وحيد حامد يكتب: سم العقارب..

المصري اليوم

هى حكاية خيالية بالطبع، يعرفها الصغار والكبار وتُحكى دائماً كبرهان ودلالة على الغدر الذى سكن فى داخل بعض المخلوقات حتى صار جزءاً منها، وعن الخيانة عندما تصير السلوك والمنهج الدائم، وعن خسة الطباع وسفالة القصد.

تقول الحكاية باختصار:

إن العقرب أرادت أن تعبر النهر إلى الشاطئ الآخر، ولأنها لا تعرف السباحة فقد لجأت إلى ضفدعة، وطلبت منها أن تحملها على ظهرها، وتسبح بها حتى تصل إلى الشاطئ الذى تريد الوصول إليه..؟ إلا أن الضفدعة لم توافق، وأعلنت عن سبب رفضها حيث إنها تخشى على حياتها، فهى تعرف طباع العقارب وقد تغرس ذنبها وتزرع سمها فى جسدها وهى راقدة عليه أثناء السباحة.!! إلا أن العقرب كان لديها منطق الشيطان ودهاء القاتل المحترف، حيث قالت للضفدعة.. كيف يحدث هذا؟ فلو فعلت ذلك الفعل وغدرت بك فسوف تموتين بالسم وأموت معك بالغرق.. سلامتك هى الضمان لسلامتى وليس من المعقول أن أقتلك وأقتل نفسى معك..!! وعليه وافقت الضفدعة وصعدت العقرب على ظهرها وبدأت رحلة العبور إلى الشاطئ الآخر.. وفى منتصف المسافة لدغت العقرب الضفدعة لدغة الموت.. صرخت المسكينة من الألم والسم يسرى فى جسدها.. ليه كده يا عقربة..؟ قالت العقرب فى خسة وسفالة.. هذا طبعى ما أقدرش أغيره.

وهكذا جماعة «الإخوان المسلمين» التى تحكم مصر الآن.

لو أن إسرائيل حاربت مصر وانتصرت عليها فى خمس حروب متتالية لما حققت هذه النتائج الباهرة فى ظل حكومة الإخوان

لو أن إسرائيل حاربت مصر، وانتصرت عليها فى خمس حروب متتالية، لما كانت تحقق لنفسها هذه النتائج الباهرة فى ظل حكومة الإخوان.. تنعم بالسلام والطمأنينة والأمان،، وتتوسع فى الضفة، وتنشئ المستوطنات الجديدة… وتقوى اقتصادها.. وتطور صناعتها، وتحسن من زراعتها، وتزحف زحف الأفاعى داخل القارة الأفريقية التى أهملنا شأنها فأهملتنا، وتركناها حيث تلقفها إسرائيل دون معاناة.. كانت أفريقيا معنا فأصبحت بعيدة عنا.. والأحمق الغبى هو الذى لا يدرك أن مصالح مصر الحيوية فى أفريقيا وليست فى أمريكا الجنوبية، ومرة أخرى لو خسرت مصر خمس حروب متتالية، فسوف يكون حالها أفضل بكثير مما هى عليه الآن.. الآن تعيش حالة الدولة المحتلة المهزومة التى تم تدميرها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً وأخلاقياً.. أما الانهيار الأمنى، فهو الذى يحتل المركز الأول، وأشهد، ويشهد معى كل الناس أن مصر المحروسة لم تشهد فى تاريخها القريب والبعيد هذا الهوان والانكسار وعدم القدرة على الفعل، وكلها أمور تسيطر على جهاز الشرطة فى ظل حكم الإخوان وكأنهم يريدونها دولة فوضوية غير قادرة على فرض الأمن بالقانون.. وأنا أعجب أشد العجب طالما أنهم يحكمونها فعلا وكوادرهم المدربة والفعالة تغلغلت فى جسد الدولة لماذا يعملون على خرابها المستعجل ولصالح من يعملون، ولاسيما أننا مقبلون على تنفيذ مشروعات جهنمية يتم الترويج لها على أنها تحمل الخير لمصر؟! بينما الحق والحقيقة عكس ذلك تماماً. أن مشروع إقليم قناة السويس المطروح حالياً فى المزادات الإخوانية لبيع مصر.. هو أول خطوة خبيثة لتقسيم مصر ورهن قناة السويس وعزل شبه جزيرة سيناء بكاملها عن جسد الوطن، حيث يسهل ابتلاعها عندما يبدأ تنفيذ مشروع غزة الكبيرة.. وكارثة الصكوك المزمع طرحها هى ببساطة تعنى بيع أصول الدولة..!! وكأنها خطة محكمة لذبح مصر على الطريقة الإخوانية.. والجماعة تمضى فى تنفيذ كل ما تريد بكل صلافة واندفاع دون أى معارضة.. الرئيس إخوانى يسمع ويطيع.. مجلس الشورى إخوانى يسمع ويطيع – رئيس الوزراء ومعه الوزراء كلهم إخوان وعليهم السمع والطاعة، حتى وزارة الداخلية عادت إلى طباعها الأصيلة وأصبحت فى خدمة النظام كالعادة.. ويبدو أن شعار الشرطة الحقيقى هو «اللى يتجوز أمى يبقى عمى» وليس «الشرطة فى خدمة الشعب».. ومن هزليات وزارة الداخلية الأخيرة البيان الذى أصدرته والذى يقول إن ملفات سجن وادى النطرون ليس فيها أى إثبات على أن «مرسى» كان أحد نزلائه.. وصدق من قال «الكدب ملوش رجلين» فالرجل اعترف بصوته وصورته بوجوده داخل السجن، وأنه هرب مع الهاربين، فمن غير المعقول أنه كان محبوساً فى إحدى «غرز» الصحراوى القريبة من السجن.. إنه الكذب الفاضح والضلال المبين.. ولكن «هيه جت على دى؟».. ما علينا..!

