هل ستتحد المعارضة الديموقراطية؟

ميشيل كيلو : المدن

اذا اخذنا العلامات الخارجية والسلوكية كمعيار ، قلنا : أن المعارضة الديمقراطية لن تتحد ، اليوم أو في المستقبل القريب . لذلك ، يطرح نفسه سؤال بديل هو : هل ستتحاور وتتقارب فصائل المعارضة الديمقراطية ، أم أنها ستبقى تتقاتل وتتصارع ؟. وهل سيستمر كل فصيل من فصائلها في الاعتقاد بأنه يمثل الديمقراطية تمثيلا حصريا لا تشوبه شائبة ، يلزمه بالدفاع عنها ضد الهراطقة المنضوين في فصائلها الأخرى ؟.

ليست الدعوة إلى توحيد المعارضة أو تقاربها جديدة . إنها تكاد تكون من عمر المعارضة، التي اسست عام 1979 تنظيما هو ” التجمع الوطني الديموقراطي “، ضم أحزابها على تنوعها ، وأوصلها إلى نوع من التحالف أبقى على حدود دنيا من تعاونها رغم ما مرت به وواجهته من مصاعب. هذا التجمع قام على حد ادنى من التنافس وحد مقبول من التنسيق ، فعاش حياة مضطربة حفلت بالتعاون والخلافات الصامتة ، المعلنة منها والمضمرة . واليوم ، تلاشى حد التنسيق المقبول لصالح حد غير مقبول من تنافس صراعي الطابع ، بينما تزداد الحاجة إلى بناء كيان سياسي ديمقراطي يعبر عن الكتلة الديمقراطية المجتمعية الهائلة الاعداد ، التي لا تجد من يعبر عنها أو ينطق باسمها ، ولن تجد بعد زوال النظام الحالي من يمثل مصالحها ، إن استمرت سيطرة الخلافات غير العقلانية على تنظيمات يتنكر كل واحد منها لشرعية سواه ولحقه في الوجود .

والآن ، وفي هذه الأيام، تنطلق مشاريع متنوعة لعقد لقاءات تضم الديمقراطيات السورية ، بينها لقاء دعونا إلى عقده في القاهرة يومي 11 و12 أيار ، لن يكون مؤتمرا بل مجرد لقاء تمهيدي يناقش المشاركون فيه السبل التنظيمية والسياسية لإقامة كيان ديمقراطي جامع قدر الإمكان ، ويحددوا ما يريدون للديمقراطية السورية أن تكون عليه ، دون التزام برامج مقترحة ووثائق مسبقة الإعداد ، فهو لقاء مفتوح سيحدد النتائج التي ستتمخض عن حواراته الحرة، وسيكتفي ، إن قرر ذلك ، بانتخاب لجنة تمثل أطياف الحاضرين المتنوعة ، على أمل أن تنجز العمل الضروري لجمع القوى الديمقراطية وتأسيس كيان – وليس قطب – يعبر عن الكتلة المجتمعية الديمقراطية الواسعة جدا ، ويطوي صفحة المزق المتنافسة المتصارعة ، كي لا تبقى الكتلة الديمقراطية دون تمثيل سياسي جامع، وتجد نفسها مجبرة على السير وراء تيارات وخيارات مذهبية ، أو الانزواء جانبا فتتفتت مثل التنظيمات الديمقراطية المفتتة .

سينتخب اللقاء – أكرر : وليس المؤتمر – هذه اللجنة التحضيرية بمحض حريته ، وسيحدد نوع مكاتبها وانماط العلاقات والحوارات التي ستجريها مع أطراف الديموقراطية السورية ، من حضر منها اللقاء ومن لم يحضره ، ومن كان من هؤلاء مسالما أو مقاوما ، تمهيدا لعقد مؤتمر – اقول مؤتمر وليس لقاء – وطني يجمع اوسع تمثيل لاطياف العمل الديمقراطي وتنظيماته ، سيناط به اختيار قياداته ومكاتبه وتحديد برامجه وإقرار وثائقه وانتخاب ممثليه في عواصم عالمية معينة والاشراف على أنشطة الكيان العتيد وضمان حضوره في كل مكان داخل سوريا وخارجها ، دون أن يكون لمن قاموا باعمال السكرتاريا إعدادا للقاء القاهرة ، اي تأثير على ما يريد الحاضرون فعله ، ما داموا لا يتطلعون إلى تأسيس كيان لهم ، وما دامت غايتهم تمكين الديمقراطية السورية من تأسيس كيانها الجامع ، الذي سيعلن اللقاء – إن هو أراد – عزمه على تشكيله ، وسيترك الباقي للجنة التحضيرية المنتخبة وللمؤتمر الوطني والديمقراطي الموسع ، الذي سيكون لقراراته أثرا جد إيجابي على تاريخ سوريا السياسي ، بما أنه سيحظى بدعم جماهير هائلة العدد ، ديمقراطية الإرادة والخيار ، سيعبر عنها إن أحسن العمل ووجد لغة مشتركة معها ، وساعدها على لعب دورها الحاسم في سوريا المستقبل ، التي سيكون من الصعب وربما المستحيل إنقاذها إن افتقرت الكتلة الديمقراطية إلى من يعبر عنه بأكثر الصور تنظيما وفاعلية .

لن يقر لقاء القاهرة اية وثائق ، بل سيحدد آليات عمل تنظيمية واسس التوافق الديمقراطي ، ولن يتبنى نص الدعوة ، الذي لن يناقش او يعتمد من الحاضرين . ولن يجد القادمون انفسهم حيال احد يريد أخذهم سياسيا إلى حيث يريد ، وسيقررون فقط ما يريدون هم تقريره ، وما سيتمخض عن تفاعلهم خلال يومي اللقاء، الذي سيكون سيد نفسه ، ولا سلطة لاحد او لتجمع او عليه .

لن يكون اللقاء غير ساحة تواصل حامع وحوار حر وتحديد خيارات مشتركة أو متقاربة ، وهو سيعقد تحت هذا السقف وبروحية مد اليد إلى جميع الديمقراطيات والديمقراطيين السوريات والسوريين ، ليس من أجل وضعهم أمام خيارات من دعوا إليه ، بل لتمكينهم من رسم طريقهم إلى وحدتهم بكل حرية ، لاعتقاد الدعاة بأن بناء كيان ديمقراطي قد أزف، وان الدعوة إليه تأخرت كثيرا ، كما يقول رأي واسع الانتشار ، وأن خروج الديمقراطية السورية من مأزقها العصيب الراهن ضرورة لا يجوز أن تحول دونها بعد اليوم أية حجج أو ذرائع ، بما في ذلك ملاحظة وجيهة هنا وانتقاد جدي هناك !.

About ميشيل كيلو

كاتب ومحلل سياسي سوري معارض لنظام حكم عائلة الأسد الاستبدادي تم سجنه من قبل الطاغية بشار الاسد من ابرز وجوه الثورة السورية المسيحية
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.