هكذا قرأتُ القرآن 3 سورة المُزَّمِّل

قرأتُ اليوم سورة المُزَّمِّل المرقمة 73 في المصحف العثماني وهي الثالثة في ترتيب التنزيل القرآني الصحيح وفق الرابط المذكور أدنى والذي دلّنا عليه الكاتب صلاح الدين محسن مشكوراً في خلال مقالته التي كتبت رابطها في الحلقة الأولى من قراءتي في القرآن:
http://www.yabeyrouth.com/pages/index929.htm

ذلك بعدما حاولت قراءة السورة الأولى- العلق- وترتيبها 96 في المصحف المذكور وقراءة السورة الثانية- القلم- المرقمة 68 هناك. ومن حق كلّ قارئ مسلم وكلّ قارئة مسلمة بل من حق كل شخص مدعوّ إلى اعتناق الإسلام ديناً أنْ يتساءل عن معنى قوله في الفقرة الأولى: يا أيّها المُزَّمِّلُ! أي 1. ما معنى هذه الكلمة: المُزَّمِّل؟ 2. لماذا أعطى المنادي صفة التزمّل للمنادى دون غيرها من الصفات؟ 3. ما سبب هذه المناداة أو المخاطبة؟ فمعلوم أنّ “يا” حرف نداء 4. ما الهدف من ذلك النداء 5. ماذا استفاد الإنسان- وغير الإنسان- من النداء المذكور وماذا سيستفيد؟ تلكم هي أسئلتي وأنا أقرأ السورة فلم أعثر على جواب؛ لكنّ معجم “لسان العرب” أسعفني فاقتطفت التالي:
{زَمَّل الشيءَ: أخفاه؛ أنشد ابن الأَعرابي: يُزَمِّلون حَنينَ الضِّغْن بَيْنَهُمُ *** والضِّغْن أَسْودُ أَو في وَجْهه كَلَفُ [العروض: بحر البسيط]
وزَمَّله في ثوبه أَي لَفَّه. والتَّزَمُّل التلفُّف بالثوب، وقد تَزَمَّل بالثوب وبثيابه أَي تَدَثَّر، وزَمَّلْته به؛ قال امرؤ القيس:
كأنَّ أَباناً في أفانين وَدْقِهِ *** كبيرُ أُناسٍ في بـِجادٍ مُزَمَّل [بحر الطويل] وأَراد: مُزَمَّل فيه أَو به ثم حذف الجارِّ فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول.
وفي التنزيل العزيز: يا أيُّها المُزَّمِّل؛ قال أبو إِسحق: المُزَّمِّل أَصله المُتزمِّل والتاء تدغم في الزاي لقربها منها، يقال: تَزَمَّل فلان إِذا تلفَّف بثيابه.
وكل شيء لُفِّف فقد زُمِّل. وفي حديث قتلى أُحُد: زَمَّلوهم بثيابهم أَي لُفُّوهم فيها، وفي حديث السقيفة: فإِذا رجل مُزَمَّل بين ظَهْرانَيْهم أَي مُغَطًّى مُدَثَّر، يعني سعد بن عُبَادة} انتهى

أمّا في تفسير الإمام الطبري:
{يعني بقوله «يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل» هو الملتف بثيابه، وإنما عُنِيَ بذلك نبيّ الله (ص) واختلف أهل التأويل [كالعادة] في المعنى الذي وصف الله به نبيه (ص) في هذه الآية من التزمّل، فقال بعضهم: وصفه بأنه مُزّمّل في ثيابه، متأهّب للصلاة. ذكر من قال ذلك: حديث27257 حدثنا بشر… عن قتادة: «يَا أيّهَا الْمُزَّمِّل» أي المتزمل في ثيابه. وقال آخرون [مما يأتي في تفسير القرطبي بعد قليل]: وصفه بأنه مُتزمّل النبوة والرسالة. ذكر من قال ذلك: حديث 27258 حدثنا محمد بن المثنى… عن عكرمة، في قوله: «يَا أيّهَا المُزَّمِّل قُمِ الليل إلّا قلِيلًا» قال: زُمِّلْت هذا الأمْر فقُمْ به. قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك، ما قاله قتادة؛ لأنه قد عقبه بقوله: «قمِ الليل» فكان ذلك بياناً عن أن وصْفه بالتزمّل بالثياب للصلاة، وأن ذلك هو أظْهَر مَعْنَيَيْهِ} انتهى

