متى ينفجر ذلك الدمّل؟!!

متى ينفجر ذلك الدمّل؟!!

وفاء سلطان

,الإسلام كالدُمل لن يشفى العالم منه إلاّ بانفجاره.
………..
جسيكا مريضة نفسية قضت سنوات كثيرة في أحد المصحات العقلية. من ضمن ما كانت تعاني منه، تمّ تشخيص اصابتها باضطراب نفسي يدعى: الوسواس القسري القهري
Obsessive Compulsive Disorder

تستحوذ عقل المصاب به عادة بعض الأفكار أو التصرفات التي لا يستطيع أن يتخلص منها، كأن تسيطر عليه فكرة سحب سكين وقطع يده، أو غسل يده كلما لمس شيئا ما، أو أن يخرج من باب بيته وهو يمشي إلى الوراء، أو أن يغلق باب سيارته ثم يفتحه ثم يغلقه وهلما جرى.
لن أسهب في شرح ذلك الإضطراب، لكنني أودّ أن أشير إلى أنّ جسيكا كانت مهووسة بجمع المناشف وطيها وفق ترتيب معين. أعيت من خلال هوسها هذا القائمين على رعاية المصح النفسي، فلقد درجت على سرقة مناشف المرضى والعاملين في المصح وترتيبها في غرفتها وفق نسق معين.
جرّب الطبيب المشرف على علاجها جميع الطرق العلاجية التقليدية دون جدوى، فقرر أن يداويها “بالتي كانت هي الداء” على حد تعبير المثل العربي.
بدأ بإرسال عدة مناشف لها مع كل وجبة أكل، وكان يترك على عتبة غرفتها المزيد منها بين الحين والآخر.
بعد أن وصل عدد المناشف في غرفتها إلى ما يزيد عن ستمائة منشفة، تفاجئت الممرضة التي حملت لها وجبة الإفطار ذات صباح بالمريضة تدفشها إلى الوراء وتصرخ: اغربي عن وجهي أيتها الحمقاء وخذي مناشفك معك!
…………………
الوجود الأمريكي في العراق لم يشعل نار الإرهاب، لكنه أزاح الرماد عن جمرها. ليس الأمر جديدا لكنّه كان مؤجلا لقرون.
الحكام الدكتاتوريون في العالم الإسلامي، والحق يقال، لجموا العنف بالعنف لكنهم لم يعالجوه. وخير من أجاد تشخيص تلك الحالة الشاعر نزار قباني عندما قال في قصيدته “رسالة إلى حاكم عربي”:
أقتلكم كي لا تقتلوني…..
على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن استحوذ العنف على دماغ المسلم حتى صار محفورا في شيفرته الوراثية. وصار من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، لجم النزعة إلى العنف بطرق صحيّة وسليمة.
قد لا يكون من الإنسانيّة بمكان أن أقول بأن الإنفجار هو السبيل الوحيد لحل المشكلة، لكنّها الحقيقة المرّة.
لا حلّ يلوح في الأفق إلاّ عبر حروب أهلية ستأتي على الأخضر واليابس وتزهق أرواحا كثيرة وبريئة.
لم تمتلىء بعد غرف المسلمين بالمناشف، ولا حلّ إلاّ بما كانت هي الداء!
سيصل الأمر بهم إلى أن يصرخوا ببعضهم البعض: كفاية….كفاية لقد أعيانا القتل والقتال وحان الوقت لنعيش بسلام.
ولكن متى سيصلون إلى تلك الحالة؟!! لا شكّ إن الطريق إليها سيمخر عباب بحر من الدماء!
ليس من باب الصدفة أن تصلني معظم رسائل التأييد من الجزائر والعراق، فلقد غصّت غرف البلدين بالمناشف ولم يعد هناك رغبة في سفك المزيد من الدماء. تقول الأخبار الواردة من الجزائر بأن عشرات الآلاف من الجزائريين يتركون الإسلام من حين لآخر. لا عجب! فعشر سنوات من تكديس المناشف ضيّقت على الناس حياتهم فصاحوا: خذوا إسلامكم وارحلوا، لقد أعيانا القتل والقتال!
………………………………..

