رِسَالة إلى أبي في عيدِ الأم

رِسَالة إلى أبي في عيدِ الأم

مارثا فرنسيس

أفضل ماورثتُه منك في حياتي هو تلك الذكريات الجميلة التي أعتبرها بمثابة كنز لا يُقَدر بثمن، وهذا الكنز هو حبك وإحترامك لأمي، كانت بالنسبة لك ملكة متوجة، زوجة وصديقة وحبيبة، امرأة فاضلة بكل معنى الكلمة، كنت أسمعها تدعو لله أن يكون يومها قبل يومك وقد كان لها ما أرادت،  كان حزنك لفراقها وكأنه حزن العالم كله، وأصبح كل شئ في الحياة بعد ذلك تحصيلا حاصلا، كنتُ أسمعك تدعو أن تظل على قيد الحياة حتى ولو لم تكن تستطيع الحركة وحتى لو كانت مريضة، وكانت هي تشعر بثقل المرض وتطلب الراحة، رحمةَ بك قبل أن تكون راحة من أوجاعها والآمها. شاهدت بعينيَّ كيف يمكن للرجل أن يتغير لأجل خاطر من يُحِب، الرجل الذي كان يعود من عملهِ ليجدَ كل مايحتاج إليه ومايحبه جاهزاً ومعداُ له دون أن يشارك أو يساعد في إعداده، هذا الرجل نفسه أصبح بعد مرض أمي يعد الفطور لرفيقة دربه ويناولها أدويتها بنفسه قبل أن يذهب الى عمله، ويعود في المساء ليقوم بنفسه أيضا بتسخين الغذاء وإعداد المائدة؛ فالأبناء تفرقوا كل منهم إلى حياتهِ الخاصة سواء بزواج أو بدراسة أو بعمل. رأيتك أبي تقوم بنفسك ورغم الإرهاق ومشاكل العمل،  ومتاعبك الصحية رأيتك تُصِّر على أن تمسك بيدها وتأتي بها لتتناول معك الغذاء، وما كان يذهلني إنك وأنت الذي لم تتعود أن تعد لنفسك كوب الماء، أصبحت تغسل الصحون وتنظف المائدة دون أن تشعرها بإجهادك حرصا ًعلى مشاعرها .
كنتُ أعتقد أن كلَ الرجال يُحبون زوجاتهم ويُخلِصون لًهُن مثلك، حتى كبرتُ وشاهدتُ وسمعتُ المآسي والمشاكل التي تُعاني منها زوجات بلا عدد. لم أكن قد سمعتُ بعد عن الخيانة والإهانة والعنف مع الزوجات ولم أكن أتصور كيفَ يُمكن لرجل أن يتزوج بزوجة ثانية غير شريكة حياتُه وأم اولادهِ، بعد أن ترعرت وأمي وحدها ملكتك المتوجة، ولم تحاول أن تبحث عن تسديد احتياجاتك مع أخرى، ولم تحاول أبداً أن تخون أو تجرح امرأة شبابك.

كنت أسمعها وهي تدعو لك بالخير وبالسلامة وبأن تُفتح أمامك الأبواب المغلقة في العمل والرزق، وأسمعك توصيها الإهتمام بصحتها وترجوها أن ترتاح والا تُجهد نفسها كثيراً بأعمال المنزل حِرصا ًعلى سلامتها وصحتها، وتوصيها بألا تنسى أدويتها التي تحتاج أن تتناولها قبل عودتك. فهمت من هذه العلاقة الجميلة  والديالوج الممتع لماذا يقول علماء النفس أن أفضل ما يُقدمه الزوج لأولاده هو حُبه لأمهم وأن افضل ماتقدمه الزوجة لأولادها هو حُبها لوالدهم، هذا الحب في جو هادئ هو القاعدة الاساسية لأولاد أسوياء مُشبعين من الحب، شاعرين بالأمان ومتزنين نفسياً.

كنا في إحتفالنا بعيد الأم نأتي لك بالهدايا معها فتُعلِن وتُعبِر أنها هي من يستحق العيد والهدايا، كان هذا اليوم مميزاُ لكل افراد أسرتنا، تكون هي الملكة التي تجُمِل مجلسنا بعد أن تكون قد أعَدَت لنا كل مانُحب في هذا اليوم- قبل أن تصبح غير قادرة بالمرة على ذلك – وحتى يأتي البعيد والقريب من إخوتي دون مجهود أو تعب ويمُر اليوم وكأنه حُلم جميل جاء ومضى حالا.
اليوم وقد أصبح هذا اليوم ذكرى جميلة بعد رحيلكَ أيضا،  أنا اشعر بالفرح وأنا أملك ذكريات رائعة وكأنها اليوم، تعلمتُ منك وأحببت حبك لها وإحترامها لك، اليوم أتمنى أن أكون لعائلتي كما كانت هي وأعرف تماماً  قيمة الغرس الذي غرستماه في حياتي وأخوتي أيضاً.
اليوم بكل الحب أُقدم التهنئة لكل أم ولكل أب وأعيدُ لكم الجملة ذات التأثير السحرَّي لكل ابنائنا، أفضل ماتقدمه لأولادك هو حبك لأمهم وأفضل ماتقدمينه لأولادك هو حبك لوالدهم.

لكم جميعا ًأيها الأحباء تهنئتي القلبية وأمنياتي الطيبة في يوم عيد الأم.

محبتي للجميع

About مرثا فرنسيس

مرثا فرنسيس كاتبة مسيحية، علمانية، ليبرالية
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

2 Responses to رِسَالة إلى أبي في عيدِ الأم

  1. Mariam says:

    الغالية مارتا
    لكِ أيضا أقول كل عام وأنت بخير بعيد الأم
    ذكرْتِ أمرا مهما “” خير هديٌة بعيد الأم أن يكون الأبوان مثاليان في محبتهما لبعض فيقتبس الأولاد المحبة منهما”” دائما تنطقين بالحكم
    محبتي وتقديري

  2. مرثا says:

    عزيزتي جيني: كل عام وأنتِ بكل خير وحب
    البنون ثروة وافضل استثمار لنا هو في اولادنا، فلنعش بالحب لتمتلئ قلوبهم به ويخرجون للحياة اسوياء
    شكرا لكِ
    محبتي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.