ويسألونك عن البديل

الخوف هو العامل المشترك الوحيد بين الأنظمة المستبدة وشعوبها ، فالنظام المستبد يخشى من حصاد ما جنت يداه من جرائم بحق شعبه قد تتجاوز بكثير مسألة وأد الحرية إلى التهديد الوجودي والإدارة الفاشلة لقضية العدالة الإجتماعية ولملفات الأمن والإقتصاد والتي تُحيل حياة الشعوب إلى جحيم يُكسَر على إثره حاجز الخوف من المستبد ، ومن ناحيةٍ أُخرى تخشى الشعوب من سلطة النظام المستبد وأجهزته القمعية التي كرّسها هذا المستبد لتخويف الشعب الذي يخاف منه المستبد بدوره .
إذاً في ظلِّ الأنظمة المستبدة تستشري ثقافة الخوف على جميع المستويات فالسلطة تخشى الشعب الجائع الذي يخشى بدوره شرطة المستبد وأمنه وجيوشه .
وفي إطار هذا الكم الهائل من دوامات الخوف يُوظِّف المستبد ثقافة الخوف التي راكمتها سنوات القهر والإستبداد المتطاولة فتستحيل ـ ثقافة الخوف ـ إلى مادة أساسية في في خطابه الإعلامي المُوجّه والمُكرّس لتأمين نظام المستبد ، فيُنشئ الإعلام الإستبدادي إنطلاقاً من ثقافة الخوف القارة في وجدان الشعب ومن قناعات المستبد نفسه بأهمية دور الإعلام في تجذير هذا الخوف في وعي الجماهير ، أقول يُنشئ هذا الإعلام الإستبدادي معادلة ( الخوف من البديل ) حيث تختلف تفاصيلها من بلد إلى آخر .

ففي مصر أنشأ حسني مبارك معادلة ( إمّا نظامي أو الفاشية الدينية ) ، وفي سورية تحقّقت المعادلة بالفعل وأصبحت المعادلة واقعاً حقيقياً ( إمّا بشار الأسد أو الحرب الأهلية والصراعات الطائفية والجماعات الإرهابية ) ، وفي ليبيا كانت المعادلة أبان حكم العقيد القذافي ( إمّا أنا أو الصراعات القبلية والتقسيم ) ، وتأتي المعادلة في دولٍ أُخرى على نحو ( إمّا أنا المستبد الذي يوفر الأمن رغم وأده للحرية ، أو الحرية والفوضى كما حدث بالعراق ) ، وفي السودان كانت المعادلة أشد فحشاً وبذاءةً فهي : ( إمّا الإسلاميون أو العبيد الغرّابة والجنوبيين والكفار دعاة الفجور والعمالة لأمريكا و الطائفية المهدية والميرغنية ) .

لذلك فالسؤال الذي ينتشر على نحوٍ مريب في السودان ويُواجَه به كلّ دعاة التغيير من قِبل غالبية المواطنيين ( من البديل في حالة سقوط النظام ؟ ) هو سؤال ليس بدعاً بين الشعوب ، وقد كان مطروحاً في كلِّ الدول التي عانت من الإستبداد ولم يُثني ذلك التساؤل كثيراً تلك الدول عن تحقيق التغيير ، والسؤال ما هو إلاّ مؤامرة يُدبِّرها النظام في إطار طموحه بالبقاء في السلطة أطول قدر ممكن كما أوضحنا ذلك ، ويأتي كلّ هذا في سياق تفعيله لسلاح الخوف أو التخويف من المستقبل ، وهو السلاح الوحيد الذي يملكه المستبد لمواجهة الملايين التي تُعاني من إستبداده ، وغالباً ما يؤتي هذا السلاح ثماره على المدى القريب والمتوسط ، ولكنه على المدى البعيد سلاح فاشل لأنّه غير إستراتيجي ، والتاريخ يُثبت ويُبرهن ذلك ، ومصر وتونس وليبيا نماذج قريبة جداً في تاريخنا المعاصر ، فتلك الدول وغيرها كانت المعادلة مطروحة بها على نفس المنوال( إمّا المستبد أو البديل الفاشي الديني والفوضى والإستعمار … الخ ) . ورغم ذلك ثارت تلك الشعوب بعد عقود من تفعيل تلك المعادلة وإستخدام المستبد لها وتوظيفها في تخويف شعبه من طموح التغيير أو التطلع للثورة عليه .