المهم جداً أنه آن الأوان لكشف المستور والتفتيش فى باطن الأرض عن الحقائق المدفونة، التى يريدون لها أن تتحلل وتتآكل، لابد أن يعرف أهل مصر كيف ابتلينا بهذه البلوة، وأصبحت «أمنا الغولة» هى التى تحكم، وتستبد، وتطغى، وباعتبارى مؤلفاً وكاتب سيناريو، فمن حقى أن أسرد الأحداث والوقائع كما أراها، وكما يفرضها المنطق، ولاسيما أن اللعبة كانت بين الطيب والشرس والقبيح، ودعونا نعش الأحداث كما وقعت.. خاصة أن الذين يعرفون الحقيقة أغلقوا أفواههم تماماً ربما لأن على رأسهم بطحة أو نظراً لإحساسهم بالذنب الكبير الذى يجب أن يحاسبوا عليه.. ولأن الأوطان هى الباقية والأشخاص زائلون فعلينا أن نكشف ونعرى الذين خانوا والذين تآمروا والذين أهملوا.. والذين تم ابتزازهم وأيضاً الذين تم إرهابهم إلى جانب الهلافيت من عشاق السلطة الانتهازيين الكبار والصغار، وحتى عواجيز الفرح الذين يمضغون الذكريات.. وتبدأ وقائع السيناريو.

