من الكيماوي حتى اضطهاد المسيحيين:”دير شبيغل” تسقط الأساطير المؤسسة لإعلام العصابة

في أعقاب مذبحة الغوطة الكيماوية، دشن نظام حملة علاقات عامة، تخطت الحدود المعروفة لأي حملة “بروباغندا”zw
وكالة الأنباء الرسمية للفاتيكان، أعطت “ختم المصداقية” لععد من أكاذيب النظام، بوصفها قصصا لا تقبل الشك.
كلام بشار يبدو وكأنه ذباب في مواجهة تقرير محققي الأمم المتحدة
”بن جدو” برر أكذوبة جهاد النكاح بأنها كانت لصد التونسيين عن الجهاد في سوريا
النظام حبك قصة معلولا، ووكالة “أسوشيتد برس” تبنتها، رغم تناقضها مع الشهادات
ليس إعلام نظام، ولا يمكن أن يكون بالطبع إعلام دولة، هذا الإعلام الحافل بكم هائل من الأساطير المؤسسة على الدجل والتلفيق، والمسنودة بشبكة من الصحف والمواقع المستعدة لتقلف الأكاذيب وضخها في صورة حقائق.
إنه إعلام العصابة، وهو هذه المرة ليس في مواجهة إعلام معارض أو مساند للمعارضة، بل في مواجهة دورية من أثقل مجلات ألمانيا والعالم “وزنا” في الوسط الصحفي.. فلنتابع كيف أسقطت “دير شبيجل” أكاذيب الأسد واحدة تلو الأخرى وبضربات قاضية.
أول ما يلفت النظر في تقرير “دير شبيجل” هذا الحكم القطعي الذي صدّرت به تقريرها، والذي يقول إن نظام بشار الأسد يشن حملة علاقات عامة لنشر القصص الهادفة لتشويه سمعة مناوئيه وتحويل الأنظار عن جرائمه، بمساعدة من شبكات الإثارة الفارغة ووسائل إعلام أجنبية، ومن ضمن ذلك حكايات عن انخراط الثوار في “جهاد النكاح”، وذبح المسيحيين.
ومثل هذا الحكم لا يمكن لمجلة عريقة أن تضعه في مقدمة تقرير لها وبالخط العريض، ما لم تكن واثقة مما تقول، وتملك الأدلة على ما تدعي، وهو ما سيتضح في سياق التقرير الذي تولت “زمان الوصل” ترجمته حصريا.
فاق كل الطواغيت
تبدأ المجلة بأكثر أكاذيب إعلام بشار إثارة، وهي أكذوبة “جهاد النكاح”، مذكرة بالشرارة التي أطلقت هذه الفرية، وإلى أي حدود وصل التمادي فيها، مع عرض طفلة لاتتجاوز 16 عاما على الشاشة لتدلي باعترافات مضحكة وصادمة في نفس الوقت.

وتذكر “دير شبيجل” أن الصحافة الألمانية كانت من بين من وقعوا في فخ الكذبة، حين عرضتها في عناوينها، ولم يقف الأمر عند حد تداولها في المواقع، بل إن صحيفة “بيلد نيوز” ومجلة “فوكس” تبرعتا بنشر مقالات تتحدث عن هذه “الممارسة الغريبة”.

وتضيف “دير شبيجل”: في أعقاب مذبحة الغاز السام يوم 21 أغسطس/آب، دشن نظام حملة علاقات عامة، تخطت الحدود المعروفة لأي حملة “بروباغندا”، وقد نظمت الحملة بشكل متقن في محاولة لزرع الشك والارتباك وتحويل الانتباه بعيدا عن جرائم النظام، وإلصاق تهم الفساد والهمجية بالمناوئين.
