وثيقة بيرمنغهام ( والكربون المشع )‎

mohamedbarziالدكتور محمد برازي

في مقال للسيد أديب الأديب في موقع ( مفكر حر ) حول النسخة المكتشفة حديثاً للقرآن الكريم بمكتبة بيرمنغهام في بريطانيا ، والتي أثبت ( الكربون المشع ) بأنها تعود لعصر الرسول صلى الله عليه وسلم .
والمقال هو عبارة عن تلخيص للتعليق الذي رافق الإعلان عن هذا الاكتشاف ، والذي اختصره الأديب في أربع نقاط ، ثم اختتم ذلك بالقول ( ولكن لم يذكر الباحثون ، ماهي الاختلافات مع النصوص الحالية ) ولم يذكر السيد اديب لماذا لم يذكر الباحثون تلك الاختلافات ؟ .
أما الجديد الذي جاء به في المقال فهو قوله ( وهنا سيواجه الفقهاء مشكلة ، فهل سيعتمدونها أم يعتبرونها منحولة ؟ وأي مخارج لديهم من هكذا ورطة ؟ ) .
ولا أدري إن كان الكاتب هنا يريد بهذا التساؤل أن يسجّل لنفسه سبق صحفي أو إعلاني أو تاريخي ، من خلال سؤال افتراضي قد يصلح لبرنامج ( فوازير رمضان ) وذلك كمن يسأل أو يتساءل : إذا حدث زلزال وذهب بنصف الكرة الأرضية ، فماذا سيفعل من يعيش على النصف الآخر ؟ وأي مخارج لديهم من تلك المصيبة ؟ .
فهل أثبت ( الكربون المشع ) والذي هو ( سيد الموقف ) في هذه الحالة ، بأن الخلاف واقع بين النسخة المكتشفة مع النصوص الحالية ؟ إذاً لماذا هذا الإفتراض اللامسؤول ؟ والذي لايحتاج جوابه إلى أكثر من ( إذا ظهر ذلك الإختلاف فمردّه إلى أن خطاط تلك النسخة قد كتب ما أُملي عليه ) وسينطبق المثل العامي عليه أيضاً ( جاء ليكحّلها فعماها ) عماها بالتشكيلات الحديثة التي أضافها لتلك النسخة التاريخية ، وبالأسطر المتعرّجة ، وبعض النقاط كفواصل بين الآ يات وعلى بعض الحروف ، واستعماله للحبر الحديث القابل للتمشيح ، وتلقيح الخط الكوفي بالديواني ، وتزيينه بخط النسخ وبعض الرقعة ؟ وأنا أستغرب هنا كيف أن ( الكربون المشع ) لم يكتشف هذه الأمور التي لم تكن معروفة ولا مألوفة في ذلك الوقت ؟
.
وأعرّج هنا على تعليق الدكتور أيمن سويد ( المستشار بالهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم ) التابعة لرابطة العالم الاسلامي ، ومقدم البرنامج الشهير ( كيف تقرأ القرآن ) فقد علّق على اكتشاف هذه النسخة بقوله ( إنه لا يهمنا قٍِدم صفحات القرآن التي ظهرت في بيرمنغهام بانجلترا ، أو بصنعاء باليمن ، ولكن يهمنا في البداية الإشارة إلى الفرق بين المنهج الغربي والاسلامي للبحث العلمي والتدقيق للمخطوطات الاسلامية ) وأضاف سويد ( إن المخطوطات لدى الغرب تخضع الى فكرة القِدم وفقط ، وعندنا تقوم على سؤالين ألا وهما : من كتبها ؟ لأننا لا نأخذ ديننا عن نكرات أو عن مجاهيل ، لأنه قد يكون الكاتب جاهل أو عدو ؟ والسؤال الثاني : من أين نسخها ؟
ولم يتعرض سويد إلى النسخة ( موضوع البحث ) لا من قريب ولا من بعيد ، ولكنه تكلّم عن المنهج العلمي الذي يختلف بين الغرب والشرق ؟
فالمنهج العلمي في الشرق وفي الغرب هو منهج واحد ،ولا خلاف أو اختلاف عليه ؟ فكل الأمم بكافة أجناسها ، وعقائده ،ا وأعرافها ، ولغاتها ، تقرّ وتعترف وتسلّم بأن ( ١+١=٢ ) والكل يعترف بأن ( المعادن تتمدد بالحرارة ) والجميع أيضاً حتى المؤمن والملحد يقرّ بأن ( كل انسان فان # زيد إنسان # زيد فان )
ولكن اختلاف الشرق مع الغرب ليس في المنهج العلمي ، إنما في المنهج التربوي والعقدي والقيمي ، فهنا تتسع هوّة الخلاف بقدر تعدد وجهات النظر ، ومثال ذلك هو قول الشاعر :
يجود بالنفس إن ضنّ البخيل بها ….. والجود بالنفس أقصى غاية الجود
.