تعليقي: الوصف “مُتزمّل النبوة والرسالة” لامعنى له في تقديري، لأنّ للتعبير صورة وبلاغة حتى ما كان منه مجازيّاً فأين البلاغة في التلفف بالقرآن أوالتزمّل وكيف؟ إنما أصبحت بعد ما تقدّم أشدّ استغراباً؛ ألمْ يختر الإله مناسبة أخرى لمناداة رسوله بدلاً من مناداته وهو في تلك الحالة؟ ما نوع الثياب التي كان الرسول متلففاً بها، هل كان لها تأثير على نزول الوحي، أي هل عاقت الوحي؟ وهل هي ثياب تقي من البرد أم تقي من حشرة ضارّة ربّما حاولت التسلّل إلى شعَر الرسول أو ناحية من أنحاء جسمه؟ وما علاقة الثياب برسالة إله يُريد توجيهها إلى رسول والإله ينتظر من الرسول أنْ يتزمّل وربّما كانت الأمّة تنتظر؟ وهل بات مصير الأمّة مرتبطاً بالحالة التي كان عليها الرسول سواء أكان متزمّلاً أم عارياً؟ فإنْ قبلنا بأنّ الإله يمكن أن يُخاطب الرسول وهو بتلك الحالة من التزمّل- على أنّ التزمّل بات على هذه الدرجة من الأهميّة- فلا يرتابنّ أحد في اختيار الإله حالاً أخرى ربّما حاول أنْ يُخاطب بها رسوله، كأن كان الرسول خلالها عارياً من الثياب أو متعرّياً- مثالاً لا حصراً. وهذا الإستنتاج ليس نابعاً من فراغ؛ لقد كان الوحي يأتي الرسول وهو في لحاف السيدة عائشة؛ ففي صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب فضل عائشة (رض) حديث 3491 حدثنا ‏عبد الله بن عبد الوهاب‏… ‏حدثنا ‏هشام ‏عن ‏أبيه‏ ‏قال:‏
‏{كان الناس يتحرّون بهداياهم يوم ‏عائشة.‏ ‏قالت ‏عائشة:‏ ‏فاجتمع صواحبي إلى‏ ‏أمّ سلمة ‏فقُلن: يا ‏أم سلمة ‏والله إن الناس يتحرّون بهداياهم يوم ‏عائشة‏ ‏وإنّا نريد الخير كما تريده‏ ‏عائشة، ‏فمُري رسول الله ‏(‏ص)‏ ‏أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أو حيث ما دار. قالت: فذكرت ذلك‏ ‏أم سلمة للنبي (ص)‏ ‏قالت: فأعرض عني فلمّا عاد إليّ ذكرتُ له ذاك فأعرض عني فلمّا كان في الثالثة ذكرتُ له فقال: ‏يا ‏أم سلمة‏ ‏لا تؤذيني في ‏عائشة‏ ‏فإنه والله ما نزل عليّ الوَحْيُ وأنا في لحاف اٌمرأة منكنّ غيرها} انتهى.