أول من ساند الإخوان بقوة وصنع لهم أرضية طيبة فى الشارع المصرى هو «حسنى مبارك» بنظامه المهلهل المأفون المتغطرس وحزبه الوطنى الفاسد.. التدهور والتدنى جعلا مساحات السخط والغضب تزداد، وتتسع فى نفوس الناس جميعاً.. كانت الجماعة تستثمر هذا الخط لصالحها، وكانت تزداد، وتتوسع دون أى مجهود وكان هناك اتفاق غير معلن بينها وبين النظام، بحيث يكون لها بعض ما تريد، وليس كل ما تريد، وظن مبارك أنه أمن شرهم وضمن سكوتهم عنه وعن نظامه.. وهذه حسابات خاطئة تماماً.. صحيح أن رموز الجماعة كانت أياديهم فى أيدى رموز النظام والحزب.. وحتى آخر لحظة كانت الجماعة مع مبارك ونظامه.. ولكن فى لحظة انتصار الثورة تواجدت الجماعة بكل خبثها وسمها القاتل وأخرجت ثعابينها وحيّاتها وكل الهوام التابعة لها، ولقد قررت السطو على الثورة مبكراً وبطريقة منهجية وخطة مدبرة بإحكام، ولا أجد نفسى مخطئًا إذا قلت إن مبارك تخلى عن العرش وهو يتبع وينفذ سياسة الأرض المحروقة، حيث سلم السلطة للمجلس العسكرى، وكأنه لا يريد لمصر خيراً.. صحيح أن البلد بكاملها كانت كقدر الماء المغلى، والفوضى سائدة فى بشاعة وحشية بعد فتح السجون فى توقيت واحد.. وحرق أقسام الشرطة أيضاً فى وقت واحد وتدمير الجهاز الأمنى بالكامل وذلك كله لم يكن بفعل الثوار وإن شارك فيه البعض منهم دون أن يدرى أن الجماعة تفسح الطريق لنفسها، وقد علمنا أن الذين هاجموا السجون، وحطموا أسوارها، وأخرجوا مساجينها هم عناصر مدربة غير مصرية، ولديها الخرائط والمعلومات والقوة سواء فى قتل الأبرياء من الحراس أو تدمير المنشآت و«بالمناسبة ضمن الذين هربوا هو الدكتور مرسى العياط نزيل سجن وادى النطرون ليس بصفته زعيما إخوانياً ولكن على ذمة قضية تخابر لصالح دولة أجنبية هى أمريكا، ولعل ذلك يفيدنا عندما نكشف عن علاقة أمريكا بالجماعة» ويجب أن نعترف صراحة بأن الجماعة أمسكت بزمام الأمور، وأصبحت توظف جماهير الثورة لخدمة «أهدافها»، ورغم سقوط مبارك النهائى الذى لا رجعة فيه.. فإننا شاهدنا على الحوائط شعار «الثورة مستمرة» وهو شعار حمال أوجه، مثلاً هناك من يرحب به، على اعتبار أن إعادة بناء مصر من جديد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً وأخلاقياً يحتاج استمرار الثورة والعمل بروحها لسنوات وسنوات.. إلا أن الجماعة كانت توظف الشعار لخدمة أهدافها وهى التخلص من خصومها وإزاحة كل من ترى أنه سيعترض طريقها.. فكانت الثورة مستمرة لإزاحة الفريق أحمد شفيق من رئاسة الوزراء، على اعتبار أنه تلميذ الشيطان «مبارك» وفلول.. و.. و..

يذهب شفيق ويأتى عصام شرف فى احتفالية ميدانية خادعة روج لها الإخوان والجماعات التابعة لها والتى تمارس نشاطها تحت مسميات أخرى، بالإضافة إلى النخبة المضللة، وثوار المصلحة الذاتية الذين بذلوا أقصى ما لديهم من جهد حتى يحصلوا على زعامة شعبية وسياسية، وفى سبيل تحقيق هذه الزعامة لوثوا عقول الناس بالخداع والثرثرة والمنطق الغلوط وأقولها بكل الموضوعية أن عدد الحمقى والمغفلين كان أكثر بكثير من عدد العقلاء.. وهكذا دخلت جماعة الإخوان إلى سدة الحكم برجلها اليمين.. وهتف «البلتاجى» فى الميدان وهو يرفع يد عصام شرف.. لقد اختار الميدان رئيس الوزراء.. هتاف.. وتكبير..

■ المجلس العسكرى الموقر.. وأنا شخصياً أعتقد أنه خان الأمانة أو أنه لم يقدر على حفظها.. والحقيقة الثابتة هى أن العلاقة بين الشعب والجيش كانت على أحسن ما يكون، وكان فى إمكان المجلس العسكرى أن ينطلق بمصر إلى بر الأمان.. لو أنه وضع مصر أمام عينيه، ولكنه للأسف لم يفعل ذلك.. لقد جعل من نفسه الحكم فى مباراة مصارعة حرة وجماعية، حيث غابت مصر عن أعين الجميع وتفرغ المصارعون لقتالهم الشرس.

