مئة عام على مذابح الأرمن… هل ما يشبهها؟

سليمان يوسف: السفير

ذكرى مذبحة الارمن الكبرى 24-4-1915 والتي قضى فيها حوالي مليون ارمني ,هذه الصورة التقطها صحافي ألماني ومحفوظة في أرشيف الفاتيكان و في الصورة توجد أمهات أرمنيات معلقات على الصليب عاريات تم صلبهن اثناء الإبادة من قبل الجنود الأتراك. موقع الإعدام في صحراء دير الزور -سوريا .  وقتها قام أهالي دير الزور باخفاء اطفال الارمن ومن استطاع الهرب من المذبحة من البالغين  وكان الدرك التركي يمر ويسأل الاهالي عن الاطفال ، وكانو أهالي دير الزور ينكرون رؤيتهم ويدعون أن الاطفال أطفالهم هم  حاليا عدد سكان الأرمن بمدينة دير الزور فوق 25000

ذكرى مذبحة الارمن الكبرى 24-4-1915 والتي قضى فيها حوالي مليون ارمني ,هذه الصورة التقطها صحافي ألماني ومحفوظة في أرشيف الفاتيكان و في الصورة توجد أمهات أرمنيات معلقات على الصليب عاريات تم صلبهن اثناء الإبادة من قبل الجنود الأتراك. موقع الإعدام في صحراء دير الزور -سوريا .
وقتها قام أهالي دير الزور باخفاء اطفال الارمن ومن استطاع الهرب من المذبحة من البالغين
وكان الدرك التركي يمر ويسأل الاهالي عن الاطفال ، وكانو أهالي دير الزور ينكرون رؤيتهم ويدعون أن الاطفال أطفالهم هم
حاليا عدد سكان الأرمن بمدينة دير الزور فوق 25000

قامت إستراتيجية حركة «الاتحاد والترقي» المتطرفة، التي أطاحت السلطان عبد الحميد العام 1908، على «أن لا يبقى في السلطـنة العثمانية سوى الأتراك»، وذلك بالتخلص من الأقـوام المسيـحية أولاً، ومن ثم العمل على تتريك الأقوام المسلمة من غير الأتراك، كالأكراد والعرب، وإذابتهم في القومية التركية. وقد شكل الدور الريادي الذي لعبه المسيحيون في انطلاق حركات التحرر القومـي والوطنـي لشعوب بلاد الرافدين وسوريا وبلاد الشام ضد الاستعمار العثمـاني، حافـزاً إضافيا للتخلص من المسيحيين. وجد قادة هذه الحركة الطورانية في الحرب العالمية الأولى الظرف المناسب لتنفيذ خططهم ومشاريعهم العنصرية، وإحكام السيطرة العثمانية على أجزاء واسعة وحيوية من ارمينيا وبلاد الرافدين وسوريا. يقول هنري مورغنـطاو، (السفير الأميركي في تركيا ما بين 1913 و1916) في كتابـه «قتـل أمـة»: «في ربيع العام 1914، وضع الأتراك خطتهم لإبـادة الشعـب الأرمنـي. وقد دفع التعصب الديني عند الغوغاء والرعاع الأتـراك ومـن معـهم من الأكراد لذبح معظم الأمم المسيحية التابعـة لهم الى جانـب الأرمن»… منــذ الأسابيـع الاولى لاشتعـال الحـرب، باشر الجيش العثمـاني بعمليـات القتل الجماعي للمسيحيين وترحيلهم بشكل قسـري من مناطقهم التاريخية. إلى خـارج الحـدود. ومـع تقهـقر الامبراطـورية العثـمانية أمـام الجيـوش الأوربية، قـررت قيادة حركـة «الاتحـاد والترقـي»، في 24 نيسان 1915 أن يقوم الجيش العثـماني ومعـه العـشائر الكردية الموالية بتنفيذ عملية إبادة جماعية وسريعة لمسيحيي السلطنة.

