من مذكراتي في كندا – الحلقة 17

صلاح الدين محسن

1- منذ ما بين 12 : 15 سنة مضت . كنت في مصر. و قدم – البرنامج التليفزيوني ” صباح الخير يا مصر ” رجلا مصريا في الثلاثينيات من عمره . حدث المشاهدين عن اختراع جديد له . يوفر كثيرا من استهلاك المياه المستخدمة في الحمامات – للصرف الصحي –
منذ أسبوع فقط . تعطل سيفون دورة المياه . بشقتي السكنية بمونتريال ( السيفون يعمل بالطريقة العادية التي عهدتها بمصر قبل مغادرتها , والتي لا توفر في المياه , وهو نفسه المتوفر بالبيوت وبالمطاعم وقاعات السينما , التي سبق لي ارتيادها . هنا بمونتريال ) . أبلغت المكتب , عن العطل . فحضر فني و فحص . ثم جاء آخر .. وأخيرا تقرر تغيير قاعدة التواليت والسيفون . بأكملها . بأخري جديدة ..
واكتشفت ان الجديد .. يعمل بالطريقة التي شاهدت المخترع المصري يتكلم عنها , بتليفزيون مصر . منذ ما بين 12 : 15 عاما ..! ويوفر حوالي 70 بالمائة من استهلاك المياه .
!!!
شعب مصر يعاني الآن من نقص حاد في المياه …. فتري : هل تم ادخال النظام الجديد الذي يوفر هذه النسبة الكبيرة من استهلاك المياه – المبذولة في هذا الغرض – والذي شاهدت المخترع المصري يتحدث عنه في تليفزيون مصر , منذ سنوات كثيرة .. ومن قبل ان اراه عمليا , في مونتريال – كندا – للمرة الأولي . منذ أيام قليلة فقط ؟!

2 – مدينة ” ميت غمر” عام 1959 – 1960 , و مدينة مونتريال عام 2012 :
أسكن الآن بمونتريال . أمام حديقة عامة واسعة و عالية الأشجار . أمارس رياضة المشي حول تلك الحديقة في نهاية كل يوم . في الصيف . أما في الشتاء فتكون مكسوة بالثلج . الذي يمارس الأطفال فوقه رياضة التزلج ..
لشقتي بلكونة جميلة . علي ناصية . عندما أجلس فيها صباحا أو مساءا. كأنني علي بلاج البحر . حيث ياتي الهواء العليل والنسيم البليل . اما .. ولكن ان كان الجو ساكنا . تاتي بعض الحشرات – الهاموش – او البرغش . ولها قرصة تشبه قرص الناموس في مصر . الذي طالما اصابني في صغري بحمي الملاريا . وقتما عشت بالقرية ..
ذكرتني قرصات البرغش و شجر الحديقة . بطفولتي في مدينة مصرية جميلة للغاية ” ميت غمر ” التابعة لمحافظة الدقهلية – المنصورة – .
عشت في مدينة ميت غمر . حوالي عامين من عمري – من سن 10 الي سن 12 سنة . تقريبا – 1958 : 1960 – وحوالي 8 سنوات باحدي قراها . تركتها في عمر 16 سنة – .
ميت غمر . تقع علي النيل – الرئيسي – كورنيش النيل بتلك المدينة . عهدته نظيفا للغاية . أشجار مقصوصة , في أشكال هندسية . دوائر , ومثلثات , ومربعات , ومستطيلات ..

ويتميز الحال في ميت غمر عام 1958 : 1960 . عما هو في مونتريال عام 2012 … بأنه في كل مساء قبيل غروب الشمس , كانت سيارة بلدية مدينة ” ميت غمر” منذ خمسين عاما .. تمر علي أشجارالكوريش . وترسل وسط اغصانها وأوراقها دخانا رماديا . عبارة عن مبيد حشري , ذي رائحة مقبولة .. للقضاء علي الحشرات ..
الغريب انني عندما انتقلت للعيش بالعاصمة القاهرة نفسها . لا اتذكر انني رأيت هذا النظام الذي عايشته بمدينة ” ميت غمر ” ..
وحتي الآن , منذ جئت لكندا عام 2004 . لم أشاهد في مونتريال . سيارة ترش أشجار الحديقة أو الاشجار بالشوارع بما يطهرها من الحشرات – وان كانت الحشرات غير موجودة كما هو الحال بمصر وبباقي الدول الحارة المناخ – ..
والغريب أيضا , ان المبيد الحشري زمان في الخمسينيات , الذي عهدته حتي في القرية المصرية – التابعة لمدينة ” ميت غمر ” – . كان معطرا – مقبولا – .. وسريع المفعول أيضا .. و منذ انتقلت للقاهرة عام 1964 وحتي بعدما وصلت لكندا 2004 . وللآن ..لم أعهد المبيد الحشري المعطر , بل السائد المنفر , ذو الرائحة الخانقة !

أشياءُ تغيرت عما كانت عليه من قبل , لا أدري لماذا ؟
أعرف ان اشياءّ كثيرة قد تغيرت في مصر كلها . واشياءّ جميلة قد اختفت من حياة المصريين ومن تقاليدهم . فانتشار الزبالة في كافة شوارع مدن الدولة كلها , لم يعرفه المصريون الا في زمن انتشار الحجاب والنقاب , واللحية , وانتشار علامات الصلاة المطبوعة فوق الجباه والمشكوك تماما في طبيعيتها ..
( يبدو أن ظهور الزبالة – وخراب الزمم و وغير ذلك – مرتبط بظهور أشياء أخري . وان اختفاء الزبالة من شوارع مصر . مرهون باختفاء نفس الاشياء ..! ) .

و تري : هل لا تزال ” ميت غمر ” مدينة جميلة مثلما كانت قديما , وهل لا يزال الكورنيش نظيفا , وأشجاره تشذب بهندسة رائعة , وترش عند قدوم كل مساء . لتطهيرها من الحشرات . بمبيد مقبول الرائحة ؟ وحدائقها العامة المطلة علي النيل , هل لا تزال تحفل بأشكال من الورود والازهار المنسقة أروع تنسيق ؟
أتمني ذلك .. فقد تفتحت أذناي في عمر الصبا . علي أجمل اغاني عبد الحليم حافظ . في أغنية : بحلم بيك – , وشادية – في أغنية : خطابك كتير وقالولي – , وعبد الوهاب – في أغنية : حبيبي ليه قاسي ليه يا خي – ..
فسلام من نسيم كورنيش نهر ” سان لوران ” ( مونتريال ) .. لكورنيش النيل بمدينة ميت غمر .
***********

About صلاح الدين محسن

صلاح الدين محسن كاتب مصري - كندي . من مواليد القاهرة عام 1948 عضو"اتحاد كتاب مصر" . عضو " جماعة الفنانين التشكيليين والكتاب " بالقاهرة عضو اتحاد كتاب كندا - تورنتو - PEN CANADA عضو " جمعيةالكتاب المغتربين " بكندا - تورنتو- التابعةلاتحاد كتاب كندا PEN CANADA. له عدد من المؤلفات في عدة مجالات - 16 كتاب . طبع بالقاهرة حتي عام 2000 تنشر مقالاته بأكثر من موقع الكتروني سجن بمصر 3 سنوات من 2000 : 2003 عن كتابيه " لا أحب البيعة " و "ارتعاشات تنويرية ".. لمطالبته بالديموقراطية وتداول السلطة بالكتاب الأول ، ولدعوته لعهد جديد من التنوير الفكري بحقيقة العقيدة البدوية والتاريخ العرباوي : بكتاب ارتعاشات تنويرية
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.