القاموس اللغوي الإسلامي قاموس مملوء بالعنف والدعوة إلى القتل والقتال. تتطلب الطقوس الإسلامية من المسلمين تكرار تلك اللغة بطريقة اتوماتيكية آلية تلغي دور العقل وتجرّد الإنسان لاحقا من روحانياته.
في كل لغات العالم وأديان الأرض تعتبر الصلاة لحظة وصل بين الخالق والمخلوق. المخلوق يتكلم والخالق يصغي، واللغة المختارة من قبل المخلوق تُضفي على تلك اللحظة جمالها وروحانيتها.
لكنّ الأمر في الإسلام يختلف، فصلاة المسلم عبارة عن طقوس يكررها بطريقة تُبرمجه دون أن تسمح له باختيار لغة خاصة به.
يتبرمج الإتصال بين المسلم وربّه ويصبح مع الزمن آليّا يفقد عندها الإنسان الإحساس بسموه وروحانيته.
كيف يشعر المسلم بروحانيته وهو يكرر في صلاته قياما وقعودا لغة كتلك التي تقول:
غير المغضوب عليهم ولا الضالين…
من شر الوساس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس….
فصلي لربك وانحر إنّ شانئك هو الأبتر…
من شر ما خلق…
وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد…
إن الإنسان لفي خُسر…
ما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة…
وارسل عليهم طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل…
وما إلى ذلك من لغة صحراويّة جافة مرعبة تسلب من النفس روحانيّتها ومن العقل قدرته على الإبداع.
………………….
كنت حديثة العهد في أمريكا. تلقيت دعوة من مدرسة ابنتي لحضور حفل تخرجها من مرحلة الحضانة وانتقالها إلى المرحلة الإبتدائية.
في حفل التخرج، ألقى محافظ المدينة كلمة قال في نهايتها: اسمحوا لي أن أبدأ الحفل بالصلاة.
بالصلاة؟!!
لم أشعر بالإرتياح للأمر وظننت بأنه سيفرض على الحضور دينه وطقوسه، فالصلاة في عرفنا وحسب مفاهيمنا لها عبارة عن طقوس مبرمجة لا يمتلك أحد الحق في أن يغيّرها، لأفاجئ به يقول:
يارب نشكرك على تلك الوجوه البريئة التي أرسلتها لنا، يارب نشكرك على هذا المكان الجميل ونشكرك لأنك سهّلت على عائلات أطفالنا الحضور رغم انشغالهم بأمور الحياة، كما ونشكرك يارب على تلك البيتزا التي سنتقاسمها معا، من فضلك يارب احم هؤلاء الأطفال وخذ بيدهم لأنهم صانعوّ المستقبل. ثم أنهي صلاته بشكره لنا جميعا.
من يومها للصلاة عندي مفهوم آخر غير الذي ورثته عن أبي.
………………………..
الروحانية، وليس الدين، هي لبّ العقيدة البوذية.
تسعى تلك العقيدة للسمو بالنفس فوق مستوى الأديان والتحليق بها روحانيّا حتى تتحد مع الكون المطلق وتصبح جزءا لا يتجرأ منه.
ثلاث صفات يجب أن يتحلى بها الإنسان كي يكون قادرا على أن يسمو بنفسه روحانيّا إلى ذلك المستوى. أولها الصدق
truthfulness
وثانيها الشفقة Compassion
وثالثها قبول الآخر Tolerance .

أين تلك الصفات من المسلم ومن الإسلام؟
إن من أكبر الأمور في الإسلام التي ساهمت في تجريد المسلم من روحانيته هي موقفه من الآخر. لا يستطيع إنسان أن يتوحّد مع خالقه طالما يحمل ذرة غلّ في نفسه ضد أخيه الإنسان.
عندما يعيش الإنسان في صراع مع غيره يخسر روحانيته.
تصوروا انسانا يقف في لحظة صفاء روحي أمام القوة العليا التي ينشد التوحد فيها، فيتضرع إليها متوسلا: ” فانصرنا على القوم الكافرين”؟!!
أيّ نصر ذاك الذي ينشده؟!!
إنّ أشرف المعارك تلك التي يخوضها الإنسان ضد نوازع الشر في نفسه وليس في نفس غيره. فلو أصلح كلّ انسان نفسه وآخى غيره لكانت البشريّة بألف خير.