وفي رواية أخرى- قال: (‏لا تؤذيني في ‏عائشة ‏ ‏فإن الوحي لم يأتـِني وأنا في ثوب امرأة إلّا‏ ‏عائشة) وهنا نصّ الحديث 2393 كاملاً في صحيح البخاري، من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض- الهبة وفضلها والتحريض عليها:
{حدثنا‏ ‏إسماعيل ‏قال حدثني ‏أخي‏ ‏عن سليمان‏ ‏عن ‏هشام بن عروة ‏عن ‏أبيه ‏عن ‏عائشة ‏(رض) أنّ نساء رسول الله (‏ص)‏ كُنّ حِزبين فحِزبٌ فيه ‏عائشة ‏وحفصة ‏وصفية ‏وسودة، ‏والحزبُ الآخر ‏أمّ سلمة ‏وسائر نساء رسول الله (ص) ‏وكان المسلمون قد علِموا حبّ رسول الله ‏(ص) ‏عائشة ‏فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله (ص)‏ ‏أخـّرَها حتى إذا كان رسول الله ‏(ص) ‏في بيت‏ ‏عائشة، ‏بعث صاحبُ الهدية بها إلى رسول الله (ص) ‏في بيت ‏عائشة ‏فكلّمَ حزب ‏أمّ سلمة‏ ‏فقلن لها كلّمي رسول الله (ص)‏ ‏يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله ‏(ص) ‏هديّة فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه فكلّمَته ‏أم سلمة ‏بما قلن فلم يقل لها شيئاً فسألنها فقالت: ما قال لي شيئاً فقلن لها فكلّميه، قالت فكلمته حين دار إليها أيضاً فلم يقلْ لها شيئاً، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئاً، فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال لها: لا تؤذيني في ‏عائشة ‏فإنّ الوحي لم يأتِني وأنا في ثوب امرأة إلا ‏عائشة. ‏قالت فقالت أتوب إلى الله مِنْ أذاك يا رسول الله. ثم إنهن دعون ‏فاطمة بنت رسول الله ‏(ص) ‏فأرسلت إلى رسول الله ‏(ص)‏ ‏تقول إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت‏ ‏أبي بكر، ‏فكلمته فقال: يا بُنيّة ألا تحبّين ما أحب؟ قالت: بلى، فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن ارجعي إليه فأبتْ أن ترجع، فأرسلن ‏زينب بنت جحش ‏فأتته فأغلظت وقالت إنّ نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن ‏أبي قحافة [أي بنت أبي بكر- الكاتب]‏ ‏فرفعت صوتها حتى تناولت ‏عائشة ‏وهي قاعدة فسبّتها حتى إن رسول الله ‏(ص)‏ ‏ليَنظر إلى ‏عائشة ‏‏هل تكلم قال فتكلمت ‏ ‏عائشة ‏تردّ على ‏زينب ‏حتى أسكتتها، قالت فنظر النبي (‏ص)‏ ‏إلى ‏عائشة ‏وقال: إنها بنت ‏أبي بكر} انتهى.

ليس ذلك فحسب؛ ففي صحيح البخاري عن السيدة عائشة: {ان النبي (ص) كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن} – ج1 ص 44 كتاب الحيض، باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض وصحيح مسلم ج 1 ص 169 كتاب الحيض ومسند احمد ج 6 ص 68 و 72

وفيه عن السيدة عائشة أيضاً: {كان النبي (ص) يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض} – ج 4 ص 204 كتاب التوحيد- باب قول النبي الجاهر بالقرآن ومسند احمد ج 6 ص 117 و 135 و 190 و 258 وسنن أبي داود ج 1 ص 33 وفي غيرها.
ومن اللافت في سورة المُزّمّل عجز لغوي واضح في مسألتين- في الأقلّ- أمّا الأولى: قوله “قليلا” ثلاث مرّات كفواصل بين الفقرات المسمّاة آيات، كأنّ في لسان العرب أزمة في القوافي أو في فواصل الفقرات السجعيّة-
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قلِيلًا (٢)
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قلِيلًا (٣)
وذرْنِي والمُكذِّبين أُولِي النَّعْمَةِ ومَهِّلْهُمْ قلِيلًا (١١)
وأمّا الثانية في نظري فالعجز من الإتيان بفواصل في جملة طويلة لافتة ومختلفة عن سائر جمل سورة المزمّل، لا فاصلة بين فقراتها وهي الجملة المرقمة 20 في السورة والتي لم أعثر على توقّف بين كلماتها، ما يحتاج مُرتّل القرآن إلى نفس طويل لتلاوتها كاملة. وقد نوّه الرصافي عن موضوع “فواصل القرآن” في كتابه الموسوم “الشخصيّة المحمّديّة” ابتداءً بالصفحة 551 وهو ممّا عرضت في الحلقات الأولى من سلسلة- تأليف القرآن- في ضوء كتاب الرّصافي:
{كان محمّد يراعي الفواصل كلّ المراعاة ويعتني بها كلّ الإعتناء، لأنها هي الطابع الذي امتاز بها أسلوبه. ولا يُنكَر أنّ عنايته بالفواصل قد جاءت بكثير من المحاسن، لكنها مع ذلك لم تخلُ أحياناً ممّا يُعاب} وقوله: {من هذه التي وقعت في سبيل الفاصلة، يظهر لك جليّاً كيف كان محمد يعتني بالفواصل التي لم تكن آياتُ القرآن آياتٍ إلّا بها، ومن مزيد اهتمامه بها نراه في بعض الأحيان يرمي بالفاصلة لمجرد الفصل من دون أن يلتفت إلى ما تقدّمَها من الكلام، فتأتي الفاصلة قلقة في مكانها غير مستقرة ولا مطمئنة} وقوله: {ثمّ قسّم آيات القرآن إلى أقسام مختلفة في الطول والقِصَر، وسمّى كلّ قسم سورة! ولم يُراعِ- في تقسيم هذه الآيات إلى سُوَر- شيئاً من موضوعها ولا من زمان نزولها أو مكانه، بل قد تكون السورة الواحدة مشتمِلة على آيات مختلفة من الأمور التي يتكلم عنها القرآن. وقد تكون في السورة الواحدة آيات متقدمة في الذكر وهي متأخرة في النزول وبالعكس! وقد تكون في السورة الواحدة آيات نزلت في مكة وأخرى نزلت في المدينة. وهكذا جاء ترتيب الآيات والسّوَر على هذا النحو بتوقيف من النبي، أو الذين جمعوا القرآن بعد وفاته هم رتبوه على هذا الترتيب بلا توقيف منه. والظاهر أنّ المقصود من تقسيم الآيات إلى سور متعددة هو تسهيل قراءتها وحفظها على القرّاء والحُفّاظ ليس إلّا} انتهى، علماً أنّ المقصود بالفواصل: ما يماثل القوافي في القصيدة العموديّة.

