كَذِبَ الإسلاميُّ ولو صَدَقَ تجاه المرأة

كتب هذا الإسلامي هذه المقالة تحت عنوان: “في يوم المرأة العالميّ.. ما الذي يريدونه للمرأة المسلمة؟”
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/275793.htmlbeatingsister
هذا اليوم، بالنسبة لهذا الإسلامي، هو يوم نحس بالنسبة للمرأة لأنه حسب رأيه “يوم يُرادُ فيه للمرأة عامّة وللمسلمة خاصّة أن تتذكّر معركتها مع الحدود، وترفع شعار التحرّر من كلّ القيود، وتتنكّر لشرع الواحد المعبود، الذي أعطاها الحقوق الكاملة التي تتّفق مع خِلقتها وطبيعتها ودورها النّبيل الذي هيّئت له. ((أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير))”.
في هذا الكلام قسط من الحقيقة (رغم أنفه) وقسط من الكذب والتدليس. لقد صدق هذا الإسلامي عندما قال بأن هذا اليوم “يُراد فيه للمرأة عامّة وللمسلمة خاصّة أن تتذكّر معركتها مع الحدود، وترفع شعار التحرّر من كلّ القيود، وتتنكّر لشرع الواحد المعبود”، لأن تحرر المرأة، في الحقيقة، لن يمر إلا على جثة تلك الحدود والقيود والشرائع التي كبَّلت عقول النساء وأبدانهم عبر العصور، وكان نصيب المرأة منها الأوفر. بينما كذب ودلس عندما زعم أن “شرع الواحد المعبود، .. أعطاها الحقوق الكاملة التي تتّفق مع خِلقتها وطبيعتها ودورها النّبيل الذي هيّئت له”؛ وكأن منح الرجل الحق في أربع وترخيص السبي وانتهاك أعراض الأسيرات ثم القوامة والولاية والحجر والحبس يتماشى مع خِلقة المرأة “وطبيعتها ودورها النّبيل الذي هيّئت له هذا الإسلامي”. فيا له من بؤس يمكن أن تخضع له اللغة حتى يتحول معنى القبح إلى نبل!
هو لا يعرف أن الاحتفال بهذا اليوم هو في حد ذاته رمز للنضال المتواصل لكل نساء العالم يساندهن كل أحرار العالم من الرجال من أجل تجاوز كل العوائق والموروثات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تقف في وجه استكمال عملية التحرر التي انطلقت منذ عدة قرون مع بزوغ شمس الحداثة الإنسانية التي أزاحت ظلمات القرون الوسطى.
هو يعرف تمام المعرفة أن دينه الظلامي والحدود التي وضعها والقيود التي كَبَّل بها الناس والشريعة التي فرضها عليهم باعتبارها (مقدسة) منزلة متعالية على النقد والشك ارتضاها الله الكامل القادر العادل الرحيم الرؤوف لعباده، أن كل هذا لم يعد مقبولا في منظور الشرائع التي وضعها البشر حول العدل والمساواة والمواطنة والحريات المختلفة.
نعم تحرر المرأة لن يتم إلا إذا أُزِيحَت كل الحدود التي جاءت بها الشرائع المنسوبة إلى الله والتي باسمها تحولت النساء عبر العصور إلى مجرد أشياء مسخَّرة للرجل من حقه التصرف بها كما يشاء: أن يجمع في بيته أربع نساء وما استطاع إليه سبيلا مما ملكت يمينه عبر الغزو والنهب والاقتناء من أسواق النخاسة، عدا عن انتهاك الطفولة بتزويج القاصرات الذي مازال متفشيا في بقاع واسعة من العالم الإسلامي خاصة، أن يحجر على هذه (المخلوقات) بين الجدران العالية خوفا على (شرفه)، أن يمنح الرجل الحق في تأديب المتمردات على الظلم هجرا في المضاجع وضربا وحبسا بعد أن تفشل كل أساليب الترهيب والترغيب من جنة موعودة ونار سيكون أغلب أهلها من النساء، لا لشيء إلا لأنهن لا يطعن العشير (حديث شريف!!!).
نعم لقد صدق هذا الإسلامي رغم أنفه، لأن تنشئته الدينية قد حرمته من نعمة العقل والتفكير فلم يعد يرى العالم إلا من خلال الكُوّة الضيقة التي سمح له بها دينه. لكن صدقه يتوقف هنا. ليعود إلى حقيقته الأصلية: الكذب. وليس هذا غريبا عليه. الدين في حد ذاته كذبة كبيرة اخترعها البشر في عصور الجهل والعجز والخوف، وبالتالي لا يستقيم الظل والعود أعوج.
يقول في حق المحتفلات والمحتفلين بهذا اليوم، في أجواء سلمية ملؤها الحبور والفرح والسعادة والغناء والرقص والتفاؤل والاستمتاع بما لذ وطاب: “في مثل هذه المناسبة من كلّ عام تتعالى أصوات بعض الأطراف المعروفة بولاءاتها المشبوهة وإيديولوجياتها المناقضة لثوابت الأمّة وقيمها، لتُصوّر المرأة المسلمة – دون غيرها من نساء العالم- في صورة المرأة المظلومة المضطهدة..”
