مستنقع حرب اليمن

الحديث عن حرب اليمن ( 1962 _ 1970 ) حديث مُربك ومُحَير , ليس لأنه حديث عن موضوع غامض , ولكن لأنه يشبه حكايات ألف ليلة وليلة .. قصة في داخل قصة في داخل قصة .. الى ما لا نهاية , بحيث تحتار من أين تبدأ وأين تنتهي .

لكني أستمد الدعم والعزم من خطاب الرئيس الأمريكي المنتخب السيد باراك حسين أوباما الى الأمتين الإسلامية والعربية , والذي شخّص فيه موضوع إستعمالنا بالنيابة كمسلمين وعرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق غاياتها في الشرق الأوسط والعالم . 

الولايات المتحدة الأمريكية دخلت الى حرب اليمن من طرفيها المتقاتلين مستعملة العرب وقوداً لهذه المحرقة التي دامت ما يزيد على 8 سنوات من أجل أن تطرد البريطانيين من الجنوب العربي بسياسة الأرض المحروقة . و سندخل الى حرب اليمن من بابين مختلفين وهما : 

# ميناء عدن . 

# المملكة المتوكلية اليمنية .

ميناء عدن : وهو ميناء تكون من فوهتي بركان خامد ألقى حممه الى مياه بحر العرب في العصور القديمة فشكلت بذلك شبه جزيرتين : ( شبه جزيرة عدن ) و ( شبه جزيرة عدن الصغرى ) فأصبحت المنطقة المحصورة بينهما ميناءا طبيعيا ممتازا يصلح لرسو السفن ويبعد عن مضيق باب المندب مسافة 170 كيلومتر فقط , ويسكن عدن اليوم قرابة مليون إنسان . 

تروي الحكايات أن عدن قديمة ربما قدم الإنسان نفسه على هذه الأرض , ويُعتقد أن قابيل وهابيل مدفونان فيها . أما موقعها البحري على الطريق الواقع بين أوربا والهند فقد جعلها عرضة لمحاولات عديدة للسيطرة عليها من قبل قوى خارجية , ففي القرن الأول قبل الميلاد كانت مركزاً تجارياً لدول البحر الأحمر , أما في القرن الأول بعد الميلاد فكانت قد تحولت الى ميناء للسفن العابرة الى الهند . 

حين حكم ( الحميريون والسبأيون ) اليمن بنوا فيها القلاع والحصون في مأرب وحضرموت من أجل مراقبة الطريق البحري , وجباية الضرائب عن البضائع المتداولة , ومنع التهريب .

من أقدم المخطوطات الصينية التي ورد فيها إسم عدن : مخطوطة صينية تعود الى عام 1421 ميلادي , ذُكر فيها أن الإمبراطور الصيني كان قد أمر 3 سفن صينية بحمل الهدايا من جزيرة سومطرة الى سلطان عدن لتوثيق علاقات التجارة والنقل بين البلدين . 

في العام 1838 إضطر سلطان لحج ( محسن بن فضل ) وتحت ضغط هجوم القراصنة الى التخلي عن حماية عدن الى البريطانيين , ولهذا ففي يوم 19 كانون الثاني 1839 دخلت الى عدن ( القوات الملكية البحرية البريطانية ) بمعية ( شركة الهند الشرقية البريطانية ) لإحتلال المنطقة , والتصدي للقراصنة المهاجمين . وفي الحقيقة يُشك بالوجود الفعلي للقراصنة .. لكنها كانت محاولة بريطانية للسيطرة على عدن , خصوصا وأن ( قناة السويس ) و ( بومباي ) و ( زنجبار ) كانت كلها في ذلك الوقت ( ممتلكات ) بريطانية تربط أوربا بالشرق وقد ضمت إليها عدن مؤخرا لتصبح ميناءا على الطريق تتزود فيه السفن بالماء الصافي ووقود الفحم اللازم لتكملة الرحلة الى الشرق . 

في ثلاثينات القرن الماضي , كانت الحرب في الهند قائمة على قدم وساق بين الأمريكان والبريطانيين لتقاسم الهند بينهما بإستعمال المسلمين لخدمة الغرض الأمريكي بتهييج الصراع بينهم وبين الهندوس .. مما أسفر عن فصل الهند الى ( هند + باكستان + بنغلاديش ) تسيطر فيها الولايات المتحدة منذ ذلك الحين على الباكستان وبنغلاديش , بينما لها إتفاقيات مشتركة الى جانب بريطانيا مع الهند . وفي خضم هذا الصراع المحتدم .. خشيت بريطانيا على عدن من أن تشملها القسمة مثل الباكستان وبنغلاديش بإعتبارها جزءاً من ( الهند الشرقية البريطانية ) وحيث كانت بريطانيا قد وسعت ما كانت تعرف بإسم ( مستوطنة عدن ) فضمت إليها : 

# جزيرة بريم _ مساحتها 13 كيلومتر مربع . 

# جزر خوريا موريا ( في خليج عمان ) _ مساحتهن 73 كيلومتر مربع . 

# جزيرة كمران _ مساحتها 108 كيلومتر مربع . 

لهذا السبب ففي العام 1937 قامت بريطانيا بفصل عدن عن ( الهند الشرقية البريطانية ) ومنحتها إسما جديداً هو : ( مستعمرة عدن ) ومحت عن هذه المستعمرة كل ما يشير الى علاقتها السابقة بالهند الشرقية البريطانية بما في ذلك تغيير عملتها من ( الروپية الهندية ) الى ( الشلن الأفريقي ) الذي كان مستعملاً في ( أفريقيا الشرقية البريطانية ) . 

عام 1956 إستعمل الأمريكان المصريين بالنيابة لطرد البريطانيين والفرنسيين عن قناة السويس , وإجلاء القوات البريطانية عن مصر , بما يعرف بإسم حرب السويس , ولهذا غدت مستعمرة عدن مستقراً مهماً للبريطانيين في المنطقة بعد خروجهم من قناة السويس

مثلما قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتأسيس الكثير من الخلايا الشيوعية والقادة المحسوبين على الشيوعية في العالم .. فإنها ومن أجل التحرك لمهاجمة مستعمرة عدن , كانت قد بدأت بتأسيس بعض الخلايا الشيوعية فيها , فسارع الإتحاد السوفييتي الى مد يد الدعم لهذه الخلايا كنوع من أنواع إثبات وجوده في هذه المنطقة . 

وكانت بريطانيا تراقب بحذر , وتعرف أن شيوخ وسلاطين وأمراء المنطقة أشخاص ضعفاء , يمكن تسقيطهم أو شراء ولائهم من قبل من يدفع لهم أكثر , لذلك ولكي تحسم بريطانيا أمرها كانت قد سعت الى توحيد هذه المشايخ والإمارات والسلطنات في كيان واحد هو ( فيدرالية إمارات الجنوب العربي ) ولم يتم التوحيد دفعة واحدة بل على عدة مراحل . 

المملكة المتوكلية اليمنية : خلال عشرينات القرن الماضي كان ( الإمام يحيى حميد الدين ) قد نشر سلطته في اليمن الشمالي في جنوب تهامة وجنوب العسير لكنه تصادم مع قوة آل سعود المتعاظمة في نجد والحجاز . الحدود الحالية بين السعودية واليمن الشمالي يعود تاريخ ترسيمها الى إتفاقية الطائف الموقعة في مايس 1934 . 

أما حدود اليمن الشمالي مع مستعمرة عدن , فبقيت دون إعتراف من الإمام يحيى لأن البريطانيين لم يوقعوها معه , وإنما مع الدولة العثمانية التي كانت تبسط نفوذها سابقاً على المنطقة , وبقي في خلاف مع البريطانيين حول ترسيم هذه الحدود , جعلهم يخططون عدة محاولات لإسقاط حكمه .

مات الإمام يحيى أثناء إنقلاب وقع عليه عام 1948 فخلفه إبنه ( أحمد بن يحيى ) على العرش والإمامة . وكان عهده حافلاً بالخلافات مع بريطانيا . 

عام 1955 تعرض الإمام أحمد الى محاولة إنقلابية فاشلة قادها العقيد ( أحمد الثلايا ) وهو ضابط يمني متخرج من العراق وعلى صلة بمنظومة الضباط الأحرار . لذلك ومن أجل الوقوف بوجه بريطانيا , كان الإمام قد وقّع مع مصر الجمهورية في نيسان عام 1956 معاهدة للدفاع العسكري , ثم تحولت هذه المعاهدة الى تحالف ( كونفيدرالي ) مع الجمهورية العربية المتحدة عند تأسيسها بين سوريا ومصر في 1 شباط 1958 .

مرض الإمام أحمد بن يحيى وسافر الى روما للعلاج , فظن إبنه وولي عهده أنه لن يعود حياً , لذلك أخذ يذم عهد والده , ويتصل بالقبائل ويعد بالإصلاحات الدستورية , وفتح الإذاعة لإلقاء الخطب الثورية والأناشيد المصرية . لكن الأب تعافى من مرضه وعاد , فألغى كل ما قام به إبنه , وأعدم الكثيرين . 

إنفضت الوحدة بين سوريا والمملكة المتوكلية اليمنية مع مصر في أيلول 1961 . حقيقةً فإن ذلك كان ضربة موجعة لعبد الناصر , رآها موجهة للنيل من كرامته كقائد ( لكل العرب ) مما جعل الحكومة المصرية تحاول الثأر من الإنفصال ممثلة بسفارتها في المملكة المتوكلية اليمنية بتدبير عدة محاولات إنقلاب في وقت واحد للإطاحة بالعرش , وكانـت مجموعة ( عبد الله السلال ) واحدة من هذه المجاميع الإنقلابية . 

توفي الملك ( الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين ) يوم 18 أيلول 1962 فخلفه إبنه الملك ( محمد البدر ) على العرش , ولثقته بمصر والرئيس جمال عبد الناصر فقد كان من أول أوامره تعيين العقيد عبد الله السلال المعروف بانه ( إشتراكي ناصري ) بمنصب قائد الحرس الملكي . 

