبياتنا وكراهيتنا للآخر ,
لنتوقف عن إتهّام العالَم بالكراهية والإسلاموفوبيا !

تحياتي لكم !

رعد الحافظ

15 مايو 2016

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.