أبخل رجل في العالم

مشعل السديري – الشرق الاوسط 

سمعت وعايشت بل وصادقت الكثير من البخلاء، وقرأت ما كتبه (الجاحظ) عنهم، غير أنني لم أجد بعد كل هذا العمر التعيس بخيلا أكثر بخلا من رجل (اسكوتلندي)، أراد أن يجسد ميزة هذا الشعب وهذه الفئة التي اشتهرت بها خير تمثيل وتجسيد، وذلك عندما خاض رهانه على أنه سوف يعيش سنة كاملة دون أن يصرف (بنسا) واحدا، ومع أن ذلك الرجل كان متعلما ويستطيع العمل ويحصل على راتب مجز، إلا أنه ضرب بشهادته في عالم الاقتصاد وبعمله عرض الحائط، وقرر أن يخوض هذه التجربة الفريدة القاسية التي لم يسبقه إليها أحد.

 كان لديه (كرفان) متهالك بالقرب من مدينة (باث)، يزرع حوله بعض الخضراوات ليأكل منها، كما أن لديه دراجة هوائية يركبها كل يوم ليتجول بها في الشوارع من أجل الرياضة على حد قوله، وكذلك من أجل أن يمر على صناديق النفايات ليأخذ ما هو صالح فيها من أغذية وملابس، وكثيرا ما التقى أثناء جولاته ببعض أصدقائه، وهو لا يتردد في تلبية دعواتهم له في مطعم أو مقهى أو حانة، ويستغلها فرصة لأخذ من تلك الدعوة المدفوع ثمنها بواقي الأكل والشراب، ولا ينسى وهو خارج أن يمر على (الحمامات) ليتزود ببعض ما تيسر من الصابون لزوم التنظيف، وهو يعتمد في مسكنه على لوح للطاقة الشمسية في تسخين مياه الاستحمام والإضاءة، والغريب أنه لم يمد يده يوما لكي يشحذ، وليس لديه تلفزيون أو راديو، فأخبار العالم يقرأها في الجرائد التي ينتشلها من صناديق الزبالة، ويحاذر كل الحذر أن تكون له صديقة، لأنه يخشى كل الخشية أن يضعف أمامها فيعزمها أو يصرف عليها، وقرر قرارا لا رجعة فيه أن يعصم نفسه من النساء نهائيا.

 والآن مرت عليه سنة كاملة ولم يصرف فعلا ولا بنسا واحدا وكسب رهان من تحدوه بذلك، غير أنه لم يأخذ مبلغ الرهان ويضعه في جيبه، ولكنه فتح له حسابا في البنك وأودعه فيه.

 وعندما جاءت إلى مقره وكالة أنباء ألمانية تهنئه على ما فعل، قال للمندوب: إنني فخور بنفسي لأنني استطعت أن أحقق هذا الإنجاز، وما زلت عازما على العيش بهذه الطريقة دون أموال، وذلك إلى أجل غير مسمى. وخطوتي التالية بعد أن دخلت سنة (2013) أن ألف العالم بما تبقى من عمري دون أن أصرف كذلك ولا بنسا واحدا. وقال للمندوب وهو يضحك: هل تصدق أنني خلال تلك السنة الماضية لم تمسك يدي أي عملة نقدية؟! بل إنني نسيت حتى أشكالها. فقال له المندوب: إن الوكالة تريد أن تعقد معك صفقة مالية كبيرة، وهي أن تكتب مذكراتك في كتاب لتحصل هي على حق توزيعه. فوافق ووقع العقد معهم، شريطة أن يوضع ذلك المبلغ في حسابه، وبعد أن يموت يوزع بالتساوي على المشردين في الشوارع.

 ويقال إنه كتب وصيته أمام محام، وأودعها البنك.

 وهو قد بدأ رحلته حول العالم قبل أسبوع، وادعوا له معي بالتوفيق.

 m.asudairy@asharqalawsat.com

This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.