………………
من الحوادث التي حفرها الزمن عميقا في ذاكرتي يوم كنت طفلة، ربّما في الخامسة من عمري، وكان جارنا ماجد يسكن الشقة المجاورة لشقتنا مع زوجته ورهط من أطفاله.
ماجد رجل شرير محبّ للأذى، كان مصدر خوف وإزعاج لكلّ من جاوره.
زرعت أمي مرّة شجيرة صغيرة في المسافة التي تفصل بيتنا عن الشارع الممتد أمامه. نما اهتمام أمي بشجيرتها مع نموّ أغصان تلك الشجيرة وأزهارها. طالما سمعتها تتحدث اليها بقولها: صباح الخير يا حبيبتي، سبحان من أبدعك!
ذات صباح غير مشرق سمعنا أمي تصرخ وتنظر من نافذة البيت إلى شجيرتها، ثم تركض إلى الخارج. أحاطت بيديها الشجيرة وراحت تولول: قاتله الله لقد قتلها!
تدلت أغصان الشجيرة بعد أن فارقها كلّ أثر للحياة، وأغمضت أزهارها بعد أن رحل عنها ربيع العمر.
جرفت أمي بكلتا يديها حفنة من التراب وراحت تشمه وتصيح: لقد صب الكاز على جذعها كي يطفئ به جذوة غلّه!
اجتمعت نساء الحي لتعزّي أمي وتؤكّد ظنونها، فلقد رأينه يفعل ذلك مساء البارحة بينما كنّا خارج البيت ولم يجرأ أحد على ردعه.
لا ينتابني أدنى شك بأن ماجد كان رجلا “مؤمنا” وكان يدعو ربّه في السرّ والعلانية “انصرنا على القوم الكافرين”، فنصره على شجيرة لا حول لها ولا قوة. ليته دعا ربّه كي ينصره على أنانيته وجبروته وكي يُطفئ نار الحقد في قلبه.
……….
يلتقط الواحد منّا محفظة عن الأرض تحوي نقودا وهوية صاحبها. تختلف ردّة فعل كلّ منّا بإختلاف مستوى سيطرته على نوازع الشر في نفسه.
يقرر أن يردّها عندما تكون نوازعه تحت سيطرته، ويقرر أن يحتفظ بها عندما يكون تحت سيطرة نوازعه. لكنه يتردّد بين أن يردّها وبين أن يحتفظ بها عندما لم يحسم الصراع بينه وبين نوازع الشرّ في نفسه بعد.
لو تضرّع المسلمون إلى ربهم كي ينصرهم على نوازع الشرّ فيهم وليس على “الكافرين” لما ابتلينا بحكّام شفطوا الدجاجة وبيضها والناقة وبعرها!
تقول المفكرة والكاتبة الأمريكية المعروفة
Louise L Fay :

What I gave out in the form of words would return to me as experience.
ما أقوله من كلمات أعيشه كتجارب.
إذا لغتنا هي التي تحدّد تجاربنا. واللغة التي حرّضتنا على قتال “الكافرين” لمدة أربعة عشر قرنا من الزمن قتلتنا عبر ذلك الزمن.
………….
نحتاج في تقييمنا لأي مجتمع إلى رؤيته عبر الميكروسكوب، إذ لا يكفي النظر إليه بالعين المجردة كي نلتقط سلبياته وإيجابياته.
عندما يقيّم المسلمون مجتمعات غيرهم تظنهم ملائكة هبطت من السماء وبأنهم من نسل افلاطون ويعيشون في مدينته الخالدة، بينما مجتمعاتهم الإسلاميّة متسرطنة حتى نقيّ عظمها.
قارئ من دُبي كتب لي يقول: من السهل على المرء أن يلتقط إمرأة داشرة من أيّ مكان في شوارع دُبي وعلى مرآى من عيون الشرطة، لكنهم قفلوا الموقع الذي تكتبين فيه، ولقد فشلت كلّ محاولاتي للحصول على مقالاتك، فهل لديك حلّ؟
لا عجب! فلقد حلّل لهم كتابهم أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء، لكنه حرّم عليهم أن يفتحوا عقولهم على أمور “إن تُبد لكم تسؤكم”!
