لوبي الأساقفة الأقباط ولجنة الخمسين لكتابة دستور مصر

الحوار المتمدن: سامي المصري

لم يكن هناك موقفا يفضح وجود لوبي سياسي للأساقفة الأقباط من الحرس القديم مثلما ظهر واضحا في لجنة الدستور المصري. ولقد تبين أن مصالح هذا اللوبي تتوافق تماما مع لوبي التيار الإسلامي الذي يقف ليس فقط ضد الأقباط بل ضد المصالح القومية للشعب المصري كله. هذا التيار الخطير تأسس تحت إشراف الأنبا شنودة نفسه، الذي كان يقف بشكل دائم مساندا لحكومة مبارك وتوجهاتها المتأسلمة، فأيد البند الثاني من الدستور بشكل مطلق مما كان السبب الرئيسي في أن تثبت وأصبح أمرا يصعب التخلص منه. ولولا دعم الأنبا شنودة المستمر للبند الثاني لما أمكن استمرار هذا البند لمدة أربعين عاما في الدستور المصري يذبح الأقباط ويروعهم بتصرفات غير مسئولة. إن توجه ذلك اللوبي السياسي يقف بشكل مستمر لجانب الإرهاب الحكومي وكل ما ارتكب من جرائم ضد الأقباط، فيتواطأ معه تحت شعار التهدئة والمهادنة. لقد أُخضع الاقباط لجلسات الصلح لكي ما ترتكب كل الجرائم دون اتخاذ أي إجراء قانوني حتى يفلت المجرم من المحاكمة، فساعد على غبية القانون في مصر كلها. إن سياسة مهادنة الإرهاب الخطرة ساعدت على تنامي وتزايد الأعمال الإجرامية ضد الأقباط حتى بلغت لحد مخيف في غيبة من القانون. ترتكب الجرائم الفظيعة مثل جريمة نجع حمادي، وكنيسة القديسين، وخطف الفتيات بشكل معلن، بينما الموقف الكنسي متخاذلا يدعو للاستكانة. كانت الحكومة الداعمة الإرهاب بعد كل حادث تقوم بالقبض على الأقباط لتروعهم وتفرض رضوخهم والتنازل عن كل الحقوق لصالح المجرمين. كل ذلك والكنيسة في انحياز كامل للحكومة متجاهلة تماما لكل حقوق الأقباط. إن مقدرة الأنبا شنودة الكارزمية الخطيرة على تخدير الأقباط بالمخدر الديني القوي، خصوصا من خلال اجتماعه الأسبوعي استطاع أن يتحكم فيهم ويخضعهم للإرهاب في استكانة كاملة وبالأكثر الخضوع الكامل لشخصه دون فحص أو تفكير.

إن التوجه السياسي للأنبا شنودة كان يدعمه قوة ضخمة من أساقفة الكنيسة التي كانت تنفذ فكره وتعمل له الدعاية تحت شعارات دينية لتفرض السطوة والهيمنة باسم الله والإنجيل، حيث تشل الفكر لتعوق الأقباط عن استخدام العقل، فحولت الشعب لمتلقي للأفكار ينفذها في طاعة مستكينة بلا مقاومة دون فحص، سعيا وراء الحياة الأبدية. ولقد ساعد ذلك على انتشار الفساد المروع بين الأساقفة الذين وجدوا أنفسهم قادرين على فعل أي شيء دون مراجعة من الشعب. ورغم بشاعة ما ارتكبه ويرتكبه الأساقفة والبطريرك نفسه من فساد وإسراف وبذخ من دم الشعب، إلا أن الشعب كان في حالة من النشوة التي غيبته عن الواقع ليعيش في هلوسة دينية أفقدته وعيه، مما يمتنع معه أي حوار عقلاني منطقي. كل ذلك يغطيه جهاز إعلامي قوي مصروف عليه بسخاء يقوم بعمل دعائي مستمر والترنم والتسبيح للبطريرك وأساقفته بشكل مسف جدا دون أن يستطيع أحد الوقوف أمام ذلك التيار ليعيد للشعب رشده. ولقد شارك في العمل الدعائي عددا ليس قليل من إعلاميين مأجورين الذين تم فرضهم على الصحف المصرية كما ساهم الكثير من المحامين المصريين ورجال الأعمال المستفيدين والذين وجهوا الفكر القبطي للخضوع التام لفكر مرفوض ومفروض على شعب مغيب.