زعماء التيار المدنى بكل أطيافه مزقتهم النرجسية والانتهازية والأطماع الشخصية.. والانتفاخ الذاتى، حيث تصور البعض منهم أن فى داخله زعيماً ورئيساً وقائداً وكلما التف حوله عشرة أشخاص رآهم جموعاً غفيرة.. وجميعهم كانوا نجوم السيرك الإعلامى يقدمون ألعابهم على الشاشات المختلفة، وتركوا الإخوان يتسللون إلى المجلس العسكرى، بوصفهم المستشار والناصح الأمين.. وهذه سقطة المجلس العسكرى الذى زعم أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، بينما قادة الجماعة هم ساعده الأيمن.. وعندما تم كشف الأمر كان التبرير أن المجلس يسمع من الجميع وقد يكون هذا صحيحاً.. وهو يسمع من الجميع فعلاً ولكنه ينفذ ما يسمعه من الإخوان.. كانت الصدمة المبكرة هى تشكيل لجنة تعديل الدستور أو الإعلان الدستورى الأول، برئاسة المستشار «البشرى»، حيث انتشرت رائحة الجماعة فى الهواء بكثافة تزكم الأنوف.. وكان الإعلان الدستورى الذى افرزته هذه اللجنة محبطاً ومختلفاً عليه ويمهد للدولة الدينية.. ولا أحد يدرى حتى الآن لماذا ولأى سبب احتضن العسكر الإخوان فى لطف ومودة وتعاون مشترك؟.. حتى إنه انتشرت تساؤلات عديدة ومريرة.. هل العسكر إخوان؟.. المؤكد أن داخل المجلس العسكرى من كان يساند الإخوان بقوة، ولأن العلاقة كانت طيبة وحميمة بين الشعب والجيش، وكان الشعار السائد «الشعب والجيش إيد واحدة» فإن دوام هذا الأمر من شأنه أن يعطل مشروع الجماعة فى ابتلاع الثورة وأيضاً هضمها، فكان لابد من إنهاء هذه العلاقة مهما كان الثمن.. وبدلاً من شعار الشعب والجيش إيد واحدة الذى تلاشى واختفى وحل محله «لا لحكم العسكر» وكلنا يذكر الأحداث المؤسفة والتى سببت ضحايا وشهداء، حيث ذهب الاتهام مباشرة إلى الجيش الذى هو برىء من أى دم أريق وأن القتلة، هم نفس القتلة، والمؤسف أن المجلس العسكرى كان يعرف ذلك ولكنه كتم الأمر لأسباب لا نعلمها وترك الشارع يشطط غضباً وسخطاً على حكم العسكر الذى يتفق عليه الجميع.

كانت ميليشيات الجماعة تملأ الحوائط والجدران بشعار «لا لحكم العسكر».. بينما قادة الجماعة هم والعسكر يد واحدة.. وهكذا صار المجلس العسكرى هو الضفدع الساذج الذى حمل العقرب فوق ظهره.. ولو أن هذا المجلس العسكرى انحاز للوطن ما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن..

أمريكا.. هى وريثة الاحتلال والنفوذ الإنجليزى فى الشرق الأوسط.. والإنجليز هم الذين عملوا على إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، بالاتفاق مع الملك عبدالعزيز، ملك السعودية، وهم أول من أسسوا رذيلة الصراعات الدينية داخل الشعوب بحيث تتمزق وحدة الشعب الواحد وينقسم إلى طوائف متصارعة وبهذا يتمكنون من السيطرة على هذه الشعوب المنهكة فى صراعات طائفية وعقائدية.. وحتى لا نذهب بعيداً علينا أن نلقى نظرة سريعة على ما جرى فى لبنان والعراق ويجرى فى سوريا الآن.. الوريث الأمريكى له مصالحه القوية التى تحمى اقتصاده وأمنه وفرض سيطرته الكاملة على دول المنطقة حتى تكون فى جعبته.. احتلال بلا جنود.. ولا شك أن النظام السابق كان داخل الجعبة الأمريكية تماماً وأيضاً يساهم ويساعد، وإن كان يظهر فى بعض الأحيان رفضاً أو استياء باهتاً ومتهافتاً.. شأنه شأن دول المنطقة بالكامل!!.. فلماذا التخلى عن نظام هو داخل الجعبة الأمريكية وإحلال نظام بديل وأيضاً داخل الجعبة الأمريكية.. والمسألة ببساطة شديدة مثل تغيير «بوجيهات» السيارة أو تغيير البطارية، ولأن الجماعة هى التى ذهبت إليها راكعة وهى تقدم فروض الولاء والطاعة.. أقسمت قسم الولاء والطاعة لأمريكا.. أى أن إسرائيل تكون فى الحفظ والصون ولا أحد يقترب منها حتى لو حولت المسجد الأقصى إلى ملهى ليلى.. ومن الهزليات التى تتوالى الدعوة إلى عمل مظاهرة على الحدود الإسرائيلية تهتف ضد إسرائيل. تحرير القدس انتهى إلى مجرد مظاهرة.. واختفت بل ضاعت الحناجر التى تصرخ «شهداء بالملايين على القدس رايحين».. أين ذهبوا؟.. أين الداعية الإسلامى «فنى اللاسلكى»، الذى كان يتصدر المشهد الإخوانى.. أين «مسيلمة الكذاب» المصرى الذى يملأ الدنيا صخباً وضجيجاً وثرثرة.. أين القيادات الإخوانية التى تاجرت بالقضية الفلسطينية سنوات وسنوات.. ولماذا تحولت القردة والخنازير إلى غزلان!؟.. لكل هذا فإن أمريكا هى الراعى الرسمى الداعم للجماعة وتعمل جاهدة على تثبيت وجودهاوتقدم لها كل العون والمساندة وليحترق الشعب المصرى، لأن الغباء الأمريكى قديم وأصيل والذى يدفعها إلى عداء الشعوب طالما أن الأنظمة فى جعبتها…!!