فهل يسؤهم أكثر من كتابات تنشر غسيلهم؟!!
أي مجتمع ذاك الذي يعتمد تلك الآية دستورا له:
“ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردنا تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم”
أهكذا يحرّم البغاء؟!!
ولا تكرهوا… ، فماذا لو أحببن؟!!
ولماذا لم يقل “حرّموا” عوضا عن “لا تٌكرهوا”؟!!
إذا أردنا تحصّنا، فماذا إذا لم يردن؟!!
إن الله من بعد إكراهن غفور رحيم!!
لمن سيغفر، للرجل الذي أكرهها على البغاء أم للمرأة التي اُكرهت على البغاء؟!!
أتلك هي لغة التحريم؟!! أين البيان في كتاب قالوا عنه “مبين”؟!!
………………………………..
يتّهمني البعض بأنني لا أقرأ القرآن في سياقه التاريخي وأقتطع منه عبارات وجمل!
أي سياق تاريخي؟!! أليست كلّ عبارة هي وليدة اللحظة التي تقولها فيها؟!
أين الخلل في أن أقتطع عبارات وجمل؟!! أكدت الدراسات بأن الألفاظ لا تقل أهمية عن الجمل.
هل هناك فرق في المعنى بين أن تقول: لستُ اليوم مريضا وبين أن تقول: أشعرُ اليوم بأنني معافي؟ طبعا لا!
ولكن الفرق كبير بين الوقع الذي تتركه كل عبارة في نفس صاحبها.
فعندما تقول: لستُ اليوم مريضا، يسمع عقلك الباطن كلمة مريض ويصدقها وتكون النتيجة جهازا مناعيّا ضعيفا يؤدي إلى المرض. تٌدعى العلاقة بين اللاوعي والجهاز العصبي والجهاز المناعي
neuropsychoimmunology

بينما عندما يسمع عقلك الباطن كلمة معافى يصدقها أيضا وتكون النتيجة جهازا مناعيا أقوى وبالتالي صحة أفضل.
إذا بقدر ما يهمّنا معنى العبارة بقدر ما يهمّنا وقع ألفاظها على اللاوعي عندنا.
على لوحة كبيرة معلقة على مدخل شركة طيران Jet Blue في أحد المطارات الأمريكيّة كُتبت عبارة سحرت عقلي:
Don’t say good bye, say see you later
لا تقل وداعا، بل قل أراك غدا!
كلا العبارتين تعنيان الوداع، لكن الفرق بين وقع العبارة الأولى على النفس ووقع العبارة الثانية كبير جدا.
عندما تقول “وداعا” تصاب بحالة كآبة، وعندما تقول “آراك غدا” يدخل الفرح إلى قلبك، علما بأن معنى العبارتين يكاد يكون واحدا!
لنقرأ ما يقوله الشاعر في وصف عينيّ حبيبته وهي تبكي:
أمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت…..وردا وعضت على العناب بالبرد
هي تبكي….لكن الشاعر أفرحك بألفاظه وهو يصفها تبكي.
بينما يصف شاعر آخر عينيّ محبوبته عندما يغرق فيهما، بقوله:
عيناك بحر إذا ما جبت شطّهما…..صرخت يا هدب أنقذني من الغرق
صرخت…..أنقذني…..الغرق….ألفاظ تصيبك بالكآبة رغم جمال مدلولها.
لقد سقط الإنسان المسلم ضحية لغة سقيمة عقيمة، فجعلته سقيم العقل عقيم الفكر.
يتكرر الفعل “قتل ومشتقاته” أكثر من عشرين مرة في سورة البقرة، وتقول إحدى آياتها:
“ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون”
لماذا لا يحيا الإنسان في سبيل الله بدلا من أن يُقتل؟!!
ألم يكن أفضل لو قدّست الآية حقّ الحياة بقولها:
“وقولوا لمن يحيا في سبيل الله بوركت حياتك فأنت من الخالدين”
لو جاءت الآية بهذا الشكل الآخير عوضا عن الشكل الذي وردت فيه هل كنا سمعنا أما فلسطينية تزغرد عندما يفجّر ابنها نفسه وتقول: لدي ولدان آخران وآمل أن يسلكا درب أخيهما؟!!!