بعد انتقال الأنبا شنودة بدأ لوبي الأساقفة الرهيب في التحرك للاستيلاء على السلطة في الكنيسة. ولكن رائحة فساد الأساقفة الرسبوتينية الذي فاح عفنها قد أفاق بعض المثقفين من الشعب المخدر. وظهرت بعض القوى المناهضة والمعارضة لسيطرة الأساقفة الأشرار على الكنيسة، الأمر الذي أتاح الفرصة لتولي الأنبا تاوضروس بطريركية الكنيسة القبطية. وبالرغم من أن ذلك يعتبر معجزة ونجاحا هائلا للفكر المستنير في الكنسية إلا أن الأنبا تاوضروس بإمكانياته الضعيفة لا يمكنه أن يقف أمام اللوبي الرهيب للأساقفة، الأمر الذي يمتنع معه إمكانية قيام أي إصلاح كنسي بعد فساد مريع استشرى في الكنيسة لمدة خمسين عاما. ومازال لا يستطيع أحد أن يخضع أو يحد من نفوذ لوبي الأساقفة. وبعد ما يقرب من عام من بابوية الأنبا تاوضروس لم يستطع عمل إلا القليل جدا من الإصلاحات لإنقاذ المجتمع الكنسي من سطوة الأساقفة وسيطرتهم فوق المجتمع القبطي.

الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها يرأس المجلس الإكليريكي المسئول عن الأحوال الشخصية في الكنيسة القبطية، وهو أحد الخطرين في لوبي الأساقفة الأقباط، الذي يقوم بأكثر الأعمال امتهانا لكرامة الأقباط وتخريب حياتهم بالسيطرة على الأحوال الشخصية. إنه يقود كل العمل بنفسه بمنتهى الفساد والرشوة دون اعتبار إنساني ضاربا بالقوانين الكنسية عرض الحائط، والتي كانت معمولا بها عبر ألفين من السنين، وذلك تحت شعارات دينية مزيفة مضللة، فأفسد وخرب حياة مئات الألوف من الأقباط (ربما ملاين). بذلك يضمن استمرار سيطرته وتدفق عليه سيل الأموال بشكل دائم.

الأنبا بولا بصفته المسئول عن الأحوال الشخصية وبصفته عضو لوبي الأساقفة الذين يتسيدون على الشعب القبطي المقهور تم تعينه في اللجنة التأسيسية للدستور في عصر الإخوان الإرهابيين، وذلك لضمان استمرار سيطرته على البيت القبطي من خلال توظيف قوانين الأحوال الشخصية بالدستور الجديد. رغم كل أصوات الأقباط المعارضة لهذا الاختيار الخطر جدا فإن سيطرة لوبي الأساقفة الأشرار كان أقوى جدا من مطلب الشعب القبطي باستبعاد هذا الرجل من تعينه عضوا في اللجنة التأسيسية للدستور ممثلا للكنيسة. وكان ذلك القرار تطبيقا للمثل الشعبي “سلموا القط مفتاح الكرار”.

كانت نتيجة ذلك إضافة المادى الثالثة للدستور التي اقترحها الأنبا بولا، وتنص على، «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية» .والهدف من ذلك أن يكون المسيطر على الأقباط ليس القانون الكنسي، بل قيادات الكنيسة ويمثلهم الأنبا بولا في ما يخص الأحوال الشخصية. وحتى يمكن إضافة ذلك البند ساومه أعضاء اللجنة المتأسلمين على أضافة البند 219 الذي ينص على، «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة.». فرحب الأنبا بولا بإضافة المادتين العنصريتين بالتحالف مع ياسر برهامي عضو اللجنة من حزب النور حتى يكون له استمرار السيطرة على الأحوال الشخصية للأقباط دون أن يكون لقوانين الدولة أي قوة لمراجعته في تصرفاته الحمقاء المنعدمة الضمير.

