الأرشيف اليهودى العراقى تاريخ حافل بالأمجاد

الأرشيف اليهودى العراقى تاريخ حافل بالأمجاد
نبيل الحيدري

لأرشيف اليهودى العراقى يضم عددا هائلا من النفائس والصور والمستندات والوثائق ليهود العراق وتاريخهم ووثائقهم حيث لم يحافظ عليها النظام العراقى السابق عندما وضعها بشكل مزرى تتعرض للتلف وتغمرها المياه. وإن القوات الأمريكية وهى تبحث عن أسلحة الدمار الشامل قد وجدتها صدفة فى مركز المخابرات العراقية فى القبو تحت الأرض تغمرها المياه مما جعل القوات الأمريكية تنقلها إلى واشنطن حيث عمل الأرشيف الوطني في الولايات المتحدة فى إعادة ترميمها وصيانتها وحفظها.

لذلك إجتمع عدد غفير من يهود العراق بلندن مطالبين الحفاظ على أرشيفهم الذى يضم جزءا مهما من تراثهم وتاريخهم وحياتهم وشخصياتهم وهم يطالبون السلطات الأمريكية بعدم تسليمه للحكومة العراقية.

كان الإجتماع فى الكنيسة الشرقية لأوهيل دافيد حيث تحدث الأستاذ إدوين شكر عن الأرشيف وأهميته كما عرض عددا من الوثائق النى نقلت من العراق إلى أمريكا فى 2003 بعد أن وجدت فى سرداب (القبو تحت الأرض) لمركز المخابرات العراقية وقد دخلت عليها المياه وأوشكت على التلف لولا محاولة تداركه من القوات الأمريكية فى اللحظات الأخيرة.

من أهم ما عرضه إدوين هو شهادته المدرسية الخاصة به والتى يحتاجها كجزء من تاريخه وحياته وعلاقته الصميمية وحبه لبغداد وهو متحمس للرجوع إليها حيث لازال يذكر بيته فى البتاوين ببغداد. وإنّ عشقه لبغداد لايمكن نكرانه كما هو حال الكثيرين من يهود العراق الذين عرفتهم عن كثب لاسيما المفكر الكبير والصديق العزيز المرحوم مير بصرى.

فى الأرشيف الكثير من القضايا الشخصية جدا مثلا وثيقة فرح فتاة ذات شعر داكن، تظهر في صورة فوتوغرافية التقطت أثناء دراستها ويبدو أنّ هذه الصورة التقطت لفرح في الخمسينات عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وتتابع دراستها في المدرسة المتوسطة اليهودية في بغداد.

كانت فرح شينا، وهي الأكبر بين سبعة أطفال، طالبة متفوقة ونموذجًا يحتذى به ساعدت على تطوير إخوتها، وفقًا لما قاله شقيقها سامي شينا، الذي أشار إلى أنه لم يكن يعلم أن سجلاتها قد ظهرت مع هذا الأرشيف .

وقال سامى شينا إن شقيقته فرح توفيت بمرض السرطان في إنكلترا في العام 1968، وكانت تبلغ 29 عامًا، وتركت وراءها زوجًا وطفلين صغيرين، ودفنت في أوكسفورد. وقالت دوريس هامبورغ، مديرة البرامج في قسم صيانة المحفوظات، إن سجلات فرح كانت من بين ما يقرب 2700 كتاب وعشرات الآلاف من الوثائق، التي تم استردادها من الطبقة السفلية المهدمة للشرطة السرية في بغداد.

كما تم العثور على كتاب مقدس باللغة العبرية عمره 400 سنة، وكتاب تلمود عمره 200 سنة من فيينا.

ومن ضمن الأرشيف اليهودي، الذي تم العثور عليه، كتاب صغير لصلاة عيد الفصح، يعود إلى العام 1902، وكتاب صلاة باللغة الفرنسية يعود إلى العام 1930، ومجموعة من الخطب المطبوعة بشكل جميل من قبل حاخام في ألمانيا في العام 1692. وهناك أيضًا مجلدات مليئة بالسجلات المدرسية لطلاب من العام 1920 إلى العام 1975.

إنه لمن المؤسف حقاً لم يبق من يهود العراق اليوم سوى ستة أشخاص حسب نقل ويكيلكس بينما كانوا يبلغون ثلث بغداد كما ذكر الأستاذ مير بصرى فى كتابه عن يهود العراق الذى يضم أكثر من مائة شخصية لها دور فى بناء العراق الحديث

وكان معظم اليهود قد تم تهجيرهم بطريقة سيئة جدا من الفرهود والقتل والسجن وسحب الجنسية، تاركين وراءهم آثار غنية جدا عن تاريخهم العظيم الذي يعود إلى 2500 عام وقد ساهموا بشكل عظيم فى بناء العراق وتكوين مؤسساته. والحقيقة ن الأرشيف يوضح بشكل جلى مكانة اليهود المتميزة جدا فى مختلف الجوانب السياسية والإجتماعية والإقتصادية.

