لماذا تعبوا من الدين؟

الكاتب الايراني علي زمانيان
ترجمة عادل حبه
المصدر: الموقع الثقافي نيلوفر

عند تناولي الحديث مع بعض المواطنين، وخاصة من جيل الشباب، جلبت انتباهي ظاهرة يمكن أن نطلق عليها ظاهرة “التعب من الدين”. والتعب من الدين ما هو إلاّ انعكاس لرفض كل ما له لون ورائحة دينية، إلى حد الفرار من هذه الساحة والتخلي عنها. ولكن لا توجد مؤشرات وأدلة واضحة على هذا النوع من الرفض. فالتعب من الدين يتعلق بأناس لا يريدون التفكير بهذه المقولة أو التعامل معها. هذا الموقف لا ينطوي على النفور أو العداء والاغتراب عن الدين، بقدر من إن أصحابه يريدون التخلص من أثقال أصبحت عبأً ثقيلاً على كاهلهم. إنهم يريدون بدون وعي أن يخرجوا من دائرة الوعي، ويسعون التوجه صوب أمور مهمة تواجه حياتهم، ويقلقوا من ذلك الوعي الديني ويسعون إلى إخراجه من دائرة اهتمامهم.
إن هذا الموقف تجاه الدين لا ينطوي على العداء أو النفور أو الحقد تجاه الدين. فهؤلاء يملأهم الشعور بأنهم قد تعبوا من الدين. إنهم يشعرون بالتعب من الدين لأنه أصبح يشكل عبأً ثقيلاً لا تتحمله كواهلهم، ولا يستطيون في خضم أعباء الحياة وصعودها ونزولها أن يواكبوه. إنهم أشبه بفرد راح يحمل جسماً ثقيلاً خلال مدة طويلة، ولكنه يشعر الآن أن الاستمرار بحمله هو فوق طاقته. ولذا فهو يأمل في نهاية الأمر أن يضع هذا الحمل الثقيل على الأرض ويحدق فيه ليفكر بما سيفعل به. فالقلب رهين الدين، ولكنه لا يستطيع الاستمرار بمرافقته. إن شعور الفرد بالتعب من الدين لا يعني الحرب والخصومة معه، فالقضية كما يبدو أنه أصبح حملاً ثقيلاً لا يقوى الإنسان على حمله. أنه لا يودع الدين إنطلاقاً من الحقد، بل من الشعور باليأس وعدم قدرة الدين على ايجاد حلول للمشاكل وللكوارث. إنه يودع الدين، ولكنه مازال يدور في وجدانه. إن التهرب من الدين، وليس الخصومة معه، ينعكس على شكل عدم المبالاة والاهمال والاغتراب والابتعاد عن الدين نتيجة الشعور بالتعب من الدين.
لماذا تعبوا من الدين؟
إن الأسباب والعوامل التي تمت الإشارة إليها هي مجرد منهج وصفي، وليس إنها محط تقييم حول مدى صحتها أو خطأها. بمعنى إنها مجرد تقرير يعكس ما يجري في أفكار البعض وجرد وجهة نظر تنتشر بين أفكار وسط من الرأي العام. وبعبارة أخرى، إنها ليست حكماً قيمياً حول الأسباب، بل نتيجة لمتابعة خارجية نتلمسها عندما ندقق في المشاهد الاجتماعية. أما الاسباب التي سنشير اليها فهي نابعة من التجربة اليومية والأحاديث التي أجريت من أجل تحقيق هذا الهدف.