وتعترف المجلة الألمانية أنه لم يسبق لأي طاغوت عربي أن فاق بشار في كثافة الدعاية السوداء، لاصدام ولا حتى القذافي، فبشار يمتلك فرق علاقات العامة ووسائل إعلام موكلة بالمحافظة على استدامة ضخ الأخبار الملفقة جزئيا أو كليا، ومنها مثلا الأخبار الخاصة بترهيب المسيحيين، وتمدد تنظيم القاعدة بشكل يهدد استقرار المنطقة بأسرها، حيث تعمم هذه القصص من قبل وسائل إعلام روسية وإيرانية، وحتى شبكات مسيحية، قبل أن يتم التقاطها في نهاية المطاف من قبل وسائل الإعلام الغربية.
وتعود “دير شبيجل” لتفنيد قصة الطفلة “روان قداح”، وبيان أن اعتقالها وإجبارها على ما أدلت به، إنما جاء للضغط على والدها المناوئ لنظام بشار، في حين أقرت إحدى التونسيات التي تم إلصاق التهمة بها، أن الأمر كله “أكاذيب”، دون أن تنفي ذهابها إلى سوريا، ولكن بصفة ممرضة، قبل أن تتزوج وتفر إلى الأردن.
وتبين “دير شبيجل” أن اثنتين من منظمات حقوق الإنسان حاولتا إثبات قصص “جهاد النكاح”، لكنهما رجعتا خاليتا الوفاض ولم تعثرا على دليل يمكن الاعتداد به، وأن وزير الداخلية التونسي “بن جدو” الذي تولى تضخيم الأكذوبة، عاد مرة أخرى ليبرر دوافع إطلاقها بأنها كانت بهدف صد التونسيين عن السفر للجهاد في سوريا، من خلال تشويه سمعة مئات الشباب التونسي الذين التحقوا للقتال في صفوف ثوار سوريا!
ختم فاتيكاني
وتقر “دير شبيجل” أن من الصعب، وفي بعض الأحيان من المستحيل، التحقق من جميع قصص الرعب المنبثقة عن الحرب في سوريا، خصوصا عندما يتم نشر تلك القصص بطريقة ملتوية، كما هو الحال مع معظم التقارير التي تتحدث عن اضطهاد المسيحيين.

وتضيف: على سبيل المثال، يوم 26 سبتمبر/أيلول، نشرت وكالة الأنباء الكاثوليكية الألمانية (KNA) تقريرا نقلته عن وكالة أنباء الفاتيكان- فيدس، قالت فيها إن علماء مسلمين في دوما، دعوا لمصادرة أملاك غير المسلمين، وادعت “فيدس” في خبرها أن لديها نسخة من الوثيقة التي وقعها 36 عالم دين مسلم، ليتضح فيما بعد أن التواقيع الصحيحة ألصقت على وثيقة مزورة، وتم قصها من وثيقة صحيحة تعود إلى بداية الثورة في 2011، تحرم القتل وتجرم استخدام العنف ضد المدنيين!.
ونوهت “دير شبيجل” أن وكالة أنباء الفاتيكان وفي عدد من المرات، تعاملت مع افتراءات الدعاية الأسدية كأنها حقائق ونشرتها على هذا الأساس، مستندة إلى مجموعة من المواقع الملحقة بالنظام، مثل موقع “سوريا الحقيقة”.
وتمضي المجلة الألمانية في تفنيد أباطيل إعلام العصابة، ومن ضمنها “أسطورة قطع رأس المطران”، وهي قصة رددها بشار الأسد نفسه في مقابلة مع “دير شبيغل”، وحقيقة الأمر هي أن جهاديين من داغستان قتلوا ثلاثة رجال بقطع رؤوسهم، وهؤلاء الذين تم قتلهم ليسوا مسيحيين!.. إذن فالشريط الذي قيل إنه يظهر قطع رأس مطران في سوريا، لم يكن في سوريا أصلا، وضحاياه لم يكونوا مسيحيين مطلقا، ولكن نشر مثل هذه القصة عبر وكالة الأنباء الرسمية للفاتيكان، أعطاها “ختم المصداقية”، وجعلها تنتشر وتعمم بوصفها قصة لا تقبل الشك.