هنا يلجأ هذا الإسلامي إلى الوسائل النذلة التي لا يحسنها إلا أمثاله: التخوين والعمالة للأجنبي. فالمحتفلون والمحتفلات بهذا اليوم هم (أطراف معروفة بولاءاتها المشبوهة وإيديولوجياتها المناقضة لثوابت الأمّة وقيمها).
فما هي الولاءات المشبوهة التي يشنِّع عليها هذا الإسلامي؟
هل الولاء للمواثيق الدولية التي نادت بحقوق الإنسان والطفل والمرأة والعامل والأسير والمهاجر واللاجئ كما نادت بالتعايش السلمي ونبذ التمييز العنصري والديني والجنسي هو ولاء مشبوه يجب تخوينه؟
هل تبنّي قيم الحداثة بما تعنيه من مواطنة كاملة يجب أن تتمتع بها النساء على قدم المساواة مع الرجال بما يعني ذلك من مساواة في الحقوق والواجبات هو ولاء يجب تخوينه؟
ثم ما هي (الإيديولوجيات المناقضة لثوابت الأمّة وقيمها) التي تخيف هذا الإسلامي؟
نحن نعرف أن منجزات الحداثة وُوجِهَت دائما من طرف الإسلاميين بحرب شرسة منذ بداية الاحتكاك بالحداثة الغربية. لكن الإسلاميين يمتازون بمكر شديد. حرفتهم الدائمة هي الاعتراض على كل جديد فإذا غُلبوا على أمرهم التفوا عليه وراحوا يصورونه للناس على أنه من صميم دينهم، سبق إليه قرآنهم وأحاديث نبيهم، على الطريقة الزغلولية التي تجرأت على العلوم الحديثة فنسبتها إلى الموروث الديني. هكذا كان الحال مع كل الأفكار الحديثة التي صوروها في البداية على أنها أفكار مستوردة، ثم تحولت بقدرة قادر إلى حكمة من واجب المسلم أن يطلبها أنّى وجدها. هكذا تعاملوا مع منجزات الحداثة بدءا من الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام (تحريم اقتناء التلفزة) التي عارضوها ثم التفوا عليها حد الاحتكار بعد أن اكتشفوا مزاياها في الدعاية لدينهم. عارضوا دائما تحرير العبيد ثم رفعوا القول الكاذب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، عارضوا تعليم المرأة لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ثم أضافوا إليه (ومسلمة) مع أن الحديث ضعيف أصلا حتى بالنسبة للرجل المسلم فقط، عارضوا الاختلاط، عارضوا عمل المرأة، عارضوا كل خطوة نحو رفع الظلم على المضطهدين لأن الله جعل الناس طبقات ليكون بعضهم لبعض سخريا (الآية)، وها هي أغلب هذه المعارضات تختفي من خطاباتهم ليس اقتناعا بمشروعية هذه المطالب الإنسانية بل بدافع انتهازيتهم القائمة على توخي المكر والتحايل والخداع حتى يقنعوا النساء بالتصويت لهم والمشاركة في مظاهراتهم وضغوطهم على المجتمعات والدول سعيا للاستيلاء على الحكم وإقامة خلافتهم القروسطية. ولقد نجحوا في هذا أيما نجاح وجرُّوا وراءهم جحافل المخدوعين بأوهامهم من النساء والرجال ليتسببوا في هذه الفوضى العدمية، ولهذا يصور هذا الإسلامي مطالب النساء بأنها “أصوات بعض الجمعيات النّسوية المجهريّة التي لا يُسمع بها إلا في وسائل الإعلام وفي المناسبات الخاصّة”.
“(الإيديولوجيات المناقضة لثوابت الأمّة وقيمها)” التي يقصدها هذا الإسلامي هي منجزات الحداثة التي عارضوها دائما: الاشتراكية، الديمقراطية، اللبرالية، التعددية السياسية والفكرية والدينية، حقوق الإنسان، الحريات، وغير ذلك، وكأن هناك ثوابت خاصة بكل أمة باقية بقاء الدهر لا يطرأ عليها أي تغيير أو تعديل أن تجاوز.
يواصل هذا الإسلامي أسلوبه التخويني فيقول عن الجمعيات النسائية المطالبة بحقوق المرأة بأنها “جمعيات تصف ثوابت الشّريعة بأحكام القرون الوسطى وتطالب بإلغائها، جمعيات تؤزّرها أيادٍ خارجيّة آثمة، تصوّر للمرأة أنّ الحجاب والأمومة والتّسليم بقوامة الرّجل وولاية الأب أو الأخ، عبوديّة لا تليق بزمن التحرّر والمساواة، وتُغريها بأن تكون مسؤولة عن نفسها في زواجها وعملها وكلّ شؤونها، حرّة في اختيار لباسها وعلاقاتها مع النّساء والرّجال، وحرّة في الأماكن العامّة والخاصّة التي ترتادها والأوقات التي تخرج وتدخل فيها إلى بيت أبيها أو زوجها، لا يُفرّق بينها وبين الرّجل في الشّهادة والميراث والحقّ في العمل وتقلّد المسؤوليات..”.
