لنسحق رأس الأفعى!

د. محمد علي زيني
في كل انتخابات عراقية، محلية كانت أم عامة، تنتصب الأفعى، وأقصد هنا طبعاً “المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات”، ليدور رادارها دورة كاملة كل آونة، باحثة عن أي عراقي شريف ونزيه لا ينتمي للمكونات السياسية الفاسدة المدللة، سولت له نفسه الترشيح للأنتخاب، لتعضّه بسم مركز لينشلّ بعدها عن أية حركة مفيدة حتى تنتهي الأنتخابات، وليذهب كل مكون فاسد بما حصد. وبذلك يتمدد عهر المحاصصة لأربع سنوات أخرى.
إن المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات ما هي إلا حاجز ذو ثقوب بحجوم حددتها الكتل السياسية الفاسدة المحتكرة للسلطة والمال. ولن يمر من هذه الثقوب من كان بحجم أكبر، له نوايا الأصلاح وإعادة البناء والتسامي الى الأعلى بجمال الأخلاق العالية وحب الوطن والشعب والغيرة على المصلحة العامة. بل يمر منها ويغور الى الأسفل من يمتهن السياسة فقط، وقباحة المناورات السياسية, ثم اجترار المناورات ثم اجترار السياسة، وما يتلازم مع كل ذلك من لصوصية وأكل مال الشعب المعدم المشرد من مساكنه في مخيمات اللجوء.
إن الذي يحصل الآن للشعب العراقي المظلوم، بفضل سياسيي الصدفة، هو مجرد الأعتياش على براميل النفط المصدرة من الجنوب بعد القيام بالواجب، وهو سرقة جزئ مهم من النفط المصدر، كما فضح ذلك أحد النواب الأشراف النجباء، وهناك العديد منهم.1 فبغض النظر عن الحرب ضد داعش والتي تتعاون فيها مع العراق قوى دولية عدة، فإن ما يتبقى من مبيعات النفط المصدر أصبح لا يكفي إلا لسد رواتب موظفي الدولة الذين كدّسهم المالكي بالملايين خلال سنوات حكمه الطويلة دون التفكير ببناء قطاع خاص كفوء له القابلية على الأنتاج.
لقد دخلت خزائن دولة العراق مئات مليارات الدولارات من الفوائض النفطية في زمن إرتفاع أسعار النفط فكيف تبخرت وأين ذهبت، إذ لا يمكن الأدعاء بأن جميعها دُفعت كرواتب لموظفي الدولة. أما إذا كان الجواب هو أنها ذهبت لتمويل المشاريع، فأين هي تلك المشاريع بحق السماء؟ مقابل المليارات التي دخلت العراق منذ 2003 ثم صُرفت، أين الكهرباء؟ أين الماء الصالح للشرب؟ أين الخدمات التعليمية؟ أين الخدمات الصحية؟ ماذا حلّ بمكونات البطاقة التموينية رغم صرف المليارات؟ لماذا تطفح المجاري عند أقل كمية من المطر؟ لماذا لا تُبلّط الشوارع والطرقات؟ لماذا لا تُرفع القمامة حتى أصبحت مدن العراق مزابل، وأصبحت بغداد أقذر مدينة بالعالم؟ لماذا أصبح نصف الشعب فقيراً وربعه يعيش تحت خط الفقر؟ لماذا تدهور القطاعان المهمان الصناعي والزراعي في العراق؟ أين هي فُرص العمل الواجب توفيرها للمواطنين؟ لماذا انتهت الحكومة كونها الملجأ الوحيد للباحثين عن العمل؟
ولرب سائل يسأل: وهل هذه جميعها مسؤولية المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات؟ الجواب نعم بالتأكيد! فهي لكونها منتقاة بالمحاصصة فهي لا تمثل إلا مصالح مكوناتها، وهي “الفلتر” الفعال لطرد كل من تسول له نفسه المرور من خلالها، حتى وإن كان أشرف وأقدر الناس خدمة للشعب، إن لم يكن حاملاً لجواز مرور من إحدى مكونات المحاصصة.
والآن وبعد سقوط الشهداء مع عشرات الجرحى نتيجة رمي المتضاهرين السلميين بالرصاص الحي وقنابل الغازات المسيلة للدموع يوم السبت الماضي (11 شباط 2017) أما آن الأوان للتخلص من هذه المفوضية “اللامستقلة” وإحلالها بواحدة نظيفة ومستقلة حقاً، يتسلمها عراقيون نزيهون مهنيون مقتدرون صادقون ساهرون لخدمة مصالح الشعب ومحبون للوطن؟
__________________
1. أنظر: المؤتمر الصحفي المشترك للنائب صادق المحنا عقده في مبنى مجلس النواب بمعية زملائه النواب ماجد شنكالي وعلي الفياض وغادة الشمري بتأريخ 22/1/2017 وفيه فضح ذلك النائب العملية المستمرة لسرقة النفط المصدر بما قيمته نحو سبعة مليارات دولار سنوياً. كذلك أنظر مقالنا بعنوان “بغياب المقاييس سرقة النفط العراقي مستمرة على قدم وساق” المنشور على موقعنا في الحوار المتمدن، الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/s
2. how.art.asp?aid=545875

About محمد علي زيني

"الدكتور محمد علي صالح زيني"
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.