ومن القصص المحرفة، القصة التي حيكت حول صورة امرأة مربوطة إلى عمود في حلب، والتي بثت أواسط سبتمبر/ أيلول، وتم الادعاء بأن المرأة تنتمي للديانة المسيحية وجرى اختطافها من قبل الثوار، أما الحقيقة فهي أن المقطع يعود إلى الفترة التي كانت قوات بشار تسيطر على حلب بأكملها، كما تبين أن المقطع سبق نشره في 12 يونيو/حزيران 2012، على يوتيوب، وهو يظهر مليشيات موالية للنظام وهي تعذب المرأة.
تلفيق بشهادة عالمية
ومن أكاذيب النظام أيضا، ما روجه عن عن تدمير وتخريب بلدة معلولا المسيحية في أوائل سبتمبر/ أيلول، من قبل المتطرفين، والحقيقة أن ثلاث مجموعات من الثوار، ومن ضمنهم جبهة النصرة، هاجموا اثنين من النقاط العسكرية على مشارف البلدة يديرهما عناصر من الشبيحة، وأعقب هذا الهجوم انسحاب للثوار، لكن النظام، لم يفوت الفرصة، وحبك قصة خيالية تبنتها وكالة “أسوشيتد برس”، لتخرج على النحو التالي: “الإرهابيون الأجانب، نهبوا وأحرقوا الكنائس، بل وهددوا بقطع رؤوس المسيحيين الذين رفضوا اعتناق الإسلام”.

ونوهت “دير شبيجل” أن هذا التلفيق الذي أطلقه النظام وتبنته وكالة عالمية، لا يتطابق مع التقارير الواردة من الراهبات في دير مارتقلا بمعلولا، ولامع تصريحات بطريرك الروم الأرثوذكس في أنطاكية، الذين أكدوا عدم وقوع أضرار في كنائس معلولا وأديرتها، كما نفوا تعرض أي من السكان لتهديدات على أساس معتقدهم. وقد كشف مراسل من “روسيا اليوم” حقيقة الأحداث دون قصد منه، حيث كان يرافق جيش النظام، وقام بتصوير هجوم الدبابات التي قصفت مدافعها دير البلدة!
وتقول “دير شبيجل” إن تحول سوريا إلى مسرح للفوضى يوضح مدى القابلية للتلاعب بالأخبار وحرف مسارها، وإن معظم الخبار الواردة لا تتكلف الوسائل التي تنقلها مخاطر أو جهود التحقق منها على أرض الواقع.. بل إنها غالبا ما تقبل حتى التناقضات الصارخة دون سؤال، لاسيما أن توفر دليل ملموس يناقض الأكذوبة نادرا ما يكون متاحا!
واستعادت “دير شبيجل” حادثة ما قالت وسائل إعلام بشار حينها إنه اغتيال “محمد رمضان سعيد البوطي” عبر تفجير انتحاري، وقد نفت جميع فصائل الثوار أي علاقة لها بالحادث، وهذا من حيث المبدأ غير مهم كثيرا، ولكن المهم هو ما تراه العين الخبيرة في مسرح الحادث حيث لا تبدو أي علامات انفجار، فالثريات والمراوح والسجاد كلها سليمة، بينما آثار طلقات الرصاص واضحة على جدار الرخام، فضلا عن أن العديد من الضحايا كانوا ينتعلون أحذيتهم، في حين اعتاد المسلمون خلع نعالهم قبل الدخول إلى أي مسجد. وكل هذه معطيات تدعم الشكوك في أن الضحايا نقلوا إلى المسجد وقتلوا لوضعهم كخلفية لتفجير لم يحدث أبدا.
