يتربى الذكر في بلداننا في ظل ثقافة اسلامية

راح آدم يبحلق في يدي وأنا أخلط صحن التبولة…….. احسست أن وراء نظراته الثاقبة سؤالا مهما، بل خطيرا جدا،
وأنا أثق بأحاسيسي، فقلما خذلتني!
سألته: ما القضية؟
فرد على الفور متسائلا: تاتا من علمك تحضير التبولة؟
وتابع، قبل أن يأخذ نفسا آخر: هل تعلمتي من الماما؟! يااااااالها من إهانة كبيرة جرحت كبريائي، ولَم أكن أتوقعها!
أمه علمتني تحضير التبولة؟؟؟ ولييييي على حالي عا هالسمعة، زوجة ابني تعلمني فن الطبخ؟؟ والأنكى من ذلك تحضير التبولة!
………
اتصلت أمه بعد قليل تطمئن عليه: مرحبا خالتو، كيف آدم؟ أنشالله ما عّم يعذبك؟
رددت مكسورة الخاطر: – ليته عذبني وبس، لقد أهانني إهانة لن أنساها بسهولة!
– ياربي…ياربي لطفك، خير؟
– سألني إن كنت تعلمت تحضير التبولة منك؟
سمعت قهقهاتها من وراء سماعة الهاتف، وجاءني تعليقها ليزيد الطين بله: خالتو، أنت الأدرى والأعلم بأن الأطفال لا يكذبون ودائما يقولون الحقيقة!
– أبوكون واحد ورا التاني، ناقصني ها السمعة، تعي خدي ابنك وإلا سأرسله بطرد بريدي!
…………
كما ينظر المؤمن إلى ربه نظرة لا يشوبها أي شك من أنه قادر على أن ينشله من أوهن وأضعف لحظاته، كذلك ينظر الأطفال إلى آبائهم. هم ومنذ نعومة أظفارهم، يشعرون بعجزهم وضعفهم، لكنهم – وبعكس البالغين – لايتأثرون سلبا بهذا الشعور طالما لا يفقدون الثقة بآبائهم. فالآباء في نظر الأطفال، وخصوصا في سنواتهم العشر الأولى أبطال وهراقل، ومن الأخلاق والإنسانية بمكان أن لا تزعزع صورة أب أو أم في ذهن طفل، فثقة الطفل بنفسه لا تتزعزع الا عندما تضعف ثقته بوالديه! يتشرب الطفل ثقته بوالديه لتصبح مع الزمن ثقته بنفسه، إذ لا يميّز في عمره المبكر بين كيانه وكيان من يربيه. وخير ما يجسد تلك الفكرة قصة قرأتها مرّة عن أب أمريكي، كان يقوم ببعض الأعمال في حديقة منزله، وبجانبه طفله ابن الخامسة صاح الطفل: بابا، حاولت أن أقلب تلك الحجر بكل قوتي ولم أستطع!
فردّ الأب: لا ليس صحيحا، أنت لم تحاول، فأنا أقف بجانبك ولم تسألني أن أساعدك.
أراد الأب أن يثبت لطفله أنه يستطيع أن يستمد قوته من قوة والده، فكلاهما قوة واحدة.


…….
ويبقى السؤال:
هل تستطيع جدة في هذا الشرق المعذب ان تعزز ثقة حفيدها بأمه، عندما تكون أمه زوجة ابنها، ناهيك على أن تعزز ثقة ابنها بزوجته؟؟! أشك في ذلك..
…….
يتربى الذكر في بلداننا (بغض النظر عن انتمائه الديني والطائفي) في ظل ثقافة اسلامية تضعه في اللاوعي تحت ضغط مفهومين متناقضين كل التناقض، عندما يتعلق الأمر بالمرأة في محيطه. هي أكثر أهل النار، وفِي الوقت نفسه الجنة تحت أقدامها….
لكي يخفف من ضغط هذا التناقض، راح يعامل زوجته وفقا للمفهوم الأول، وأمه وفقا للمفهوم الثاني. تعيش المرأة حتى المرحلة الأخيرة من عمرها وكأنها مشروع حتمي لجهنم، وبناء على ذلك تلقى الويل من والدها وأخيها وزوجها وكل ذكر في محيطها.
في المرحلة الأخيرة من عمرها، وبعد أن يموت الأب ويضعف الزوج المتقدم في العمر، ويحل محله ابنها البالغ، الذي يرى في أمه مشروعا حتميا تجري من تحته جنان الخلد، فيحاول أن يعوض لها القهر الذي عاشته سابقا، وذلك على حساب زوجته وعائلته،
في تلك المرحلة تنفش الأم ريشها لتتسلطن على حساب زوجة ابنها أملا في أن تعوض مافاتها، ومن مبدأ “ماحدا أحسن من حدا
لقد عانيت من زوجي وأمه، وجاء الآن دورك لتعيشي مأساتي” فتستمر الكارثة من جيل إلى آخر….
…..
أغلب مشاكل الحياة الزوجية في مجتمعاتنا تنبع من هذا السيناريو، إن لم يكن كلها والأم – أم الذكر – تتحمل الشطر الأكبر من مسؤولية تحطم البيت الزوجي لابنها. لقد كنت يوما زوجة ابن، وأنا اليوم أم لزوج، وانطلاقا من كوّني – بعد هذا العمر – أكثر خبرة وقدرة على التعامل مع مجريات الحياة، أرى نفسي مسؤولة عن طبيعة علاقتي بزوجة ابني، طبعا باستثناء حالات نادرة جدا تكون فيها زوجة الأبن، لسبب أو لآخر، عصية على التعامل بالحسنى……
……
ربت على كتف آدم، وطبعت قبلة على رأسه، نعم ياحبيبي، لقد تعلمت تحضير التبولة من أمك، فهي الأروع والأجود في تحضيرها!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.