من ذكريات عيد البشارة في الناصرة / نبيل عودة

*علي سلام رئيس بلدية الناصرة أعلن في آذار 2015 عن عيد البشارة عيدا رسميا في الناصرة
* كانت تعقد دبكة يشارك بها المئات في ساحة كنيسة البشارة، في وسط الحلقة سيافان من عائلة مزاوي النصراوية العريقة يرقصان بشكل فني بالسيوف
* كانت تلك أيام الحكم العسكري الذي فُرض اساسا على المناطق العربية، تلك كانت أيام عصيبة قاسية
* كان الاحتفال الديني يتحول الى مظاهرة سياسية ضد الحكم العسكري .. يطلق المتظاهرون اغاثة للعذراء:
يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح

******
احتفلت الناصرة يوم الاثنين (9 – 4 – 2018) بعيد البشارة ، حيث أقيمت مسيرة البشارة بمشاركة الكهنة والاف من الجمهور النصراوي من كل الطوائف.
الناصرة مدينة المسيح كما تعرف، يععبر هذا العيد عيدها الخاص الذي تحتفل به بدون مشاركة العالم المسيحي، إنما بمشاركة مسيحييها ومسلميها، انه عيد البشارة، “عيد الناصرة” كما يسمى… حين بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم انها ستلد ابن الله يسوع المسيح. وكان السيد علي سلام رئيس بلدية الناصرة قد اعلن في آذار 2015 عن عيد البشارة عيدا رسميا في الناصرة، مما عمق القيمة الإنسانية والنصراوية الرائعة لهذا اليوم المميز.
يجري الاحتفال البارز في مختلف كنائس الناصرة، وما اتذكره جيدا هو الاحتفال الذي يجري في كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس – قرب العين، حيث يحضر البطريرك الأورتوذكسي من القدس، عادة بعد الصلوات الرسمية يقام احتفال في ساحة الكنيسة الرحبة يحضره كل مواطني الناصرة من كل الطوائف، هذه هي ابرز قيم ذلك العيد وأعياد الناصرة التي لم تعرف التفرقة بين مسيحي ومسلم. أصلا من كان ينتبه إلى كون ذلك الشخص مسيحيا او مسلما؟ لاتينيا او كاثوليكيا او اورتوذكسيا؟ كنا أبناء وطن واحد منكوب ـ أعيادنا واحدة، فرحنا واحد وألمنا واحد .. وأحلامنا واحدة !!