بعد ثورة 30 يونيو تم تعطيل دستور 2012 الذي كتبته جماعة الإخوان الإرهابية التي أسقطها الشعب. ثم قامت الحكومة الجديدة بتشكل لجنة لتعديل الدستور على مرحلتين، أولا لجنة العشرة المكونة من فقهاء القانون كمرحلة أولى لتخليص الدستور من المواد المساندة للإرهاب المرفوضة. فقامت اللجنة بحذف 37 مادة من الدستور المعطل من أبرزها المادة 219 العنصرية الخاصة بتفسير مبادئ الشريعة. ولم تحذف المادة الثالثة العنصرية وتركتها للمرحلة الثانية للجنة الخمسين .
ولما بدأ الحوار الدستوري في لجنة الخمسين على أعلى مستوى قانوني كانت المادة الثالثة العنصرية موضوع حوار ورفض شديد. ولأنها تتعلق بالشأن المسيحي فكان لها حساسيتها الخاصة. الخبر التالي يشرح جانبا من المشكلة:
http://onaeg.com/?p=1179614
[أكد سامح عاشور مقرر لجنة الحوار المجتمعى وتلقى المقترحات المنبثقة عن لجنة الخمسين لتعديل الدستور أن المادة الثالثة وضعت فى دستور 2012 المعطل فى إطار صفقة مع حزب النور لتمرير المادة 219 المفسرة للمادة الثانية.
وقال خلال اجتماع اللجنة بالمنظمات النسوية والمجلس القومى للمرأة لمناقشة وضع المرأة فى الدستور أنه طالما تم الغاء المادة 219 يجب أن يتبعها إلغاء المادة الثالثة التى تسببت فى خلاف كبير ومن ثم فإلغاءها لن يسبب اى ضرر للمسيحيين خاصة وأنها لم تكن موجودة فى دستور 1971…]

ومن ذلك يتبين التواطؤ الإرهابي بين لوبي الأساقفة وحزب النور لبث بنود عنصرية لا تسيء فقط للأقباط بل تضر بالمجتمع المصري كله وتسيء إليه وتصمه بالعنصرية. ولخطورة الموقف وأهميته البالغة وبعد حوارات مع الأنبا بولا المتمسك ليس فقط بالبند الثالث بل أيضا بالبند 219 الذي ألغته لجنة العشرة. ولهذا السلوك الغريب اضطر السيد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين الذهب لمقابلة قداسة البابا الأنبا تاوضروس، الذي اقترح تعديل نص البند الثالث ليصبح «مبادئ شرائع المصريين “من غير المسلمين” بدلا “من المسيحيين واليهود”» حتي يخفف من حدة النص العنصري لتلك المادة. ووافق السيد عمرو موسى على التعديل الذي اقترحه البابا. هنا تفجرت ثورة لوبي الأساقفة المتأسلمين ليعارضوا اقتراح البابا. قام الأسقف أرميا بمعارضة تغيير النص الذي اقترحه البابا، مدعيا أنه يهاجم الأنبا بولا ممثل الكنيسة بينما هو يسانده بشكل قبيح مهاجما للبابا واقتراحه. وقام الأنبا بولا بالرد على الأنبا أرميا ليعلن تمسكه بالمادتين المرفوضتين من لجنة الخمسين. والأكثر من ذلك الأنبا أرميا ذهب للجنة الخمسين (دون أن يكون عضوا) ودافع عن المادة الثالثة بنصها العنصري رافضا حتى تعديلها مما أثار الجميع ضده مسلين قبل الأقباط.
https://www.facebook.com/photo.php?v=548052221928280&set=vb.137498866316953&type=2&theater
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=25092013&id=1bcabf43-fcbd-4047-b3ce-ad5e751c76e9

لقد كان المتوقع من ممثلي الكنيسة هو الانحياز لحقوق الشعب المصري ضد التطرف الإسلامي، بل والتركيز على حقوق الأقباط وهو الهدف الرئيسي المعينين من أجله. لقد كان يُنتظر منهم إثارة مشاكل المادة الثانية من الدستور وما أحدثته من ضرر وفرقة بالمجتمع المصري. وبسوء استخدامها على مدى أربعين عاما أضرت بالمجتمع القبطي أضرارا بالغة. كان المتوقع أن يشمل الحوار طلب ممثلي الأقباط رفض المادة الثانية اكتفاءً بالمادة 47 التي تعبر عن الدولة الديمقراطية الحرة، ولكن الصدمة التي صُدم بها أعضاء لجنة الخمسين من المسلمين قبل المسيحيين هو موقف الممثلين الأقباط المتعاون تماما مع الإسلام السياسي المغرق في التطرف دون وجود أي منطق أو معقولية. لكن متى عرف تاريخ لوبي الأساقفة المعادي للمجتمع القبطي المتواطئ مع إرهاب الإسلام السياسي بطل العجب. لو عُرِفَت الروابط الحميمة بين الأنبا أرميا ومرشد الإخوان المسلمين بديع لما تعجب أحد من موقفه المدافع عن العنصرية. لذلك كان من الضروري إبعاد الأنبا بولا بالتحديد عن لجنة إعداد الدستور هو وكل أعضاء اللوبي الإرهابي، الأمر الذي تم التحذير منه مرات. إن مجرد تعيين الأسقف بولا كممثل للكنيسة بلجنة الخمسين علامة على الضعف وعدم مقدرة البابا الأنبا تاوضروس على السيطرة على مجموعة الأساقفة الأشرار المعادين للمجتمع القبطي.

