لا بديل للدولار

علي بن طلال الجهنيdolar2

كادت كارثة 2008 المالية أن تؤدي إلى كساد هائل أسوأ أو مماثل لكساد 1929 المروع. ولكن ولحسن حظ أميركا، وربما حسن حظ العالم الرأسمالي أجمع، أن بن برنانكي كان محافظ البنك المركزي الأميركي. وقد يكون برنانكي أخبر اقتصادي حي يرزق في كل ما له علاقة بكساد 1929 سواءً بمسببات الكساد أو بالآليات النقدية التي يمكن اتخاذها لتفاديه.

عرف برنانكي قبل غيره أن كارثة 2008 لا محالة ستؤدي إلى جفاف قنوات التمويل. ويتعذر التداول من استيراد أو تصدير أو حتى تبادل بين منتجين وموزعين في داخل بلد واحد من دون التمويل والسداد آجلاً. فلا يتم بيع سيارة أو ثلاجة أو غيرها من دون الاقتراض والتقسيط، إضافة إلى الاقتراض المباشر أو استخدام بطاقات الائتمان المعروفة. فلا بد من رفع مستوى السيولة لإمداد وسائل التمويل بقروض بتكاليف متدنية وصلت إلى ما يقارب الصفر بالنسبة إلى المؤسسات المالية الكبرى.

وكيف يتم رفع مستوى السيولة، أي زيادة المعروض من الدولارات بكميات تكفي لخفض تكاليف الاقتراض بما في ذلك ما يتم اقتراضه من طريق البطاقات الائتمانية المعتادة التي يحملها غالبية الأفراد في الدول المتقدمة؟

كل ما يصدره (أو حرفياً يطبعه) المركزي الأميركي من دولارات يحتفظ في خزائنه بما يقابل ما أصدره من دولارات بسندات أو صكوك. ولذلك فلدى المركزي الأميركي كميات هائلة من السندات.

وحينما يكون المراد رفع مستوى السيولة فإن المركزي «يبيع» من السندات التي لديه للمنشآت المالية وغير المالية ولمن يريد شراءها من الأفراد، ويعوض من اشترى السندات بطبع أثمانها من الدولارات. ولذلك تتوافر سيولة إضافية أو يزيد المعروض من النقد. وهذا يحفز من استبدلوا سنداتهم بدولارات إلى منح المزيد من القروض، فتعود قنوات الائتمان أو الاقتراض إلى التدفق. وذلك ينعش النشاط الاقتصادي. وهذا هو الهدف.

ومنذ بدأت الأزمة المالية في خريف 2007 وحتى بلغت ذروتها وشملت معظم دول العالم في 2008، بلغ ما ضخه البنك المركزي الأميركي نحو تريليون (ألف بليون) دولار، وفقاً لمقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الدولية في 22/3/2014، كتبها أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنل (Cornell) البروفيسور اسوار براساد (Eswar Prasad) بعنوان «لماذا لم يسقط الدولار؟».

والذي قصده أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنل التي تعتبر من بين جامعات الطبقة الأولى الأميركية، أنه نظراً إلى ما ضخه المركزي من مبالغ هائلة من الدولارات كان من المفترض أن الأجانب من منشآت وأفراد وبنوك مركزية أجنبية يتخلون عما كانوا يحتفظون به من دولارات، لأن زيادة كميات المعروض من أي عملة تؤدي إلى انخفاض قيمتها نسبة إلى العملات الصعبة الأخرى التي لم يرتفع المعروض منها. وهذا هو ما كان الأرجح حدوثه لو كان الدولار مجرد وسيلة للتبادل. ولكن الدولار أكثر بكثير من مجرد وسيلة للتبادل.

فالدولار عملة الاحتياط. ومعنى عملة الاحتياط، أي ما تحتفظ به البنوك المركزية الأجنبية في مقابل ما تصدره من عملاتها الوطنية. والدولار وسيلة التأمين الأفضل لحماية عملات الدول الأخرى الأصغر من هجمات المضاربين الذين يستدينون عملاتهم لبيعها في مقابل دولارات لخفض قيمتها، ومن ثم يتمكنون من الوفاء بديونهم بدفع عملات صار بالإمكان شراؤها بأثمان أقلّ.

والدولار هو العملة المفضلة لدى عامة الناس في أوروبا وآسيا بل وفي كل مكان في أوقات التوجس والاضطرابات. ولا جدال بأن كارثة 2008 المالية خلقت الكثير من التوجس والاضطرابات.

كل هذه العوامل رفعت الطلب على الودائع بالدولار، الذي كانت ستهبط قيمته لو لم ترافق زيادة المعروض زيادة في الطلب.

أليس هناك بديل للدولار في أدواره كوسيلة تبادل وكعملة احتياط ووسيلة دفاع وملجأ آمن؟

تصور الكثيرون أن «اليورو» سيكون بديلاً جيداً للدولار في جميع أدواره. ولكن اليورو عملة واحدة لبضع عشرة دولة مختلفة اقتصادياً وسياسياً. ولكل منها سياستها المالية (أي مستوى الإنفاق ونسبة الضرائب)، إضافة إلى التفاوت الهائل في درجات الكفاءة الاقتصادية. ولذلك تذبذبت قيمة اليورو ولم تثبت بما يقنع مقتني الدولار بالتخلي عن الدولار وشراء اليورو.

بالطبع معدن الذهب كان يمكن أن يحل محل الدولار في دور الدولار كعملة احتياط وملجأ من أضرار هبوط قيمة العملات الورقية. ولكن المشكلة أنه لا يوجد ما يكفي من الذهب، وتكاليف نقل الذهب وتأمينه عالية، إضافة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تملك أكبر كمية من الذهب منذ مستهل القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر.

وبإيجاز ولاعتبارات موضوعية بحتة، فإنه لا بديل للدولار في دوره كعملة احتياط، وفي دوره كأداة تأمين للدفاع عن عملات أخرى قد تتعرض لغارات المضاربين، وكوسيلة آمنة في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية. وهو عملة التجارة الدولية ليس بالنسبة إلى النفط ومشتقاته فحسب، وإنما أيضاً يتم الاتفاق على أسعار غالبية ما يتم تداوله عبر الحدود السياسية المختلفة بـ «الدولار» حتى عندما يتم الوفاء بما يقابل الثمن بالدولار من عملات أخرى.

وكما ذكر البروفيسور براساد فإن كلاً من الصين واليابان تملك أكثر من «تريليون» دولار من السندات الأميركية إضافة إلى ما تحتفظ به من ودائع بالدولار، فهل يخدم مصلحة الصين أو مصلحة اليابان اتخاذ أي قرار يؤدي إلى خفض قيمة الدولار؟

*نقلاً عن “الحياة”.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.