تمكنت السفارة المصرية بعد 8 أيام من إعتلاء محمد البدر العرش وبواسطة حليفها الإشتراكي الناصري العقيد عبد الله السلال أن تقلب نظام حكم المملكة اليمنية المتوكلية يوم 26 أيلول 1962 , ويتم الإستيلاء على السلطة , وغض الطرف عن الملك محمد البدر والسماح له بالهرب من الباب الخلفي للقصر مع مجموعة من رجال حمايته الى المملكة العربية السعودية .. لعبة ظاهرها تحرير اليمن من حكم ملكي مقيت , لكن حقيقتها هي التأسيس لحرب ستطول ولن تنتهي حتى يخرج البريطانيون من الجنوب العربي . 

بعد نجاح محاولة السلال بدأت إذاعات عبد الناصر والموالون لها من الإشتراكيين والناصريين بالتطبيل والتزمير للنصر المؤزر الذي تجلبه حكومات العسكر , التي تنجح في هزم بريطانيا وفرنسا , وتم تصوير ذلك للجماهير العربية المتعطشة للخلاص .. وكأنه فتح الفتوح , وليس مرحلة تبديل مستعمر بمستعمر . 

يوم 19 ديسمبر 1962 إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة السلال , ولأن بريطانيا كانت تعرف بأن الخلايا الشيوعية النائمة في محمية عدن سرعان ما ستثور بدعم من حكومة السلال الإشتراكية التي تغذيها مصر الأمريكية ذات السلاح السوفييتي . لهذا قامت بعد شهر بالإعلان عن تأسيس ( فيدرالية إمارات الجنوب العربي ) يوم 18 كانون الثاني 1963 بالضد من رغبة ( الإشتراكيين ) حكام ( الجمهورية ) اليمنية وداعمتهم _ مصر _ ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية . 

حقيقة فإن إعلان ( الوحدة البريطانية ) في الجنوب العربي كان شيئاً مبهراً للجماهير العربية في كل مكان وهي تنظر الى 19 كيان عربي يتحدون في دولة واحدة .. كان الأمر شيئاً يجسد كل الطموح العربي تلك الفترة , حيث توحدت ( مستعمرة عدن ) مع ( مشيخة العلوي ) و ( مشيخة العقربي ) و ( سلطنة العوذلي ) و ( إمارة بيحان ) و ( مشيخة دثينة ) و ( إمارة الضالع ) و ( السلطنة الفضلية ) و ( سلطنة الحواشب ) و ( سلطنة لحج ) و ( سلطنة الصبيحي ) و ( سلطنة العوالق السفلى ) و ( سلطنة الجعيطي ) و ( مشيخة المفلحي ) و ( مشيخة يافع العليا ) و ( مشيخة الشعيب ) و ( مشيخة العوالق العليا ) و ( سلطنة العوالق العليا ) و ( سلطنة الواحدي بلحاف ) . 

لم يتحمل الأمريكان أن تسحب بريطانيا البساط من تحت أقدامهم بهذه الطريقة .. لذلك فبعد 20 يوماً فقط قاموا بقلب نظام الحكم في العراق , حيث أسقطوا الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يمثل ( عقبة ) بوجهة الوحدة مع مصر وأحلوا محله عبد السلام عارف ( المبهور بعبد الناصر الى حد الهوس ) وكان ذلك يوم 8 شباط 1963 . 

وكان ينبغي في تلك الأيام غسل ( عار ) الإنفصال الذي وقع على وحدة مصر مع سوريا في الجمهورية العربية المتـحدة , لذلك وقع في سـوريا إنقلاب عسـكري بقيادة الضابط الناصري ( لؤي الأتاسي ) يوم 8 آذار 1963 . تم بعده رفع برقية الى عبد الناصر مكونة من 10 كلمات , تعرّف معنى هذا الإنقلاب تعريفا شاملا , مكتوب فيها : (( الرئيس جمال عبد الناصر . القاهرة . لقد ثأرنا من الإنفصال وغسلنا العار )) . 

المدة ما بين إعلان فيدرالية الجنوب العربي .. وإسقاط نظام الحكم في سوريا هي 48 يوم فقط . عندها وكما كانت تتغنى بريطانيا بوحدتها في الجنوب العربي , صارت الولايات المتحدة تتغنى بوحدتها ( الثلاثية ) بين كل من سوريا والعراق مع مصر . 

المواطن العربي .. سواء كان في الجنوب العربي .. أو سوريا ومصر والعراق .. لم يقبض من هذه الآمال العريضة غير تحشيد أبنائه ليقاتلوا بعضهم , نيابة عن الأمريكان والبريطانيين , فمن واقع عملي لم يكن شعار الوحدة الثلاثية غير ( كلام جرايد ) الهدف منه : 

الإستهلاك الإعلامي لإشغال ذهن المواطن العربي _ 

التغطية على الإعلان البريطاني البراق عن وحدة الجنوب العربي , بإعلان أمريكي عن وحدة_ بديلة .

تطمين عبد الناصر أنه إذا دخل الحرب في الجنوب العربي فلن يدخلها بمفرده , _

وإنما هناك دول عربية ذات كثافة سكانية عالية تقدرعلى تأمين جيوش كبيرة ستكون ( ليس معه ) وإنما ( تحت إمرته ) بهذه الوحدة . 

أما الواقع الفعلي لهذه الوحدة الثلاثية فقد كان كالتالي : 

# في سوريا ورغم إعلان الإتفاق على إجراء مباحثات الوحدة الثانية أو ( الجديدة ) بين سوريا ومصر .. إلا أن الإعتقالات في صفوف الضباط الوحدويين السوريين بقيت متواصلة , ولهذا تحرك العقيد السوري الناصري ( جاسم علوان ) للقيام بإنقلاب فاشل في 18 تموز 1963 .. أعقبته حركة إعدامات في صفوف الجيش السوري , ولأن عبد الناصر أدرك فشله في الوحدة من جديد مع سوريا فقد فضَّل أن ينسحب هو هذه المرة من الوحدة , وأن لا يدع للسوريين الفرصة ( مرتين ) ليتخلوا عن الوحدة معه , وكان ذلك بتاريخ 26 تموز 1963 فكان رد السوريين هو إنتخاب ( أمين الحافظ ) المسؤول عن تلك الإعدامات رئيسا للجمهورية السورية يوم 27 تموز 1963 . 

# الوضع في العراق كان مختلفاً تماماً .. فالرئيس عبد السلام عارف كان مأخوذا ً ومبهوراً بعبد الناصر الى حد الهوس , وكان كلامه لا يخلو من ترديد شعار الوحدة الثلاثية عدة مرات يومياً …. من أجل لجمه ومنعه من القيام بأي فعل بخصوص هذه الوحدة ( الشعارية فقط ) فقد قامت مليشيا الحرس القومي التي يسيطر عليها بعثيون وقوميون أغلبهم لهم إرتباطات مع سوريا بفتح سجل إعتقالات وتصفيات شملت كل المؤيدين للزعيم عبد الكريم قاسم , وبغض النظر عن كونهم شيوعيين أم لا .. لتعم الفوضى كل العراق .

وبعد أن أخذت تلك المرحلة مداها وإنتهت .. إنقلب عبد السلام عارف على البعثيين شركائه في الحكم في 18 تشرين الثاني 1963 عندها بدأت في العراق مرحلة ( إنشقاق حكومة عارف على نفسها ) بما يعنيه ذلك من حملة إعتقالات وتصفيات موجهة ضد البعثيين حيث عمت الفوضى في حكومة العراق هذه المرة . 

رغم هذا لم يتوان عبد السلام عارف عن المشاركة بقوات رمزية عراقية في القتال الدائر في اليمن .. كما لم يتوان عن فتح مكتب لجبهة تحرير الجنوب العربي في بغداد , ومكتب لجبهة تحرير ظفار في بغداد , وهذه المكاتب كانت موجودة في بغداد شارع السعدون مقابل تمثال عبد المحسن السعدون في موقعه القديم قبل حفر نفق التحرير في الباب الشرقي . 

لهذا فقد كان الحل الأخير لإخماد عبد السلام عارف .. هو إشعال فتيل النزاع الكردي بقيادة الملا مصطفى البرزاني الذي كانت قواته هذه المرة مدعمة بالتدريب الإيراني من قبل شاه ايران الأمريكي , ومعززة بالسلاح الأمريكي المتطور أيضاً . 

من يدري فلعل ميتة عبد السلام عارف الغامضة , مردها الى موقفه من المشاركة في حرب اليمن خصوصا في المنعطف الخطير الذي دخلت إليه الحرب عام 1966 حين رصدت حكومة الرئيس الأمريكي ( ليندون جونسون ) مبلغ 100 مليون دولار على شكل آليات عسكرية لدعم الملكيين في اليمن , أما عبد السلام عارف فقد قتل أثناء فترة ذلك الدعم الأمريكي للملكيين في حادث طائرة غامض وقع في العراق في مدينة البصرة يوم 13 نيسان 1966 . 

صلاح نصر رئيس جهاز مخابرات عبدالناصر يذكر بأن اليمن كانت بالنسبة للمصريين مجاهل لا يعرفون معالمها ، لكن عبدالناصر وجد فى التدخل العسكرى فيها عملاً يستعيد به توازنه ويرد إليه اعتباره بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريا الذي سدد ضربة عنيفة لطموح عبد الناصر لقيادة العرب . 