لقد ظهر الأسقف بولا مؤخرا على موقع قناة الحرية القبطية حيث وجهت له عدة أسئلة عن الموضوع، وبدلا أن يجيب عليها بشكل مباشر أخذ يلف ويدور حول الموضوع بأسلوبه اللولبي دون ان يعطي أي إجابة واضحة لأي من الأسئلة الموجهة له، بل ألقى بنصائحه الأخلاقية العصماء في تعالي، بهدف البلبلة وتميع الحوار، الأمر الذي تخصص فيه. أما مجمل حواره فيتلخص في إصراره على الإبقاء على المادة 219 العنصرية المخربة للمجتمع المصري كله بدءا من نشر التعصب والإرهاب ضد الأقباط. مع الإصرار على لمادة الثالثة التي تعطيه الفرصة لاستمرار ممارساته الإرهابية ضد الأقباط دون أن يكون هناك رادعا قانونيا يوقفه عند حد، كما كانت القوانين السابقة.

الأنبا بولا متصور أن المجتمع القبطي بعد البند الثالث من الدستور سيتحول بين يديه لفريسة مهيضة يشبع فيه فتكا وتمزيقا بين أنيابه ومخالبه!!! الأنبا بولا بإصراره على البند الثالث من الدستور متصور أنه سيعيش إلى الأبد وانه سيظل في موقعه يشبع نهمه وشهوته السادية المحمومة نحو الظلم والانتقام من المجتمع والإفساد والرشوة، ليمارس سلطانه دن قيد. لقد نسي أن خلية سرطانية واحدة لو تخللت جسمه ستفقده سلطانة على التبول. ليس لي ما أضيف سوى ما قاله يسوع المسيح محذرا؛
“فقال له الله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون” (لو 12 : 20)

آخر ما يمكني أن أقوله في هذا الموضوع أن الشعب القبطي كله يتحمل المسئولية كاملة عن كل ما يتعرض له من إرهاب، وعن كل ما يواجهه من فضائح وعار بلجنة الخمسين!!!

الشعب القبطي َقبِل بإذعان أن يكون مُمَثله بلجنة الدستور شخصية كريهة بهذا المستوى المتدني، بينما المفروض ان يكون ممثل الشعب شخصية لها تاريخها وثقلها الثقافي في المجتمع القبطي، المفروض أن من يُختار لتمثيل الأقباط من يعبر عن المستوى الفكري الحضاري لهم، فهل انعدم وجود من يصلح لهذه المهمة بين الأقباط ؟؟؟ يا للعار !!!

البابا الأنبا تاوضروس الثاني مسئول أمام الشعب وأمام تاريخ الكنيسة وأمام الله عن كل هذا العار، إذ قبل ان يمثله بلجنة الدستور هذا الإنسان بتاريخه الملوث. لو البابا عليه ضغوط من مجموع الأساقفة الأشرار تفرض عليه ذلك الوضع فكان لزاما عليه أن يخرج إلى الشعب ليعلن عدم قدرته على تقديم الخدمة الضرورية للكنيسة القبطية !!!

يا أقباط أفيقوا فإما أن نكون أو لا نكون، «فلقد تناهى الليل و تقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور»
«إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم» …” (رو 11:13)

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to لوبي الأساقفة الأقباط ولجنة الخمسين لكتابة دستور مصر

  1. س . السندي says:

    ماقل ودل … لكل ذي عقل ؟

    ١: قيل وهى حقيقة ساطعة ان الساخن عن الحق شيطان اخرس ، فيكف اذا كان الساكت رجل دين ؟

    ٢: صدق من قال ( من يستسلمون لأقدارهم ، لابد وأنهم يستحقونها) وهى مايوصل الشعوب للسقوط بأيدي من يجلدونهم ليل نهار؟

    ٣: مسؤولية المتنورين من المسلمين والأقباط اليوم كبيرة جداً وخطيرة ، ومن يستعينون بمادة مجحفة في الدستور بحقهم لايلومو غداً الا أنفسهم ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.