وأكاد أجد ضالّتي في تفسير القرطبي فاقتطفت التالي:
{مكّيّة. وقال ابن عباس وقتادة: إلا آيتين منها: “واصبر على ما يقولون” – المزمل: 10 والتي تليها؛ ذكره الماوردي. وقال الثعلبي: قوله تعالى: “إن ربّك يعلم أنك تقوم أدنى” – المزمل: 20 إلى آخر السورة؛ فإنه نزل بالمدينة.

تعليقي: إذاً قيل من هذه السورة سبع عشرة فقرة في مكّة ثمّ تمّت لملمة ثلاث فقرات من المدينة فأصبح عدد الفقرات عشرين. ولكنّ في الطريق مفاجأة- ممّا يأتي بعد قليل!

قوله تعالى: “يا أيها المزمل” هذا خطاب للنبي (ص) وفيه ثلاثة أقوال:
الأول- قول عكرمة: “يا أيها المزمل” بالنبوة والملتزم للرسالة. وعنه أيضاً: يَا أيّهَا الّذِي زُمِّلَ هَذا الأمْر أَيْ حَمَلهُ ثمّ فترَ، وكان يقرأ: “يا أيها المُزَمَّل” بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول، وكذلك “المُدَثَّر” والمعنى المُزَمِّل نفسه والمُدَثِّر نفسه، أو الّذِي زَمَّلَهُ غَيْره.

تعليقي- يذكّرني الإختلاف في القراءات بفقرة سورة النساء: 82 التي حكم بها مؤلّف القرآن على زيف دعوته بالقول:
أفلَا يَتدبَّرُون القُرآَن ولو كان مِنْ عِندِ غيْرِ اللهِ لوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيرا

الثاني- “يا أيها المزمل” بالقرآن، قاله ابن عباس. [ولقد علّقت على مثل هذا القول بعد كتابة تفسير الطبري أعلى]

‎الثالث- المزمّل بثيابه، قال قتادة وغيره. قال النخعي: كان متزملا بقطيفة. عائشة: بمِرْطٍ طوله أربعة عشر ذراعاً، نِصْفه عَلَيَّ وأنا نائمة، ونصفه على النبي (ص) وهو يصلي، والله ما كان خَزًّا وَلَا قَزًّا وَلَا مِرْعِزَاءَ وَلَا إِبْرِيسَمًا وَلَا صُوفًا، كَانَ سَدَاه شَعْرًا، وَلُحْمَته وَبَرًا، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ.

قلت- أي قال القرطبي: وهذا القول من عائشة يدلّ على أن السورة مدنية؛ فإن النبي (ص) لم يَبْنِ بها إلّا في المدينة. وما ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا مَكِّيَّة لَا يَصِحّ. وَاَللَّه أَعْلَم .

تعليقي: 1. إذاً صدق البخاري في حديثه عن محمد إذ قال: (‏يا ‏أمّ سلمة‏ ‏لا تؤذيني في ‏عائشة‏ ‏فإنه والله ما نزل عليّ الوَحْيُ وأنا في لحاف اٌمرأة منكنّ غيرها)
2. إذاً سورة المزمل مدنيّة بحسب تحليل القرطبي وليست مكيّة كما هو مدوّن في المراجع الإسلاميّة. وهذا التخبط حول لملمة “الآيات” المحمدية هو ما أشرت إليه في الحلقة الثانية، أي في معرض قراءتي سورة القلم. وهنا ما قصدت بالمفاجأة!