كانت تعقد دبكة يشارك بها المئات في ساحة كنيسة البشارة، في وسط الحلقة سيافان من عائلة مزاوي النصراوية العريقة يرقصان بشكل فني بالسيوف .. وتتوارد قناني العرق خاصة من طيب الذكر اسعد كردوش (ابو اسحق). تفتح القناني ويخلط بعضها بالماء لتدور على الجميع، الجميع يشرب، واعني المسلمين والمسيحيين… والسحجة تصبح أكثر حماسية، السيافان يبدعان ب “القتال” الراقص .. والعرق يتدفق من كل النواحي .. ثم تبدا المسيرة من ساحة الكنيسة الى دير المطران (كنيسة القلاية) يتقدمها كشاف الروم الذي يضم شبابا مسيحيين ومسلمين يسيرون أمام موكب المطران وضيفه البطريرك إلي دير الروم في مدخل سوق الروم، المسيرة التي بدأت كاحتفال ديني تتحول بدون مقدمات الى تظاهرة سياسية يطرح فيها المحتفلين هموم حياتهم ويعبرون عن غضبهم من الظلم والتمييز العنصري بأبشع صوره في تلك الأيام .. وخاصة القيود العسكرية التي تمنع التجول في وطننا بدون تصريح عسكري.
كانت تلك أيام الحكم العسكري الذي فُرض اساسا على المناطق العربية، تلك كانت أيام عصيبة قاسية، الحكم العسكري تصرف مع العرب بصلافة واستبداد، لا يختلف عما يواجهه اليوم أبناء شعبنا في المناطق الفلسطينية المحتلة. لقمة الخبز كانت تحت قيودهم التعسفية، الوظائف لا تمنح الا لمن “مرضي عليهم”، المعلمون الوطنيون يطردون من جهاز التعليم، التصاريح تمنح بقيود وأحيانا برفض دون تبيان الأسباب. ببساطة يمنعون ابناء شعبنا من الوصول لاماكن العمل في المناطق اليهودية (حيث ان البلدات العربية تفتقد لفرص العمل) حتى لو كانت تبعد 10 كيلومترات.
كان الاحتفال الديني الذي ينتهي بمسيرة الطبول والصلوات حتى ايصال البطرك والمطران الى كنيسة القلاية سرعان كما يتحول الى مظاهرة سياسية ضد الحكم العسكري. اذ تبدأ الهتافات ضد الحكم العسكري .. وتنطلق الأهازيج الوطنية ويطلق المتظاهرون اغاثة للعذراء مريم سيدة البشارة:
يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح
ستي يا عدرا نجينا من الحكم العسكري خلصينا
يا عدرا احمينا احمينا احنا ليكي التجينا ( أي التجأنا)
يا عدرا يا ام القدرة زتي العسكر لبرا
هذه بعض الأبيات التي أتذكرها. سالت كبار السن لعلهم يتذكرون، لكني لم اجد اكثر مما اعرف. وكانت مناسبة جمعتني مع السيدة نائلة عزام – لبس التي تهتم بالتراث الغنائي الفلسطيني ولها عدة اصدارات رائعة، سألتها ان كانت تعرف اغاني تلك المناسبة، بعد ايام فاجأتني بهذه المقاطع :
اول ما نبدا ونقول بالصلاة على البتول
يا شباب دادي دادي هاي العدرا بتنادي
يا عدرا احمينا احمينا واحنا ليكي التجينا
يا عدرا عليكي السلام وبعيدك يحلى الكلام
احمينا يا عدرا احمينا للزفة احنا جينا
يا عدرا يا ام المسيح شوفي شعبك عم بصيح
انت بنت بلادنا ابدا ما بتهملينا
بشوارعنا مشى المسيح وعلمنا الدين الصحيح
يا عدرا ليكي ليكي واحنا التجينا ليكي
يا عدرا يا ام النور ام الشامة والبخور
العدرا ام البشرية شفيعة المسيحية
الك يا عدرا السلام وبعيدك يحلى الكلام
مريم ام الطهارة مريم ام النصارى
الك برفع ايديي يا عدرا الناصرية
اسلام ومسيحية الكل بقول احمينا
طبعا هناك ابيات اخرى آمل ان تكتمل!!
بعد ان تفرغ قناني العرق، التي لا تخلو منها السحجة والتي لها حصتها في الغزل مثل:
“اللذة مش من اول كاس اللذة بقاع القنينة”
وغيرها من أغاني الغزل بالعرق يبقى الهم الوطني…
ما بقي ان أذكره ان الشرطة لا بد ان تعتقل مساء بعض المتظاهرين الذين بحت اصواتهم وهم يهتفون ضد الحكم العسكري ويناشدون ام المسيح ان ترفع عنهم التصاريح!!
nabiloudeh@gmail.com

About نبيل عودة

نبذة عن سيرة الكاتب نبيل عودة نبيل عودة - ولدت في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947. درست سنتين هندسة ميكانيكيات ، ثم انتقلت لدرسة الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو . أكتب وأنشر القصص منذ عام1962. عانيت من حرماني من الحصول على عمل وظيفي في التعليم مثلا، في فترة سيطرة الحكم العسكري الاسرائيلي على المجتمع العربي في اسرائيل. اضطررت للعمل في مهنة الحدادة ( الصناعات المعدنية الثقيلة) 35 سنة ، منها 30 سنة كمدير عمل ومديرا للإنتاج...وواصلت الكتابة الأدبية والفكرية، ثم النقد الأدبي والمقالة السياسية. تركت عملي اثر إصابة عمل مطلع العام 2000 ..حيث عملت نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الاهالي "مع الشاعر، المفكر والاعلامي البارز سالم جبران (من شعراء المقاومة). وكانت تجربة صحفية مثيرة وثرية بكل المقاييس ، بالنسبة لي كانت جامعتي الاعلامية الهامة التي اثرتني فكريا وثقافيا واعلاميا واثرت لغتي الصحفية وقدراتي التعبيرية واللغوية . شاركت سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين اول 2010 استلمت رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية، أحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست". منشوراتي : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية) كتاب الكتروني في الانترنت ومئات كثيرة من الأعمال القصصية والمقالات والنقد التي لم تجمع بكتب بعد ، لأسباب تتعلق اساسا بغياب دار للنشر، تأخذ على عاتقها الطباعة والتوزيع.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.