واخيرا كشفوا اللصوص في النجف الاشرف

اتذكر ملامح جدي،رحمه الله، حين يكون عائدا من زيارة مقبرة السلام في النجف الاشرف.

لم يكن لديه قريب محدد يزوره بل كان يقول لنا انه يزور كل الموتى ويجلس هناك ساعات طويلة يحس بها بالامان والطمانينة.

ومن هنا كنت حريصا على ان ارى ملامحه وهو عائد لتوه من هذه الزيارة.

كانت اشراقة وجهه وابتسامته المحببة ويده اليمنى وهي تلعب بشعيرات راسه تحمسنا لسؤاله عن الزيارة وفي كل مرة يكرر نفس الحديث ولكنه يصر على اعادة كلمة السلام عشرات المرات.

تذكرته اليوم وانا اقرا تقرير الرقابة المالية عن الرقم الفلكي للاموال التي سرقت من مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية.

وكم كنت اتمنى ان اكون ضالعا في الحساب حتى استطيع ان اواجه هذه الارقام المخيفة.

لنقرا اولا ما يلي:

ذكر تقرير ديوان الرقابة المالية / دائرة تدقيق المنطقة الثالثة بعنوان نتائج اعمال الرقابة والتدقيق على مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية لعام 2012، ان مجلس الوزراء قرر (قرار 70 لسنة 2010 ) اقتراح موازنة مالية تشغيلية واستثمارية لمشروع الاحتفاء بمدينة النجف عاصمة الثقافة الاسلامية لعام 2012 وبمبلغ اجمالي مقداره 573600000000 خمسمائة وثلاثة وسبعون مليار وستمائة مليون دينار موزعة على على سنوات 2010 و2011 و2012 .

زين يابه؟

وتم تخصيص مبلغ مقداره 100 مليار دينار لسنة 2010 وبواقع 93 مليار دينار كموازنة استثمارية و7 مليارات كموازنة تشغيلية لمشروع النجف ، وتم اضافة المخصصات التشغيلية والبالغة 7 مليارات الى تخصيصات الموازنة التشغيلية لمحافظة النجف الاشرف.

خوش حجي.

لكن الحجي المو خوش هو التالي:

يورد التقرير في ملاحظات حول عمليات الصرف التي قامت اللجان بخصوص الموجودات الثابتة والمخزنية ، ومنها عدم ذكر مواصفات الموجود الثابت بشكل دقيق في سجل الموجودات رغم الاختلاف في الحجم والنوعية ومنشأ الصنع وسنة الصنع …).

بالاضافة الى خلو كافة مستندات الاخراج المخزني من مصادقة رئيس الدائرة الى عدم وجود اوليات معززة لعملية الاخراج المخزني مثل (طلب ، موافقة رئيس الدائرة، تخويل المستلم.

طبعا كاتب التقرير مؤدب جدا فلم يستعمل كلمة (سرقة) او (مجموعة لصوص) او مثلا (رجال بحاجة الى عمارات سكنية فب دبي او القاهرة او بيروت وربما في بلدان المهجر).

وبادب جم ايضا يشير التقرير (خلال الزيارة الميدانية للمشروع بتاريخ 14/3/ 2011 لاحظنا عدم وجود سيطرة مخزنة على الموجودات الثابتة والمخزنية …عدم مسك سجل- محاسبة لتثبيت اقيام وكميات كافة الموجودات الثابتة العائدة للمشروع كما لم يتم مسك سجل مخزني وعدم تنظيم مستندات ادخال مخزني للموجودات ولم تقم ادارة المشروع بتشكيل لجان الجرد السنوي وعدم مسك سجل عهدة ذمة يوضح فيه اسم المستلم وتوقيعه علما انه تم توزيع موجودات ثابتة متنوعة مثل ( اجهزة موبايل ، لابتوب ، سيارات ) الى جهات مختلفة (ادارة المشروع ، لجان المشروع، البيت الثقافي ، وزارة الثقافة…الخ

السرقة الاكثر وضوحا هي تعيين كما يقول كاتب التقرير المؤدب جدا(“من خلال تدقيق بعض من معاملات الصرف والقيد وحسب ابواب الصرف وحسب الصرف لاحظنا وجود العديد من نقاط الخلل والضعف في تطبيق الانظمة والتعليمات “.

وحول هذا الباب يذكر التقرير ان اجمالي المصروف على المتعاقدين في ادارة المشروع لغاية 31/ 12/ 2010 مبلغ قدره 112565452 دينار، على الرغم من كون كافة المهام الخاصة بالمشروع ( الادارية ، الحسابات ، التدقيق، المخازن ) تنجز من قبل ديوان المحافظة لاحظنا قيام ادارة المشروع بالتعاقد مع عدد كبير من العاملين بلغ 118 عقد عمل دون معرفة الحاجة الفعلية لهذا العدد من الايدي العاملة.

فاصل عزاء:اين انت الان ياجدي لترى السلام الحقيقي في مدينة مقدسة كالنجف الاشرف.تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.