نادين البدير: القابض على دينه

الراي

قبل أيام كتبت أسطراً عنونتها بالتالي « اللهم إني ليبرالية صائمة» تألمت ضمنه لزمن القطيع الذي نعيشه عربياً. لكن الوصف لم يعجب البعض الذي توقف عند كلمة (قطيع ) بغضب. ولم يكمل المقال، كان واضحا من ردوده أنه لم يكمل المقال. والبعض الآخر لم يقرأ المقال كعادته، بل اكتفى بقراءة الغير له، متبعاً بذلك تقليدا عربيا شهيرا في الحصول على المعرفة بالاعتماد على النقل وحدثني فلان ونبأني فلان. أما البعض فلم يجد إلا نقد أدوات الربط بالمقال، فوقف يدافع عن الفاصلة والنقطة. ليس مسموحاً له الخوض بأكثر من حديث عن الفاصلة والنقطة.

لا أشرح نفسي مرتين. ولا أريد إهدار الوقت بتفسير قصدي كل مرة. لكني سألخص رأيي سريعاً.

أراه عضوا في القطيع ذلك الذي يفكر بعقل الجمهور (وهل للجمهور عقل واحد؟). يقف أمام الأحداث والأشخاص مصدوماً بلا موقف، يهرع لتقليب المحطات وأرقام الهواتف بحثا عن رأي يرشده أو ينقذه. يجده أخيراً بيد الداعية الشهير، ثم يسير يردده وقد يدافع عنه حد الموت، أما في داخله فيعلم تماماً أنه تابع غير مستقل أوكل مهمة التمييز والتفكير لأناس آخرين.

كيف صار للجمهور عقل واحد؟

لا تصدقوا أن في توحد الرأي دلالات لوحدة عربية فليس مثلنا أعداء لبعضنا. وقدموا كل شرح، لكني لن أصدق أن ذلك التوحد يتم عن وعي أو ينم عن وعي.

أراه أيضا عضواً في القطيع ذلك الذي لا يقرأ أو يخشى القراءة خوفاً على عقيدته من أن يصيبها الضعف. وتصنفه الطبيعة عضواً في القطيع ذلك المعلق بين السماء والأرض، الذي يصدق أي شيء. إنسان نسي أن في داخل رأسه مكانا للنقد أو الشك وقدرة على التمييز.

الذي لا يشك جزء مهم من القطيع.

رفضوا استشهادي بآيات التدبر والتفكير. ألم أقل لكم أني ليبرالية صائمة؟ لكنهم لا يمنحوا الحرية الحق في الصوم. لا يصدقوا أن ليبرالياً له علاقة مع الروح. الإيمان بتفكيرهم الأوحد مناقض للحرية. الإيمان لديهم منحصر في عبودية الوعاظ وأوراق المفسرين.

وأنا لا أزعم أن الكون أوكلني مهمة تصنيف البشر لكني أزعم أن اتصالي أقوى من اتصالهم مع الكون والسماء. لأني اتصل مع الله مباشرة من خلال القرآن فيما يتصلون به من خلال فلان وفلان وبن فلان.

ولا أزعم أني أتكبر على المجتمع، لكن ولائي له يجبرني على ممارسة الصدمات معه حتى يستفيق. لأن الثائرين مع الأسف لم يوقظوه، فقد قلبوا كراسي الحكم دون أن يقلبوا الفكر المجتمعي الذي أنتج أنظمة الحكم (ابنة المكان).

ما الفارق بيننا وبين الكائنات الحية الأخرى؟ الوعي هو الفارق. فإذا انعدم الوعي أو تنازل الإنسان عنه طوعاً يكون القطيع هو الوصف الأدق للحالة. فاغضبوا أو اصرخوا لكن آمل أن يكون تفكيركم بكلمة وعي أكثر من غضبكم وانشغالكم بكلمة قطيع. وكونوا كالقابض على دينه في زمن الارتداد والفوضى والتحولات.

About نادين البدير

كاتبة صحفية سعودية , قناة الحرة
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.