أدعت الدول الأوروبية، التي دخلت الحرب العالمية ضد السلطنة العثمانية، حماية مسيحيي السلطنة والدفاع عن حقوقهم في مناطقهم التاريخية. لكن الحقيقة إن هذه الدول لم تكن بريئة من دماء المسيحيين الذين قضوا في المذابح على يد الجيش العثماني. إذ يبدو أن القضاء على «الأقوام المسيحية» كان من مستلزمات اسقاط الإمبراطورية العثمانية وتفكيكها وتقاسم تركتها بين الدول الأوربية، الهدف الذي دخلت من أجله الحرب. فعلى اثر مذابح المسيحيين وتهجيرهم، وضعت الدول الكبرى الأربع (إنكلترا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا) في كانون الثاني من العام 1919 وثيقة جاء فيها: «نظراً لسوء إدارة الأتراك لرعاياهم من الشعوب الأخرى والمجازر الرهيبة التي ارتكبوها ضد الأرمن وضد شعوب أخرى كالسريان خلال السنوات الأخيرة، فإن الحلفاء والقوى المرتبطة بهم وافقت على وجوب اقتطاع أرمينية وسورية وبلاد ما بين النهرين وشبه الجزيرة العربية بصورة نهائية عن الإمبراطورية التركية».
قرن كامل مضى على مذابح المسيحـيين التي وصفها الكثير من الباحثين والمؤرخين العالميين، بينهم اتراك، بـ«التطــهير العرقي»، وهي ما زالت حيـة محفـورة في الذاكـرة التاريخـية للأرمن والسـريان ولعـموم مسيحيي المشرق، حيث يحيون ذكراها في الرابع والعشرين من نيسان من كل عام، لتذكير العالم بها وتجديد المطالبة بالضغط على الدولة التركية، وريثة السلطنة العثمانية، وإرغامها على الاعتراف بالمذابح وتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه ضحايا المذابح. فسكوت العالم الحر على تلك الجرائم الفظيعة، سيشجع الأنظمة العنصرية والفاشية على ارتكاب مثل هذه الأعمال بحق الشعوب المستضعفة.
بفضل الجهد الدبلوماسي المكثف للجمهورية الارمنية والنشاط الحقوقي للنخب الأرمنية في دول الشتات وتحريكهم لقضية «المذبحة» على الساحة الدولية كقضية انسانية، نجحوا في كسب اعتراف عشرين دولة بـ«المذبحة الأرمنية»، حتى الآن منها دولة أوروبية. كما نجحت الجاليات الآشورية السريانية في دول الشتات في إدراج قضية مذابح الآشوريين (سريان – كلدان) على جدول العديد من برلمانات الدول الأوروبية وفي تبني برلمان مملكة السويد في آذار 2010 قراراً ينص على»أن السويد تعترف بإبادة، الأرمن والآشوريين والسريان والكلدانيين واليونان الذين كانوا مقيمين في اراضي السلطنة العثمانية» في العام 1915. بهذه الاعترافات الدولية، تكون قضية مذابح المسيحيين قد تخطت مرحلة الإثبات والتحقق من وقوعها ودخلت مرحلة حمل تركيا وإرغامها على الاعتراف بها. وثمة اعتقاد بأن تقرب تركيا من «اسرائيل» وعقد اتفاقات أمنية وعسكرية وتجارية معها، كان يهدف أساساً إلى حث اسرائيل على استخدام نفوذها لدى الولايات المتحدة الأميركية وإقناع ادارتها بطي ملف المذبحة الارمنية وعدم الاعتراف بها. اشتراط دول الاتحاد الأوروبي على الدولة التركية حل «المسألة الأرمنية» إلى جانب القضية القبرصية واحترام حقوق الأقليات وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، لقبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي، أرغم حكومة «حزب العدالة والتنمية» على التراجع عن الرواية التركية