کارثة الجهل المقدّس

د. سيد آية الله مصطف دامادwahshi
الجهل المقدس يمثّل مصطلحاً کنت قد طرحته في کتاب حمل هذا العنوان نفسه. ولكن ما حدث اليوم للعالم الإسلامي دفعني إلى أن أؤکد على هذا المصطلح أکثر من ذي قبل. فالأوضاع المؤسفة والرهيبة التي تواجهها البلدان الإسلامية اليوم وتعاني منها، هي رد فعل لهذا النوع من الجهل. فنحن نسمع کلّ يوم أخبارا محزنة من أفغانستان والعراق وسوريا، والانفجارات الوحشية وعمليات القتل التي تحدث وتتسبب في نكبة الكثير من الأسر ما هي إلا نتيجة هذا النوع من الجهل. والجهل المقدّس يمكن أن يتحلّى في أشكال مختلفة، فلقد تسبب بالعديد من المآسي على مرّ التاريخ.
ولعلّ بإمكاننا أن نرى منطلق مثل هذا الجهل في مصير «جوردانو برونو» والذي استعرت مصطلح الجهل المقدّس منه. علما أن الفيلسوف الإيطالي برونو جرى إحراقه حّيا في ساحة فيوري في مدينة روما بعد أن أمضى ثماني سنوات في مطامير محاکم التفتيش الرهيبة في القرون الوسطى.

وقبل أن يحرق جوردانو في النار، قام جلادو الباب بقطع لسانه کي يمنعوه من التفوّه بما کانت محكمة التفتيش تراه کفرا. وقد کان ذلك مصير معظم الفلاسفة والعلماء في عصر تفتيش معتقدات الكنيسة الكاثوليكية.

وقد قيل إن برونو عندما ربطوه بقضيب من الحديد وجمعوا الحطب لإحراقه، کان صامتا مستسلما من دون أن ينبس ببنت شفة؛ ولكن حدث ما دفعه إلى أن ينطق بعبارة خلّدها التاريخ، وکانت تلك الحادثة أن الناس رأوا امرأة عجوزا عل حين غرّة وهي تحمل قطعة من الحطب، ثم ألقتها في النار بعد أن نطقت باسم الله، فما کان من برونو إلا أن خرج من صمته، فلقد بدا أن عمل تلك العجوز آلمه حتى نخاع عظامه حتى صرخ قائلا: «اللعنة عل هذا الجهل المقدّس!».

وعلينا القول هنا الجهل المقدّس أقترن مع العقائد الدينية؛ ولکن الدين الذي يؤمن به الإنسان على أساس أهوائه النفسية لا العقل، فإذا به يرتكب أفظع الجرائم في حين أنه تصوّر أنها لله وأنّها تقرّبه منه. ومن الآفات الاجتماعية التي أميل إل أن أسمّيها کارثة مؤسفة للمجتمعات الدينية الراهنة، الجهل المقدّس؛ الجهل الذي أرتكب أبطاله أبشع الجرائم متصوّرين أنهم يفعلون ما طلبه الله وأنهم يجاهدون من أجل الله.

وأنا أرى أن الجهل المقدّس هو أهم الآفات الاجتماعة أو من أهمها على الأقل لا في المنطقة الإسلامية وحسب بل في جميع أرجاء العالم، وتعاني المجتمعات الدينية منها.

وقد وردت الإشارة في القرآن أيضا إلى الجهل. وأنواع الجهل التي يواجهها القرآن هي من نوع الجهل المقدس. حيث يتعامل الشخص الجاهل في الجهل المقدس مع مفهوم يسمى «الاعتقاد»، أي يحل الاعتقاد بالنسبة إلى هذا الإنسان محل التفكير. والاعتقاد مشتق من «العقد» أي الربط؛ فالشخص الذي يعتقد بأمر ما يربط فكره ويتخذ من معتقداته خطا أحمر.

* أستاذ في كلة الحقوق بجامعة الشهد بهشتي ورئس قسم الدراسات الإسلامة في المجمع العلمي الإيراني للعلوم

منقول عن الشرق الاوسط

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.