لافروف يبرئ بشار بشهادة موقع مغمور
أما بالنسبة للحال بعد مجزرة الغوطة التي نفذتها قوات بشار بالسلاح الكيماوي موقعة قرابة 1500 شهيد، فرأت “دير شبيجل” أن آلة الدعاية لدى بشار فشلت في التستر على الواقعة التي استدعت موجة عالمية من السخط، فقد كان النظام يبدو متعثرا وهو يحاول شرح الوضع بطريقته، ففي البداية قال بشار إن شيئا لم يحدث، ثم أظهر التلفزيون الرسمي صورا لما سماها مستودعات تابعة لمجموعات إرهابية، تحتوي مواد سامة حسب زعمه، وعلى أحد البراميل كتب بصورة فاقعة “صنع في السعودية”!، وكان تقرير التلفزيون يريد أن يقول هذا هو غاز السارين الذي وردته السعودية لـ”الإرهابيين” الذين قتلوا أنفسهم به!.
لكن هذه القصة على سخافتها أطلقت من أحد المواقع واسمه “منت برس”، وهو موقع مغمور ومقره “مينيسوتا” بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد نفى أحد مؤلفي الأكذوبة في وقت لاحق وجود أي علاقة له بها، أما الآخر وهو شاب أردني يكتب تحت عدد من الأسماء المستعارة، فقال ردا على الاستفسارات إنه يدرس حاليا في إيران، مضيفا في نفس الوقت إن “بعض كبار السن من الرجال وصلوا دمشق من روسيا، وأحدهم صار صديقي وقال لي أن لديهم دليلا على الثوار هم الذين استخدموا الأسلحة الكيماوية”.. وبعد بضعة أيام، اقتبس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من تقرير “منت برس” الصحافة كدليل على براءة حليفه بشار الأسد، من هجوم الكيماوي!
أما مستشارة بشار “بثينة شعبان” فقدمت رواية مختلفة تماما على شاشة “سكاي نيوز”، حيث ادعت أن “الإرهابيين” اختطفوا 300 طفل علوي من اللاذقية، ونلقوهم إلى غوطة دمشق، ثم خنقوهم بالكيماوي ليصوروا أنفسهم على أنهم ضحايا.
وتتابع “دير شبيجل” التي أجرت مؤخرا مقابلة مع بشار: الآن يأتي خط الجديد من الجدال، لايعتمد لا على المواد الكيميائية ولا يقول بأن الثوار قتلوا أنفسهم، ففي مقابلته مع مجلتنا، يرى بشار الأسد أن السارين هو غاز شبيه بـ”غاز المطبخ ” لأنه ” يمكن أن يصنع في أي مكان”، ولكن هذا الكلام يبدو وكأنه ذباب في مواجهة تقرير محققي الأمم المتحدة، الذي ينص على أن الصواريخ التي حملت غاز السارين لا يمكن أن تكون قد أطلقت إلا من قاعدة عسكرية يديرها جيش النظام.
وتختم “دير شبيجل”: رغم أن بشار الأسد يحب التغطية على جرائمه عبر حملات إعلامية، فإنه يفضل في الواقع اللقاء مع الصحافة ليخبرها مباشرة القصة حسب تصوره، ومن ضمن هذا تقديم نظامه باعتباره حصنا ضد الإرهاب العالمي، مع إن عملاءه متورطون بهذا الإرهاب الذي ينسبه إلى مناوئيه، فعلى سبيل المثال، اتهمت السلطات في تركيا ولبنان استخبارات بشار بمسؤوليتها عن الهجمات الأكثر تدميرا في السنوات الأخيرة، بعد انفجار مفخختين في طرابلس قتلتا 47 شخصا يوم 23 أغسطس/ آب، فيما أصدرت محكمة لبنانية مذكرة اعتقال ضد اثنين من ضباط بشار، أحدهما رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، بتهمة التخطيط لأعمال إرهاب.
ترجمة: زمان الوصل – خاص

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.