محمد حسنين هيكل فى كتابه ( عبدالناصر والعالم ) ص 47 يذكر ما يؤكد جهل عبدالناصر بعناصر المغامرة التي سيدخلها في اليمن حين قال للثائر الشيوعى ( جيفارا ) فى حوار معه عام 1965 : (( .. الوضع في اليمن غير صالح للثورة فقلت مثلك إنه مجرد أن الثورة قامت فإن ذلك يؤلف عنصرا وضعيا فى حد ذاته وبالتالى يجب مساعدتها )) لكن محمد حسنين هيكل في كتابه ( لمصر لا .. لعبد الناصر ) يغالط هذه الحقيقة جملة وتفصيلاً

يعتبر محمد حسنين هيكل نفسـه مؤرخ القرار المصري لقربه من الرئيس ( وأراه متواضعاً جداً في منح نفسه هذا اللقب ) فخلال فترة الربع قرن التي عملت بها في الإعلام العراقي .. رأيت وقرأت لصحفيين عراقيين يرون أنفسهم ( كُتّاباً كباراً ) أيضاً .. من يدّعي منهم أنه هو الذي صنع من صدام حسين رئيساً للعراق .. أو أنه كان صمام أمان الإعلام العراقي , ومنهم من كان يعتقد أنه مُنظِّر القادسية وكاتب بياناتها والراقص على أنغام أنشـودتها ( ياحـوم إتبع لو جرينه ) وكان يحـلم مقابل ذلك بالوزاره .. وظلت عقدة الوزاره ملازمة لتفكيره حتى اليوم .. أوغيره من كان يحلم بالسفارة .. أو أن يتسلم موقع مدير عام , وشق عصا الطاعة منذ وقت مبكر جدا ً, لأنه لم ( يبوأ ) موقع مدير عام , وغيره من كان يحلم بأن يُعَدَّ المفكر الأوحـد في العراق .. كل هؤلاء تزلفوا لصدام وقيادته بحيث أنهم لو كان يطرح عليهم السؤال : 1+1 كم يساوي ؟ لكان ردهم العفوي والتلقائي : ( كم تريد الناتج ؟ حتى أكتبه لك ؟ ) وعلى حجم الناتج الذي تريده القيادة , يبدأ الكاتب بالتدليس الفكري والسياسي بالضد من كل الحقائق الموجودة على الأرض .

لهذا وأنا أستعرض رأي هيكل فلا أراه يختلف كثيرا عن آراء هؤلاء العراقيين , وأسـتعرض الرأي فقط , من أجل أن نطّلع على طريقة التفكير التي جلبت للشعب المصري المنكوب , الكثير من الويلات والمصائب . فهيكل يقول بأنه يتفق مع ناصر في قضية إسـناده لإنقـلاب السلال , لكنه يرى أن إنقلاب السلال لا يحتمل استيعاب الكم الهائل من القوات المصرية التي من شأنها أن تصل إلى اليمن لدعم نظامه .. فهل يعتقد هيكل فعلا أن القوات المصرية كانت ذاهبة الى الجنوب العربي من أجل حماية إنقلاب السلال ؟ 

ثم يذكر هيكل أنه قد يكون من الحكمة التفكير في إرسال متطوعين قوميين عرب من مختلف أنحاء الشرق الأوسط الى حرب اليمن عوضاً عن الجيش المصري للقتال الى جانب القوات اليمنية الجمهورية , وعلى غرار ما حصل في الحرب الأهلية الإسبانية , لكن عبد الناصر وكما يدعي هيكل , رفض الفكرة .

العبرة بالخواتيم كما قالت العرب … فرغم رفع شعار الوحدة الثلاثية في تلك الفترة , إلا أن سوريا والعراق أعيقتا عن الإلتحاق بتلك الوحدة عن سبق إصرار وترصد وإمعان في القصد .. ومصر كانت قد زجت ب 70 ألف مقاتل مصري في اليمن بعد أن حُرِمَتْ من مشاركة الجيشين السوري والعراقي .

من أين سيجمع عبد الناصر ( كما أشار عليه هيكل ) متطوعين قوميين عرب يصل تعدادهم الى 70 ألف ؟ ويملكون خبرة وتدريب الجيوش النظامية ليسدوا مكان الجيش المصري الذي كان مقصودا إبادته في تلك الحرب ؟ لكي يقبل ناصر الفكرة أو يرفضها !؟ أليست حرية الخيار هي أول شروط الرفض أو القبول ؟؟ 

لايوجد وكيل أمريكي تدوم وكالته الى الأبد .. كل وكيل أمريكي يؤدي دوره .. عليه أن يرحل بعده , بإرادته أو غصباً عنه , والدور الذي كان مرسوماً لعبد الناصر هو أن يتسلم السلاح من السوفييت ويحرقه , مبيداً معه وحدات الجيش المصري خدمة للمصلحة الأمريكية في الجنوب العربي ( خسرت مصر في هذه الحرب 26 ألف قتيل ) وبعد ذلك عليه هو وجيشه مغادرة المشهد العربي بخاتمة غير مشرفة إسمها حرب حزيران .. تؤدي الى نكسة العرب , وتحفظ أمن إسرائيل .. فهل العبرة بالخواتيم ؟؟ أم أن التنظير .. كلام والسلام !!؟؟ 

بعد ذلك يخبرنا هيكل أن عبد الناصر دخل الى حرب اليمن لأنه كان يرى (( أن محاربة الإمبريالية هي قدر مصر )) فإذا سلّمنا أن الحكومة المصرية لم تكن تدرك وقتها أنها هي نفسها كانت أداة من أدوات الإمبريالية .. وهذا سيتطلب منا الدخول الى قصة جديدة مفادها أنه في مرحلة نهاية الأربعينات من القرن الماضي كان لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ضابط متجول في الشرق الأوسط يدعى ( كيرمت روزفلت ) هو حفيد الرئيس الأمريكي روزفلت . وكانت مهمة هذا الرجل , هي حمل حقيبة مليئة بملايين الدولارات , لشراء الذمم والنفوس , لغرض صناعة ( رموز شيوعية ) و ( رموز معادية للشيوعية ) في الشرق الأوسط , واللعب على تصعيد وتنزيل هذه الرموز خدمة للمصالح الأمريكية في المنطقة , وتحت شعارات ( الحرب الباردة ومحاربة الشيوعية ) .

بداية الخمسينات من القرن الماضي نجح كيرمت روزفلت والسفير الأمريكي في طهران ( هنري گرادي ) في توصيل رجل أمريكا في ايران ( محمد مصدق ) الى منصب رئيس وزراء , ثم عمل الرجلان على ( تسقيطه وحمايته في نفس الوقت ) إدامة للمصلحة الأمريكية . 

لكن مهمة كيرمت روزفلت في الشرق الأوسط لم تكن محصورة بإيران وحدها بل كانت تشمل مصر أيضا , فبعد أن نجحت وكالة المخابرات الأمريكية في إسقاط الحكم الملكي المصري المتحالف مع بريطانيا وإقامة حكومة العسكر برئاسة رئيس مجلس السيادة المصري اللواء محمد نجيب .. وكان كيرمت روزفلت في تلك الفترة يشغل منصب أمين عام جمعية ( أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكيون ) والتي كانت أكبر مهامها هي المحافظة على العلاقة ( العربية _ الأمريكية ) من الإنفـراط بسبب الدعم الأمريكي لليهود عند تأسيس الدولة العبرية .

حالما تأسست مصر الجمهورية , منح كيرمت روزفلت مبلغ 12 مليون دولار الى محمد نجيب بإعتباره رئيساً لدولة ( معادية للشيوعية ) ولم يكن على مصر وقتها غير واجب حماية الجمهورية من الداخل . لكن ( غربلة ) الأمريكان للحكومة الجديدة كانت عملية ضرورية لكشف التحالفات الداخلية والخارجية لضباطها ومسؤوليها وقد إستمرت الغربلة سنتين , لم يبق شيء لم تتضح خلالهما صورته , تحت دعوى ( خلافات بين ضباط الثورة أنفسهم ) . 

حين وطدت الحكومة الجديدة نفسها وتخندق ضباطها ولم يعد سهلا إغتيال الجمهورية وإعادة العملية السياسية الى الوراء , كان على الأمريكان ( تغيير موديل ) الحكومة المصرية من أجل تمكينها من القيام بالدور الفعلي الذي يطالبها الأمريكان القيام به وهو ( محاربة البريطانيين والفرنسيين وإجلائهم عن مصر وطردهم من البحر الأحمر والجنوب العربي وشمال أفريقيا ) . 

بسبب هذا جرت عملية الإطاحة باللواء محمد نجيب , ووضعه تحت الإقامة الجبرية حوالي 30 سنة .. لتحويل مصر من دولة ( معادية للشيوعية ) الى دولة شيوعية ( إستحياءاً , وإثارةً للحفيظة في نفس الوقت , تمت تسميتها : إشتراكية ناصرية ) تتقارب مع الإتحاد السوفييتي لتضرب وبإسم شعارات الحرب الباردة مصالح الإمبراطوريات الإستعمارية القديمة في كل مكان من الوطن العربي , إستعداداً لإحلال المصالح الأمريكية محلها .

حالما وضع اللواء محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية , قام عبد الناصر بمصادرة مبلغ 12 مليون دولار التي كان نجيب قد تسلمها من كيرمت روزفلت , وكان يمكن أن تكون هذه المصادرة سرية , أو حتى معلنة بفضيحة عن خراب ذمة اللواء محمد نجيب . لكن عبد الناصر تصرف بطريقة ثانية . 

أمر على الفور بإستعمال المال لبناء برج القاهرة , وقد كلف البرج مبلغ 6 مليون جنيه مصري وبدأ العمل ببنائه عام 1956 وأطلق على البرج تسمية ( وقف روزفلت ) حيث إدعى عبد الناصر أن كيرمت روزفلت كان قد أرسل المال ( له شخصياً ) .. من أجل أن يقطع ناصر الدعم المصري ( الأمريكي حقيقةً ) عن ثورة الجزائر ضد الفرنسيين . 

حكايات : عزل محمد نجيب التي يشوبها الكثير من الغموض , وبناء برج القاهرة , ودعم ثورة الجزائر , كن جميعاً ذوات إستعمال مزدوج . الوجه والإستعمال الأول كان للإستهلاك المصري والعربي من أجل تلوين صورة عبد الناصر بألوان زاهية . 

أما الوجه والإستعمال الثاني فهو مخصص للإستهلاك الدولي : عبد الناصر بهذا العمل كان قد أعلن رسمياً بداية تقاربه مع الإتحاد السوفييتي وبداية ضربه لمصالح الدول الإستعمارية القديمة ( بريطانيا وفرنسا ) بإعترافه الرسمي بدعم ثورة الجزائر . 