على كل حال لم يظهر عندنا إلى حد الآن جمعيات من هذا القبيل “تصف ثوابت الشّريعة بأحكام القرون الوسطى وتطالب بإلغائها”. أمّا ظهر منها فهي تطالب وباحتشام شديد بضرورة فتح باب الاجتهاد حول أوضاع الأسرة والمرأة والتحايل على جمود الشريعة من أجل تجاوز الكثير من الأحكام الجائرة التي تجاوزها الواقع. وحبذا لو بلغت جمعياتنا النسائية وغير النسائية هذا المستوى من الجرأة فتصف أحكام الشريعة بأنها فعلا أحكام القرون الوسطى ويجب إلغاؤها. بل يجب المطالبة بمحاكمة المدافعين عن بقائها باعتبارهم مجرمين في حق الإنسانية مكانهم السجون، أو في أحسن حال، مصحات الأمراض النفسية والعقلية. وعند الاستحالة يجب فضحهم لدى هيئات الأمم المتحدة المهتمة بجرائم العنصرية وغيرها من جرائم المساس بحقوق الإنسان.
هذا الإسلامي الذي ختم التعليم الديني على عقله لا يمكن أن يفهم “أن الحجاب والتّسليم بقوامة الرّجل وولاية الأب أو الأخ” هي فعلا “عبوديّة لا تليق بزمن التحرّر والمساواة”. بل حتى هذه المصطلحات المهينة العائدة إلى مخزونه الديني لا تليق بزمن التحرر والمساواة: الحجاب، القوامة، الولاية… إنه يستغرب بحماقة لا يتصف بها إلا إسلامي لا يربطه رابط مع منجزات الحضارة الحديثة أن “تكون (المرأة) مسؤولة عن نفسها في زواجها وعملها وكلّ شؤونها، حرّة في اختيار لباسها وعلاقاتها مع النّساء والرّجال، وحرّة في الأماكن العامّة والخاصّة التي ترتادها والأوقات التي تخرج وتدخل فيها إلى بيت أبيها أو زوجها، لا يُفرّق بينها وبين الرّجل في الشّهادة والميراث والحقّ في العمل وتقلّد المسؤوليات..”.
الغريب ألا يكون الإسلامي على هذه الصورة، بعد أن يكون قد تخرج من مدرسة الوهابية البغيضة. نقرأ لابن باز حول هذه المسألة: “ليس لها الخروج إلا بإذن زوجها، يحرم عليها أن تخرج إلا بإذن زوجها، ولو كانت في تعزية لأهل ميت أو عيادة مريض أو لأهلها ليس لها الخروج إلا بإذنه، عليها السمع والطاعة…”
http://www.binbaz.org.sa/noor/10767
لا وجود في قاموسهم للمرأة العالمة، المعلمة، القاضية، الطبيبة، الكاتبة، المناضلة.. التي تمارس مواطنتها بكل ما تعنيه المواطنة من حقوق وواجبات. المرأة في قاموسهم يجب أن تكون قاصرة وتضل قاصرة من المهد إلى اللحد حتى يسهل عليهم تمرير همجياتهم عليها.
ثم ينتقل من تخوين الجمعيات النسوية إلى التشنيع على “الأوساط الرّسمية” التي تسارع “إلى الرّضوخ لنزواتها وتلبية مطالبها” و”عرضها لمشروع تعديل قانون العقوبات يوم الاثنين الماضي أمام البرلمان، لأجل تشديد العقوبات على “العنف ضد المرأة” ، فيا لها من مصيبة ألمت بالأمة!!! كيف يعقل أن تصدر الدولة الجزائرية قانونا يمنع “الأزواج من ضرب وتعنيف الزّوجات”!!!
بناء على هذا يتساءل كاتبنا الهمام: هل وجدت المرأة الغربيّة القدوةُ (يقصد التي تقتدي بها المرأة عندنا) السّعادةَ حتّى تجدها المقلّدات الإمّعات من نسائنا؟
ويجيب: “لقد أُغريت المرأة هناك كما تُغرى هنا الآن، وخُدعت بالشّعارات البرّاقة التي صفّقت لها عشرات السنين، لكنّها اكتشفت أخيرا أنّها خُدعت خديعة كبرى، وأدركت أنّ حريتها التي أريدت لها لم تكن إلا لتصبح متعة للرجل، زينة مكتب ودمية عرض وسلعة إشهار، وخليلة تقضى معها الأوقات وترمى على قارعة الطّريق كما ترمى السيجارة لتدوسها الأقدام، اكتشفت المرأة الغربية العاقلة أنّ حصاد حريتها المزعومة كان أمرّ من العلقم، حيثُ فقدت سعادتها البيتيّة وأمومتها الحانية وأضاعت شخصيتها، وغدت تشعر بأنّها جسد بلا روح ومخلوق بلا هدف. ما جعلها تزهد في هذه الحرية الخادعة، وتطالب بالعودة إلى حياة الأسرة والأمومة”.
“هكذا تَستقبل المرأة الغربيّة العاقلة اليوم العالميّ لها، في الوقت الذي تستقبله المتحرّرات عندنا بإعلان النّفير العامّ ضدّ ما تبقّى من أحكام ترتبط بالشّريعة الإسلاميّة في قانون الأسرة والأحوال الشّخصيّة” “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُون”.
هكذا يكذبون مصداقا لقول ذلك النازي الشهير (غوبلز): “اكذبوا، اكذبوا، سيبقى دائما قدر من هذا الكذب”!!! يمكن خداع الناس به.

