لا احبذ ان يوحي العنوان في خلق التصورات حول اي رابط بين ظهور الكورونا و وجود الرئيس ترامب … لكن القاسم المشترك في مفهوم”ما-بعد” الذي اصبح ظاهرة في ذاته تم و مازال يستخدم كعنصر اساسي في الخطاب السياسي و الثقافي التبريري للتغييرات المتسارعةفي العقود الاخيرة…
كثيرة هي مصطلحات ما-بعد… مثل ما بعد-الراسمالية و مابعد النمو و ما بعد الاستهلاك ومابعد -الايديولوجية و مابعد- الدين و ما بعد- الفلسفة و ما بعد -الحداثة ووو… لكنها كلها ظلت في اطار رغبات و احلام او تعريفات لحالة تدور حول تطوراجتماعي مختلف عما سبقه… وهذه حالة التاريخ اساسا.. و ان اصبح التغيير اكثر تسارعا في ظل التقدم التكنولوجي … لكن التوقعات في الوصول الى “بر الامان” ظلتفي اطار الاوهام
Illusions
.. و هذا ما يمكن ان يصدق على احلام ما بعد -ترامب و ما بعد- كورونا..
لا شك ان بعضا من اهم مصطلحات “مابعد” لم يستطع ان يثبت تغييراً ملموساً… الراسمالية ما تزال تعيد انتاج ادواتها و هيمنتها وقيادتها للعالم اقتصاديا وسياسيا… الدين عاد و بقوة و الايديولوجيا لم تمت و ان تم تغيير نمطها و خطابها السياسي … الاستهلاك ما يزالعلى اشده حتى لو اوقفت عجلاته مؤقتاً بفعل الكورونا.. و الكورونا يعيد انتاج ذاته بتحورات لا احد يعرف افق انتهاء حياتها… بل ان اغلبالدراسات تذهب الى هذا الفيروس الملكي سيبقى يشكل ثنائية جديدة مع الحياة على الارض و معه انواع مختلفة من فيروسات مشابهة قدتستفاد ديناميكية التقاطعات بين الثغرة العلمية التي احدثها كورونا و التهور في مستوى مقاومة الجسد البشري لهذه الفيروسات و هكذا …
هنا تبرز احدى اهم الاشكاليات و هي ان مفهوم ما بعد -كورونا قد يكون على شاكلة مفهوم مابعد- الحداثة حيث يتم تبرير المستوى غيرالعقلاني في العنف و اللا مبالاة في زمن عقلاني متطور لم تسبق البشرية مثلا له… حيث اصبح مفهوم مابعد -الحداثة عنوانا لتجريدمجموعات من الشباب و القوى المجتمعية من قيمها “الانسانية ” التي عادة تؤسس اطارا تنظيميا لها و من ثم تبرير نمط عنفها غير القابلللتوصيف الا من خلال مفهوم ما بعد -الحداثة ذاته… اي و كأننا نتحدث عن عنف ميكانيكي غير قابل للتأويل بسبب الاحباط من تاثيراتالتقدم التكنولوجي و التطور الاجتماعي الذي حول المجتمع الى طاحونة ممنهجة
Computerized
في دورانها حول ذاتها دون يستطيعالانسان ادراك ميكانيزمات فعاليتها..
بكلام اخر… ان مفهوم مابعد -الحداثة كان يمثل للمفكرين و القوى الاجتماعية اليسارية في العقود الاخيرة من القرن الماضي ثورة مجتمعيةصامتة ضد آليات التطور الراسمالي و بذلك يمثل حالة اللا انتماء او رفض التماثل مع المحصلة المجتمعية التي انتجها التطور الرأسمالي. ..
بشكل ما فان هذا التفسير كان يقدم تبريراً “منطقياً” لانتشار نوع من السلوكيات و العنف “اللا ارادي” في مجتمعات المدن الكبرى فيالدول الغربية… لكن على المستوى الدولي كانت اعمال العنف و الحروب تزداد ايضا و تقودها قوى نابعة من ذات المجتمعات الغربية… و لاادري ان كان مفكرو مابعد الحداثة يربطون هذه الحروب بتلك الحالة المجتمعية الناشئة في المجتمعات الغربية..ام ماذا..؟؟!!..
اي ان ظهور و هيمنة نخب فكرية و سياسية قادت الولايات و الدول الغنية الى حروب “لا منطقية” انما كانت بتاثير حالة مابعد- الحداثة .. وبالتالي ربما “لا يتحمل” تلك النخب عبء الحروب الهوجاء كونها كانت تحت تاثير دوافع “غير ارادية”..!!..
و على اساس ذات النمطية التبريرية فان ظهور الرئيس ترامب و كذا “التوظيف السياسي” لفيروس كورونا.. هما يمثلان بشكل ما ذاتالحالة .. و الكلام عن مابعد- ترامب او ما بعد-كورونا انما امتداد او تطور نوعي لحالة مابعد -الحداثة… و هذا قد يعني ان التوقعات تذهبنحو المزيد من الصراع و العنف و قد ندخل حروب اللقاحات و الصراع على احتكار الاوكسجين و العلاقة مع القوى الكونية الاخرى خارجالارض…
رغم ان اللقاحات لم تثبت فعاليتها خاصة في ظل فوضى ظهور نماذج متمحورة و كذلك فيروسات جديدة فان ما يمكن ما يمكن ان نعرفهحتى الان هو ان هناك مليارات من الناس في المجتمعات الفقيرة لن يصلهم اي لقاح… و ان الاقتصادات الكبرى تحملت خسائر هائلة ليسفقط في القيمة الفعلية انما ايضا في القدرة على اعادة تفعيل الآليات القديمة للانتاج خاصة الزراعية و الحيوانية و لعل واحدا من اهماسباب ذلك هو ظهور اجيال من الشباب في العقد القادم بلا تعليم او سيّء التعليم
Maleducated
في مستوى العلوم النظرية و التطبيقيةفي المجتمعات الغنية…
و هذا يعزز من فكرة ديمومة حالة مابعد -الحداثة و السلوك اللا ارادي في التدمير….اما المجتمعات الفقيرة فامرها موكول الى ….؟؟؟.. حبيللجميع