موزارت‎

ولد موزارت عام 1756 في مدينة سالزبورغ النمساويه في وادي تحيط به الجبال , وحالما تشرق الشمس كانت المدينة تمتليء بالأصوات , أجراس الكنائس ومطارق الحدادين وعجلات العربات وصفارات الشرطه .. تشارك كل هذه الأصوات على خلفية من أصوات الأغنام والماعز والطيور .

خلال أمسيات الشتاء كان موزارت الطفل يفضل اللعب مع أصدقائه وجروه الصغير , غير أن أخته ( نانرل ) كانت تفضل التمرين على عزف البيانو . ذات يوم سألته إن كان يحب مشاركتها , فقام وجلس بجانبها وأعاد كل مقطع عزفته دون خطأ , وأفضل مما عزفت هي .

كان طفلاً موهبا ً في الموسيقى الى الحد الذي تمت فيه دعوته وهو في السابعة من العمر ليعزف أمام الإمبراطور النمساوي نفسه , عندها طرق الصغير باب قصر الإمبراطور الذي أمر أن يعزف موزارت دون نوتة .. بل وحتى دون النظر الى مفاتيح البيانو الذي أمامه , ولكي يكون الإمبراطور متأكداً من أن الصغير لا يختلس النظر الى المفاتيح أمامه فقد تم وضع مفرش فوق البيانو بحيث يغطي طرفه يد موزارت ومفاتيح البيانو … لكن الصغير عزف ببراعة جعلت الإمبراطور يصفق له ثم يمنحه ساعة ذهبيه مكافأة له على عزفه .

لشدة فرح والد موزارت بموهبة ولده الصغير أخذه لزيارة فرنسا وحين وصلا الى قصر فرساي أثناء إحتفالات الكريسماس كان ملك فرنسا كريماً حيث طلب من موزارت الصغير أن يكون ضيفه ولكن بشرط أن يعزف له بعد العشاء .

بعد العشاء أجاد موزارت العزف الى الحد الذي جعل الملك يصفق له ويقول : لقد أجدت الإحتفال بالكريسماس يا موزارت .. لك طول العمر يا موزارت .

بقي فترة في فرنسا ومن هناك كانت الرحلة التاليه الى إنكلترا .. حيث إستمعت له ( الملكه شارلوت ) وكانت ذات صوت جميل في الغناء فطلبت منه مصاحبة غنائها بعزفه على البيانو .. عند نهاية الأغنيه كانت الملكه سعيده الى الحد الذي جعلها تطبع قبلة كبيرة على خد هذا الطفل الموهوب الذي لم ينس تلك القبله الى نهاية حياته .

ومن إنكلترا سافر موزارت الى إيطاليا وعند وصوله الى ال ( سيستين تشابل ) في روما حيث المقر الرسمي للبابا كان المكان رائعاً بعمرانيته وباللوحات المرسومه على الجدران والسقوف وزجاج النوافذ , والموسيقى الكنسيه تصدح من كل مكان الى الحد الذي جعل موزارت يقرر منذ تلك اللحظه أن يؤلف الموسيقى الكنسيه ذات يوم من حياته .

حين أصبح عمر موزارت 17 عام قرر بأن الوقت قد حان للعوده الى سالزبورغ … عندها شاهد جمال مدينته من جديد .. وعند إستقراره فيها بدأ يتأمل في مشاهداته في سفراته والأحداث والشخصيات التي إلتقى بها ويصور كل ذلك من خلال المعزوفات التي بدأ يؤلفها .

ألف موزارت الموسيقى لمجاميع صغيره من العازفين , وهذا النوع من الموسيقى يسمى ب ( موسيقى الحجره ) لأنها تعزف في غرفه وليس في قاعة كبيره , أما الآلات الموسيقيه المستخدمه فلو أنها تحولت الى أشخاص فإن الموسيقى الناتجة عنها ستكون مثل حديث بين هؤلاء الأشخاص .. في بعض الأحيان يتحدث البيانو وحده كما في معزوفه ( المسيره التركيه ) .

وفي بعض الأحيان يتجادل البيانو مع الكمان والتشيللو .. ببساطه عندما تكون في المعزوفه آلتان فهي معزوفه ( دويتو ) أما اذا كانوا 3 آلات فالمعزوفه هي ( تريو ) وحين تكون 4 آلات تعزف معاً فهي ( كوارتيت ) أما 5 آلات فتعني أن المعزوفه هي ( كوانتيت ) .. وهكذا …

كذلك ألف موزارت الموسيقى لمجاميع كبيره من الآلات يصل عددها أحياناً الى 40 آله وهذه المؤلفات تسمى واحدتها أما ( سمفونيه ) او ( كونشيرت ) .

في السمفونيه تشترك جميع أنواع الآلات : آلات النفخ , آلات النحاس , السلاسل , وآلات القرع , كما في سمفونية جوبيتر .

بينما في الكونشيرت تشترك آله واحده منفرده ( صولو ) بالحوار مع الأوركسترا كما في كونشيرت الناي مع الأوركسترا .

كان موزارت مغرماً بالأوبرا , وما كان يدهشه فيها هو الأزياء والغناء المصاحب للموسيقى فيها فهي إن صح التعبير ( عرض مسرحي مموسق ) ترجم فيها موزارت مشاعر الحب والغضب والمرح والحزن الى ألحان , على سبيل المثال في أوبرا ( الناي المسحور ) التي كانت آخر أوبرا ألفها موزارت , نستطيع أن نستمع الى ( ملكة أغنية الليل ) وهي تصرخ بغضب حقيقي .

في سن 26 تزوج موزارت من خطيبته ( كونستانز) ولهذا بدأ موزارت بتأليف ( القداس ) للإحتفال بزواجهما . والقداس هو تراتيل تتردد لتمجيد الخالق .

حقيقة , في القرن الثامن عشر وقبل إكتشاف البنسلين وبقية الأدويه المضاده كانت الحياة صعبة للغايه لأن أمراضاً تعد بسيطة في وقتنا الحالي كانت قابله لأن تفتك بالبشر في ذلك الوقت . حياة موزارت الصحيه وطيلة حياته كانت صعبة للغايه , فقد عانى من الأمراض التاليه : الجدري , إلتهاب اللوزتين المزمن , إلتهاب الشعب الهوائيه , الإلتهاب الرئوي الحاد , التيفوئيد , الروماتيزم وأمراض اللثه . أما مرضه الذي مات به فقد أصيب به عندما كان في زياره الى براغ للإشراف على تدريبات ( كونشيرت الكلارنيت ) قبل تقديمه هناك .

وعند عودته الى فيينا ساءت حالته كثيراً , وربما أدرك أن الموت مقبل عليه ولهذا سارع في تأليف ( قداس الموت ) موته هو .. فقد لازم فراشه منذ 20 تشرين الثاني 1791 وكان متورماً ويتقيأ ويشعر بآلام شديده حتى ظن بعض أصدقائه أنه ربما تعرض الى التسميم من قبل أحد حسّاد نجاحه الكبير.. وعلى هذا الحال بقي واعياً حتى آخر ساعتين قبل موته .. وأخيراً مات يوم 5 كانون الأول عام 1791 وهو بعمر 35 سنه حيث ترك لنا آخر ألحانه .. قداس الموت , مدوناً على دفتر نوتته الموسيقيه عبارة : وأنا أكتب قداس الموت هذا .. أخشى أني أكتب به قداس موتي .ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.