وقال الضَّحَّاك: تزمّل بثيابه لمنامه. وقيل: بلغهُ من المشركين سُوء قولٍ فيه، فاشتدّ عليه فتزمل في ثيابه وتدثر، فنزلت: “يا أيها المزمّل” – المزمل: 1 و”يا أيها المُدّثّر” – المُدّثر: 1

تعليقي: إذاً لا علاقة لأيّ إله بموضوع ما أوحِيَ للرسول وهو مُزمّل ومُدّثر. فكثرما أوحِيَ إليّ- أنا الكاتب- شعراً ونثراً حين كنت في الفراش وحين دخنت سيجارة في الهواء الطلق ولكنّ أكثر الوحي أتاني حين كنت في الحمّام ولا أخفي أنّ في الحمّام أحسن ما يُوحى إليّ! ولي من الأصحاب من يدقق حساباته في الحمّام وهناك من يُغنّي ويُلحّن.

وقيل: كان هذا في ابتداء ما أَوْحَى إليه، فإنه لمّا سَمِعَ قوْل الْمَلَك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله فقال: (زمّلوني دثروني) رُوي معناه عن ابن عباس. وقالت الحكماء: إنما خاطبه بالمزمّل والمدّثر في أول الأمر؛ لأنه لم يكن بعد ادثر شيئاً من تبليغ الرسالة .
قال ابن العربي: واختلف في تأويل “يا أيها المزمّل” فمنهم من حمله على حقيقته، قيل له: يا من تلفف في ثيابه أو في قطيفته قم؛ قاله إبراهيم وقتادة. ومنهم من حمله على المجاز، كأنه قيل له: يا من تزمل بالنبوة؛ قاله عكرمة. وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشددة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله، وأما وهو بلفظ الفاعل فهو باطل.
قلت- والكلام للقرطبي: وقد بيّنا أنها على حذف المفعول: وقد قرئ بها، فهي صحيحة المعنى. قال: وأمّا من قال إِنَّهُ زُمِّلَ القرآن فهو صحيح في المجاز، لكنه قد قدّمْنا أنه لا يحتاج إليه.
[ها هم الصحابة والعلماء قد اختلفوا فكيف بالعامّة؟]

قالَ السُّهَيْلِيّ: ليس المُزمّل باسْم من أسماء النبي (ص) ولم يُعرَف به كما ذهب إليه بعض الناس وَعَدُّوْهُ في أسمائه (ع) وإنما المُزمّل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب، وكذلك المدثر.
[شكراً للسّهيلي الذي أجاب على أحد تساؤلاتي. ومن جهةأخرى، ها هم الناس الذين عاشوا في زمن مؤلّف القرآن وقد اختلفوا إذ عَدّ بعضهم المزمّل من أسماء “النبي” فكيف بالناس الذين ماتوا وهم لم يعلموا وبالناس الذين يقرأون وهم لا يعلمون ولا يسألون… إلخ. ويُلاحظ القارئ النبيه أني وضعتُ كلمة النبي بين مزدوجين صغيرين لأني أتساءل: يا ليت شعري ما هي نبوءته لكي يُسمّونه نبيّاً، هل النبوّة ألعوبة أم مسخرة أم ماذا؟]

وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما الملاطفة؛ فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سمّوه باٌسْم مشتق من حالته التي هو عليها؛ كقول النبي (ص) لعليّ حين غاضب فاطمة (رض) فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له: ( قم يا أبا تراب ) إشعاراً له أنه غير عاتب عليه، وملاطفة له. وكذلك قوله (ع) لحذيفة: (قم يا نومان) وكان نائماً ملاطفة له، وإشعارا لترك العتب والتأنيب. فقول الله تعالى لمحمد ص: “يا أيها المزمل قم” فيه تأنيس وملاطفة؛ ليستشعر أنه غير عاتب عليه.

تعليقي: إذاكان “تعالى” يلاطف ويؤانس كما الإنسان فما الفرق ما بين “تعالى” والإنسان، أي كيف اشتركا في حدث واحد بالصفة عينها؟ وهذا ما يذكّرني ببيتين- في بحر الطويل- للمتصوّف الحلّاج وهناك من ينسبه لشاعر آخر:
إلهِيَ قلْ لي مَن خلا من خطيئةٍ *** وكيف تُرى عاشَ البريءُ من الذنب ِ؟
إذا كنت تجزي الذنبَ مني بمثلِهِ *** فما الفرق ما بيني وبينك يارَبّي؟

والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه؛ لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة.