لو جاءت الآية وفق ذلك الشكل الأخير هل فجر أحد نفسه في قرية في شمال العراق وقتل أكثر من خمسمائة مواطن كردي بدون أي احترام لحق الحياة؟!!
طبعا لا!
لقد تبرمج عقل المسلم على القتل، ولم يتبرمج على حبّ الحياة.
إن لغة تبارك القتل في سببيل الله هي لغة لا تنجب عقلا قادرا على أن يبدع في الحياة!
الزراعة إبداع، البناء إبداع، الرسم إبداع، الغناء إبداع، الكتابة إبداع، الحوار إبداع، التربية إبداع، كل مظهر من مظاهر الحياة إبداع، بل الحياة برمتها إبداع.
ولا إبداع مع لغة تمتهن القتل.
لذلك لم نجيد يوما الزراعة ولا البناء ولا الرسم ولا الغناء ولا الكتابة ولا الحوار ولا التربية ولا إيّ مظهر من مظاهر الحياة، لأن عقولنا الباطنة تبرمجت على قتل الحياة.
…………….
للعقل حيزان الوعي واللاوعي.
الوعي هو حالة اليقظة التي نعيش فيها ونحسّ من خلالها بما يجري حولنا. أمّا اللاوعي فهو القيادة التي تحركنا من وراء الكواليس بطريقة غير ملحوظة أو مرئيّة.
يستقبل الوعي المعلومات من الوسط المحيط بالعضوية عن طريق الحواس، فيرسلها إلى حيّز اللاوعي حيث يقوم بدراستها وتحليلها ويصل من خلال تلك الدراسة والتحليل إلى استنتاجات مهمة يعود ويرسلها إلى الوعي الذي يتخذ قراره بناء على تلك الإستنتاجات.
وعي (أحاسيس)  اللاوعي (استنتاجات)  وعي (قرار)
عندما نمرّ، على سبيل المثال، بتجربة صعبة يحسّ الوعي بالألم وينقل إحساسه به إلى اللاوعي. يقوم اللاوعي بتحليل الأمر ويصل من خلال ذلك التحليل إلى استنتاج، ثم يرسل استنتاجه إلى الوعي، فيقوم الوعي باتخاذ قرارا بناء على ذلك الإستنتاج.
اللاوعي يخزن إحساسه بالألم واستنتاجاته في حيّز الذاكرة. فعندما تتعرض العضوية لتجارب صعبة مماثلة لا يحتاج اللاوعي إلى القيام بالتحليل من جديد فيرسل استنتاجاته السابقة الصنع بطريقة اوتوماتكية آلية.
ولذلك تبقى السنوات الأولى من عمر الإنسان هي الأهم في حياته. إذا يتمّ خلالها معظم البرمجة، ويتحول اللاوعي في السنوات اللاحقة من العمر إلى محطة ترسل الاستنتاجات المسبقة الصنع بطريقة آلية ودون الحاجة للكثير من التحليل.
…………….
طفلة في الرابعة من عمرها، تجري معها مذيعة سعودية مقابلة تلفزيونية. تسألها خلال المقابلة: هل تحبين اليهود؟ تجيب الطفلة: لا. تسأل المذيعة: لماذا؟ تجيب الطفلة: لأنهم قردة وخنازير!
اللاوعي عند تلك الطفلة تبرمج ليربط بين اليهود من جهة والقردة والخنازير من جهة أخرى، ويحس من خلال هذا الربط بألم ما وبالتالي يصل من خلال ذلك الألم إلى استنتاج ما. هذه الطفلة وفي عمرها اللاحق لن تكون قادرة على اتخاذ قرارات خارج إطار تلك المعادلة. ومن هنا أرى محاولة بعض المسلمين وخصوصا في الغرب على ربط مواقفهم من اليهود بالقضية الفلسطينية نفاقا وكذبا لن يقودهم إلى نتيجة.
فالأزمة مع اليهود أزمة أثارها القرآن وبرمج عقول قرائه منذ أربعة عشر قرنا على تكريثها.
………………………..
عندما تتم برمجة اللاوعي، يتشكل حاجز لا مرئي يفصل بين اللاوعي والوعي، ويقوم بدفش كل الأفكار التي لا تنسجم مع برمجة اللاوعي ومنعها من دخوله.
