هل الرضوخ للقوة عقوداً… رضى؟

سركيس نعوم    النهار اللبنانية 

“الحوار النقاشي” مع “مُمانع” غير لبناني حول “الأزمة السورية” ممتع لأنه يؤكد المواقف المعروفة للدول التي ينتمي الى إحداها. علماً ان الردّ عليها ليس صعباً لأن المَصالح المُحدَّدة للسياسات صارت مكشوفة بحيث لم يعد احدٌ يستطيع ان يغشّ أحداً.

في حوار كالمذكور يتساءل “الممانع” غير اللبناني باستهجان عن دوافع وصفِه محاوره اللبناني “المحايد” السوريين الذين يقاتلون نظام الرئيس بشار الاسد بالثوار. فهؤلاء في نظره ارهابيون مدفوعون من الخارج لإسقاط النظام العربي الوحيد الممانع للاستسلام والداعم للمقاومة ضد الصهيونية واميركا.

وعندما يسمع جواباً مختصراً لا ينفي وجود “ارهابيين” باعتراف داعمي الثورة في اميركا مثلاً، لكنه يشير الى ان عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف وهو غير كاف للسيطرة على نحو 60 في المئة من سوريا، وذلك يعني ان عشرات الآلاف من السوريين يقاتلون، عندما يسمع كل ذلك لا يشعر بالارتياح، وخصوصاً عندما يُسرد له بالوقائع والتواريخ ان الثورة السورية بدأت عفوية وسلمية واصلاحية وإن قمع “النظام الاسدي” لها حوَّلها مسلحة، وإن اميركا لم تتجاوب مع طلبها من الاسد التنحّي الا بعد شهور من رفضه مطالب غالبية شعبه، وانها لم تقم بما يجب لمساعدتها على الانتصار. وعندما يقول “الممانع” غير اللبناني نفسه مبرراً رفض فكرة ان الغالبية السنّية في سوريا ثائرة على نظام مذهبي عائلي اتخذ من حزب قومي غطاء له، ان هذه الغالبية بقيت راضية لم تتذمر أو تعترض، يسمع جواباً ان الاجهزة والقمع واستغلال النفوذ والمصالح والشدة لا تعطي فرصة للناس كي يحتجوا. ولا يعني ذلك انهم راضون، وعندما تسنح الفرصة يتحركون. ويسمع مقارنة مع وضع إيراني معروف مفاده ان غالبية الشعب الايراني كانت تكره نظام الشاه قبل اسقاطه بكثير. لكنها لم تحقق هدفها الا بعد عقود من اعلان الإمام الراحل آية الله الخميني ثورته عليه. وطبعاً لا تُسرّه هذه المقارنة. وعندما يقول “الممانع” غير اللبناني نفسه ان المعادين لايران يتهمونها زوراً بالتدخل في شؤون العرب وبتهديد امنهم وأنظمتهم يسمع جواباً تساؤلياً هو: ماذا نسمي سياسة او بالاحرى مبدأ تصدير الثورة الاسلامية الذي اطلقه الخميني الراحل، والذي ما زال مطبَّقاً، والذي اوصل ايران الى “السيطرة” على قلب العالم العربي اي سوريا بواسطة نظام الاسد، ولبنان بواسطة “حزب الله”، والفلسطينيين بواسطة “حماس” و”الجهاد”؟ علماً ان الفصيلين الاخيرين ربما غيّرا موقفهما من ايران. أليست الدول العربية في الخليج وفي “الداخل” هي المقصودة بذلك؟ وطبعاً لا يريحه هذا الجواب.

وعندما يقول “الممانع” غير اللبناني اياه ان نظام الاسد يدعم المقاومة ضد اسرائيل ولذلك تؤيده ايران وغيرها يسمع تعليقين. الأول، اعتراف بمساعدته “مقاومة” لبنان على تحرير ما احتلته اسرائيل من ارضه، مُرفقٍ بتساؤل عن عدم دعم المقاومة السورية والفلسطينية في سوريا لاسترجاع الجولان المحتل منذ عام 1967 وبقية اراضي فلسطين. والثاني، هل من العدل ان يقوم نظام ساعد لبنان في التحرُّر من اسرائيل بالهيمنة عليه وباستباحته، وباعداده ليكون ملحقاً لسوريا او تابعاً لها، وبعدم مساعدة شعوبه على تحقيق وحدتها؟ وهل من العدل ان يُحكم شعب سوريا بديكتاتورية شاملة بحجة انها تقاوم اسرائيل؟ والعرب كلهم لمسوا ان انظمتهم، ومنذ “نكبة” 1948، استغلت شعب فلسطين وقضيته لحكم شعوبها واستنزاف خيراتها.

وعندما يرد “الممانع” غير اللبناني نفسه على ما يقال من دعم عسكري ايراني لنظام الاسد يقول ان سوريا دولة لم يَسقُط نظامها حتى الآن. وايران تنفذ عقوداً تسليحية معها، في حين ان قطر والسعودية واميركا تُسلِّح “ارهابيين” ومخربين هدفهم تدمير الدولة وإسقاط الممانعة، يسمع الجواب الآتي: الدولة السورية صارت آيلة الى السقوط، والنظام السوري انتهى دوراً وسيطرة على اراضي الدولة. طبعاً لا يزال قوياً بجيشه “العامل” وبميليشيته “الفئوية”. لكنه صار فريقاً، ودعمه عسكرياً يعني دعم فريق سوري قوي اساساً ضد فريق سوري آخر ضعيف عسكرياً بغية مساعدته على سحقه.

طبعاً ليس ذلك كل الحوار، لكنه بعضه الذي يعطي فكرة عمّا يجري في سوريا. ولهذا رأيت ضرورة اطلاع القرّاء عليه.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.