ونعود الآن الى محمد حسنين هيكل والحديث عن ( قدر مصر في محاربة الإمبريالية ) فإن لم يكن هيكل أو عبد الناصر مدركان ذلك الوقت أنه تم تحويل مصر من ( دولة معادية للشيوعية ) الى ( دولة _ إشتراكية ناصرية _ شيوعية , متقاربة مع الإتحاد السوفييتي ) لتقوم بمـحاربة مصالـح بريطانيا وفرنسـا من أجل إحـلال المصالح الأمريكية محلها … أفلا يحق لنا على الأقل أن نتساءل : هل كان يوجد في مصر ذلك الوقت ( جهاز مخابرات ) أو ( جهاز إستخبارات عسكرية ) حقيقيان ؟؟ ليرصدا للقيادة العليا في الدولة حقائق تقول إن المملكة العربية السعودية التي تأوي الملكيين ما هي إلا دولة ( أمريكية ) صنعتها شركة أرامكو النفطية ؟ أو أن قائد قوات الملكيين هو الضابط ( الأمريكي ) بروس كوندي ؟ أو أن ( الأمريكي ) شاه ايران كان يزود الملكيين بالسلاح والمال لأنهم حسب إدعائه من مظاليم الشيعة ؟ أو حتى أن باكستان ( الأمريكية ) كانت قد أثرت ثراءاً فاحشا ً في تلك الفترة من تجارة بيع المرتزقة لجيش الملكيين تحت قيادة بروس كوندي !!؟؟ إذا كانت الأطراف المتحاربة كلها تتقاتل بموجب الدعم الأمريكي بما في ذلك مصر نفسها .. فهل كانت حرب اليمن ( قدرا ً) على المصريين أم تهلكة ألقوا بأيديهم إليها عابثين ؟؟

يطرح هيكل بعد ذلك رأياً غريباً لتعليل تورط عبد الناصر بالمشاركة في هذه الحرب قائلاً بأن ناصر دخلها إنتقاماً من العائلة المالكة السعودية لأنها ساهمت في تقويض وحدته مع سوريا , كما أنه تورط فيها إنتقاماً من البريطانيين بتخريب مصالحهم في الجنوب العربي . ونفس هذا الرأي يؤكد عليه الكاتب البريطاني السير ( أنثوني ناتنگ ) كاتب سيرة عبد الناصر في مولفه الضخم ( ناصر ) المؤلف من 490 صفحة من حجم كبير المتوسط .  

من أوضح حالات ( الإنتقام ) بين الدول في العصر الحديث , هي حالة إنتقام الأمريكان من اليابانيين بعد موقعة ( بيرل هاربور ) بقيامهم بضرب هيروشيما وناگازاكي بقنلتين نوويتين قتلتا خلال برهة قصيرة ما يزيد على 450 ألف ياباني دون أن يتكبد الأمريكيون قتيلا واحداً مقابل ذلك . أما في حالة الإنتقام المصري فقد كلف مصر 26 ألف قتيل من أبنائها في حين أن السعودية وبريطانيا كانتا تقاتلان بجيش من المرتزقة تم جمعه من العالم تحت إشراف الضابط الأمريكي الجنرال بروس كوندي … ولا ندري على ماذا يدل هذا الإنتقام بأعمق المعنى , هل عن رخص قيمة الإنسان والدم المصري , أم عن تخبط خطة السياسة المصرية !!؟

كتب الشاعر نزار قباني عن عبد الناصر بشكل مباشر , مرتين , المرة الأولى كانت بعد نكسة حزيران في قصيدة ( هوامش على دفتر النكسة 1967 ) والتي بدأها بقوله : 

أنعي لكم ، يا أصدقائي ، اللغةَ القديمه 

والكتبَ القديمه 

أنعي لكم .. 

كلامَنا المثقوبَ ، كالأحذيةِ القديمه .. 

ومفرداتِ العهرِ ، والهجاءِ ، والشتيمه 

أنعي لكم .. أنعي لكم 

نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه 

ضربت هذه القصيدة مثل الإعصار في وجدان الشارع العربي معبرة عن خيبة أمل الشعب العربي بقائده المفترض , على إثرها قامت الحكومة المصرية , بمصادرة جميع مؤلفات نزار قباني , كما منع هو شخصياً من دخول مصر … لا بل منعت حتى إذاعة قصيدته التي غنتها أم كلثوم وهي ( أصبح عندي الآن بندقية ) . 

المرة الثانية التي كتب فيها نزار قباني عن عبد الناصر بشكل مباشر كانت في قصيدة ( هوامش على دفتر الهزيمة 1991 ) صحيح أن القصيدة كانت مكتوبة عن هزيمة صدام حسين في حرب الخليج الثانية والتي يفتتحها الشاعر بقوله : 

مضحكةٌ مبكية معارك النضال 

فلا النصال تكسرت على النصال 

ولا الرجال نازلوا الرجال 

ولا رأينا مرةً آشور بانيبال 

فكل ما تبقى لمتحف التاريخ 

أهرام من النعال !!

لكن نزار قباني وهو يحدثنا عن ( هزيمة صدام حسين ) في حرب الخليج , فهو لا ينسى أن يقرنها لنا بمثيلتها ( نكسة عبد الناصر ) حين يقول : 

فى كل عشرين سنة 

يأتى إلينا حاكم بأمره 

ليحبس السماء فى قارورة 

ويأخذ الشمس الى منصة الإعدام 

فى كل عشرين سنة

يأتي إلينا نرجسى عاشق لذاته 

ليدعى بأنه المهدى .. والمنقذ 

والنقى .. والتقى .. والقوى 

والواحد .. والخالد 

ليرهن البلاد والعباد والتراث 

والثروات والأنهار 

والأشجار والثمار 

والذكور والاناث 

والأمواج والبحر 

على طاولة القمار 

فى كل عشرين سنة 

يأتى إلينا رجل مُعَقَّدٌ 

يحمل فى جيوبه أصابع الألغام 

غير أن نزار قباني كشاعر مبدع لافض فوه , لا ينسى وهو يصف لنا النكسة والهزيمة , أن يقرنهما أيضا بوصف لكُتّاب النكسة والهزيمة حين يقول : 

نكذب فى قراءة التاريخ 

نكذب فى قراءة الأخبار 

ونقلب الهزيمة الكبرى 

الى إنتصار

للأدباء عندنا نقابة رسمية 

تشبه فى شكلها 

نقابة الأغنام 

إن رضيَ الكاتب أن يكون مرة .. دجاجة

تعاشر الديوك أو تبيض أو تنام 

فإقرأ على الكتابة السلام 

آخر ما ساقوم به في هذه المقدمة السريعة هو تعريفكم بالمصادر التي إعتمدتها لكتابة هذا الموضوع , وهي أعداد كثيرة من الصحف والمجلات التي تعود الى نفس تاريخ الحرب , كذلك الى كتب كثيرة تتجاوز الخمسين كتاباً لتدقيق الكثير من المعلومات عن الحوادث والشخصيات الواردة في الموضوع . إضافة الى البحث على شبكة الإنترنت .أود الإشارة من بين جميع هذه المصادر الى كتاب ( اليمن _ الحرب المجهولة ) للباحث الأمريكي ( دانا آدمز شميدت ) الكتاب يقع في 316 صفحة من قطع كبير المتوسط , مطابع بودلي هيد , لندن , سيدني , تورنتو , 1968 . وقد تخيرت هذا الكتاب مصدرا رئيسياً لكتابة موضوعي , ليس لأن المصادر الأخرى قاصرة أو ذات عيب , ولكن لأن مؤلف هذا الكتاب شخصية مهمة وعلى إطلاع وثيق بالحروب التي وقعت تلك الفترة في الشرق الأوسط وكما سنرى . 

درس دانا آدمز شميدت في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية , وغادر الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1938 ولم يعد إليها إلا نادراً في الإجازات أو خلال 7 سنوات عمل بها في واشنطون في مكتب التحقيقات الصحفية التابع الى وزارة الخارجية الأمريكية . 

أرسل الى الشرق الأوسط أول مرة عام 1940 حيث تعرف عندها في إسطنبول على صديقته تانيا التي أصبحت زوجته فيما بعد ورافقته في معظم رحلاته والتي أهدى إليها جهده في تأليف كتبه .

خلال فترة عمله كمبعوث في الخارجية الأمريكية عمل مراسلاً لصحيفة نيويورك تايمز من عام 1943 حتى عام 1972 لتغطية أخبار شمال أفريقيا والشرق الأوسط . عام 1963 فاز بجائزة ( أفضل مراسل يتحلى بشجاعة إستثنائية وحضور في موقع الحدث ) .

كان مقر عمله في بيروت ومن هناك أشرف إخبارياً على عدة حروب في الشرق الأوسط منها حرب اليمن التي نحن بصددها في هذا الموضوع وحرب حزيران 1967 , والحرب الكردية في شمال العراق حيث كتب عنها كتابه ( رحلة بين رجال شجعان ) . ذكر فيه أنه حين كان يقيم في بيروت وصله مرسال عتب من الملا مصطفى البرزاني بأن الحرب الكردية قائمة ولكن تغطيتها الإخبارية ضعيفة . 

إعتزازاً ومحبة من دانا آدمز شميدت وحكومته للقائد البرزاني , فقد قام هو بنفسه برحلة الى منطقة كردستان , حيث أجرى لقائين مهمين مع الملا مصطفى , منشورين في هذا الكتاب الذي يصف رحلته كاملة الى مناطق القتال , اللقاء الأول كان عام 1962 أما اللقاء الثاني فكان عام 1963 وسأقوم بترجمة هذين اللقائين في موضوع منفصل .

قام الكاتب البريطاني جيمس موريس بالإطراء على جهود دانا آدمز شميدت في هذا الكتاب

بقوله (( لا يحصل في الوقت الحالي أن نجد مراسلاً أجنبياً بارزاً يُهرِّب نفسه على بغل ليصل الى مناطق نزاعات محرمة ليكتب عن تفاصيل كل شيء في طريقه )) .