فالإنسان الذي يتبرمج حيز اللاوعي عنده على ربط اليهود بالقردة والخنازير لن يقبل أية فكرة تناقض ذلك الربط، حتى ولو قادته تجاربه إلى إثبات العكس.
في أمريكا، يقص عليّ الكثيرون من المسلمين والعرب تجاربهم مع اليهود، ويؤكّدون دائما على أن اليهود مخلصون في العمل صادقون لا يخونون ولا يسرقون.
هذا ما أثبتته تجاربهم مع اليهود، لكن الحاجز الذي يفصل بين الوعي واللاوعي عندهم يمنعهم من تبني قناعة جديدة وتظل البرمجة التي نشأوا عليها تتحكم بواقفهم وقراراتهم.
ولا أعتقد بأن البرمجة حيال المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى تختلف كثيرا، ولكن القضية الفلسطينية تطفو باليهود دوما على سطح الوعي.
عندما ألقوا القبض على الإرهابي الباكستاني خالد شيخ محمد قال لهم: بيدي اليمين المباركة قطعت رأس اليهودي الأمريكي دانيال بيرول.
هل قطعها لأنه على خلاف مع اليهود حول القضية الفلسطينيّة، أم لأنه مبرمج في وعيه وفي حيّز اللاوعي عنده على أن يربط بين اليهود من جهة والقردة والخنازير من جهة أخرى؟!! ألم يقل قرآنه:
“ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسيئن”
هذا ما يقوله كتاب المسلمين، أما اليهودي انشتاين فيقول:
God doesn’t play dice.
الله لا يلعب النرد، بمعنى إن الله ينظّم ذلك الكون وفق معادلات وقوانين غاية في الدقة. يخلق الإنسان جميلا لأنه يحب الجمال ومحال أن يمسخه قردا، فمعادلة خلق الإنسان تختلف عن معادلة خلق القرود!

هذا ما قاله المسلم خالد شيخ محمد وهذا ما قاله اليهودي أنشتاين، فأي إله ذاك الذي يمسخ أنشتاين قردا ويترك خالد شيخ محمد على شاكلة البشر؟!!
………………………….
لاحظت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة. لقد امتلأ بريدي برسائل من قراء تستنكر “هجومي” على الإسلام ولكن بأدب لم يسبق لي أن لمسته لدى “المدافعين” عن الإسلام. والأغرب من ذلك إنكارهم للسنة والحديث وإدعاؤهم بأن الإسلام هو القرآن.
طبعا تُبشر تلك الظاهرة ببارقة أمل تلوح في الأفق، والأمل ليس في إصلاح الإسلام وإنما في إنهياره.
إنها الخطوة الأولى في طريق طويل وشاق، بل إنّها الخطوة الأسهل!
اللغة المهذبة التي سادت رسائلهم أشارت لي: بأنهم بدأوا يستيقظون. أمّا انكارهم للحديث والسنة فقد أشار لي: بأنهم بدأوا يعون.
عندما يهترئ الثوب يبدأ الفقير بترقيعه محاولا أن يمدّ بعمره.
إنها مرحلة لا بد من المرور فيها قبل أن يصرخ صاحب الثوب: صار الخزق أكبر من الخرق!
فإلى متى سيكابر هؤلاء بأن ماجاء في السنة والحديث محض افتراء، وكيف سيثبتون بأن القرآن ثوب لا خزق فيه؟!!
يقول القرآن نفسه: ” وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى”.
فلماذا لم يحفظ الله ما ينطق عن هوى نبيه من التزوير والإفتراء؟!!
لقد قال لي مفكر ومؤرخ أوسترالي:
I read Muhammad’s life. Oh my God, it’s traumatizing!
لقد قرأت حياة محمد. ياإلهي! إنّها تصيب المرء بالصدمة.
فهل، يا تُرى، لو قرأ القرآن سيفيق من الصدمة؟!!
إنّ الإسلام ثوب رث للغاية. بداية انهياره تكمن في إلغاء الحديث والسنة، لكن نهاية تلك النهاية ستكون عندما يكتشف هؤلاء القرآنيون بأن الخرق الذي في أيديهم لم يعد كافيا لرقع الخزق الذي في كتابهم.
*****************************************************

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.