كيري والمتنبي

الشرق الاوسط

سوف يبدو هذا الاعتراف دليلا عل انعدام المهنية الحقيقية. وأنا أعتذر، لأنه كذلك. فأنا لا أقرأ نصوص معظم التصريحات السياسية، ولا أكبد النفس أن «أقرأ فيها»، ولا أتعب نفسي في التحليل وأرفض صفة المحلل السياسي لأنها غالبا مهنة من لا مهنة له. وأعتذر. لم أفاجأ بتصريحات جون كيري في النرويج، لأنني لم أكن قد قرأت تصريحاته في أي بلد آخر. لا وهو سيناتور، ولا وهو وزير. وفيما فوجئ الجميع بانقلاب المستر كيري على نفسه وعلى رئيسه وعلى أسلافه، حمدت الله على عدم المهنية والامتناع عن قراءة النص الكامل لأي ثرثرة. كيري أو سواه.

كنت قد قرأت مقالا قبل ثلاثة أسابيع في «الميامي هيرالد» يقول كاتبه إن السيناتور كيري طرح في اللقاء الأول والثاني مع الرئيس بشار الأسد السؤال التالي نصه: لماذا لا يثق الرؤساء العرب بأي عهد أو وعد تقطعه.

لا يروي الكاتب بماذا أجاب الرئيس السوري إلى السيناتور الذي طالما أخذ على عاتقه، أيام مجلس الشيوخ، بأنه سوف يقنع الأسد بتغيير سياساته حيال الأمم، جميعها. ولكن يبدو أن لأوسلو أثرا عجيبا في إخراج الناس عن مسارهم. فكما خرج ياسر عرفات من مؤتمر مدريد الوطني إلى كوخ أوسلو السري، هكذا أعلن المستر كيري من برودة أوسلو وجليدها، تغير موقف أميركا من اتفاق جنيف. الآن، المستر كيري، يقدم للاتفاق التفسير الذي طالما تمسك به، تعرفون مَن. أجل، سيرغي. سيرغي لافروف.

بعد تصريح المستر كيري في النرويج، العاصمة السرية للشرق الأوسط، عدت إلى قراءة نصوص البيانات والتصريحات الأميركية حول سوريا خلال العامين الماضيين. تستطيع جنابك أن تطالعها على موقع «ميامي هيرالد» أيضا إذا كنت ترى في نفسك الحاجة إلى ذلك. وسوف تخرج إلى النتيجة نفسها. وهي أن السياسة، مثل القتال، غثيان. لمن كان باراك أوباما وهيلاري كلينتون وليون بانيتا وجو بايدين وجون كيري يتحدثون في العامين الماضيين؟ على مَن كانوا يكذبون؟ على الشعب الأميركي أم على الشعب السوري أم على العالم أجمع؟

ابذل هذه المحاولة البسيطة. حاول أن تقرأ «البيانات الرسمية وكلام الناطقين والناطقات». لماذا؟ تتعلم ألا تقرأ بعد اليوم كلاما سياسيا ثم تبني عليه. كفى بك داء أن ترى الموت شافيا، قال المتنبي في رحلته بين وعود السياسيين. إذا لم تقرأ مجموع تصريحات جون كيري، فلا تلم إلا نفسك. لن تشفى. اسمع مني وبكل صدق أقول، اقرأ جون كيري قبل وجون كيري بعد، وسوف تعرف لماذا أحب الأدب ولا أحب ثرثرة التأكيد وثرثرة النفي وثرثرة التوضيح. وكان أشهر تصريح لوزير خارجية أميركا أنه سيجعل الأسد «يفهم أنه خارج العصر ويجب أن يكون خارج السلطة».

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.