وداعاً أولمبياد لندن

رعد الحافظ

تحتَ سماءِ لندن , فوقَ أرضية الستاد الأولمبي في ستراتفورد .
دقّت بالأمس , أجراس Big Ben في تمام الساعة الثامنة مساءً بتوقيت كرينج مُعلنةً إنتهاء الدورة الأولمبيّة الثلاثين .
80 ألف من الجمهور كانوا هناك يراقبون .و 3500 عارض ساهم في حفل الختام .
وكما توقّع مخرج الحفل المُبدع كيم جافين ( أنّهُ سيكون أفضل حفل ختام في التأريخ ) , فلقد كان كذلك !
إسبوعان مدّة الأولمبياد ,إجتمع فيها العالم على الحبّ والرياضة والإنجاز , إسبوعان ستبقى عالقة في الأذهان طويلاً .
بالنسبة لي / أحببتُ هذا الأولمبياد , كما لو أنّهُ صانع للأمل .
***************
مرتجفةً قلوبهم ودامعةً عيونهم ودّع الرياضيّون لندن الجميلة . وكلٌ يرقص فلكلورهِ الخاص على أمل اللقيا في ريو دي جانيرو 2016 .
فرق غنائية عديدة شاركت , كفرقة مادنس , وسبايس غيرلز , وجورج مايكل وفرقة The Who التي عزفت لحن الختام بعد إنطفاء الشعلة الأولمبية .
كذلك حضرت المغنية شارلوت كوبر بكيتارها الأنيق .
والمغنية السمراء التي إفتتحت الحفل / إيميلي ساند ( ذكرتني بسيلين ديون ) مع أنّي لا أفهم شيئاً في الغناء الغربي .
تشرشل بسيكارهِ المُميّز كان حاضراً وخطب من فوق برج الساعة الشهيرة . وباتمان ( الوطواط ) حضر أيضاً .
حتى الحرس الملكي والأمير هاري و جسر لندن الشهير وسيارة الرولز رويس ,وموسيقى القرب الإسكتلندية , كلّهم كانوا حاضرين هناك .
الأضواء كانت تتوهج حيناً ومعها تصدح الأصوات , كأنّها الإنجاز بعينهِ . ثمّ تخفت بعدها , كأنّها الراحة والسكون .
ما أروع مخرج الحفل كيم جافين , وكلّ مساعديه والمتطوعين .
في الأولمبياد , النصر كان موجوداً ومتنوعاً , لكن لا أحد ينسبه لنفسهِ .
كلّ الفائزين شكروا أوطانهم التي ساعدتهم والجمهور الذي شجعهم والحظّ الذي حالفهم .
صُمّمَ هذا الحفل ليكون إحتفالاً بالشعب البريطاني وموسيقاه وثقافتهِ
فبدؤوا في الجزء الأوّل بوصف الحياة العادية للشعب البريطاني
مُرحبين بضيوفهم بأفضل ما يكون . ثمّ سارت المواكب الرياضية على أرض الملعب الذي مثّل بأضوائهِ علم بريطانيا .
آخر الميداليات الموزعة كانت للماراثون , وفاز بذهبيتها الأوغندي كيبروتيك , فأهدى بلده أولى الميداليات
كأنّهُ يُخبرنا أنّ الكفاح يجب أن يستمر حتى اللحظة الاخيرة , قبل إسدال الستار .
حتى الدموع في الاولمبياد تختلف عن الدموع في حياتنا العاديّة !
دموع الفرح بالنصر وإرتقاء علم البلد للسارية , وعزف النشيد الوطني للفائزين , تقابلها دموع الحسرات على ضياع الميداليات للخاسرين , وما هم بخاسرين .
**************
ملاحظات
1 / إنجازات عربية متواضعة لكن مُفرحة
ثمان دول عربية حصدت 12 ميداليّة , منها ذهبيتان وثلاث فضيّات و7 ميداليات برونزية .
قرش قرطاج / السباح التونسي ( اُسامة الملولي ) كان فخر العرب فعلاً
وحقّقَ سبقاً لزملائهِ في السباحة , حيث جمعَ بين برونزية 1500 سباحة حرّة في المسابح , إضافةً الى ذهبية 10 كم سباحة حُرّة في نهر التايمس
ووضع بلدهِ الصغير تونس في مقدّمة الدول العربية وفي الترتيب 45 عالمياً وأهدى فوزهِ للثورة التونسيّة وشبابها الحُرّ .
إنجاز الملولي لا يعادلهُ عندي ,سوى إنجاز الجامايكي في سباق ال 100 متر .