لاشك فى فضل يهود العراق على العراق وتاريخه وبنائه وازدهاره … فى التاريخ المعاصر على سبيل المثال لا الحصر. كان السير ساسون حسقيل أول وزير مالية عظيم متميز خدم العراق وله المواقف المشهودة أمام بريطانيا العظمى وهو يفاوضها فى العهد الملكى الحديث لدفع عائدات النفط ويشترط الذهب بديلا عن العملة النقدية ليظهر جليا نظرته الثاقبة وحدسه العلمى وقراءته المستقبلية البارعة عندما نزلت العملة الورقة لاحقاً وكان الذهب مرتفعا وغيره من المواقف الوطنية التى ترفعه إلى أفضل وزير مالية للقرن العشرين فى الشرق الأوسط لذلك رثاه كثيرون مثل الشاعر معروف الرصافى قائلا ألا لاتقل قد مات ساسون فقل تغور من أفق المكارم كوكب فقدنا به شيخ البرلمان به ليله الداجى إذا قام يخطب إنّ أول قاض وأعلى سلطة قانون نزيهة فى تاريخ العراق الحديث يمثلها داود سمرة بفكره وكتبه وأدائه وذكائه وسيرته المتميزة. كما أن أول ناد إجتماعى إلى لورا خضورى وأول قصر يستضيف أول ملك للعراق هو قصر شعشوع البغدادى كذلك أول قصر يستضيف الملك فى محنة فيضان دجلة لصاحبه مناحيم دانييل المعروف بخدماته الاجتماعية ونزاهته وكذلك ولده عزرا مناحيم دانيال عضو مجلس الأعيان خلفا لوالده عشرين عاما وتبرع بالكثيرمن المال للمعاهد الخيرية والمستشفيات والمدارس كما فعل بأموال أخيه حسقيل المتوفى بباريس فقد أوقفها لمنشآت الطائفة اليهودية ومدارسها ببغداد. لقد خرج فى تشييع المرحوم عزرا رئيس الديوان الملكى والوزراء والمختلف الوجهاء وفئات المجتمع كذلك وقف الأعيان خمس دقائق تكريما لذكراه ومواقفه الوطنية أما الجانب الثقافى فحدّث ولا حرج فقد كانت مدرسة الأليناس هى المرسة الحضارية الأولى إلى لورا خضورى وقد افتتحت أولى المدارس للبنات فى العراق كله للتعليم وأول مدرسة ثانوية فى الكرخ كانت للست سمحة كما أن أول ملجأ لأيتام المسلمين قد بناه مناحيم دانيل من ماله الخاص وقد حولوه اليوم إلى منتدى المسرح بشارع الرشيد لإخفاء معالم يهود العراق وخدماتهم الكبيرة. وأول طبيب أعصاب فى العراق هو هو جاكى عبود المتخرج من بغداد ولندن والذى تولى تأسيس وإدارة أول مستشفى للأمراض العقلية وهو يعالجهم بكفاءة وإخلاص وعناية دقيقة فريدة، وأما داود كبّاى فقد كان يعالج مرضاه الفقراء بالعمارة ثم بغداد مجانا وقد يزودهم كذلك بالدواء حتى وقف الناس طوابير وكانت النساء تمسح الحناء على عيادته كما تفعل للأماكن المقدسة احتراما واعتقادا بقدرته العجيبة فى شفاء المرضى الذين قد يزورونه منتصف الليل ولم يسأم عن معالجتهم بكل شغف وحب. وإنّ أول طيار عراقى مدنى هو سليم ساسون صالح دانيال الذى درس الطيران فى بريطانيا وقد اشترى طائرة صغيرة وجاء بها إلى بغداد عن طريق إيطاليا وبيروت فى بداية عام 1930 وعيّن ضابطا فى مديرية الطيران المدنى. وأما البنوك والصرافة فهم روادها وقادتها كبنك زلخا وكريديت بنك وبنك عبودى، والبنك الشرقى الذى كان يعقوب صالح حسقيل يطبع اسمه على الأخير بعد أن كان له فروع فى مختلف دول الشرق الأوسط والهند وغيرها، لذلك بات أكثر من نصف أعضاء إدارة غرفة تجارة بغداد الثمانية عشرة من اليهود بما فيهم نائب الرئيس والسكرتير … وأصبح العراق غير متأثر بالشح والضيق أبان الحربين العالميتين بفضلهم فى تموين البلاد وسدّ احتياجاتها من البضائع الإستهلاكية والضرورية.

أن أول بيت طابوق بنى فى بغداد هو بيت شماس والذى هدّم لبناء فندق بابل فيمحى الذاكرة التاريخية بينما الشعوب تحافظ على معالمها التاريخية.