1-إن أول وأهم سبب للشعور بالتعب من الدين هو الحضور المكثف والشديد التلون والمنهك للدعاية والوصايا والاستعراضات الدينية في كل الأوقات والأمكنة ذات الصلة أو غير ذات الصلة. فالراديو والتلفزيون خلال كل أوقات الليل والنهار منهمكان في إجراء الحوارات والدعاية المباحة والتعريف بالقضايا الدينية. وترفع اللافتات والأعلام والنشرات التي تتحدث عن الدين. وتكثِف وسائل الإعلام في نشراتها الحديث عن المواضيع المتعلقة بالدين بإسراف. وتغطي الأحاديث الدينية المكررة والثقيلة والتشابيه الدينية عدة أشهر من السنة. وتكرس المدارس والمؤسسات التربوية جل وقتها للقيام بالمراسيم المليئة بالقضايا الدينية والتعاليم الدينية والخطب والندوات والاجتماعات التي تتناول جميعها الدين. ويترشح الدين من أبواب وجدران المدينة. إنهم لا يدركون بأن مثل هذه الأجواء من شأنها أن تثير التعب في الذهن والروح. إن تكرار وتكرار هذه الأمور تتحول إلى الضد منها مع مرور الوقت. فالدعاية الثقيلة والمكثفة تلحق الأذى بالمتلقي بحيث ما أن يمر الوقت حتى يشعر المتلقي ويتمنى أن يخلو العالم من ذلك ويحلم بسكون وهدوء أكثر.
2-إن أحد أسباب الشعور بالتعب من الدين هو أن المتعبون لا يرون أن الدين يساير مجرى حياتهم. فلا يعترف الناس بدين يخل بحياتهم. هذا الاخلال الذي يواجهونه كل لحظة والذي يسعى على السيطرة والرقابة على كل شيء في مجرى حياتهم. فهذا الدين يريد أن يضع برنامجاً لكل شيء، ولا يتخلى عن أي منطقة فراغ ويسيطر على جميع المنافذ. إن أحد أوجه الخلل هو أنه يزرع العداوة والاختلافات والافتراق بين البشر. دين لا يتناغم مع البهجة والفرح ويمثل عائقاً جدياً أمام الفن من موسيقى وسائر أوجه الفن. إن التوتر بين الدين والفرح هو التوتر بين الدين والحياة اليومية للبشر مما يؤدي إلى فرض ظلال ثقيلة على حياة الناس. كما أن التعب من الدين يعود إلى أن الدين أصبح مانعاً أمام حياة الإنسان.إذ تحولت عدة أشهر من السنة إلى مراسم وأيام عزاء وندب وغم. فخلال هذه الأيام لا يعم الغم والحزن الأجواء والحياة فقط، بل أنها تشكل مضايقة لمعيشة الناس. وهكذا فعندما يتعارض الدين مع الحياة وألوانها، يخرج بالتدريج عن حياة الناس. وإن المواجهة بين الدين والحرية هي الأخرى تشكل مظهراً من مظاهر هذا التعارض. وهكذا يصبح الدين متعارضاً ومتعباً وبالنتيجة يبتعد المتلقي عنه. أنه لا ينفي الدين ولكنه غير مرتاح لهذا الدين.
3- أما السبب الثالث لهذا التعب فهو أن الشريعة والمحرمات الدينية تخطت قدرة الإنسان وصبره. هذا الدين الذي يبالغ في الأوامر ويصدر أوامره في كل زمان ومكان، وأصبح الفقه مسلطاً على رقاب الناس في كل شؤون الحياة، بحيث غدا الفرد أسيراً للفقه والشريعة. إن الغلو في الفقه وظلاله الثقيلة على مسار الحياة ومعاناتها يؤدي إلى إصابة المؤمن بالفقه تدريجياً بالتعب وينتهي بأن يتحول إلى الضد من ذلك الإيمان. فالحياة القائمة بشكل مطلق على الموازين الفقهية والغلو فيها، لايتحملها ولا يمكن لأي شخص أن يستكين لها. وعلاوة على ذلك، فإن العمل بأحكام الشريعة ودستوراتها في بعض الأحيان يتعارض أساساً مع الحياة الحديثة المعاصرة وموجعة. وهذا يؤدي بالانسان إلى انفصال ذي معنى بين الاعتقاد الديني والحياة. فهو لا يستطيع أن يتجاهل الاعتقاد الديني من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يمكنه أن يتخلى عن الحياة المعاصرة. ولكنه بعد فترة يشعر بأنه لا يستطيع أن يجد رابطة بين الحياة وبين الاحكام والأوامر الفقهية. ونتيجة لذلك يشعر بالتعب من هذا التعارض المعقد والدائم جراء هذه التناقضات. فعندما يضجر من الفقه الشمولي والمكبل وفي نهاية الأمروعلى الرغم من ميوله، يبتعد الانسان عن الدين والشريعة.
