ليبقى الوضع على ما هو عليه ( والمعين هو الله )

استيقظتُ في الساعة الرابعة فجرا لأجد المدينة غارقة بظلامها بسبب انقطاع fi1
التيار الكهربائي كالعادة , يرافق ظلامها أصواتٍ من كل حدبِ وصوب , تتعالى وتتعالى لتجعل الناس يعيشون بغفوتهم التي صارت أشبه بالغيبوبة الطويلة ,متلحفين بظلام هذه المدينة الذي ابتلع عقول الناس جميعهم وجعلهم في سباتٍ مميت .

ألنوم لا زال في عيني وأنا أتلمس طريقي , ولا زال الكابوس مستمر دون أن ينقطع وينفك من أن يتكرر كل يوم , أو أن شعوري كان كمن يشاهد ويستمع لفلم من أفلام هتشكوك , حيث السواد الذي التفت به المدينة, وسكون الحياة سوى من صراخ لأصوات تذكّر الناس بموتهم وأنهم فانيووووون ولا محالة من الفناء , فلن تكتفي تلك الأصوات بسكونهم ورتابة الحياة من حولهم , ولكنها تذّكر الناس دوما بنهايتهم , مجددين بث الخوف والرعب في تلك النفوس , وبعذاب القبور يهددون , لأجل أن يقتلوا الإحساس المتبقي ببهجة الحياة , ويصيروهم بحالة من تمني الموت كل يوم , لينتهوا من مخاوفهم وعذابات السنين , وهم بلا ذنب يذكر .
ينتهي هذا الصوت ليبدأ ذاك واثنان وأكثر منهم … دون استطاعتي من تحديد عددهم , شعوري امتزج ما بين الاكتئاب وما بين الخوف على مستقبل هذه المدينة الغارقة بغفوتها , وبأن الفجر صار بعيد المنال بعد أن طالت غفوتها.
استغرق الآذان أكثر من نصف ساعة من دعاء وملحقاته , والناس نياااااام … بل هي لم تكن نصف ساعة ولكنها امتدت لقرون , منذ أذّن بلال بن رباح الحبشي ونحن لا نزال نقلدّ ذلك الأذان لنغرق أنفسنا بتلك الدوامة وكأننا أموات .
لم افهم أي منطق يجعل تلك الأصوات ترتفع وترتفع , ولا ادري لمن يؤذن هؤلاء بعد أن انغلقت الآذان وتبلّدت العقول من القديم وكثرة تكراره , بالوقت الذي انتشرت فيه الكتب وصارت بالملايين , وإبداع العالم في تطور لا يلين .
تذكرت ابنتي عندما كانت تبلغ من السنوات قليلها وكيف كان عقل الطفولة لديها يرتعب من صوت المؤذن وهو يصرخ ليلاً بكلمات لا يستسيغها العقل قبل أن تتم برمجته , تستيقظ فزِعة وتستفهم : من هذا الوحش وماذا يريد ؟ متصورة بأنه وحشٍ كاسرٍ بفكٍ مفترس جاء ليُرعبها ويقتل بداخلها الأمان وسكينة النوم, ليأخذها بعيدا حيث العصور القديمة قبل حتى أن يكتشفوا الكهرباء , فأول ما تبادر إلى عقل الطفل لديها بان هذا الصوت لوحش يريد الانقضاض عليها , مشاعرها صادقة وبريئة قبل أن يشوّهها المحيط , ومشاعري كانت حزينة .