About عبدالقادر أنيس

كاتب جزائري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

One Response to كَذِبَ الإسلاميُّ ولو صَدَقَ تجاه المرأة

  1. س . السندي says:

    خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟

    ١: الرد على أمثال هؤلاء المنافقين المفلسين المنهزمين أمام حقائق التاريخ والواقع يحتاج الى أكثر من مقال ؟

    ٢: يقول فولتير بحق هـولاء المتأسلمين { إنهم يثيرون الشفقة قبل الاشمئزاز والسخرية } ومن يتنكر لقيم الغرب معتوه أو مجنون ، فهم كمن لإيرى علة في قصر غير مرحاضه ؟

    ٣: هـولاء الإسلاميين الذين شوهت خرافات غار حراء عقولهم معذورين ، ومعذورين أكثر من يجعلون من إلههم قواداً لإرهابيين وحور عين والامر بقتل وإغتصاب المسبيين وهم على أنفسهم لا يقبلونه ، أنه منطق من لا عقل له ولا ضمير ؟

    ٤: لنعد لايام الخمسينيات والستينات في كل الدول المستعربة والامر ليس بالبعيد على الكثيرين ، كيف كانت المرأة محترمة في المجتمع ومن قبل الملوك والحكومات ورجال الدين ، حتى كانت رائدة في المدارس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات وحتى في مجالس النواب والوزارات دون حجاب أو نقاب ، وليتساءل هـؤلاء المعتوهين بمنطق العقل مالذي جرى وما الذي تغير ، هل تغير الدين أم تغير الامير والحمير ؟

    ٥: وأخيراً …؟
    شاء هـؤلاء المسوخ أم أبو فالمرأة والإنسانية في طريقها للتحرر والانعتاق من سطوتهم ، ومصيرهم ومصير معتقداتهم العفنة مزابل التاريخ إن عاجلاً أو أجلاً ، لأن شلالات المعرفة قد عرَّت كل حماقاتهم ودجلهم وكل شَيْء لديهم ، وما عليهم إلا الاستسلام أو الانتحار ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.