4-ومن ضمن الاسباب التي تؤدي الى التعب من الدين هو التضخم في التعاليم والمفاهيم الدينية. إذ تحيط بالمرء أكداس عملاقة واسطورية من الادبيات والتعاليم الدينية.هذه التعاليم التي تثير في كل لحظة من لحظات الحياة جملة من مظاهر القلق والحيرة، فهذه المفاهيم والقلق حولت الوجود إلى فوضى. إن العالم في ذهن وعين الانسان المتدين في ايران أصبح مفعماً بالارتباك والفوضى جراء التداعيات الدينية. فهناك أكداس من التفاسير والتوضيحات حول الأمور الدينية البسيطة تتناقض الواحدة مع الأخرى. فالتعب من كل هذه التعاليم الدينية وآلاف الفتاوى والأحاديث والأفكار لا تفتح أي طريق أمام البشر، بل أصبحت سبباً في تهري حياتهم. فإذا ما فكر الانسان ببساطة وخفف حمله فإنه يستطيع العثور على الطريق المستقيم، وخلافاً لذلك فإن الحمل الثقيل والزيادة في الوزن من شأنهما أن يؤديا إلى سقوط المناطيد. ولا يؤدي التعب من كل هذه التعاليم إلاّ إلى أن يشد الإنسان أزره ويتخلى عن كل معرفته وعلمه عن العالم. علماً أن الدين البسيط والقابل للفهم لا يثقل على الذهن ولا يلحق الأذى بالروح.
5- إن تاريخ الدين ثقيل بشكل استثنائي. فهو تاريخ مشحون بالمشاكل والابهام بحيث أصبحنا ” الآن” أسرى له. وبقدر ما يغدو الحمل ثقيلاً فإنه يبطئ الحركة نحو المستقبل. إن التاريخ غني بالحب والكراهية، بالحروب وبالعداوات، تاريخ ليس له أية صلة من بعيد بما هو جاري الآن. الأحداث انتهت، ويملأه الآن ظرف الزمان. فالتاريخ يشكل الهوية التي أصبحت تشكل عبأً ثقيلاً على البشر. لقد كان من المقرر أن يصبح التاريخ درساً للحياة، ولكنه الآن يغلق كل أبواب التفكير. كما كان من المقرر أن يصبح التاريخ عوناُ للتحرك صوب الأمام، ولكن إذا ما أصبح البشر أسرى للتاريخ فإن ذلك يولد لدينا الانهاك والتعب. “الحاضر” هو وليد الماضي، ولكن عندما يقبض “الماضي” بمخالبه على ” الحاضر” فمن الطبيعي أن يجري التخلي عن الماضي. وهكذا فعندما يلقي تاريخ الدين بضلاله الثقيلة والمعرقلة على الوجود الراهن، فإن الهروب من الدين يصبح الملاذ الحتمي الوحيد أمام البشر. عندها يطرح السؤال التالي: هل علينا أن نحمل على أكتافنا تاريخاً حافلاً بالاضطرابات والفوضى خلال عقود من سنوات عمرنا.
