مجلس العزاء مازال مفتوحا منذ نصف قرن

محمد الرديني

لعلنا أكثر شعوب العالم بكاءا ونواحا ولطما وصراخا، بل اننا عشنا وما زلنا نعيش تحت شعار نحن نصدر الحزن فمن يشتري ا كما فريد الاطرش اشتري الحب بالعذاب فمن يبيع.
لا أريد أن أقابل كلمة الحزن بالفرح فسيتصدى لي اكثر من 7 ملايين عراقي تحت خط الفقر و5 ملايين يتيم ومليون شاب خريج عاطل وأكثر من نصف مليون عجوز لا ينام الليل مخافة كاتم الصوت أن تخترق رصاصاته أدمغة أحفاده الصغار.
كل هؤلاء سيصرخون في وجهي وبلهجات عراقية مختلفة: ولك أنت بطران لو توك ماكل “باجه”.. ولك ترى نلعن أبو سلفاك اذا تطري هاي السالفة مرة ثانية.. من وين يجي الفرح ويومية مقتول 20 اذا مو اكثر.. من وين يجي الفرح واحنه مثل الفيل اللي يخاف من الفاره .. والله اذا جبت طاري هاي السالفة مرة ثانيه ندور على شيخ عشيرتك ونروح فصّالة .. افتهمت”.
والله ياعمي افتهمت بس انا مو قصدي الفرح ولا قصدي اتبطر عليكم..لو سامعيني الى الآخر جان ما تعبتوا نفسكم بهذا الكلام.
كل اللي اريد اكوله يتلخص بنقطتين:
اولا 99.9% من مطربينا فاشلون فاشلون وامعات ،لأنهم ساهموا بقصد او بدون قصد في تكريس الحزن في قلوبنا، وهذا الكلام منذ اكثر من 50 سنة .. ظلوا ينوحون باسم الحبيب الغائب واحنه نبكي على حظنا .. هم يرقصون واحنه نلطم على وجوهنا.. وما أن يخلصون اغانيهم بالاذاعة تعال وشوفهم بالليل.. ضحكهم واصل لابو موزة.. وحين يستضيف التلفزيون واحدا منهم فانه يجلس كالطاووس امام الكاميرا ليقول: والله انت تعرف احنه شعب تربى على الحزن، وهذا الحزن جزء من تراثنا لايمكن الاستغناء عنه ، انه حزن محبب ،شفت شلون؟ ومن راح انغير في نمط اغانينا الناس تكرهنا ولا راح نبيع ولا سي دي ونموت من الجوع، واحسن شي نمشي ويا رغبة الجمهور،شفت شلون”
نقطة نظام: انا لا ادعي ابدا بنشر اغاني الفرح لآ ابدا ليس هذا قصد الكلام، ولكني اعتقد ان الاغنية مثلها مثل اي سلاح فعال بيد الشرفاء.
سؤال مابي خيارات.
لماذا اشتهرت اغنية “وين الكهرباء يادولة القانون؟”.
فيروز التي يحبها كل الناس من اقصى الشرق الى اقصى الغرب لم تغني للفرح وانما غنت للناس.
ماتت ام كلثوم واندثرت اغانيها المشهورة.. وبعدها توفي فريد الاطرش ثم عبد الحليم حافظ وبينهم محمد عبد الوهاب ونسى الناس ماذا كانوا يغنون.
ولكن بقت أغاني فيروز وحضيري أبو عزيز وفؤاد سالم والحان كوكب حمزة وكلمات طالب غالي ومظفر النواب.
كل المطربين الحاليين “اقصد 99.9%” منهم فاشلون ومصابون بالشيزوفرينيا او السادية ولا داعي للاستدلال على ذلك فانتم تعرفونهم اكثر مني، فهذا الذي يحمل لقب الرسام وذاك المهندس وثالثهما البيطري ورابعهم أبو شامة اما الحريم فاعوذ بالله منهن ومن طوب ابو خزامة.
اتحدى أي مطرب ومنذ عشرات السنين تجرأ وغنى لاولاد الملحة او حتى أقام لهم حفلات في مناطق سكناهم مجانا.
انا مثلكم ، حين اريد ان ابكي اسمع صباح اللامي واذا اردت ان ارقص من الالم اسمع حسام الرسام واذا اراد احد الآباء الاحتفال بعيد ميلاد ابنه الثامن يطلب منه احد الحاضرين الكبار: وحياة ابوك سمعنا اغنية من أغاني جبار عكّار”.
من يقول أني بطران حين اطالب ان تكون الاغنية جزءا من لغة هذا العصر وتحكي عن هموم المواطن وتصبح وسيلة احتجاج فعّالة يكون غير دقيق في كلامه.
اعرف تماما ان هذا الامر يحتاج الى سنوات طويلة والى تعرض مطربينا الى حالة افلاس او جوع لامثيل لها ولكن الامر يستحق المحاولة خصوصا حين يبقى هذا المطرب او الشاعر في ذاكرة الناس.
فاصل ديمقراطي: ادرجت اسماء عدد من افراد عائلة بصرية معروفة في القائمة السوداء خصوصا في مديرية الهجرة والجوازات”تأشيرة،تجديد جواز،فقدان جواز ..الخ” ويقال حتى اجراءات معاملة التقاعد لمن بلغ السن القانوني لهذه العائلة ستركن في الادراج ،اما اذا حصل وضاعت الشهادة الجنسية او عدم المحكومية او هوية الاحوال فستكون فرصة امام الموظف ليتنفذ ماجاء بالتعليمات الشفهية ويمارس ساديته المعروفة.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.