وفى عام 1932 م كان إبراهيم الكبير أول من وضع النقود العراقية. كما كانت رينية دنكور هى أول ملكة جمال بغداد عام 1947 وزوجها البروفسور نعيم الذى حظى بأعلى الأوسمة فى بريطانيا من الملكة … هؤلاء ينبغى تكريمهم والإحتفاء بهم وتمجيدهم فهم يعيشون فى قلوب الشرفاء و عقول المخلصين كما أن التاريخ يسطر إنجازاتهم بحروف من ذهب خالدة على مر العصور.

والسؤال الحقيقى هو أين حقوق يهود العراق اليوم؟!. فإذا أقرّت الحكومة بتاريخهم العظيم فعليهم بإرجاع جنسياتهم أولا كما طالبت فى مؤتمر الأديان بالسليمانية العام الماضى وكذلك طالبتُ إعطائهم مقاعد برلمانية أسوة بغيرهم من الأديان والمذاهب ثم إرجاع جميع ممتلكاتهم وأموالهم التى سلبت ظلما وعدوانا وتعويضهم عن الخسائر الفادحة التى ألمّت بهم … فكيف يجوز إرجاع الأرشيف بدون أهله وأصحابه الحقيقيين وهذا غير مقبول وغير معقول فمثلا الشهادة المدرسية ترجع إلى صاحبها الحقيقى وكذلك الوثائق الأخرى.

والعجيب أن يكثر الحديث اليوم عن إرسال الأرشيف اليهودي إلى وزارة الآثار العراقية فى بغداد فى العام القادم على الرغم من أنه من غير الواضح أين سيتم حفظه أو عرضه. وفي خريف هذا العام، من المقرر أن ينتقل اثنان من الخبراء العراقيين إلى إدارة المحفوظات الأميركية لدراسة المواد وإجراءات الحفظ، حتى يتمكنوا من رعاية الأرشيف عندما يعود إلى العراق. أما الآن، فإن العمل يسير بسرعة في فرع المحفوظات في كوليدج بارك، حيث يعمل فريق من الخبراء بوساطة معدات عالية التقنية لتنظيف ورقمنة وترميم السجلات والوثائق وإن يهود العراق يطالبون الحفاظ عليه وعدم إرساله لحكومة بغداد. وفى إحدى المداخلات ذكر بعضهم أنه يريد مستمسكاته الخاصة أن ترجع إليه شخصيا فهى ملكه وحده وقد أخذت ظلما وعدوانا

والحقيقة إنّ القرآن الكريم يعتبر اليهود من أهل الكتاب، ونبيّهم موسى ونزل عليه التوراة وجاءت عشرات الآيات فى حقهم مثل قوله تعالى فى القرآن الكريم (ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكمة والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على العالمين) وقد وصف القرآن التوراة بأنها نور وهداية من الله تعالى. وإن كثيرا من مزاراتهم وأنبيائهم وشخصياتهم لازالت راقدة فى العراق آثارها ومعالمها مثل النبى ناحوم فى قرية القوش قرب الموصل والنبى حزقيل فى قرية الكفل قرب الحلة وعزرا فى ملتقى النهرين بالقرنة ويوشع فى الكرخ من بغداد والنبى دانيال فى كركوك قرب القلعة وعزير فى البصرة بمنطقة تدعى باسمه وغيرها من شخصياتهم وعلمائهم وأحبارهم

السؤال الكبير حول الأرشيف الذى يطرحه يهود العراق اليوم هو كيف يمكن إرجاعه إلى العراق دون ضمانات حقيقية لحفظه وصيانته وإمكانية الإستفادة منه خصوصا وادعاء الحكومة أنها تمتلك أضعافه فى العراق، فلماذا لايمكنها حفظ وصيانة الموجود فعلا عندها لتضعه فى المتاحف بصيانة واهتمام ويتم عرضه فى المتحف وإمكانية الإستفادة منه.

لذلك كله كتب بعضهم رسالة موجهة إلى مسؤولين فى الإدارة الأمريكية ووقّعها الكثير من الحضور من اليهود العراقيين يطالبونهم بالحفاظ على أرشيفهم وعدم تسليمه إلى بغداد كحق طبيعى من حقوقهم بعد كل تلك المحن والمآسى والتهجير والمعاناة كما كانت مداخلتى تمثل دعوة للحفاظ على هذا التاريخ وأمجاده وتذكيره للأجيال وعدم تضييعه مرة ثانية … فضلا عن السعى الحثيث لاسترجاع الحقوق المغتصبة لتاريخ ناصع يتجاوز المسلمين والمسيحيين فى ثلاثة آلاف عام باهر خالد. وإن تاريخا عظيما عمره ثلاثة آلا ف عام لايمكن أن تمحيه خمسين عاما من المعاناة والمحنة والتهجير وسيبقى خالدا يدونه التاريخ بحروف من ذهب كما يتذكره الطيبون من مختلف الأديان والمذاهب الذين تعايشوا وتحاببوا وتزاوجوا بمودة ووئام وانسجام وسلام.

المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.