■ الخلايا النائمة.. من المعروف والثابت أن الأسس التى قام عليها تنظيم الجماعة منذ النشأة يندرج تحت ما يطلق عليه التنظيمات الإجرامية والإرهابية والذى يحقق للجماعة أهدافها وأغراضها غير المعلنة، وهذه الأهداف هى الأصل فى نشأة الجماعة، وعندما أراد «حسن البنا» التعريف بجماعته، قال عنها «الإخوان دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية»، والذى يعى ويدرك هذا التعريف يعرف أن الرجل كان يتحدث عن دولة بكاملها، وعليه لجأت الجماعة إلى زرع الخلايا من شبابها وكوادرها العاملة فى جسد الوطن بكامله دون أن يكشفوا عن هويتهم الحقيقية، وتم اختراق الأحزاب والجامعات والمصالح الحكومية والشركات والوزارات، ويكفى أن قاتل أحمد ماهر باشا، والمحسوب على الحزب الوطنى أيامها، هو أصلاً من جماعة الإخوان، هؤلاء الذين يعملون فى الخفاء على طريقة أحقر الجواسيس والخونة.. وما حدث عندما قررت الجماعة السطو على الثورة أنها اعتمدت اعتماداً كبيراً على هذا الطابور الخامس المتغلغل فى جسد البلاد، تغلغل الدود فى تفاحة تالفة.. عملوا على تخريب عقول الناس.. وجاهدوا فى سبيل تشويه كل خطوة نحو ديمقراطية فعلية، وعملوا على تخريب الثورة وتشويه رموزها من شباب وشيوخ، وانتشرت الكتائب التى تعلن حبها وعشقها للإخوان مع التأكيد أنهم ليسوا بإخوان، وكان للطابور الخامس الدور الأخطر فى تزوير الإرادة الشعبية والعمل على هدم الوحدة الوطنية. ولذلك لا أندهش كثيراً عندما تطل علينا شخصيات خرجت علينا من قلب الشقوق، لا نعرف عنها شيئاً، لتتولى زمام الأمور فى الدولة الإخوانية.. من كان يتخيل أن يكون للجماعة رجال داخل المحكمة العليا وداخل اللجان الانتخابية وجميع أجهزة الدولة المهمة والحيوية يتجسسون عليها ويبثون سمهم فى مفاصلها.. والآن نراهم وزراء ومحافظين ومسؤولين كباراً يعملون على أخونة مصر فى العلن بدلاً من الخفاء.

■ النخبة المأخونة.. حسن النية غير مقبول فى حالة الخطأ الجسيم.. وجرائم الغباء السياسى لا تغتفر وليس لها توبة ولا يجوز فيها الندم.. والأنانية هى أم الشرور، والغرور هو الأب الروحى للفشل.. وشهوة الشهرة هى مصيبة النفس البشرية، ربما تأخذ صاحبها إلى الضياع أو الجنون.. فما بالكم بشهوة «المنصب السياسى».. كل هذه الخبائث اجتمعت فى نخبة مأخونة عشقت الجدل والنقاش والثرثرة وطرح النظريات السياسية الساقطة والواهية اختلفوا مع بعضهم البعض.. الحصان أمام العربة.. أم العربة خلف الحصان؟ أصدقاء فى الظاهر وخصوم أشداء فى داخل نفوسهم.. كانوا يتعاركون على قطعة الجبن عراك القطط حتى قفز عليها القرد وخطفها.. والمؤسف المحزن حقاً وصدقاً أن هذه النخبة المأخونة مازالت على حالها، لم تحس بألم الهزيمة، ولم يدركوا أنهم سبب انكسار الأمة.. وأيضا لم يدركوا أنهم أصبحوا وجوهاً غير مرغوب فيها بعد أن فضحوا أنفسهم بأنفسهم، وكشفوا عن ضحالتهم السياسية والفكرية وعجزهم عن إدراك الصواب، وفى لعبة السياسة دائماً الخاسر يخرج.. بل يحترق تماماً.. وهذه النخبة المأخونة يجب أن ترحل تماماً برفقة أعوانها وتترك الساحة لدماء جديدة وعناصر وطنية خالصة تملك القدرة على العطاء المخلص للوطن.