أثناء تغطيته تفاصيل حرب اليمن إنقلبت سيارة الجيب التي تقله في رمال اليمن الشمالية فإنكسرت رقبته فنقل الى جدة ومنها الى بيروت مرة أخرى , ومن مستشفاه في بيروت أرسل في اليوم التالي تقريراً الى صحيفة نيويورك تايمز . 

خلال تولي جون فوستر دولس منصب وزير دولة في عهد الرئيس آيزنهاور تم نقل دانا آدمز الى پاريس , فرانكفورت , أثينا , بيروت , القدس , ڤيننا , پراغ , لندن , وإسرائيل لتغطية مهام دبلوماسية في هذه الدول .  

صورة دانا آدمز شميدت الوحيدة الموجودة على الإنترنت منشورة على موقع ويكيپيديا وتجمعه بالرئيس اليمني عبد الله السلال , بينما صورته على غلاف كتاب حرب اليمن فتجمعه بالمقاتلين الملكيين , في الوقت الذي يؤكد بنفسه في كتابه ( رحلة بين رجال شجعان ) الى أنه كان يلتقي بالملا مصطفى البرزاني والحكومة المركزية في بغداد . ولا تدري في اليمن أم العراق , هل مارس عمله الصحفي كمراسل فقط مع الطرفين ؟ أم انه كان يقوم بمهمة دبلوماسية أيضاً ؟

الموضوع المنشور على موقع ويكيپيديا عن حرب اليمن هو تلخيص ( غير أمين ) لكتاب دانا آدمز شميدت عن تلك الحرب , لأن التلخيص يبتر أجزاء من حقيقة المواقف التي كان التصريح بها وقت نشر الكتاب أمراً عادياً , لكن نشرها في الوقت الحالي يعتبر كشفاً لتطورات اللعبة التي لم تزل جارية لحد اليوم في اليمن وعموم الشرق الوسط . 

كان دانا آدمز شميدت بعمر 78 سنة , صحته معتلة , سقط فكسرعدة أضلاع , ومن إختلاطات الحالة وقعت له نوبة قلبية أدت به الى الموت يوم 25 آب 1994 .

فيما يلي من حكايات ألف ليلة وليلة , أبدأ معكم بقصة غريبة عن علاقة نشأت بين الأمير الطفل ( محمد البدر ) وطفل أمريكي بعمره , وكيف تطورت هذه العلاقة بينهما في لاحق الأيام . 

( بروس كوندي دي بوربون ) ضابط في الجيش الأمريكي عمل قائداً لقوات الملكيين أثناء حرب اليمن . ولد بإسم ( بروس چالمرز ) في ( سان خوان كابيسترانو ) في ولاية كاليفورنيا عام 1913 ومنذ طفولته كان يهوى جمع الطوابع .

وهو طفل كان قد كتب إلى الإمام أحمد بن يحيى ملك المملكة المتوكلية في اليمن يسأله عن الطوابع البريدية المحلية لمملكته , فكان أن رد عليه الأمير ( محمد البدر ) ولي العهد الصغير وهكذا بدأت العلاقة بين الرجلين منذ طفولتهما .

بعد دراسة اللغة الاسپانية في جامعة كاليفورنيا إنضم بروس كوندي الى الجيش الأميركي , وخدم أثناء الحرب العالمية الثانية في الوحدات الجوية في شمال أفريقيا , ولولعه بقضايا الجنوب العربي فقد حاول تعلم اليابانية , وذلك لشغف أهل سلطنة عمان بتعلم اليابانية والحديث بها .

بعد خروجه من الجيش ، إنتقل الى بيروت لدراسة اللغة العربية وذلك بمساعدة من ( معهد گوته ) وفي لبنان غيَّر إسم عائلته الى ( كوندي ) وإدعى أنه ينتسب الى عائلة ( دي بوربون ) المالكة الفرنسية التي تم إسقاطها عام 1830. 

تواصلت مراسلاته مع ولي العهد ( محمد البدر ) الذي أصبح شاباً , حيث تلقى منه دعوة لزيارة اليمن وعاش في ( سما ) وتخلى عن جنسيته الأميركية واعتنق الإسلام ثم حصل على جواز السفر والجنسية اليمنية عام 1958. 

أقنع بروس كوندي الإمام أحمد بن يحيى أن اليمن يمكن أن تكسب الكثير من المال من بيع الطوابع البريدية النادرة لهواة جمعها في العالم , وكان المسؤول عن فتح مكتب هواة جمع الطوابع في المملكة المتوكلية اليمنية . 

إتهم بروس كوندي بالتجسس , وطرد من اليمن بعد إلغاء جواز سفره , حيث إدعى أنه أمضى 3 أسابيع في مطار القاهرة قبل أن يتمكن من الوصول الى بيروت ، ليعمل مراسلاً أيضا الى أن تمكن من الحصول على عقد عمل في الشارقة لتأسيس مكتب للبريد فيها .

الحكومة أصدرت له جواز سفر وعاش في الشارقة حتى الإطاحة بمحمد البدر عام 1962 عندها عاد بروس كوندي إلى اليمن لقيادة المرتزقة المجندين مع قوات الملكيين في هذه الحرب , فمنح رتبة جنرال ، وأشرف في الوقت ذاته على بيع الطوابع البريدية لليمن الملكية , وهي طريقة ذكية لتزويد الملكيين ببعض المال الذي يحتاجونه دون أن يعرفوا مصدره الحقيقي . ومنذ هذه الفترة أصبح يطلق على نفسه إسم ( الأمير كوندي الحاج عبد الرحمن يسانس دي بوربون ) ويزعم أن لقب الإمارة منح له من قبل العائلة المالكة اليمنية لشجاعته في الحرب . 

بعد نهاية القتال عام 1970 إنتقل بروس كوندي الى إسبانيا , ثم إنتقل الى المدينة الدولية طنجه عام 1980 وبقي فيها حتى وفاته في 20 آب 1992 . رغم بحثي المكثف ب 4 لغات , في المكتبة ومن على شبكة الإنترنت , إلا أنني لم أعثر له على صورة . 

بعد أن سُمح للملك ( محمد البدر ) ومجموعة من حمايته بالهرب من باب حديقة القصر الخلفية متجهين الى المملكة العربية السعودية , قامت السعودية بنشر قواتها المسلحة على طول الحدود مع اليمن , أما الملك حسين ملك الأردن فقد أرسل وزير دفاعه ليتفاوض مع ( الأمير حسن ) عم الملك محمد البدر .

سفراء من بون ولندن وواشنطون وعَمّان ساندوا البدر , بينما كانت القاهرة وروما وبلغراد قد أبدت الدعم لإنقلاب السلال , أما نكيتا خروشوف فقد أعلن ديباجته التقليدية الشهيرة في مثل هذه المناسبات وهي : إن أي عدوان على اليمن سيعتبر عدواناً على الإتحاد السوفييتي .

لكي تثبت الولايات المتحدة الأمريكية حرصها على عدم إنتشار القتال الى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط , أعطى الرئيس الأمريكي جون كينيدي الأمر الى مصر بسحب قواتها من اليمن , فيما أعطى الأمر الى كل من السعودية والأردن بعدم دعم الملكيين , لكن هذه الدول إشترطت كل منها أن يقوم الطرف الآخر بالتنفيذ أولاً , مع حملة منظمة من الشتائم والإتهامات , وهكذا تعطل قرار الرئيس الأمريكي الذي كان مقرراً له أصلا ًأن يتعطل .

العقيد عبد الله السلال ومن أجل إثبات وجوده , وإثبات إسناده من قبل الإتحاد السوفييتي صرح في تلك الأيام تصريحاً عنترياً قال فيه (( أنا أحذر أمريكا بأنها إن لم تعترف بالجمهورية العربية اليمنية فإنني لن أعترف بها )) .

ورغم أن الإمام أحمد بن يحيى كان قد رفض مرارا ً الإنضمام الى فيدرالية الجنوب العربي , ورغم مواقف إبنه البدر المتقاربة مع مصر ضد المصلحة البريطانية , إلا أن بريطانيا ومن أجل المحافظة على مصالحها في هذا الوضع المحتدم أصرت على دعم الملكيين . 

إذا ساند الملك عبد العزيز الملكيين اليمنيين فمعنى ذلك أن مصر ستضرب السعودية , ولكن طالما أن إشتعال المنطقة سيخدم مصالح الأمريكان , لهذا كتب الرئيس الأمريكي جون كينيدي في العام 1963 رسالة سرية الى الأمير فيصل ولي العهد ورئيس الوزراء قال فيها 

(( ……. ويمكنكم أن تتأكدوا من دعم الولايات المتحدة الكامل للحفاظ على سلامة المملكة العربية السعودية )) .

يوم 19 ديسمبر 1962 إعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة السلال حكومة شرعية في اليمن , وهذا ما سيجلب لهذه الحكومة إعتراف العديد من الدول , ويمنحها المزيد من الحرية للتصرف بشأن عموم اليـمن بإعتبارها ( حكومة شرعية ) .

رد البريطانيون على ذلك بإعلانهم عن ( فيدرالية الجنوب العربي ) بعد شهر من الإعتراف الأمريكي بحكومة السلال , وذلك في 18 كانون الثاني 1963 .

8 شباط قلب الأمريكان نظام الحكم في العراق كرد فعل أول . 8 آذار قلبوا نظام الحكم في سوريا كرد فعل ثاني . ثم بدأ الهتاف عالياً لشعار ( الوحدة الثلاثية ) بين مصر وسوريا والعراق فأصبح ( العرب البريطانيـون ) مثل ( العرب الأمريكيـين ) كـلهم يتغنـون بالوحدة ( ومفيش حد أحسن من حد ) كما تقول العبارة المصرية . 

والآن …. سأبدأ لكم حكاية جديدة من سلسلة حكايات مستنقع حرب اليمن التي لا تنتهي : 

فمثلما كانت القيامة الأمريكية قائمة في الشرق الأوسط لطرد البريطانيين من معاقلهم فيه , فقد كانت القيامة الأمريكية قائمة على الفرنسيين لطردهم من فيتنام , بعد أن كان قد تحقق طردهم من قناة السويس 1956 , ثم من الجزائر في 19 آذار 1962 , مما دفع الفرنسيين والبريطانيين الى الحنق الشديد على ( الحلفاء ) الأمريكان . 