6-السبب السادس للشعور بالتعب، وما يتبعه من الهروب من الدين هو : أن الدين الحاضر الذي يطلق عليه اسم الدين، أي الدين الموجود في الواقع والذي يمارسه الناس، وحسب تعبير العارفين اليوم الدين المقروء، لا يعترف رسمياً بالانسان. فهذا الدين يبشر ويقدم على الدوام الضحايا والقرابين. وعلى هذا النهج، فالدين لم يأت لخدمة الانسان، بل على الانسان أن يصبح خادماً للدين دون أن يضمن حقوقه. أي أإنه دين لا يؤشر على أية حقوق للانسان. وعندما نتحدث عن أنه لا يعترف رسمياً بالانسان، فإننا نعني وعي الانسان وادراكه للوجود، أي أنه لا يرى حاجات الانسان وعواطفه ومشاعره ومخاوفه. أي أنه دين لا يرى إلاّ نفسه، والانسان لا يساوي أي شيء بالنسبة له. إن خطوات مثل هذا التناول للدين تصبح ثقيلة ومنهكة ومضرة. إن الدين الذي لا يرى في الانسان سوى مجرد ضحية له ويتوقع من الجميع أن يقفوا على خدمته، لا يمكن أن يكون مورد قبول من قبل إنسان اليوم الذي يفكر بحقوقه وشؤونه الشخصية وحق الاختيار والانتخاب الذي يعد من الأمور المهمة، فمثل هذا الدين وعر وثقيل.
7- وفي الختام السبب السابع، وهو التناقض بين حديث وسلوك المروجين للدين ومتوليه الذين يقولون شيء ويعملون بماهو نقيض له. فالمتلقون في حيرة ، فإذا كانت أقوالهم صحيحة فلماذا لا يلتزموا ويوفوا بها؟ وإذا كانت الدنيا بضاعة قذرة وغير سوية، وإذا كان التسابق على تسلق سلم السلطة غير مقبول في الفكر الديني والكثير من الأمور التي لا يقبلها هذا الفكر، فلماذا لا يمارس هؤلاء في سلوكهم ما هو غير المقبول في الفكر الديني. هذا التعارض بين القول والعمل يثير الغضب والقلق لدى المتلقين. وبما أن الانسان لا يستطيع العيش على الدوام في ظل مثل هذا التناقض، لذا فإنه يسعى إلى أيجاد حل لهذا التناقض، ويميز بين أدعياء الدين والدين. ولكن هذا الحل، وعلى الأقل خلال مدة طويلة، لا يقدم جواباً مناسباً. ولذا و بالتدريج يتنامى القلق والملل من كلام الدعاة ومضمونه، ويسعى الانسان للخروج من هذا التناقض إلى أن يضع الدين في زاوية النسيان كي يعالح آثار التعب الناشئ من هذا التناقض.
نقطة أخيرة:
كما أشرنا آنفاً، فالتعب من الدين هو التعب من قراءة الدين التي حولت الدين البسيط إلى دين ثقيل. لقد جرى التخفيف من الوجه الهادئ والآمن وتحولت الحياة العادية المقترنة بالسلام والسرور وذات معنى إلى الضيق والعسرة. فبدلاً من التكافل والتضامن حلت التفرقة، وبدلاً من الأمن حل الخوف من العذاب وتعمقت العقوبات. وفي مواجهة مثل هذه القراءات للدين، تتشكل أنواع من ردود الفعل والحلول. ولكن في النهاية إذا ما سدت الأبواب بوجه الحلول فإن التعب من هذه الفوضى سترمي الدين إلى زاوية النسيان.إن الهروب من الدين لا يعني الخصومة والعداوة مع الدين، ولكنه ينم عن التعب من الدين.
ملاحظة :في هذا الحديث فإننا نعني بالدين هو تلك المنظومة الدينية التي على معرفة بها وندركها. فالدين الذي نعرفه هو الدين التاريخي الذي ورثناه عن الآباء والأجداد، الدين الذي تعرفنا عليه خلال التربية والتعليم. ولهذا فإننا في هذا التحليل نلامس ” الدين الموجود على أرض الواقع”(الدين الاجتماعي) الذي هو في الواقع ليس له أية علاقة بواقع الدين وحقيقته.

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.