صحيح أنّ ميداليات العرب كلّها , لا تعادل هولندا الصغيرة ( 20 ميدالية وبالمرتبة 13 عالمياً ) أو جامايكا الصغيرة ( 12 ميداليّة وبالمرتبة 18 عالمياً ) , أو كوبا الجزيرة الصغيرة المُحاصرة منذُ 60 عام , والتي حصلت على 14 ميدالية وبالمركز ال 15 عالمياً
لكنّهُ مع ذلك يُعّد أفضل إنجاز عربي مقارنةً بالدورات السابقة .
فلا تقولوا الربيع العربي قادنا نحو الاسوء !
أنا أقول : الحريّة تُثبت دائماً انّها أغلى شيء في الوجود .
وبعون العقل ببدء الثورات القادمة على المشايخ ستخطو بلداننا خطوات كنغرية غير متوقعة , وسنلتقي في ريو .
2 / جدول الميداليات
http://www.bbc.co.uk/arabic/sports/2012/07/120717_olympics_2012_medals_table.shtml
هذا رابط جدول الميداليات لأولمبياد لندن ,و ربّما يُحاكي قوّة الدول .
الولايات المتحدة حلّت أولى / ب 104 ميداليّة , بينها 46 ذهبية و29 فضية ومثلها برونزية .
بعدها الصين بفارق 16 ميدالية وبعدهم بريطانيا العظمى ثمّ روسيا .
3 / إيران بالمناسبة حقّقت 12 ميدالية منها أربعة ذهبية وبالمرتبة 17 عالمياً . هذهِ مفاجئة تعود في ظنّي لرافعي الأثقال أكثر ممّا تعود لنظام الولي الفقيه البائس !
4 / وجامايكا بحجم الحمصة الحمراء على الخريطة قرب كوبا , وسكانها أقلّ من 3 ملايين , لكنّهم ( عملاء ) من دول الكومنويلث ومرتبطين بالتاج البريطاني , تنجز أضعاف العرب مُجتمعين .
لا أحد سوف ينسى بطلهم ( يوسين بولت ) ورقمهِ الأولمبي الجديد 9.63 ثانية .
ومثلها فعلت هولندا التي حلّت بالمرتبة ال 13 ب 20 ميدالية .
5 / أوّل ذهبيّة للسويد كانت في سباق الزوارق الشراعية ستار بوت
وآخرها فضيّة كرة اليد للرجال فجمعت 8 ميداليات فقط .
6 / حدثان متناقضان جلبا إنتباهي خلال إسبوعي الأولمبياد
مركبة كريوستي تحّط على المريخ لتبحث عن مستقبل أفضل للأرض .
بينما في مصر يحاصر أتباع الإخوان عيادة جراح القلب العالمي / مجدي يعقوب , لأنّهُ إستعمل صمامات الخنازير في عملياته الجراحيّة .
ربّما لايعلمون أنّ أكثر أدويتنا البشرية تأتي من هذا الحيوان البائس .
وفي بلدي العراق ,توفي قريب لي بعمر 41 عام إسمهُ رافع , عندما كان يهّم بتشغيل موّلدة الكهرباء .
بركات صديّم مازالت تُطاردنا حتى بعد موته بخمسة أعوام .
7 / حزن وفرح ومشاعر إنسانية مختلفة أظهرتها لوحات فنيّة بديعة
في حفل الختام . والعروض الرياضيّة هي مرآة الأمّة / حسب المعلق الرياضي عثمان الكريني .
8 / بحروفٍ من ذهب سطرّت لندن أولمبيادها الثالث , وهو نفسه الثلاثين عالمياً .
9 / لحظة نزول الشعلة الأولمبية تحوّلت الى جسد النسر الإنكليزي , هل إنتبهتم لذلك ؟
10 / مرح وتهكم الانكليز وصل الى سراويل الراهبات الداخلية وظهر العلم البريطاني فيه .
11/ عندما تواضعت لندن لجميع زائريها إرتقت في عيونهم وعقولهم
وساعة الختام تمّ رفع العلم اليوناني / كونها مهد الألعاب الأولمبية قديماً وحديثاً . واُنزل كذلك العلم الأولمبي الأبيض وسَلّمهُ عمدة لندن الى عمدة ريو .
12 / ريو دي جانيرو ذات ال 13 مليون نسمة وذات أجمل وأطول شاطيء بحري في العالم / ستنظّم الأولمبياد القادم .
والبرازيل اليوم في المرتبة السادسة عالمياً في الإقتصاد وتسبق حتى بريطانيا نفسها .