■ والآن الجماعة تحكم.. وهنا يقفز فى رؤوس كل من لديهم عقل ومنطق.. طالما أن الدولة صارت لكم فلماذا تخربوها؟ لماذا تقذفون بها من أعلى قمة الجبل؟ أتفقد شوارع المدينة وأرى على أكثر من مبنى عبارة «تصريح هدم»، ويبدو أن هذه العبارة هى منهج الجماعة فى حكم مصر.. عند نشأة الجماعة قال حسن البنا «أيها الإخوان.. أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزباً سياسياً، ولا هيئة موضوعية الأهداف محددة المقاصد، ولكنكم روح جديدة تسرى فى جسد الأمة» كلام إنشائى قد يحدث رنيناً لا يفيد.. ولكن أين الخطة وأين البرنامج.. وعندما سألوه عن البرنامج قال «ولم البرنامج..؟ إنه يفرقنا.. القرآن دستورنا والرسول زعيمنا»، وهى مناورة بارعة، حيث أقحم القرآن والرسول فى شأن دنيوى وسياسى بحت.. والآن إذا سألنا المرشد الحالى ما هو البرنامج؟ فما هى الإجابة؟ واقع الحال أن مصر تسير نحو الأسوأ، لدينا دستور كارثى، أسوأ ما فيه أنه يمهد لزرع الطائفية فى جسد الوطن.. لدينا اقتصاد منهار يدار بفكر البقالين وتجار الملابس وأصحاب الجمعيات الخيرية، مصانع أغلقت.. وأصحاب حرف ضربتهم البطالة ومزارع خربت ومحال أفلست حتى إن الفقر صار يسير فى كل مكان منتشياً ومتبجحاً.. ومصر كلها تتسول.. فقر تلازمه الفوضى العصبية وضيق الأنفس، فى شارع السير فيه متوقف من شدة الزحام والتكدس، رأيت أحد الكناسين الذين أصبحوا كلهم متسولين وهو يمارس مهنته بحكم وجوده الشرعى فى الشارع، كان فجاً ورخيصاً ومقززاً ولحوحاً ولا ذرة كرامة لديه.. الأمر الذى دعانى أن أقول له.. عيب كده.. مش للدرجة دى.. وإذا به يتحول إلى شخص شرس ساخط وصرخ فى وجهى: «الرئيس مرسى ذات نفسه بيشحت.. ماتروح تقول له عيب».

ولا أنا أو غيرى يستطيع منع مرسى من التسول الذى يفرضه على نفسه وعلينا، ولكننا جميعاً نستطيع منعه هو وجماعته والقتلة الذين يتحصن بهم من بيع أى قطعة أو جزء من أرض مصر بأى طريقة أو وسيلة وخاصة أرض سيناء، وأنا أستنهض الشعب المصرى من الجنوب إلى الشمال أن يتذكر أبناء مصر من رجال وشباب الذين استشهدوا فى سيناء منذ حرب عام ١٩٤٨ وحتى شهداء شهر رمضان الماضى.. إن رفات شهداء مصر تحللت فى رمال سيناء، وأصبحت هى الأرض والوطن.

إننا أمام نظام حكم فاشى مستبد صعد إلى السلطة فوق عتبات جهنمية الأصل، فيها التزوير والخداع والبطلان والتآمر المفضوح وفرض الأمر الواقع بالإرهاب سواء من الجماعة أو حلفائها من القتلة والإرهابيين مشعلى الحرائق فى الماضى القريب والحاضر التعيس.. إن جماعة الإخوان تعيش الكذبة التى صنعتها وتحاول أن تفرضها علينا حقيقة ثابتة، الله عز وجل يقول فى محكم كتابه «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار»، وقوله عز وجل «ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون» وفى حديث متفق عليه لرسولنا الكريم يقول «إنه سيكون بعدى أمراء من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منى ولست منه»، وعلينا نحن أهل مصر أن نخرج جميعاً لتحرير الوطن من هذا الاحتلال الشيطانى البغيض الذى يسير بنا نحو الخراب والدمار.. وعلينا أن نتذكر حديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام «سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه.. فقتله..» والله المستعان.

About محمد البدري

مهندس وباحث انثربولوجي
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.