همس غايا

لوحة سريالية : الناس مثل اعواد الثقاب

أقدم إلى قراء الموقع طبعة ثانية مبكرة لكتابي “حقوق العصر” يمكن تحميل نسخة
pdf
مجانا من الرابط
https://payhip.com/b/CMeU

نقرأ من “همس غايا”، و هو عنوان آخر فصول الكتاب..،
[ لعلنا نجد في نفوسنا شيئا من هذا ال ” ما لقيصر و ما لله” الذي يشطر الإرادة الواعية إلى نصفين.. و على الرغم من كونها مقولة تنسب إلى المسيح عيسى، إلا أنها لم تكن في مدلولها الأول تعني المفهوم الذي تداول بعد ذلك لدى الانتقال إلى عصر الأنوار.. فالفكر العبراني أصبح عفريتا يسعى على أسفلين.. يقاوم، يداهن، يتلاون، يخاتل و يكذب دوما في صورة الناصح.. لقد مرر على غفلة من مناضلي ذلك العصر سما غزيرا في كؤوس من ذهب.
هل يمكن اعتبار تلك المقولة تواضعا بين إقطاعيين من نفس الطينة تقاسموا الإنسان في الإنسان.. بمعنى لم يتقاسموا إبداعه و جهده فقط، فذلك أمر محقق منذ قرون، و لكن أنابوا أنفسهم مكانه في فكره ليفكروا و يبدعوا به ما يريدونه بالضبط ؟
يمكن أن تكون هي الثوب الجديد الذي دخل به الدين –على تهمته آنذاك- عصر الأنوار، و منه انسل إلى عصرنا من دون أن يثير أية شكوك في كونه هو ذاك.
انسلال ناجح، طالما ضحك على ذقون الجمارك العقلية في تخوم العصور، يفسر بدقة تشابه سياسات سوق الشعوب في جميع الدول ذات الخلفية الثقافية العبرانية.. و نقصد بها العالم الإسلامي، أوربا و أمريكا، و شتات الكل بباقي المعمورة.
و أي نعم.. التفاوت و الاختلاف و حتى الخلاف بين تلك الدول موجود، و يعود إلى رتبة و دور كل منها في مسار التاريخ أو في مسار اللعبة.. و يعود إلى تزاحمها جميعا على خدمة “المصلحة الكوكبية” ربة “المصالح الوطنية المكيافيللية إياها” لكل منها.
و الحروب بينها حثيثة.. باردةٌ و هاردة.. تعود إلى المصالح الاقتصادية تماما كما يتعارك الإخوة الأطفال على ألعابهم… و كل هذا لا يمنع، بل هذا هو العامل الأساس، بان هذه الدول تتكامل و تتآزر في مسألة إطالة عمر الأديان على الإنسان.. و هذا ما يميزها و يبقي على طابعها الديني الذي لا يزال يوحد هزلها و جدها على نسف الإنسان.
فالعلمانية بوصفها امتدادا لذلك التواضع المشبوه، سواء كانت فرنسية أو أمريكية، نعتبرها مرحلة من مراحل الفكر السياسي الإنساني و ليست نهاية للتاريخ.. حان الوقت اليوم، و الدواعي تصم الآذان و تدمي الأبصار، لإعادة النظر في هذا التشطير الذي شطر الإنسان على مقاس الخدعة الانشطارية الأولى لما يسمى المادية و المثالية و التي جرفت الفلسفة الإنسانية في مهاترات و مضيعة للوقت و للجهد و حتى للعقل.
قد تبدو بأنها الحل الأمثل.. بهذا الزمن على الأقل.. و قد تكون كذلك بالفعل، و لكن تطورات الوضع الأخيرة بربوعنا، و وعيد العصور الوسطى المدوي بأرجاء أوربا، و الوعود الخادعة للأديان المهسترة المطبوخة بأمريكا..، كل ذلك يجعل الأمر محل مراجعة.. ليس في الأمر تعقيدا بالمستوى النظري على الأقل.. أقصى ما يجب، هو تسمية الأشياء بمسمياتها لا غير.. الفكر المادي الغريزي المحبوك من أجل شل الإنسان لا يمكن أن نستمر في اعتباره فكرا روحيا أو مثالية، نستأمنه شعوبنا.. و بناء على التوصيف المناسب نصدر الإدانة المناسبة، و منها إلى التعامل المناسب.
العلمانية الحالية تقول لقيصر: احترم الرب، و تقول للرب: احترم قيصر… و لكن لا تقول لأي منهما، احترم الإنسان… و لذلك لا يزال الناس في عز المناخ العلماني يقاتلون الناس من أجل الايدولوجيا ( يهوه) أو من أجل المصالح ( القيصر).
فهل سيقول التواضع القادم، لقيصر و ليهوه معا: احترما العصر، و اتركا الإنسان.. و غورا بعيدا عن “غايا” الوديعة ؟ ]
أحمد تاوتي

About أحمد تاوتي

أحمد تاوتي كاتب جزائري عصامي التكوين، اشتغل بالثقافة و الإعلام و النشاط المدني. من موليد 1962، أدرك طرفا من الزمن الجميل.. ثم عارك الزمن الجليل.. و هو اليوم سابح خارج الأزمنة جميعا، دارسا مفكرا و متأملا في الزمن العليل...
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.