13 / اللورد سيباستيان كو ,رئيس اللجنة المنظمة , بعد أن تحدّث عن إنماء شرق لندن , شكرَ الجميع وبالأخص المتطوعين ال 70 ألف الذين ابلوا بلاءً حسناً وكانوا السرّ الأوّل لنجاح الأولمبياد ( كأنّهُ يُشير لفائض القيمة في روح وحضارة البشر ) .
ختم كو حديثه قائلاً : عندما واتت الفرصة لندن وعدنا العالم , فأوفينا بوعدنا وقمنا بواجبنا على خير وجه
14 / صحيفة الديلي ميل البريطانية تنشر التقرير التالي
http://www.burnews.com/news-action-show-id-41435.htm
تقرير مصور عما أطلقت عليه “معسكرات التعذيب الصينية لأطفال الأولمبياد” من أجل هزيمة اللاعبين الأمريكيين وحصد الميداليات الذهبية.
وقدمت الصحيفة صورة شديدة القسوة لطفلة تبدو في الرابعة أو الخامسة من عمرها، وقد ارتسم الألم الشديد على وجهها، فيما يقف مدرب الجمباز على قدميها الصغيرتين في محاولة لتشكيل جسدها كي يصبح شديد الليونة ويتناسب مع رياضة الجمباز، التي تحقق فيها الصين ميداليات ذهبية/ تابعوا الخبر بأنفسكم
15 / روسيا أو بعض إداريها تحدثوا عن مجاملة الحكام للبلد المُنظّم بريطانيا .
16 / التأكيد على خلّو المنشطات , دفع اللجنة الأولمبيّة للإحتفاظ بعيّنات المتوجين , كي يتّم التأكد منها مراراً في حالة الشكّ .
للأسف سمعنا عن طرد رياضيين مغاربة لهذا السبب .
17 / في لندن أيضاً بدأ رياضيّون من مختلف البلدان حملة للقضاء على الجوع في العالم .
18 / لم يظهر ايّ رياضي إسرائيلي في ايّ لقطة أولمبية , لذلك في ظنّي بعض الإحتمالات
أمّا أنّهم شاركوا لكن الإعلام تجاهلهم بسبب نتائجهم مثلاً .
أو بالصدفة انا شخصياً لم الحظهم . أو أنّ إسرائيل منشغلة بالصراع في المنطقة أكثرمن إنشغالها بالأولمبياد
ما يستدعي من ساستها ومنظماتها المدنيّة , الإتجاه الحقيقي للسلام , بدل التمسك بأراضي الآخرين .
19 / عمدة لندن ( بوريس جونسن ), سلّم الراية الأولمبيّة الى رئيس اللجنة الاولمبية الدولية ( جاك روغ )  , وهذا سلّمها بدورهِ لعمدة مدينة ريو دي جانيرو ( إدواردو بايس ) .
وعزف بعد ذلك النشيد الوطني البرازيلي , واُضيء الستاد باللونين الاصفر والاخضر.
ثم تلاه عرض موسيقي برازيلي راقص , وظهرت الجوهرة السوداء (( بيليه )) فشاركهم الرقص والمرح
وستدخل غالباً في ريو , مسابقة التزلّج الهوائي على الماء التي تعتمد على أمواج البحر العاليّة , لتحّل بدل التزلّج الشراعي .
**************
الخلاصة
لو كنتُ شيخ دين ( معاذ العقل ) , أو بدل محمد مرسي مثلاً , لأستغليت الحديث النبوي / علّموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل !
هل تعلمون كم ميداليّة أولمبيّة تنتج هذهِ الألعاب في حقولها المتنوّعة ؟
ما لايقل عن 100 ميدالية أولمبيّة / يعني عُشر مجموع الميداليات . ناهيك عن ألعاب كالريشة تجلب ميداليات ولا تحتاج سوى بضعة دولارات كمصاريف .
فلماذا لا تقوم السعودية ودول الخليج المنتفخة بالبترودولار , بإنفاق بعض المليارات لإصلاح حال الصومال مثلاً , و شبابهم جاهزين تقريباً , فقدّ تحوّل معظمهم إمّا الى رامي وقنّاص ممتاز , أو قرصان بحري يقوم بسلب السفن , أكيد يجيد السباحة .
أمّا الفروسية فالخيل العربي أشهر من الإنسان العربي نفسه !
اُمنية أخيرة :
متكئاً على الأمل أقول , نلتقي بعد أربعة أعوام في ريو , وبلداننا في نهضة شاملة وقد تخلّصت من الطغاة والبغاة .
نهضة بالعلم والعمل .. لا بالكلام !

تحياتي لكم
رعد الحافظ
13 / 08 / 2012

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.