في فيتنام الجنوبية .. قام الأمريكان بقتل وكيلهم الأمريكي الذي نصبوه حاكماً على فيتنام الجنوبية ( نگو دنه دييم ) يوم 1 نوفمبر 1963 لأنه حاد عن الخطة التي وضعوها له وبدأ يعارض في تنفيذ بعض أوامرهم . 

ولا تدري هل كان البريطانيون أم الفرنسيون هم الذين إستغلوا هذه المناسبة للثأر من الأمريكان على كل ما يتكبدونه من خسائر في فيتنام والشرق الأوسط . فبعد 3 أسابيع أي في يوم 22 نوفمبر 1963 قام ( لي أوزوالد ) بإغتيال الرئيس الأمريكي كينيدي في دالاس بإطلاق الأعيرة النارية على موكبه الرئاسي . 

ومن أجل كتم حقيقة الحكاية من أن تعلن على الملأ , فقد تم قتل لي أوزوالد قبل محاكمته , ثم قتل قاتله , وهكذا بقيت الحكاية غامضة الى اليوم , حيث نأمل الكشف عن بعض حقائقها بعد مضي 50 عاما على قتل الرئيس . لكن الحكومة الأمريكية وبعد مقتل كينيدي كانت قد وضعت خططا ً سرية للإنتقام من الفرنسيين والبريطانيين . 

بعد 4 أيام من مقتل كينيدي أي في 26 نوفمبر 1963 وافق الرئيس الأمريكي الجديد ليندون جونسون على خطة سرية لحرب شاملة في فيتنام عرفت بإسم ( إن إس أي إم 273 ) توسعت فيما بعد لضرب كل ما يعادي المصالح الأمريكية في فيتنام حتى لو كان ينطلق من كمبوديا أو لاوس . 

أما فيما يخص ضرب مصالح البريطانيين في الجنوب العربي فقد رأى الأمريكان تحويل القتال الدائر في اليمن , من قتال محدود بين قوات الملكيين وقوات الجمهوريين .. الى قتال شامل بين الجمهوريين الذين تدعمهم ( مصر الأمريكية _ سوفييتية التسليح ) مع كل ما يعادي المصلحة الأمريكية في الجنوب العربي . فكيف يحقق الأمريكان هذه الخطة ؟ 

بمنتهى البساطة حققوا ذلك بتقديم الدعم المباشر الى طرفي النزاع في الجنوب العربي وكالتالي : 

رالف بنچ أول ( أسْوَد ) يحصل على جائزة نوبل في كل تاريخها , وهو أمريكي من أصل أفريقي , تم تكريمه بهذه الجائزة عام 1950 لدوره المميز في ( الوساطة الدولية ) خلال الأربعينات من القرن الماضي , التي أدت الى تقسيم فلسطين وإعلان الدولة العبرية . 

رالف بنچ كان خلال هذه الفترة من الستينات يعمل في الأمم المتحدة مع أمينها العام ( يوثانت ) وقد إحتاجت الولايات المتحدة الى خبرته المميزة في الوساطة الدولية من أجل توسيع القتال في الجنوب العربي تحت مسمى إيجاد حل مناسب لإنهاء هذه الأزمة . 

# بعد عشرين يوماً من إغتيال كينيدي , تمت مهاجمة البريطانيين في عدن يوم 10 ديسمبر 1963 حين توجه المفوض السامي البريطاني في عدن السير كينيدي تريڤاسكيس الى قاعدة ( خورمكسر ) الجوية للسفر , فتم رميه برمانة يدوية , أدت الى قتل إمرأة وجرح خمسين بضمنهم مساعد المفوض السامي , حيث توفي المساعد بعد أيام , وأدى الحادث الى إعلان حالة الطواريء في عدن , ثم أصبح الجنود البريطانيون يتعرضون للهجوم في كل من الضالع ورضفان مما أسفر عن حملة إعتقالات بريطانية واسعة في صفوف المواطنين . 

# يوم 26 ديسمبر 1963 رعى السلال إستعراضا عسكريا كبيرا وخطب فيه متباهياً بصواريخه التي تستطيع ضرب قصور السعودية . وفي أول دخول العام 1964 قامت القوات المصرية بقصف مدينة ( نجران ) داخل الأراضي السعودية فتصعد الموقف للغاية , وبإعتبار السعودية محمية أمريكية هي الأخرى .. لهذا قام الأمريكان الذين إعترفوا بحكومة اليمن الجديدة قبل عدة أيام ,, بالتحليق فوق ( جدة ) لحمايتها , في طلعات إستعراض قوة لتصعيد مظاهر الحرب بين كلا الطرفين . 

# أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثها ( إلزورث بونكر ) الى الرياض للتفاهم مع الحكومة السعودية … حيث عرض عليها حماية أمريكية مطلقة وذلك بقيام الطائرات الأمريكية بمهاجمة وتدمير أي جسم غريب يتسلل الى أجواء المملكة السعودية .. ولكن مقابل أن يقوم السعوديون بوقف دعمهم للملكيين اليمنيين .. حتى تتمكن الولايات المتحدة من الضغط على عبد الناصر من أجل أن يسحب قواته الموالية للجمهوريين من اليمن . 

# من الطرف الآخر من المفاوضات كان ( رالف بنچ ) قد أخذ تعهداً من ( عبد الحكيم عامر ) و ( عبد الناصر ) بسحب 18 ألف جندي مصري وترك ( الخبراء ) فقط في اليمن مقابل أن توقف الأردن والسعودية الدعم للملكيين . 

# عاد إلزورث بونكر الى السعوديين وسألهم عن موقفهم النهائي من هذه العملية , وهل سيكونون راضين أو مرتاحين لما سيقوله عنهم العالم وعموم المسلمين .. بأنهم تخلوا عن إخوانهم الملكيين اليمنيين من أجل أن يحافظوا على سلامة أنفسهم تحت الحماية الأمريكية الجوية المطلقة ؟ فكان رد السعوديين أنهم لن يكونوا مرتاحين لهذه النتيجة .. وعليه يجب على الأمريكان تزويدهم بالدعم والسلاح الكافي ليتمكنوا هم من حماية أنفسهم

# خلال هذه الفترة كان رالف بنچ وبإشراف الأمم المتحدة وأمينها العام يوثانت قد خطط لشريط عازل بين قوات الملكيين والجمهوريين على طول الحدود السعودية اليمنية , وخطط لبعثة محققين ومراقبين دولية بإشراف الأمم المتحدة تبقى مرابطة على طول الشريط العازل .. إضافة الى غيرها من المقررات الدولية . 

# بوفاة الملك عبد العزيز عام 1964 أصبح الأمير فيصل ملكا ً , رغم أن عبد الناصر والملك فيصل كانا قد إلتقيا في مصر والسعودية عدة مرات خلال عامي 64 – 1965 ورغم أن وفداً من الملكيين اليمنيين كان قد إلتقى بوفد من الجمهوريين في السودان شهر تشرين الثاني 1964 إلا أن هذه اللقاءات كانت شكلية .. ومخطط لها مسبقاً لكي تفشل . 

# بعد أن تسلمت السعودية الوعد بالدعم الأمريكي الموعود .. أعلنت أنها لن تقبل أن يترك المصريون وراءهم ( أي خبراء ) عند إنسحابهم من اليمن .. فكان الرد المصري بأن مصر وبناءاً على كل المتغيرات فليس لها أي رغبة أو نية بالإنسحاب من اليمن .

# مسؤول بعثة الأمم المتحدة للمراقبين في اليمن ومن أجل الإعلان عن فشل مهمته كان قد قدم إستقالته الى الأمين العام للأمم المتحدة فتم سحب فريق الأمم المتحدة من المنطقة . 

وبهذا نجحت الولايات المتحدة الأمريكية وبكل حسن نية في دعم طرفي القتال من أجل توسيع الحرب . 

تم إعداد معسكر الملكيين في هذه الحرب بالخطوات التالية :

1 تعاهد أمراء بيت ( حميد الدين ) الموجودون في أي مكان من العالم على العمل جميعاً من أجل عودتهم الى الحكم . 

2 أمدتهم الحكومة السعودية بما قيمته 15 مليون دولار من المعدات العسكرية وزودتهم بمحطة راديو .

3 وصل الضابط الأمريكي ( بروس كوندي ) من الشارقة للقيام بقيادة قواتهم أثناء الحرب وبمعرفته إستأجر لهم ( ضباط ) مرتزقة من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا من الذين يملكون خبرات قتالية عالية تحصلوا عليها أثناء مشاركتهم في حروب : روديسيا , ماليزيا , إندونيسيا , فيتنام , والجزائر . 

4 تم شراء جيش من الجنود المرتزقة من الباكستان , أغلبهم من البلوش الأشداء العاطلين عن العمل والذين يرون أن هذه الحرب فرصة لكسب بعض المال .

5 قطعات من الحرس الملكي السعودي تطوعت أيضا للقتال الى جانب الملكيين . 

6 شاه إيران زود الملكيين بالسلاح تحت مسمى كونهم ( شيعة ) ويحتاجون الى دعمه كزعيم شيعي . 

7 البريطانيون كانوا يرسلون الدعم العسكري ليلاً الى الملكيين عن طريق قوافل تتسلل إليهم من إمارة بيحان التي كانت قد إنضمت الى ( فيدرالية الجنوب العربي ) . كما قامت المخابرات البريطانية بتأمين قوة طيران ومعدات عسكرية جوية بقيمة 400 مليون دولار منحت الى المملكة العربية السعودية في قاعدة ( خميس مشيط ) الجوية قرب مدينة جيزان . 

8 كمية الدعم التي كانت مباحثات ( إلزورث بونكر ) قد وعدت بها السعوديين في وقت سابق , كانت قد جعلت إدارة الرئيس الأمريكي ( ليندون جونسون ) تشارك في هذه الإستعدادات في العام 1965 بفريق جهد عسكري هندسي وصل الى قاعدة ( الظهران ) يعمل على إدامة المطارات السعودية والقوة الجوية , ثم رصدت تلك الإدارة عام 1966 ما قيمته 100 مليون دولار على شكل وسائط نقل عسكرية . 

