كأس العالم… فضيحتنا الكبرى!

بقلم سناء العاجي/
فرنسا تفوز بكأس العالم.
ليست لدي الكفاءات المعرفية لمناقشة المستوى التقني والرياضي للمنتخب الفرنسي الفائز. لكن بعض النقاشات التي طرحها هذا الفوز تستحق منا التأمل.
كم النكت والنقاشات حول كون إفريقيا هي من فازت بالكأس، بالنظر لعدد اللاعبين الأفارقة في المنتخب الفرنسي، يستدعي منا قليلا من الرصانة في النقاش.
مبدئيا، هذا المزيج المتنوع في الفريق الفرنسي يطرح بشكل جدي سؤال الهجرة والعنصرية في فرنسا. التشكيلة الحالية للمنتخب الفرنسي تطرح أسئلة عميقة وجدية على اليمين المتطرف الفرنسي، لأنها تواجهنا بحقيقة واضحة: تميز فرنسا الحالي على عدة مستويات، يرجع لأسباب كثيرة ليست الهجرة بغريبة عنها. تشكل الهجرة والمهاجرون أحد العوامل الأساسية لتميز فرنسا، ليس في كرة القدم فقط بل في مجالات عديدة.
أغلب مكونات المغرب المجتمعية ما زالت ترفض وجود المهاجرين وتتعامل معهم بعنصرية
لكن هذا السؤال يجب أن يستفزنا في عمق بنياتنا الاجتماعية، لأن أغلب دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط لا تسمح بنفس الاختلاط في بنياتها المجتمعية ولا تمنح حق الحصول على جنسياتها إلا في حالات نادرة.
لنتأمل أعداد المهاجرين الذين يشتغلون في الخليج لسنوات طويلة جدا. هل سيستفيد هؤلاء من نفس حقوق المواطنة لسكان البلد الأصل، حتى بعد مرور عشرين سنة على إقامتهم في البلد المضيف؟ هل يحصل أبناؤهم على جنسية بلد الإقامة؟ هل يمكن تخيل المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين “الوافد” وبين “أهل البلد وأصحاب البترول”؟
من جهته، تحول المغرب اليوم من بلد عبور بالنسبة للمهاجرين إلى بلد استقرار بالنسبة للكثير منهم. لكن، للأسف، أغلب مكوناته المجتمعية ما زالت ترفض وجود المهاجرين في المغرب وتتعامل معهم بعنصرية (نفس العنصرية التي قد ينبذها المواطن المغربي، عن حق، في بلدان أوروبا وأميركا).


في المقابل، ففي فرنسا وفي بلدان أوروبية كثيرة، يمكننا أن نقابل في الفصل المدرسي وفي الجامعة وفي المترو وفي الإدارة فرنسيين من أصول إفريقية وآسيوية وأوروبية. هؤلاء، رغم بعض أشكال العنصرية والتي في الغالب لا تكون ممأسسة، يستفيدون من نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
هل يمكننا مثلا أن نتخيل في الكويت أو السعودية فصلا دراسيا يختلط فيه الفيليبيني بالمصري بابن البلد؟
هل يمكننا، في المغرب، أن نسمح لأبناء المهاجرين السنغاليين والماليين وغيرهم بالترشح في الانتخابات وتقلد مناصب المسؤولية، كما يتولى العديد من المغاربة مناصب المسؤولية التشريعية أو التنفيذية في عدد من البلدان الأوروبية؟
هل يمكننا أن نتخيل، بعد جيل، فريق كرة قدم مغربي أو قطري، يلعب فيه أبناء المهاجرين وهم حاصلون على جنسيات البلد؟ (الحديث هنا لا يتعلق باستقدام لاعبين أجانب وتجنيسهم بل بإدماج لاعبين ولدوا ونشأوا في البلد وهم من أصول أجنبية).
الهوس برئيسة كرواتيا يترجم شكلا من أشكال المرض النفسي
هذه هي الحقيقة التي يجب أن يطرحها أمامنا التعدد والغنى الهوياتي للمنتخب الفرنسي. إن فرنسا، رغم ما قد ننتقده في سياساتها، استطاعت تحقيق الغنى الهوياتي لتستفيد منه وتفوز بكأس العالم في كرة القدم، لكن أيضا لكي تحقق أشكالا أخرى من التطور الاجتماعي والاقتصادي والصناعي.
في نقطة أخرى مرتبطة بكأس العالم، لنتأمل انتشار صور الرئيس الفرنسي ورئيسة كرواتيا، وما رافق ذلك من الإيحاءات الجنسية. هل نحن، إلى هذا الحد، عاجزون عن تخيل علاقة إنسانية بين رجل وامرأة، تخلو من الجنس؟
الواقع أن كل الهوس برئيسة كرواتيا خلال المونديال يترجم شكلا من أشكال المرض النفسي وانفصام الشخصية. لنتأمل فقط كيف أن كثيرين عبروا عن إعجابهم بصورها وهي تعانق أعضاء فريق منتخب بلدها، بينما قد يرجمون ويعنفون ويتهمون بالعهر كل امرأة من بلدانهم تقوم بنفس السلوك. لنتأمل كم “الإعجاب” بشكلها وبملابسها وبجسدها، في مجتمعات هوسها تحجيب المرأة. لنتأمل كم الانبهار بها في مجتمعات تختزل الرجولة في تغطية جسد المرأة. لنتأمل كل الصور والفيديوهات التي تم تناقلها عنها، في مجتمعات تؤمن أن المرأة ناقصة عقل ودين وأن “ما أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة”. مجتمعات تعتبر المكان الطبيعي للمرأة هو البيت لتربية أطفالها وغسل ملابس زوجها.
لنتأمل كل هذا التناقض في علاقتنا بالتعدد الهوياتي وبالمرأة، لكي ندرك كم صفعة وكم مواجهة مع الذات نحتاج، لكي نستفيق من خدر الشعارات الرنانة.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.