فغالباً ما تُسفِر سياسة التخويف المتبوعة بسياسة التجويع والتهميش والإضطهاد والكبت والقمع والتنكيل إلى صياغة المعادلة على وزنٍ أكثر خطورة على المستبد وعلى نظامه ، حيث تستحيل المعادلة بعد معاناة الشعب إلى الصياغة التالية (( إمّا الموت جوعاً ومرضاً و الحياة فقراً وجهلاً ومعاناةً وتهميشاً ، أو مواجهة الموت وكسر حاجز الخوف ، جدار حماية المستبد الأساسي )) وهذه الحالة هي ما تُعرف بالغضب .
فلا سلاح يقضي على الخوف مثل الغضب ، فتخرج الملايين الجائعة والمهمّشة والتوّاقة لصناعة مصيرها وإسترداد حريتها للشوارع كما رأينا ظهيرة يوم 28 يناير بمصر عام 2011 ، غير عابئة أو مكترثة بالرصاص والقتل ، فالتناقض وصل حدّه ومبلغه ، والغضب أعمى غريزة الحرص على البقاء وباتت المعادلة إمّا نحنُ أو هم .
لذلك فسياسة التخويف من البديل لم ولن تُثمر إلاّ عن نقيض ما تصبوا إليه ، وستكون المخدر الذي أنام المستبد وبثّ فيه روح الطمأنينة الخادعة وحرّضه على السدر في طغوانه آمناً جانب الشعب ، فيصير كمن رانت عليه غشاوة تمنعه من رؤية الخطر المحدق من حواليه ، خطر يحمل عنوان الغضب الشعبي المُحصّن ضد الرصاص .

لذلك فإستشراء السؤال عن البديل قد يكون مجرّد نجاح ( راهن ) للمستبد ، لكنه قطعاً لا يُسمنه ولا يُغنيه من جوع ولا يؤمِّنهُ من خوف ، نعم هو سلاح فاعل بيده اليوم ، لكنه سرعان ما سيفقد فاعليته غداً، فهذا السؤال الذي يُراهن عليه هذا المستبد هو في جوهره زائف ومخادع ، فالشعب لا يحتاج لبديل للمستبد ، فنحن لا نحتاج لبديل للجلاد ، وعمر البشير وزمرته الحاكمة وكافة الطغاة أهون من أن نحتاج لبدائلهم كي نحمي ونُعمِّر أوطاننا ، فما هم إلاّ محض أصفار على اليمين وجودها من عدمهِ واحد ، بل وجودها كارثة تستلزم التخلص منها ، فالشعب لا يحتاج لبديل لهم ، بل هو محتاج لمحاربة بدائلهم ، وأيّ خيار يُطرح كبديل لنظام البشير هو خيار مرفوض ، فالأزمة ليست في إسم الجلّاد ولكن في ديدن الجلد .

إنتهى عهد ثقافة ( الراعي والرعية ) وولّت حقبة ( ولي الأمر ) و ( زعيم الأُمّة ) ، بل وحتى عهد المواطن والمواطنة أوشك على الإنتهاء ليحلّ محلّه عهد ( مابعد المواطن ) ، حيث أصبح البديل هو الإنسان الفرد الفاعل ، المشارك ، الصانع ، المُبدع ، والذي لا يقتصر دوره فقط على ترشيح أو إختيار وإنتخاب الرؤساء والحكام والبرلمانيين ، ولكنه أصبح سلطة رأي عام تُراقِب وتُحاسِب وتُهدِّد بالإضراب والعصيان المدني واللجوء إلى مقاضاة الحكام والرؤساء ، وتضغط وتُمارس أقصى درجات التدخل السافر في إدارة شؤون الدولة .

لذلك فلا بديل لنظام الإنقاذ ، و لا بديل لعمر البشير ، أو هذا ما يجب أن نعمل عليه . فالبشير ليس رئيساً حتى نبحث عن بديلٍ له ، لكنه مجرم وجلّاد ، وهذا النظام ليس نظاماً حقيقياً لكنه مصدر للفوضى ومبعث للتفرقة والتشظِّي ، ونحن لا نحتاج لا لجلّاد ولا لأسباب تشظِّي، لذلك المطلوب ليس فقط العمل على إسقاط هذا النظام الفوضوي أو الرئيس المجرم ، ولكن إسقاط بدائله المحتملة ، إسقاط الطائفية والعنصرية وثقافة الخوف ، لا نحتاج لصناعة بديل ، ولكن نحتاج إلى صناعة الفرد الفاعل والمتفاعل والمتنج و المبدع الذي لن يحل مكان البشير ليتحول إلى بديلٍ له أو مجرمٍ مثله ، ولكنه سيأخذ خانة عمله المناسب له ، ويمارس دوره بفرادة بمعية الفاعليين الإجتماعيين في مختلف حقول إنتاجهم وإبداعهم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً ضد كلّ سلطة ظلامية تمنع العقل الإنساني من الوصول إلى نور الحرِّية حباً في الإستبداد وتعلقاً بالسيطرة !

About محمد ميرغني

محمد ميرغني ، كاتب ليبرالي من السودان ،يعمل كمهندس معماري
This entry was posted in ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

One Response to ويسألونك عن البديل

  1. وأين هو هذا ن الفرد الفاعل ، المشارك ، الصانع ، المُبدع ؟؟ أين هي الحلول السياسية والاقتصادية الجديدة؟؟؟؟؟؟؟؟ ما هو مشروع الثوار لبناء دولة جديدة؟؟ أم أن كل غايتهم هي أن يسقطوا البشير من الرئاسة ليأتوا بأحمق آخر مكانه؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.