ارتفعت أصوات المؤذنين من هنا وهناك فازداد شعوري بالاختناق , ازداد وسط أمة تحتضر وهي بالحياة .
صوت يصرخ بكل قوته اللهم أسألك الهدى…
وآخر بُجيب اللهم أتوب أليك وأسألك المغفرة ..
ويكرر: اللهم أتوب أليك أنا العبد الذليل …
المسكين …
الحقير ….
الضعيف ….
هو يسأل المغفرة , فالذنوب كثيرة ولا تنتهي , ولكنه لا يسأل عن سبب ارتكابه لها , ولا يسأل عن سبب ذلّه وحقارته وضعفه .
فلو انه تاب إلى الله , فما سبب صراخه وتكراره وتأكيده بأنه تاب وندم , وهل تحتاج توبته لهذا الصراخ ؟
ثم يرجع بعد توبته للحقد الدفين الذي استقر في نفسه التائبة الذليلة الحقيرة كما يصفها بلسانه, ويدعوا الله بقوله : اللهم احرق أعدائنا وأشويهم في نار جحيمك الأبدي , الموقدة ابد الآبدين , فأنت القوي المقتدر ….. وهكذا لعشرين أو أكثر منها
هكذا تتعالى أصواتهم لأجل أن يسمعها الله ويلتفت لهم ؟
فهل يصرخون لأجل أن يسمعهم الله فعلاً ؟ أم أنهم يصرخون ليصدقوا ويقنعوا أنفسهم ؟
وأن وصلت أصواتهم لله فهل سيلتفت لهم ؟ وهل سيرى هذه المدينة التي غرقت بالدماء وتلحفت بالظلام ؟
صمتوا عن السؤال والتفكير , واكتفوا بالصراخ والعويل , دون أن يسأل احدهم عن السبب الذي لم يلتفت فيه الله لهم, بعد أن بدأ الأخ ينهش بلحم أخيه , وبعد أن هربت الغالبية لتلك البلدان التي يتمنون لها الهلاك .
سألتُ نفسي عن السبب في إننا نزداد تشوهاً وعهراً وفساداً كلما مرت السنون , وكلما زاد أعداد المؤذنون وارتفعت أصواتهم أكثر .
سألت نفسي عن الذنب الذي اقترفه هؤلاء السائلون , ليرتعبوا هكذا ويسألون الله ويلحّون بالمغفرة لهم دون أن يكلّوا ولا يملّوا , يكررون السؤال برعبٍ حقيقي يكمن ويستقر في داخلهم ؟
وكان جوابي : انه ذلك المارد الذي قتل العقول , مارد التخلف الجبار الذي زرعته السلطات في نفوس الشعوب منذ قرون , بعد أن استندت على القوة الإلهية بالتربية والتعليم لقمع تلك العقول , وهؤلاء بدورهم مارسوا قمع عقولهم بأنفسهم , وبأنفسهم قتلوا الحياة في محاولة لإراحة تلك النفوس , ولا تزال تتفنن بها تلك السلطات , والشعوب معاً دون أن تدري , بعد أن رسخت في عقولهم وأجسادهم تلك التربية وذلك التعليم منذ قرون , تلك الأفكار التي أرادوا بها الراحة , ولكن هيهات منها , بعد أن صارت هذه الشعوب تكره حياتها , والحياة الحرة لا تبالي لها , مكبوتة مزيفة المشاعر والكذب لها صار عنوان , والطاعة العمياء صارت شعارا لهم , وطاعة الأبناء لهم مفروض عليهم , ومن لا يطيع يحترق بالنار .
فمن أين سيأتي الإبداع وكيف سيتلاءم مع الطاعة العمياء , والشعور بأن هناك من يتربص ويراقب جميع التحركات ؟
ولما لا يسألوا عن حياتنا التي صارت مظلمة , والنور الذي انطفأ عليها منذ عهود ؟
التشبث بالقديم والسكون عليه ومن حولنا في تغيير , جعل تلك الغفوة تطول وتطول .
فمن قال بأن الأخلاق الحميدة تأتي من تكرار وتلاوة القرآن طوال النهار , والصلاة بأوقاتها والصيام لشهر رمضان ؟ ومن قال بأن المكوث على القديم والخوف من التغيير هو سبيل الخلاص , وبدون هذا التكرار يتربص لنا العقاب فلابد من أتمام هذا الواجب ؟, ومن ثم نتباهي بأننا خير أمة , فصار هذا هو مفهومنا للدين الذي نتباهى بأننا نعمل به .
فهل نحن نحب الله الذي نتشدق باسمه ونعلّق آمالنا عليه ؟ وهل يستدعي الأيمان الحقيقي هذا الصراخ ؟
الله يمثّل لنا الحب والعدل والخير والصدق …, فمن منا أحب الحب لذاته والعدل والخير من دون أن يحقق له المصلحة ؟
شعوبنا تخاف دوما من الحقيقة , وحقيقتها هي الابتعاد عن الحقيقة , والخوف من ذكرها وجها لوجه, رغبة منهم في أخفاء وجوههم وغرسها في الوحل , ورغبة في أن يخبئوا مصائبهم وسط سكونهم المزيف , في محاولة بقضائهم على الكذب ,, بصراخهم وكذبهم وبقولهم أنهم صادقين , مجاراة منهم ورغبة في أن يبقى الوضع على ما هو عليه .

أبداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا… بهم نهزم التخلف وننصر الإنسانية

فؤادة العراقية (مفكر حر)؟

About فؤاده العراقيه

كاتبة عراقية ليبرالية
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.