9 ليتمكن الملك فيصل من إسباغ الشرعية على القتال كان قد دعا الى ( مؤتمر إسلامي ) تشارك فيه الدول الإسلامية لمعاضدته ضد ( الإشتراكية الناصرية ) .

10 تمكنت حكومة السعودية من تجنيد الآلاف من رجال قبائل الخط الحدودي مع اليمن لأجل المحاربة الى جانب الملكيين حيث قام المرتزقة ضباط بروس كوندي الأوربيون بتدريب القبليين على حرب العصابات وإستعمال الأسلحة المضادة للدبابات والدروع .

من الجانب المصري , لم يكن هناك غير عبد الناصر والى جانبه في قيادة الحرب ( المشير عبد الحكيم عامر ) وعلى أرض اليمن هناك العقيد عبد الله السلال , التسليح كان سوفييتيا , أعداد القوات اليمنية الحكومية كانت محدودة , أضف الى ذلك أن أفراد الجيش اليمني يقدمون ولاءهم العشائري أو القبلي على ولائهم للدولة , ومن أجل رفع كفاءة هذا الجيش , سارعت الكلية العسكرية العراقية والكلية الحربية في مصر الى تخريج دورات مكثفة من الضباط اليمنيين للمساهمة في القتال . قامت موسكو بتطوير مطار ( الروضة ) العسكري قرب صنعاء كما قامت بقبول المئات من الضباط المصريين لتخريجهم كطيارين لهذه الحرب . سوريا والعراق وعبد الناصر يعول على مشاركة جيشيهما في القتال , كانت قد ألهيت كل منهما بوضعها الخاص ولذلك لم يكن لدى القيادة المصرية خيار غير إرسال شباب مصر الى هذه المحرقة . 

نهاية التسعينات من القرن الماضي إعترفت الحكومة الإسرائيلية بأنها كانت تشارك في هذه الحرب بطلعات جوية تنطلق من إسرائيل محاذية لسواحل البحر الأحمر السعودية ثم تقصف القوات المصرية واليمنية , وتغادر الى ( الصومال الفرنسية ) التي أصبح إسمها فيما بعد جيبوتي . حيث تتزود بالوقود وتواصل العودة على نفس الطريق . 

منذ العام 1963 تم إستخدام السلاح الكيمياوي في هذه الحرب القذرة , وتبادلت كل الأطراف إتهام بعضها بإستخدامه , أما عند إستخدام النابالم , فقد إدعت گولدا مائير وكانت وقتها وزيرة لخارجية إسرائيل بأن القوات المصرية هي التي إستخدمت النابالم , وأوضحت أن عبد الناصر لن يتوانى عن إستعماله ضد إسرائيل .. فيما واجه عبد الناصر مثل هذه الأقوال بأنها دعايات حرب إمبريالية معادية له . لكن دانا آدمز شميدت في كتابه ( حرب اليمن المجهولة ) يؤكد أن مصر هي التي كانت تستخدم هذه الأسلحة ويبدي أشد الإستغراب لأن الأمم المتحدة ولجان مراقبتها لم تكن توثق هذه الحوادث أو ترفع بها شكاوى دولية .. والسبب معروف طبعاً . 

بحلول العام 1965 كانت ديون مصر الخارجية 3 مليار دولار وهذا المبلغ يعد كبيراً جدا ً بالنسبة الى إقتصاديات تلك السنوات . العجز بين الصادرات والواردات يقدر بنصف مليار دولار للعام 1965 وحده لهذا رفعت الحكومة المصرية الضرائب على الشعب وفرضت ضريبة جديدة لدعم المعركة على كل المبيعات . 

في آذار 1966 شنت القوات المصرية أكبر وأعنف هجوم لها في تاريخ هذه الحرب , وفي أيام هذا الهجوم , 13 نيسان 1966 تعرض الرئيس العراقي عبد السلام عارف الى حادث الطائرة الذي لم يزل غامضاً لحد اليوم والذي أودى بحياته , وهذا ما يعزز الظن بأنه قتل , وأن حادث الطائرة لم يكن حادثا ًعرضياً . مشاركة الجيش العراقي في هذه الحرب كانت ستحسمها الى جانب الجمهوريين , في الوقت الذي يراد فيه للحرب أن تدوم ولا تحسم أو تتوقف .

في خطاب عيد العمال 1 / 5 / 1966 قال عبد الناصر بأن الحرب في اليمن قد دخلت مرحلة جديدة لذلك أعلن عن خطة طويلة النفس أو خطة ( صبورة ) تتضمن تخفيض الجيش من 70 ألف الى 40 ألف مقاتل , وتقلص مهام الجيش المصري في اليمن الى التواجد في منطقتين : 

* الشريط الساحلي للبحر الأحمر المقابل لمدينتي : حجّا , وصنعاء . 

* الحدود مع فيدرالية الجنوب العربي التي يتواجد فيها البريطانيون .

كما أصر عبد الناصر على مواصلة قصف ومهاجمة مدينتي نجران وجيزان السعوديتين بإدعائه أنهما مدينتان يمنيتان إستحوذت عليهما السعودية في إتفاقية الطائف لترسيم الحدود عام 1930 . 

بوصولنا الى هذه النقطة من عام 1966 فقد قام السكرتير المساعد لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في الحكومة الأمريكية بالوصول الى المنطقة للقيام بمباحثات مع ناصر وفيصل . 

عند لقاء المبعوث الأمريكي في الإسكندرية بالجانب المصري , رفض عبد الناصر سحب قواته على الرغم من تهديده بخسارة 150 مليون دولار أمريكية على شكل مساعدات مقدمة من برنامج الغذاء العالمي و 100 مليون أخرى مخصصة للتطوير الصناعي . 

ألكسي كوسيگن رئيس وزراء الإتحاد السوفييتي نصح عبد الناصر بعدم خسران المساعدات الأمريكية لأنه لن يتمكن من تقديم العون البديل , لكنه حذر عبد الناصر من أن تشديد القتال على الجبهة السعودية سيؤدي الى عواقب وخيمة على كل منطقة الشرق الأوسط . وبسبب تهدئة عبد الناصر القتال على الجبهة السعودية .. ظهرت الى السطح خلافات حادة بين ضباط القيادة الجمهورية اليمنية جعلت السلال يلقى القبض على البعض من ضباطه ويحكم بإعدامهم متهماً إياهم بمحاولة قتله بدعم من السعودية .

منذ العام 1964 كانت بريطانيا قد أعلنت نيتها منح مستعمرة عدن إستقلالها في حدود عام 1968 على أن تبقى القوات البريطانية في عدن لحفظ الأمن بسبب القتال المحتدم الذي صار يقع بين الأحزاب الشيوعية التي أسسها الأمريكان في المستعمرة .. وكان عاملان يؤديان الى تأجيج القتال بين هذه الأحزاب : 

# تحالف عبد الناصر مع بعض هذه الأحزاب .. وتغيير تحالفاته معها في كل مرة مما سيجعلها تتصارع فيما بينها سعياً للفوز بمساعداته المالية وأسلحته . 

# بوادر الإنشقاق الشيوعي السوفييتي الصيني التي أصبحت واضحة خلال هذه الفترة , ولذلك فما أن مد الإتحاد السوفييتي يد المساعدة لبعض هذه الأحزاب حتى قامت الصين بمد يد المساعدة الى الأحزاب المقابلة كبادرة لإثبات وجودها في هذا النزاع . 

بالمحصلة .. كانت هذه الأحزاب تقاتل البريطانيين وتتقاتل فيما بينها بما أوقع بين صفوفها أكبر الخسائر وحوّل فيدرالية الجنوب العربي الى جحيم . 

بحلول عام 1967 وصل العنف من أطراف فيدرالية الجنوب العربي الى عدن نفسها وكان على أشده في الحي العربي القديم ( كريتر ) . من أجل وقف تهريب السلاح الى كريتر من قبل الأحزاب الشيوعية التي تدعمها مصر والصين والإتحاد السوفييتي , فقد قامت بريطانيا بنشر دوريـاتها على الطرقات داخل المدينة , أما خارج المدينـة فقد نشرت خطا عازلا ًعرف بإسم ( شريط سكربر ) وهو على إسم الضابط برتبة رائد الذي صممه ويدعى ( الميجور ستيوارت ريتشاردسون سكربر ) . 

ورغم كل هذه التعزيزات إلا أن البريطانيين أخفقوا في منع تهريب القنابل اليدوية الى المنطقة .وكان وضع البريطانيين قاسياً وصعباً خلال تلك الفترة .. وكان يتم إختطاف جنودهم وقتلهم في حرب عصابات عامة وشاملة وقعت في عدن , إضافة الى أن عبد الناصر كان قد صرح في شباط 1967 أن ليس له نية بالإنسحاب من اليمن حتى ولو بعد 20 سنة , فرد عليه الأمير اليمني الحسين بن أحمد بأن الملكيين قد إستعدوا لقتال ناصر مدة 50 سنة مقبلة , تماماً مثلما كانوا يقاتلون العثمانيين .

في ظل هذه الأوضاع تفاهم البريطانيون مع الأمريكان على الإنسحاب الكامل من عدن , وحين وصلت الأمور الى هذه النقطة , إنتهى دور عبد الناصر في اليمن وكان ينبغي إخراجه منها بما لا يرتب له أية حقوق مقابل الخدمات التي بذلها أو التضحيات التي قدمها الشعب المصري في هذه الحرب الخاسرة عربياً , والتي قتل المصريون فيها أنفسهم لأجل أن تبدل اليمن مستعمراً بمستعمر . لهذا الغرض , وفي نفس الوقت من أجل حماية إسرائيل ومنحها القدرة على بعض التوسع الذي لم يكن ممكناً أثناء مباحثات تقسيم فلسطين عام 1947 .. وقعت حرب حزيران 1967 وكالتالي :

كانت إسرائيل تحلم بوضع يدها على مرتفعات الجولان السورية التي ينبع منها نهر الأردن وبحيرة طبرية , ولهذا الغرض فقد قامت بزرع جاسوسها إليا كوهين في قلب الحكومة السورية تحت إسم ( كمال أمين ثابت ) الذي كان الرجل الثالث في الحكومة السورية والمرشح لأن يصبح وزير دفاعها , ليحقق لإسرائيل هذا الحلم . 