الرسمية الخاصة بمذابح الأرمن والمسيحيين، وبدأت تميل الى البحث عن تبريرات تخفف من مسؤولية الدولة التركية عن تلك المذابح. طبعاً، إخراج ملف المذابح من دائرة المحرمات لا يعني أن الحكومة التركية بزعامة «حزب العدالة والتنمية» الاسلامي قد تخلت عن محظوراتها الأيديولوجية والسياسية لمقاربة جدية وصادقة لمذابح المسيحيين، أو انها دخلت مرحلة الاعتراف رسمياً بها. حتى التصريح الذي صدر في 23 نيسان الحالي عشية ذكرى المذبحة عن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والذي قدم فيه تعازيه للأرمن قائلا: «نتمنى أن ترقد أرواح الأرمن الذين قتلوا في أحداث أوائل القرن العشرين بسلام. ونقدم التعازي لأحفادهم» – وهي المرة الأولى التي يقدم فيها مسؤول تركي تعازيه للأرمن بضحايا المذبحة – لا يعتبر تحولاً نوعياً في موقف الحكومة التركية من قضية المذبحة الأرمنية. فكلام اردوغان لم يشر الى مسؤولية السلطنة العثمانية أو وريثتها (الدولة التركية) عن تلك المذابح. وقد جاءت تعازي أردوغان في الغالب لتجميل صورة حكومته بعدما تلطخت بدماء ارمن مدينة كسب السورية التي اجتاحتها مجموعات متطرفة قبل اسابيع بدعم ومساندة الجيش التركي.
تأتي ذكرى المذابح هذا العام وسط استـمرار مشـاعر القلق والخوف من حصول مذابح جديدة بحـق الأرمـن وعمــوم مسيــحيي سـوريا. هذه المخاوف تعود بشــكل اساسـي الى الدور التــركي الخطير في الحرب السوريـة ودعمـها للمجمـوعات الاسلامـية المتشـددة، التي تدعـو لإقامـة حكم «الخلافة الاسلامية» في سوريا. ويبـدو أن العثـمانيـين الجدد في حكومة «حزب العدالة والتنمـية» الاسلامـية، يجـدون في ظروف الحرب السورية الراهنـة الفرصة التي طالما انتـظروها لإخـلاء الجـانــب السـوري من الحــدود من الأرمـن والأكــراد والسريـان الآشورييــن. في إطـار تنـفيذ هـذه الأجندة التركية يندرج غزو المجموعـات الاسلامـية المتـشدد قبـل اسابيــع لمدينــة «كسب» الأرمنــية السورية المتاخمـة للحـدود التركـية بدعــم عسكري ولوجستي واستخباري من الجيش التـركي. وقبلها بنحو عام، غزت المجموعات الاسلامية ذاتها، وبدعم تركي أيضاً مدينة راس العين السورية الحدودية وهجرت سكانها الاكراد والأرمن والسريان.
من المؤسف أن الموقف العربي والاسلامي، على المستوى الرسمي والنخبوي والشعبــي، مـا زال يـتراوح بيـن النكـران والتــجاهل والتبرير للمذابــح. فباستثـناء لبـنان، المتميـز بنظامـه السـياسي وبثقل الأرمن فيه، لم تعتـرف حـتى الآن أي مـن الدول العربـية والإسلامية بـ«المذبحـة الأرمنــية»، برغـم إن دول الجـوار لتركيـا (سوريا ولبـنان والعراق وايران) استقبلت آلاف المسيحيين المرحّلين قسراً والهاربين من المذابـح. يأمـل الكثـير من الأرمـن والسـريان أن تبادر الحكومة السورية الى الاعتراف بمذابح مسيحيي السلطنة العثمانـية التـي وقعـت عــام 1915، رداً عــلى دعـم واحتـضان الحكومة التركية للمعارضات السورية. لكن حتى الآن لا معطيات أو مؤشرات تدل على أن الحكومة السورية في وارد الإقدام على خطوة كهذه.

shuosin@gmail. com

About محمد البدري

مهندس وباحث انثربولوجي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.