ثم يأتي أخيراً الكاتب والصحفي رضوان السيد ، ليدلي بدلوه حول هذه النسخة ، أو الصفحات المكتشفة عن القرآن الكريم ، في مقال له بعنوان ( القرآن الكريم في مواجهة استقطابات البحوث الغربية) المنشور في موقع ( مفكر حر ) ويتصدر المقال مقدمة لأسرة تحرير الموقع المحترمة بقولهم ( عندما نشر الزميل الكاتب أديب الأديب مقاله : اكتشاف نصوص قرآنية من عهد الرسول كيف سيفسر الفقهاء تباينها مع الحالية ، ( وطرح سؤاله المنطقي الذي أزعج الجميع وهو : كيف سيفسر الفقهاء تباينها مع الحالية ؟ هنا أتى أوّل ردّ من الكاتب في الشرق الأوسط : رضوان السيد )
.
والسؤال للسادة أسرة التحرير : هل ثبت مباينة النسخة المكتشفة مع الحالية ؟
وهل من الممكن تحديد وتعيين محل ومكان الإختلاف وتوضيحه ؟ وماهي الآثار المترتبة على هذا الاختلاف ؟ وإذا ( لم يثبت هذا الاختلاف ) فما هو موقفكم أنتم ، وكيف ستفسرون أو تبرّرون هذا الموقف ؟ ثم ماهي مرجعيتكم في تقريركم على أن ذلك السؤال ( أزعج الجميع ) ومن هم هؤلاء الجميع ؟
.
وأما الكاتب رضوان السيد فقد ذهب بعيداً أيضاً عن معالجة النسخة المكتشفة ، والتي هي محل الخلاف والنقاش والتساؤل ؟ إلى مجال البحوث القرآنية قبل عشر سنوات .
ويكرر ماقاله الخبراء الذين قاموا بتلك الأبحاث ، وذلك في قوله ( وسر الإحتفاء بهذه الرقوق ماذكره ديفيد توماس ، الخبير الذي كتب تقريراً عن الرقوق المكتشفة بالمصادفة ………….. والخط كما قال الخبير حجازي وهو الخط السابق على الخط الكوفي ) ثم يتابع قوله ( وهي تُظهر وضوحاً وانتظاماً ، وفيها خط تزييني بين السور ، كما أن فيها نقطاً أو إعجاماً ، وهو أمر ماكان معروفاً أو منتظماً في الخط الحجازي والخط الكوفي المبكر ) ويقول ( وهذا يعني أيضاً وأيضاً أن الكاتب عاش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وربما كان من الصحابة )
وأنا أتساءل : من أين أتى الكاتب الذي من الممكن أن يكؤن صحابياً بهذه النقط والخطوط التزيينية بين السور والوضوح والانتظام ؟
ثم يتعرض السيد الى عهد فولكه وإلى ماقبل ذلك ، منذ ابراهام غاير في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ، ليتحدث عن منهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم والمقارنة بدراستهم للإنجيل .
ثم يعقّب على ذلك بآراء مختلفة للمتخصصين بنسخ القرآن الكريم تاريخياً ، ويذكر آرائهم في ذلك
وفي نهاية المقال يعرّج على موضوع البحث والذي هو ( نسخة بيرمنغهام ) ليؤكد على عمرها معتمداً بذلك على الفحص الكيماوي الذي قام به ( الكربون المشع ) ويشكك بالخط إن كان حجازياً أو فيه امارات الخط الكوفي ، ولكن مشكلته كانت مع الإنتظام والتزيين والإعجام والوضوح وجمال الخط ؟ ثم ينتهي بسؤال فاجأني لدرجة الذهول ف تساؤله إذ يقول ( فهل صورتنا عن تاريخ الخط العربي والخط القرآني تحتاج لتعديل ) ثم يبرر ذلك بقوله ( أم أن الرقّ قديم لكن الكتابة متأخرة )
.
ثم يختتم مقاله بطرفة – ولكنها مأساوية – وربما دون دراية منه بأبعادها ؟ والطرفة للاستاذ الألماني غريغور سولر ، الذي ترجم له السيد مقال عن تدوين المصحف ، والطرفة كما يرويها عن الأستاذ غريغور سولر
( كنا نقول إن القرآن ظهر بعد النبي بمائتي عام ، ومع مقولة الكلاسيكيات أخشى الآن أننا ذاهبون للقول : إن القرآن ظهر قبل النبي بمائة عام مثلاً )
نعم هذه هي النتيجة …..عفواً الطرفة
( إن القرآن ظهر قبل النبي بمائة عام ) ……………. إنها فقط مجرد طرفة ؟

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.