وسط أجواء الرغبة في إشعال حرب _ التي تقبل كل الإحتمالات .. لا تدري مخابرات أي دولة أعطت الحكومة السورية سر هذا الرجل , فقام خبير روسي بتعقب إتصالاته الى أن تم إمساكه بالجرم المشهود وهو يتخابر مع إسرائيل , فحكم عليه بالإعدام شنقاً ونفذ الحكم يوم 18 مايس 1965 .

تصعد التوتر الى أعلى مدياته بين سوريا وإسرائيل , ولأن ( الحرب الباردة ) بين المعسكر الغربي والإتحاد السوفييتي , هي نسخة طبق الأصل من ( الحرب على الإرهاب ) التي تقع اليوم , حيث معنى كلتا الحربين هو (( عداوة ظاهراً .. وغرام الى حد الهيام باطناً )) وبسبب كون سوريا كانت موقعة على إتفاقية دفاع مشترك مع مصر .. لذلك ساعد الإتحاد السوفييتي على إشعال حرب حزيران بتسريب خبر الى عبد الناصر بأن إسرائيل تحشد على الجبهة السورية , فما كان من عبد الناصر الذي ما زال في معمعة حرب اليمن , إلا إقفال مضائق جزيرتي تيران وصنافير بوجه الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر للضغط على الدولة العبرية لفك إشتباكها المحتمل مع سوريا لكن إسرائيل عوضاً عن فك الإشتباك قامت بمهاجمة كل العرب . 

حرب الأيام الستة إندلعت يوم 5 حزيران 1967 , وخلال يومين أو ثلاثة إحتلت فيها إسرائيل صحراء سيناء المصرية والضفة الغربية الأردنية وجزيرتي تيران وصنافير السعوديتين .. وحين أعلنت الهدنة , خرقها الإسرائيليون وصعدوا وإحتلوا مرتفعات الجولان السورية التي ينبع منها نهر الأردن . كانت خيبة أمل العرب كبيرة لهذه الإنكسارات العسكرية التي كانوا يتوقعون عوضا عنها .. إلقاء اليهود في البحر كما وعدهم قادتهم الجدد الذين يجاهرون بمعاداة الإمبريالية .

هنا سيأتي دور الإخوان المسلمين في مصر … فالخوف من أن الإنكسار العسكري سيدفع قادة العرب الذين فقدوا ثقتهم بالغرب الى أحضان الإتحاد السوفييتي .. جعل تنظيمات الإخوان المسلمين في القاهرة تندفع يوم 9 حزيران 1967 الى السفارة السوفييتية في القاهرة وتقوم بإحراقها … في رسالتين : واحدة ظاهرة والثانية باطنة . أما الظاهرة فهي إتهام الإتحاد السوفييتي بأنه المسؤول عن نكسة حزيران وهذا تبرير يقدم للمواطن العربي في كل مكان . أما الباطنة وهي الأهم فهي الرسالة الموجهة الى الحكام العرب وأولهم عبد الناصر والتي تقول : إن الإرتماء في أحضان الإتحاد السوفييتي نتيجة لهذه النكسة غير مقبول ولن تقف الأحزاب الإسلامية أمامه مكتوفة الأيدي . على الفور … إستقال عبد الناصر في خطابه الباكي .. فبعد أن خسر الحرب , ها هم الإسلاميون يسحبون من يده حتى ورقة المناورة . طبعا , لم تقبل إستقالته .. لكن بقاءه في السلطة مكتوف اليد .. أدى الى إنكسارات نفسية في الشارع العربي وشعور عميق ممض بالهزيمة أكبر وقعاً من وقع الحرب نفسها . 

خسرت مصر في حرب حزيران 15 ألف جندي , وكانت تخسر إسبوعيا ًما قيمته 5 مليون دولار نتيجة إقفال قناة السويس , فأصبحت أوضاعها الداخلية بمنتهى القتامة , ولم يعد أي نصر ستحققه في اليمن كافياً ليغسل عار النكسة الذي منيت به سياسة عبد الناصر , لهذا سحبت من اليمن هذا العدد من الجنود وقامت بتوزيعه على جبهتها مع إسرائيل . 

شهر آب 1967 عقد إجتماع في الخرطوم أعلنت فيه مصر أنها جاهزة لإنهاء قتالها في اليمن , فيما أعلن وزير الخارجية المصري محمود رياض أن مصر والسعودية ستعيدان العمل بإتفاقية جدة الموقعة بينهما عام 1965 ووافقت السعودية على ذلك . ولأن مصلحة الأمريكان هي التي تتطلب الآن إنهاء الحرب , فلعلكم ستستغربون حين تعرفون أن الملك محمد البدر , وبعد كل هذا القتال الضاري , يعلن في هذا الإجتماع بأنه سيضم جيشه الى جيش مصر من أجل مقاتلة إسرائيل .

وقّع ناصر مع فيصل معاهدة يسحب بموجبها 20 ألف مقاتل مصري من اليمن مقابل أن يكف فيصل التحرش بالسلال , وتكون 3 دول عربية محايدة هي الرقيب على تنفيذ ذلك .

يوم 30 تشرين الأول 1967 غادر البريطانيون مستعمرة عدن بنقلهم بواسطة سلاح الجو والبحر البريطانيين . البحرية البريطانية التي كان جنودها أول من دخل عدن عام 1839 كانوا هم آخر من غادر عدن بصحبة المهندس الملكي الذي يقوم بقيادتهم .

إتهم العقيد عبد الله السلال عبد الناصر بأنه باعه مقابل الفوز بالدعم العربي المالي الذي ستقدمه له كل من السعودية والكويت وليبيا لترميم صدوع مصر بسبب هذه الحرب , عندها بدأت المحاولات الإنقلابية تحيق بالسلال من كل جانب , وكانت آخرها التي وقعت في 5 تشرين الثاني 1967 أي بعد خمسة أيام من إنسحاب البريطانيين من عدن , حيث تم إحتلال القصر الرئاسي والإطاحة بالسلال الذي إضطر لطلب اللجوء في بغداد , فمنحته حكومة عبد الرحمن عارف اللجوء السياسي ومنحته داراً للسكن وراتب 500 دينار شهرياً

تسلم القاضي عبد الرحمن الإرياني حكم اليمن من الرئيس عبد الناصر , بحكم أن اليمن كانت مرتبطة لحد الآن بإتحاد ( كونفدرالي ) مع مصر وكانت حكومة ضعيفة تسودها الإنشقاقات . كما إستمرت المناوشات القتالية بينها وبين بقايا الملكيين والذي إستمر حتى عام 1970 . 

وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر يوم 28 أيلول عام 1970 كان نقطة مفصلية في تاريخ حرب اليمن فبعد حوالي شهرين من ذلك تم البت في أمر كونفدرالية الجنوب العربي التي كانت قد إستقلت عن بريطانيا منذ 30 تشرين الأول 1967 .

حرب ظفار الأمريكيه لإخراج البريطانيين من سلطنة عمان كانت في أوجها ولهذا كان الأمريكان بحاجه الى الشيوعيه لإسناد هذه الحرب , ولهذا ففي 30 تشرين الأول 1970 تم التوقيع مع الأحزاب الشيوعية اليمنية الموالية للإتحاد السوفييتي لتأسيس حكومة ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) وعاصمتها عدن , وقامت على الفور بتوثيق علاقاتها مع الإتحاد السوفييتي .. وظلت هذه الحكومة قائمة حتى هدم جدار برلين وتوحيد الألمانيتين .. عندها تم حل هذه الحكومه .. وتم توحيد شطر اليمن الجنوبي مع اليمن الشمالي وعاصمته صنعاء . 

في نفس العام 1970 قامت المملكة العربية السعودية بالإعتراف بحكومة اليمن الشمالية وأوقفت دعمها للملكيين بالكامل . وفي العام 1971 إلتقى الرئيس المصري أنور السادات بالملك فيصل ليتفقا على إنهاء أي وجود لهما في اليمن مقابل أن تحل مصر إتحادها الكونفدرالي مع اليمن الشمالية . وهكذا , فبعد أن حققت جميع الأطراف مصلحة الولايات المتحدة بإخراج البريطانيين من عدن والجنوب العربي .. تخلى الجميع وبأسلوب ( جنتلمان ) عن اليمنيين تاركينهم يواجهون مصيرهم الغامض بأنفسهم . 

مشاكل اليمن بين الجنوبيين والشماليين , وإستفحال تنظيمات القاعدة , ومشكل الحوثيين , وتخلف البلد , ودكتاتورية السلطة الحاكمة , والصراعات القبلية , كلها مستقرات آسنة لمياه ذلك المستنقع التي طال زمان ركودها , فأصبحت مستقراً خصباً لمختلف أنواع الأشنات والطحالب والسپايروجيرا والكائنات الهلامية التي لاتعيش إلا في المياه القذرة .

لن نسأل عن أين المجتمع الدولي من هذه الكارثة الإنسانية , فالمجتمع الدولي مجرم كبير مدجج بالقانون الذي يحمي مصالحه هو فقط . كما لن نسأل عن الحاكم العربي .. فهو إن لم يكن عميلاً لقتله أقرب الناس إليه . لكننا نسأل عن حلقات أصغر من هذا .. أين هي الجامعة العربية من هذه المحنة الإنسانية ؟ في وعلى ماذا تتباحث قممها ؟ فكما يقول المثل لا طلنا بلح غزة ولا أكلنا عنب اليمن .. على ماذا تتباحثون حين تلتقون في ( شرم ) ؟ واهبلتكم أمهاتكم كما يقول الشاعر المبدع مظفر النواب وهو يستعرض مخازي القمم العربية التي تنعقد لتسلية الحاكم والمسؤول العربي والترفيه عنه , وليس لتدارس قضايا هذه الأمة التي أصبحت بسبب طول إهمالها مستعصية العلاج .  ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.