تعليقي: وهل يحتاج «تعالى» إلى ذكر في وقت دون آخر والصلاة في وقت محدد دون آخر وتأدية سائر الفرائض، بالإضافة إلى عمل الحسنات؟} انتهى. وشكراً للإمام القرطبي

____________________________

شكراً لجميع السيدات والسادة من القرّاء الكرام الذين تفضلوا بالتعليق على المقالة السابقة وعلى التفضل بالتصويت:

1.شكراً أخي الكاتب زهير دعيم على الثناء والدعم المتواصلين. والربّ يباركك والجليل
2.السيد الفاضل أبا الحسن: (اذا لم تعرف اللغه [اللغة] فتلك مشكلتك وليس [ليست] مشكله الله كف عن نعيقك هذا واترك القران لمن يعرفه) يدلّ قولك هذا، في فهمي المتواضع وبصفتي قارئاً للقرآن، على أنّ الذي يقرأ القرآن- في رأيك- ينعق لأنه لا يعرف اللغة، فبما أنّها ليست مشكلة الإله الذي أوحى بلغة ملتبَسَة وغير مفهومة لملايين من البشر، وإن كان رياض الحبيّب (المهتم باللغة وبأدب العصر المسمّى بالجاهلي) لا يعرف اللغة فمَنْ في رأيك يعرفها؟ وما تعليقك على اختلاف علماء المسلمين وفقهائهم على لغة القرآن؟
3.الأخ الكاتب أمجد المصري: إذنك معك. فإنّ المادة التي يكتب الكاتب وتُنشَر تصبح ملك القرّاء الكرام، مع الإشارة لطفاً إلى إسم المؤلّف.
4.السيد الفاضل عبدالله الداخل: أرى تكراراً في مضمون مداخلتك وهو ما تفضلت به معلّقاً على بعض مقالاتي السابقة ولقد أجبت على مداخلات كهذه من قبل! فإن كان التكرار عندك من البلاغة فالأمر مختلف عندي. والدليل على ذلك: قولك (الأمثلة التالية من تعليقاته تجعلني أسأل الحوار المتمدن [مجدداً] إعادة النظر بشأن هذا الكاتب وتأثيره على سمعة الموقع) فكيف تدّعي بالعلمانية وفي ذهنك محاولة لإلغاء الآخر- المختلف؟ ألمْ تقرأ في صدارة الموقع: “من أجل مجتمع مدني علماني ديمقراطي حديث يضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع”؟
6.الأخ الكاتب س . السندي: شكراً على هذه المداخلة لقد كانت في وقتها ومحلّها ويسرّني أنْ أبادلك أطيب التحيّات
7. السيد الفاضل طلعت خيري- هذا قولك وليس قولي:
(هل تعلم على من نزلت هذه الايات على امثالك عندما كنت تسطر الايات وتقول انا اكتب مثل ما يكتب محمد او مثل ما يقول القران)
8. الأخ الكاتب فيصل البيطار: صدقت وأحسنت، شكراً على الثناء وعفواً إذ لا شكر على واجب
9. الأخ الفاضل العراقي: قوله “اضربوهنّ” في سورة النساء: 34 كان كارثة إنسانيّة في حق المرأة خصوصاً وحقوق الإنسان عموماً ولا تزال. سآتي على ذكرها في معرض قراءتي سورة النساء
10. الأخ السيد AL: شكراً لك على هذا التوضيح وعلى موقفك النبيل بقولك الكريم: {انا لا أدافع عن الاسلام طالما يكفر غير المسلمين} فلقد أحسنت. أمّا الدليل على نبوّة موسى وألوهيّة السيد المسيح فموجودة في الكتاب المقدس، لك أن تقرأه على صفحات الإنترنت إن أحببت.

About رياض الحبَيب

رياض الحبيّب من مواليد العراق قبل الميلاد تخصص علمي حقوق الإنسان، المرأة، الطبقة العاملة اللغة العربيّة، أدب عالمي، ثيولوجيا أدب، موسيقى، شطرنج نقد الأفكار لا الأسماء، ضدّ الظلم والفقر أوّل مُعارض للمعلّقات العشر المزيد من السِّيرة في محور الأدب والفن- الحوار المتمدن
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.