لماذا أبعد نهرو العسكر؟

الشرق الاوسط

كانت زعامة دول عدم الانحياز التي اخترقت نظام الأقطاب، مؤلفة من المارشال تيتو والرئيس جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء الصيني شو آن لاي والإندونيسي سوكارنو ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، بالإضافة إلى رؤساء آخرين من آسيا وأفريقيا. نظر نهرو القادم من جامعة كمبردج، باستياء إلى ذوي اللون الكاكي، وكان يؤمن بأنه لا يمكن إقامة نظام مستقر إلا بإخراج العسكر من المعادلة، وتحويل الجيش إلى مؤسسة تأتمر بأوامر السياسيين في نظام ديمقراطي. لذلك لم يؤيد الثورة المصرية بادئ الأمر، خصوصا بسبب موقفها من حزب «الوفد» الذي كانت تربطه بحزب «المؤتمر» مودة وعلاقات.

كان اللقاء الأول حذرا بين نهرو وعبد الناصر في القاهرة، لكن صداقة ما لبثت أن نشأت بين الرجلين، كما يروي لنا الدكتور عبد الله المدني في كتابه الجديد «ما صنعه كومار ولم يفعله عبد الفضيل». ويعتبر المدني أحد العرب القلائل المختصين في الشؤون الآسيوية. وهذه ثاني مرة أعرض لأعماله خلال أربعة أعوام. فكلما أصدر مؤلفا جديدا عن آسيا أجد فيه زوايا واتجاهات جديدة أيضا.

وأرى أنه يحسن بنا إلقاء نظرة أخرى على تلك القارة التي تبدو اليوم مليئة بالحيوية، فيما يتعثر العالمان، القديم والجديد في الغرب. ويجد المدني دائما من الميزات والظواهر ما يحدثنا عنها حديث العلم. ومما يخبرنا في حديث التفوق أن طلاب سنغافورة يحصدون الجوائز الأولى في المسابقات العالمية للرياضيات والعلوم. فقد حازوا المركز الأول (49 دولة، 230 ألف متسابق) وحل في المراتب الأربعة التالية آسيويون أيضا: كوريا الجنوبية، هونغ كونغ، تايوان واليابان. العرب احتلوا المرتبتين 31 و32 (لبنان والأردن).

يتكرر التفوق السنغافوري تقريبا في كل مباراة. وقد بحث العالم عن السبب فوجده في المنهج الذي يعرف الآن «بالرياضيات السنغافورية». وهو منهج يطور باستمرار من قبل لجنة من العلماء وليس على أيدي الموظفين. ويعرض لنا الدكتور المدني الفارق الفلكي بين ما يتلقاه التلميذ العربي وتلميذ سنغافورة في الحقول العلمية. والأفضل لطلابنا ألا يتعرفوا عليه لأنه شديد الإيلام.

لماذا اخترت نهرو والعسكر من كتاب المدني؟ لأدعو جنابكم إلى تأمل تجربتي الهند ومصر. بلد المليار وبلد المائة مليون. النظام الديمقراطي يتغير زعماؤه وحكامه ضمن نظام واحد، والبلد الذي بقي تحت حكم العسكريين 60 عاما، البلد الذي ارتفع عدد الطبقة الوسطى فيه إلى أكثر من 500 مليون ودخل العصر الصناعي والتكنولوجي والطبي، والبلد الذي لا يزال في صناعة النسيج ويفاوض البنك الدولي على المساعدات.

لطالما أعربت في هذه السطور عن أمنيتي بأن تدخل مصر عصر الإنتاج الكبير. جميع الميادين، أولا وأخيرا، لا تخبز رغيفا واحدا.

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.